العنصرية في ميزوري... خطوة إلى الوراء في حقوق الإنسان

 

شبكة النبأ: قضية مقتل الشاب الأميركي الأسود مايكل براون (18 عاما)، على يد شرطي من ذوي البشرة البيضاء في بلدة فرغسن في ولاية ميزوري الاميركية، والتي كانت سببا بحدوث موجة من الاحتجاجات واعمال الشغب في المنطقة، لا تزال محط اهتمام الكثير خصوصا وان هذه القضية ربما تكون قد نفذت بدوافع عنصرية كما يقول بعض المراقبين، والتميز العنصري مشكلة لا تزال قائمة في الولايات المتحدة التي تعود جذورها إلى مئات الأعوام.

حيث يشكل الأميركيون من أصول إفريقية، نحو 14% من سكان البلاد، ويعتقد الكثير منهم أن العنصرية ضدهم، لم تنته بعد، الأمر الذي أكده تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما أول رئيس من أصول إفريقية بأن "هناك الكثير من الشباب ذوي البشرة الملونة مهملون وينظر إليهم باعتبارهم موضع خوف فقط.

وقد ادت هذه الحادثة الى تصاعد حدة التوتر في المدينة خصوصا وان عناصر الشرطة قد سعت الى استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين وهو ما قد يسهم بتفاقم الاحداث ويوسع دائرة العنف خصوصا وان مثل هكذا اعمال القتل والاعتقال تنفذ بشكل مستمر ضد السود، قد شهدت مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا موجة احتجاجات عام 1992 عقب تبرئة شرطي قتل شابا أسودا يدعى "رودني كينغ"، رغم تسجيلات الفيديو التي أظهرت كيفية اعتداء الشرطي بالضرب على كينغ حتى الموت، حيث استمرت حركة التمرد 6 أيام، وتخللها مقتل 53 شخصا، وإصابة الآلاف، فضلا عن خسائر مادية تجاوزت مليار دولار، وانتهت الأحداث مع تدخل الجيش لإخماد الاضطرابات.

جنازة الشاب الاسود

وفي هذا الشأن شارك الآلاف في جنازة الشاب مايكل براون الذي قتل على يد شرطي في بلدة فرغسن في ولاية ميزوري الاميركية بعد اسبوعين شهدا احتجاجات واسعة وتجدد خلالهما الجدل حول العنصرية وتطبيق النظام في الولايات المتحدة. وبالرغم من عودة الهدوء الى فرغسن بعد ايام من التظاهرات، التي شهد بعضها اعمال شغب، اتخذت تدابير امنية مشددة بمناسبة الجنازة.

وتتهم الشرطة براون بسرقة علبة سجائر من متجر.

واطلق ولسون النار عليه واصابه بست رصاصات. وتم تداول روايات عدة عما حصل فعليا لبراون حيث تحدثت مصادر في الشرطة عن محاولة الشاب اخذ سلاح الشرطي فيما اكد شهود عيان، من بينهم صديق براون الذي كان معه اثناء الحادث، انه كان مستسلما حين تعرض لإطلاق النار.

وتظاهر في الحر الشديد حوالى 400 شخص لإحياء ذكرى براون. وارتدى العديد منهم قمصانا كتب عليها "ارفعوا ايديكم، لا تطلقوا النار". وشارك في التظاهرة والدا براون كما والد ترايفون مارتن، الشاب غير المسلح الذي قتل ايضا على يد حارس احد الاحياء في فلوريدا في 2012.

ودعا والد براون الى الهدوء احتراما لذكرى ابنه. وقال " كل ما اريده هو السلام اثناء دفن ابني. هل يمكن ان يمر اليوم بهدوء حتى يكون بمقدورنا دفن ابننا".

وفي نيويورك تظاهر الالاف في ستايتن آيلند، بقيادة شاربتون، احتجاجا على مصرع اريك غارنر الذي قام شرطيون في 17 تموز/يوليو الماضي بطرحه ارضا عندما حاول مقاومتهم اثناء اعتقاله للاشتباه في قيامه ببيع السجائر بصورة غير قانونية. وفي شريط فيديو صوره احد الهواة يظهر رجل شرطة يضغط على رقبة غارنر (43 سنة) البدين والمصاب بحساسية ربو الذي شكا اكثر من مرة من انه لا يستطيع التنفس قبل ان يغيب عن الوعي وتعلن وفاته في المستشفى.

واثار مقتل براون الغضب من قوات الشرطة التي لجات الى استخدام العنف في مواجهة المتظاهرين ما اشعل موجة من اعمال الشغب غير المسبوقة منذ سنوات عدة واسفر عنها اعتقال حوالى 60 شخصا. وتنظر هيئة محلفين في سانت لويس في احتمال توجيه اتهامات للشرطي دارن ويلسون (28 عاما) وهو الآن في اجازة مدفوعة.

وفي حديث الى شبكة سي ان ان قال محافظ ميزوري جاي نيكسون انه "واثق" من ان التحقيقين اللذين تجريهما الشرطة المحلية والسلطات الفدرالية سيتوصلان الى تحقيق العدالة. وخلال اسبوعين من التظاهرات التي تحول بعضها الى اعمال عنف استخدمت الشرطة معدات من بينها بنادق وصواعق وعربات مدرعة، ما اثار انتقادات واسعة من لجوء الشرطة الى العنف.

وارسل الرئيس الاميركي باراك اوباما وزير العدل اريك هولدر الى فرغسن حيث حاول تهدئة السكان. وامر اوباما في وقت لاحق بالتحقق من البرامج الفدرالية لبيع المعدات العسكرية الى قوات الشرطة المحلية والنظر في ما "اذا كانت ملائمة" والتدريبات عليها كافية وما اذا كان الاشراف الفدرالي عليها ايضا كافيا.

والتقى وزير العدل الأمريكي إريك هولدر والدي الشاب القتيل مايكل براون (18 عاما) ووعدهم بأن ادارته ستجري تحقيقا شاملا في القضية التي أعادت إشعال الجدل بشأن معاملة النظام القضائي الأمريكي للأمريكيين من أصل أفريقي. ونقلت وسائل الإعلام الأمريكية عن هولدر قوله خلال اجتماع مع السكان "أنا وزير العدل في الولايات المتحدة ولكنني ايضا رجل أسود .. وبوسعي أن أتذكر أن الشرطة أوقفتني مرتين في الطريق الرئيسي السريع في نيوجيرزي واتهمتني بالسرعة وأوقفت سيارتي إلى جانب الطريق." بحسب رويترز.

والتقى هولدر -وهو أول أمريكي من أصول أفريقية يتولى وزارة العدل- طلابا وزعماء رأي في المدينة. وأطلقت وزارة العدل الأمريكية تحقيقا فيما اذا كان يجب على المدعين الاتحاديين توجيه اتهامات جنائية إلى دارين ويلسون ضابط الشرطة الذي أطلق النار على براون. وقال بوب ماكولوك وهو المدعي لمقاطعة سانت لويس التي تضم مدينة فيرجسون إن مكتبه سيستمر في تزويد تحقيق هيئة المحلفين العليا المستقلة بالتحقيقات.

السود والبيض في فرغسن

الى جانب ذلك افاد استطلاع نشر الجمعة ان ليس لدى البيض والسود في الولايات المتحدة النظرة نفسها الى دور الشرطة والمحققين في فرغسن (وسط) حيث قتل شرطي ابيض شابا اسود ما اثار اضطرابات. وترى اغلبية من السود (57%) ان مقتل مايكل براون (18 سنة) برصاص الشرطي دارين ويلسون "لا مبرر له" في رأي تشاطره اقلية من البيض (18%) رغم ان (68%) من هؤلاء يقولون ان ليس لديهم ما يكفي من المعلومات لاتخاذ موقف، كما اوضح الاستطلاع الذي اجرته صحيفة نيويورك تايمز وقناة سي بي اس نيوز.

وفي المقابل ترى اغلبية من البيض (67%) ان تحركات المتظاهرين الذين اعتقل بعضهم بتهمة النهب واعمال الشغب، "ذهبت بعيدا" في حين لا يرى ذلك سوى 43% من السود. ويرى نصف السود (50%) ان رد الشرطة التي تعرضت لانتقادات للإفراط في عنفها، "غالبا ما ذهبت بعيدا" في حين يرى 27% من البيض فقط الشيء نفسه ويعتقد 36% منهم انها تصرفت كما ينبغي. في حين ان ثمانين بالمئة من السود و65% من البيض، يوافقون على ان تبقى التجهيزات العسكرية (بنادق هجومية ودبابات...) التي استخدمتها الشرطة ضد المتظاهرين في بعض الليالي، مقتصرة على الجيش. بحسب فرانس برس.

ومن بين السود لم يعرب سوى 11% عن شعوره بثقة "كبيرة في السلطات المحلية للقيام بتحقيق "عادل" بينما لا يثق فيها "كثيرا" 32% و27% "لا يثقون فيها تماما"، بينما هناك 31% من البيض يثقون "جدا" فيها وفقط سبعة في المئة "لا يثقون تماما" فيها، وقد اصدرت الشرطة المحلية بيانا غامضا حول التحقيق بينما يعتبر المدعي العام المحلي مطعونا فيه.

العنف العنصري

في السياق ذاته قالت المفوضة السامية لحقوق الانسان بالأمم المتحدة إن الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين في مدينة فيرجسون الأمريكية تعيد للأذهان العنف العنصري الذي تولد عن التفرقة العنصرية في بلدها جنوب افريقيا. وحثت نافي بيلاي السلطات الأمريكية على التحقيق في المزاعم عن وحشية وان تتحرى عن "الاسباب الجذرية" للتمييز العنصري في امريكا.

ودعا مشرعون امريكيون الى الهدوء والتغيير في أساليب الشرطة في فيرجسون بولاية ميزوري التي هزتها اشتباكات واعمال عنف اتسمت بالعنصرية بعد مقتل مراهق اسود اعزل برصاص ضابط ابيض. وقالت بيلاي في مقابلة بمكتبها المطل على بحيرة جنيف "ادين الاستخدام المفرط للقوة من الشرطة وادعو الى احترام حق الاحتجاج. الولايات المتحدة دولة محبة للحرية وحق الناس في الاحتجاج امر يجب عليهم رعايته."

واضافت "بعيدا عن ذلك.. دعوني اقول ان مجيئي من (عهد) العنصرية في جنوب افريقيا يمنحني خبرة طويلة عن كيفية تولد الصراع والعنف من العنصرية والتمييز العنصري." وتابعت "هذه المشاهد مألوفة بالنسبة لي وكنت أفكر تحديدا في أنه توجد اجزاء كثيرة من الولايات المتحدة يشيع فيها الفصل العنصري." واشارت الى أن الامريكيين من اصل افريقي هم غالبا ضمن افقر المواطنين الأمريكيين وأكثرهم ضعفا ويمثلون كثيرا من النزلاء في سجون البلاد المكتظة. واضافت "الفصل العنصري يكون حيث يغض القانون الطرف عن العنصرية."

واصبحت مشاهد الشرطة الأمريكية المدججة بالسلاح ثم قوات الحرس الوطني وهي تتصدى للمتظاهرين مادة يومية على شاشات التلفزيون في انحاء العالم وليس فقط في دول تتهمها الولايات المتحدة بانتهاكات لحقوق الانسان. وانتهزت حكومات ضجرت من انتقادات واشنطن والمفوضية العليا لحقوق الانسان احداث فيرجسون لتذيق امريكا من نفس الكأس. وحثت مصر الشرطة الأمريكية على "ضبط النفس" ووصفت ايران واشنطن بأنها "أكبر منتهك" في العالم لحقوق الانسان واقترحت وسائل الاعلام الصينية الحكومية على امريكا ان تنظر في افعالها قبل ان "تشير بالاصابع للآخرين". بحسب رويترز.

وقالت بيلاي "لا توجد دولة في العالم لديها سجل مثالي لحقوق الانسان ولا تظهر لديها قضايا من تلك الانواع." واضافت "في الدول الأخرى.. هذا ما أحث عليه.. انه لابد من معالجتها على نحو ملائم.. سواء في مصر او الصين او أي دولة أخرى يجب ان تكون لديك محاكمات نزيهة وأن توفر دفاعا سليما ولا يجب ان تكون التهم زائفة."

كلاب مسعورة

على صعيد متصل أوقف شرطي في ميزوري عن العمل بعد وصفه على "فيس بوك" المتظاهرين بمدينة فيرغسن الأمريكية (ولاية ميزوري) بـ "الكلاب المسعورة"، وتساءل: "أين هم المسلمون مع "حقيبة ظهر" عندما نحتاج إليهم؟"، في إشارة إلى منفذ الاعتداء في ماراتون بوسطن. وكتب الشرطي قائلا: "شعرت بالاستياء من هؤلاء المتظاهرين. أنتم عبء على المجتمع وآفة في هذه المنطقة"، مضيفا: "كان من الضروري ضرب هؤلاء المتظاهرين مثل الكلاب المسعورة في الليلة الأولى". وتساءل: "أين هم المسلمون مع حقيبة ظهر عندما نحتاج إليهم؟"، ملمحا بذلك إلى منفذ الاعتداء في ماراتون بوسطن. بحسب فرانس برس.

وهذا هو الشرطي الثاني في منطقة سانت لويس (تقع برغسن في نطاقها الإداري) الذي يتم وقفه عن العمل بسبب تصرف غير لائق في إطار التظاهرات. وكتبت شرطة غليندايل في بيان: "أخذت هذه القضية على محمل الجد وسيجرى تحقيق داخلي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آب/2014 - 1/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م