داعش في قلب الشرق الأوسط .. توسع مضطرد من يردعه؟

 

شبكة النبأ: يعتمد تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) على عدة عناصر أساسية مكنته من التوسع والسيطرة على مناطق واسعة بين سوريا والعراق لعل أبرزها:

1. الدعاية الجهادية التي استخدمها أنصار التنظيم على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي جذبت العديد من المتعاطفين مع نهج وتوجهات التنظيم التوسعية.

2. الإرهاب بالعنف والتطرف الذي ذهب الى أقسى ما يمكن وصفة، بعد ان فاق (في دموية) جميع التنظيمات الجهادية والحركات المتشددة ذات الطابع التكفيري، الامر الذي عزز شعور التفوق لدى اتباعه، مقابل الخوف والضعف عند خصومة والمستهدفين.

3. تنمية مصادر التمويل، وهو امر ضروري وحيوي بالنسبة لقادة وامراء داعش، بعد ان كان التنظيم يقتصر على خطوط الدعم المالي عن طريق التبرعات والفدية والضرائب، بات اليوم يشكل ثقلا ماليا كبيرا، بإضافة ابار النفط (في العراق وسوريا) وعمليات التهريب، وسرقة المصارف (مليار دولا تمت سرقتها من مدينة الموصل وحدها).

4. انضمام الالاف الأجانب تحت راية التنظيم، من أكثر من خمسين دولة حول العالم، نوعت مصادر التنظيم لاستخدامهم في شتى المجالات والاختصاصات، الامر الذي عزز من خبراته العسكرية والإعلامية والاقتصادية...الخ.

5. وجود بيئة امنة في العراق وسوريا (بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية المرتبكة في كلا البلدين)، الامر الذي سهل اختراق الحدود، إضافة الى تمكن مقاتلي التنظيم السيطرة على مناطق واسعة في كلا البلدين.

بالمقابل، فان الانتشار الذي يسعى اليه التنظيم، ويحاول من خلاله الغاء خطوط سايكس-بيكو المرسومة عند تخوم الدول عام 1916، كما يرى محللون، ابعد من الواقع الذي تستطيع داعش تحقيقه، سيما وان فتح العديد من الجبهات العسكرية قد ينهك قدرة مقاتليها على الاستمرار في القتال والانتقال الى ساحات جديدة، إضافة الى مدى تحملها لتكلفة العمليات العسكرية في سوريا والعراق والخليج ولبنان وصولا الى البحر المتوسط.

يضاف الى ما تقدم، ان المجتمع الدولي، الذي كان يغظ الطرف عن توسع وانتشار التنظيم في السابق، أصبح اليوم أكثر واقعية من السابق، وهو يحاول السير بخطوات سريعة توازي الانتصارات السريعة التي حققها التنظيم في العراق وسوريا، مما يعني، في حال حصول توافق دولي للقضاء على التنظيم، المزيد من الضغط الدولي (العسكري والاستخباري والاقتصادي) الذي من الصعب ان يصمد امامة أي تنظيم مهما كان قويا. 

تهديد مستمر

في سياق متصل وبعد أن لاقت سخرية في بداية الأمر بنت القوة الجديدة لنفسها وجودا قويا وربما دائما في الشرق الأوسط بعدما سيطرت على ثلث العراق ودفعت الولايات المتحدة لتوجيه أول ضربات جوية في العراق منذ انسحابها منه عام 2011، ومن غير المرجح أن يؤدي القصف الأمريكي لمقاتلي الدولة الإسلامية إلى قلب الوضع في العراق الذي يشهد حالة من الانقسام مما أعطى الخلافة المعلنة من جانب واحد الفرصة لإقامة معقل للجهاد في قلب العالم العربي، ويقول محللون من داخل منطقة الخليج وخارجها إنه لكي تتسنى مواجهة الدولة الإسلامية التي تجتاح قرى في شرق سوريا وغرب العراق ينبغي إقامة تحالف دولي برعاية الأمم المتحدة.

وبات الجيش الجهادي (الذي لم يكن طموحه بإقامة خلافة بين نهري دجلة والفرات يؤخذ على محمل الجد من جانب خصومه) ينعم بالثقة متسلحا بالدم والثروة، ويستغل مقاتلو الخلافة الجديدة المشاكل الطائفية والقبلية في المجتمع العربي لدفع المجتمعات المحلية إلى الاستسلام مستغلين تردد واشنطن والغرب في التدخل بشكل أكثر قوة في الحرب الأهلية في سوريا، وبخلاف تنظيم القاعدة الذي كان يقوده أسامة بن لادن والذي وضع نصب أعينه تدمير الغرب فإن الدولة الإسلامية لديها مطامح في السيطرة على الأراضي وإنشاء بنى اجتماعية تتحدى اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمت عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا وقسمت الإمبراطورية العثمانية ورسمت حدودا في أنحاء العالم العربي.

وينبع قرار الرئيس باراك أوباما بالعودة إلى الخوض في المستنقع العراقي بعد نحو ثلاثة أعوام من انسحاب القوات الأمريكية بتوجيه ضربات جوية محدودة في الأيام الماضية لأسباب منها حالة الجمود على صعيد سوريا، ويقول محللون إن الامتناع عن تسليح المعارضة السورية التي يغلب عليها السنة أدى إلى فتح المجال أمام تنظيم الدولة الإسلامية الذي صعد الآن على أكتاف العراق المنكسر ورفع علمه الأسود على البلدة تلو البلدة، وقبل ما يقرب من عام عدل أوباما في اللحظة الأخيرة عن قرار بتوجيه ضربة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد وسط اتهامات لجيشه بشن هجمات باستخدام غاز الأعصاب على جيوب للمعارضة، ويعتقد الكثيرون أن قرار أوباما كانت له تداعيات كبيرة على سوريا والعراق المجاور، فقد أدى ذلك إلى انتعاش الأسد وساعد في سحق المعارضين المعتدلين في سوريا وتمكين المتشددين الإسلاميين الذين صاروا قطبا جاذبا للسنة في سوريا والعراق.

وسيطر مقاتلو الدولة الإسلامية المدججين بالسلاح والممولون بشكل جيد على مساحات شاسعة من الأراضي في هجوم هذا الصيف بينما تفتت الجيش العراقي وتبعته الآن قوات البشمركة الكردية في الشمال الخاضع لحكم ذاتي كردي في مواجهة تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية الذين قاموا بذبح الشيعة والأقليتين المسيحية واليزيدية أثناء تقدمهم، وترافقت الحملة العسكرية مع لقطات مصورة وضعت على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر عمليات صلب وضرب أعناق وغير ذلك من الفظائع، وبالنسبة للكثيرين فإن عمل الدولة الإسلامية هو قتل الكفار وهي تقوم به أفضل من أي من التنظيمات التي سبقتها بما في ذلك تنظيم القاعدة الذي نبذ تنظيم الدولة الإسلامية لكونه عنيفا أكثر من اللازم.

والرسالة الموجهة التي تتخللها لقطات لعمليات إعدام وتمييز الأقليات المحلية تمهيدا لتصفيتها هي أن الدولة الإسلامية لا تمارس الوعظ فحسب بل تتحرك بلا هوادة مع أعدائها التقليديين، ويستخدم التنظيم الأراضي التي يسيطر عليها في شمال سوريا وشرقها أي ما يشكل 35 في المئة من مساحة البلاد لتكون قاعدته الخلفية فهو يشن الآن هجمات في اتجاه الشمال الشرقي في إقليم كردستان العراقي بل ويشن هجوما جهة الغرب عابرا الحدود اللبنانية، وتيسر لتنظيم الدولة الإسلامية تحقيق تقدم سريع بسبب تفكك سوريا والعراق وعزل المجتمعات السنية الراغبة في التحالف حتى مع الدولة الإسلامية لمقاومة حكوماتها التي يعتبرونها خاضعة لسيطرة الشيعة وراعيتهم إيران، كما أن هناك غضبا سنيا من الولايات المتحدة والسياسات الغربية في الشرق الأوسط. بحسب رويترز.

وقال فواز جرجس رئيس مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد "إذا كان لديك عشرات الآلاف من الناس الراغبين في القتال تحت رايتهم فهذا في حد ذاته يقول لك أن نظام الدولة نفسه بات على وشك أن يكون في حالة يرثى لها"، وبرر أوباما الضربات الجوية بوصفها عملا إنسانيا هدفه حماية عشرات الآلاف من اللاجئين من الأقلية اليزيدية المهددة بالقتل الجماعي فضلا عن كونها دفاعية لإحباط تقدم الدولة الإسلامية نحو أربيل عاصمة حكومة كردستان الإقليمية حيث قد يتعرض الدبلوماسيون الأمريكيون والقوات الخاصة هناك للخطر، ولكن مع بدء تقديم واشنطن إمدادات لقوات البشمركة سيئة التسليح والذين يحرسون حدودا طولها ألف كيلومتر مع الخلافة الجديدة فإن المكاسب الاستراتيجية صارت أوضح، فالولايات المتحدة تأمل في تنشيط البشمركة وهي لفظة كردية تعني الاستعداد للموت، وتتقهقر قوات البشمركة في مواجهة تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية.

وأيدت واشنطن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الجديد الذي سيحل محل حليفها السابق نوري المالكي الذي نبذه داعموه الإيرانيون ومعظم أفراد حزبه بوصفه صار عبئا بعدما ساعدت سياساته الطائفية في تنفير الأقلية السنية في العراق وانضمامها للمعسكر الجهادي، وكشف الصراع السياسي عن مأزق سياسي يواجهه أوباما حاليا، وقال الدكتور هشام الهاشمي وهو باحث مقيم ببغداد في الشأن العراقي وفي شؤون الجماعات المسلحة في المنطقة إن الدولة الإسلامية توصلت إلى وسائل لتعويض نقص الأفراد حيث قدر معظم المحللين عدد أفرادها بما بين عشرة آلاف و15 ألف مقاتل قبل التقدم السريع من سوريا إلى العراق، وربما يكون التنظيم مضغوطا بسبب اتساع نطاق عمله وحملته المفاجئة للسيطرة على مساحات هائلة ولكنه تعلم الآن كيفية استخدام الرعب كسلاح استراتيجي، وقال الهاشمي "كلما زاد ترهيب التنظيم للناس في هذه المناطق زادت مدة بقائه، الخلافة قائمة وتنمو في الوقت الراهن في بيئة يرفض فيها الرأي العام السني الحكومة المركزية سواء في العراق أو في سوريا".

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على بدء محاولة فشلت حتى الآن في الإطاحة بالأسد في سوريا تمكن المتشددون من بناء قاعدة في شرق البلاد وشمالها وأتباع بين الأغلبية السنية التي عانت أعمال عنف، وفي العراق أدى الحكم ذو الطابع الطائفي المتزايد للمالكي إلى تنامي حالة من الغضب بين أفراد الأقلية السنية التي ظلت تحكم البلاد حتى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بنظام حكم صدام حسين، ويتمتع تنظيم الدولة الإسلامية بموارد جيدة ولديه شبان متطوعون وأموال لشراء أسلحة ودفع أجور، ولديه أيضا ترسانة من الأسلحة الثقيلة أمريكية الصنع غنمها من الجيش العراقي في يونيو حزيران حينما اجتاح مدينتي الموصل وتكريت ذات الأغلبية السنية.

وإلى جانب التمويل القادم من المتعاطفين في الخليج وعشرات الملايين التي تجمع من السرقة والابتزاز والخطف فإن لدى تنظيم الدولة الإسلامية نفطا، وقال الهاشمي "في شرق سوريا تسيطر الدولة الإسلامية على 50 بئر نفط من أصل 52، وفي شمال العراق وشماله الغربي يوجد الآن 20 بئر نفط تحت سيطرتهم"، وحذر خبراء كثيرون من مقارنة الدولة الإسلامية بسابقتها الدولة الإسلامية في العراق التي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي وكانت في قلب المعركة ضد القوات الأمريكية وفي المواجهة الطائفية بين الشيعة والسنة بين عامي 2005 و2008، وانتفضت العشائر السنية في نهاية المطاف ضد ذلك التنظيم، وقال الهاشمي "مقاتلو الدولة الإسلامية ليسوا مجرد همج جاءوا للسرقة ثم الفرار بل هم يقاتلون الآن لإقامة دولة بينما قاتل الزرقاوي من أجل إسقاط الحكومة المركزية ولذلك فهناك فرق".

ويقول جرجس إن الخلافة الجديدة التي أعلنها زعيمها أبو بكر البغدادي تملأ الفراغ الذي تركه البلدان المتأزمان وهي تسعى لإقامة قاعدة اجتماعية حقيقية بخلاف ما كان يفعله تنظيم القاعدة، وتابع جرجس "كان تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن يعمل بدون حدود، وكان حركة عابرة للأوطان ولم يتمكن قط من العثور على قاعدة اجتماعية، والسبب الذي يدعو لأخذ الدولة الإسلامية، على محمل الجد هو أنها مثل الوباء الاجتماعي وتتغذى على التوترات الطائفية والمشاكل الاجتماعية والأيديولوجية في المجتمعات العربية" مضيفا أن جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإسلامية المتشددة تتبع نهجا مشابها.

ووصف جرجس أيضا الوحشية المروعة عند المتشددين متمثلة بالصلب ورجم النساء ووأد النساء والأطفال من الأقلية اليزيدية بحسب ما قاله وزراء عراقيون- بأنه "خيار استراتيجي"، وتتمتع الدولة الإسلامية بقدرة غير عادية على مضاعفة عدد أفرادها من خلال تجنيد وزرع أفكار عند المتطوعين وتغذيتهم بفكر إسلامي متشدد وتدريبهم عسكريا، وقال محسن سازيجارا وهو مؤسس للحرس الثوري الإيراني يقيم حاليا في الولايات المتحدة بصفته معارضا إن ظهور الدولة الإسلامية هو رد فعل من الفصائل السنية على المالكي وسياساته المناهضة للسنة والتي دافع عنها الحرس الثوري، وأضاف أن المالكي أضاع مجالس الصحوة التي ورثها وهي ميليشيات مسلحة تمولها الولايات المتحدة مؤلفة من أفراد من العشائر السنية كانت القوات الدافعة وراء مقاتلة تنظيم القاعدة في العراق بعد عام 2006.

وكان قرار الولايات المتحدة تسليم مسؤولية مجالس الصحوة للحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة عام 2009 قرارا خاطئا، حيث ظلت المجالس في حالة من العزلة مما دفع الكثيرين للانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية، وقال سازيجارا إن "الجنرال الأمريكي (ديفيد) بتريوس استخدم العشائر في العراق لمحاربة مقاتلي القاعدة أسلاف الدولة الإسلامية، ولكن المالكي أغضب العشائر، وأدت السياسة المتشددة المنحازة للشيعة والتي تبنتها إيران والمالكي ومن حولهما إلى التشدد من جانب السنة، والدولة الإسلامية أحد التعبيرات عن ذلك"، وأدى نجاح الدولة الإسلامية إلى ظهور مأزق لكل الجيران وغير الجيران المسلمين من السعودية إلى ليبيا، وتنتاب الرياض التي تعتبر أن إيران الشيعية غير العربية تشكل تهديدا كبيرا مخاوف من أن مكاسب الدولة الإسلامية على الأرض قد تجعل السعوديين يتبنون نهجا متشددا يجعلهم في نهاية الأمر يستهدفون حكومتهم.

وسرت مخاوف كبيرة لدى السعودية جراء تقدم الدولة الإسلامية في يونيو حزيران ويوليو تموز حتى إنها حركت عشرات الآلاف من جنودها إلى الحدود مع العراق، ومع هذا يقول المسؤولون السعوديون إنهم لا يصدقون أن الدولة الإسلامية قادرة على أن تشكل أي تهديد عسكري للقوات المسلحة السعودية القوية، وفي المقابل فهم يعتبرون أن إيران وحلفاءها الشيعة في المنطقة يشكلون تهديدا أكبر بكثير لوضع المملكة في العالمين العربي والإسلامي، ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق والإطاحة بحكم صدام الذي كان يسيطر عليه السنة لم تقبل السعودية وحلفاؤها العرب في الخليج صعود الأغلبية الشيعية إلى سدة السلطة في العراق.

وللسعودية خصومة استراتيجية مع إيران بسبب السيطرة على الخليج، ولكن النهج الوهابي الذي تتبعه السعودية وصف الشيعة دوما بأنهم كفار ولهذا وقع هائل داخل السعودية وفي أنحاء الخليج، وبعيدا عن أي خصومة استراتيجية فإن الأسرة الحاكمة في السعودية حريصة على ألا تخالف المؤسسة الدينية الوهابية التي تؤيد الملكية، ويقول محللون إن انتصارات الدولة الإسلامية على الجيش العراقي الذي تديره الحكومة الشيعية وعلى القوات الكردية التي تعتبر متعدية على الأراضي العربية خلق حالة من التعاطف والإعجاب بين السعوديين، وقال محسن العواجي وهو باحث إسلامي إصلاحي سعودي "الدعاية التي تمارسها الدولة الإسلامية هي أنها تقاتل الشيعة، وهذا هو السبب الذي يجعل البعض يتعاطفون معها أحيانا، لكن هذا التعاطف غير أساسي بل هو موجود بين المتشددين".

وأشار إلى وجود مخاوف من تأثر الشبان السعوديين بهذه الدعاية، ولكن معظم المحللين يوافقون على أن من غير المرجح أن تؤدي المساهمة الأمريكية بضربات جوية إلى قلب الموازين، وسيكون من الصعب للغاية على واشنطن تحقيق نجاح ما لم تعالج الحكومة العراقية الجديدة بصورة جذرية شكاوى السنة من خلال منحهم نصيبا حقيقيا من السلطة وإقناع العشائر السنية بإنشاء مجالس صحوة جديدة لمحاربة الدولة الإسلامية، وإذا لم يتحقق ذلك فستوسع الدولة الإسلامية رقعة سيطرتها وسيزيد عدد مقاتليها مع ضم مزيد من الأراضي لها، وفي الوقت الراهن فإن المتشددين هم من يفوزون بتجنيد المقاتلين، وتظهر تسجيلات الفيديو طوابير طويلة من الشبان الذين ينتظرون خارج مكاتب تجنيد الدولة الإسلامية في بلدات سورية وعراقية، وهو ما يدل على شعبيتهم.

وقال سوري يعيش في منطقة تسيطر عليها الدولة الإسلامية بالقرب من الرقة معقل التنظيم في سوريا إن الجماعة نفذت عمليات قطع للرؤوس وجمعت الجزية من غير المسلمين وأسكنت مقاتلين أجانب في منازل صودرت من الأقليات وضباط سابقين في الحكومة وغيرهم، ولكن على الرغم من ذلك فقد فاز التنظيم بدرجة من الاحترام بين الأهالي من خلال محاربة الجريمة على سبيل المثال باستخدام القانون والنظام الخاص بهم، وبالنسبة للشبان العاطلين عن العمل فإن الأجور التي تقدمها الدولة الإسلامية واحدة من مصادر الدخل القليلة عند البعض، ويبدو أن الحركة حريصة على إرساء مثلها بين الشبان فأظهر تسجيل مصور وزعته الدولة الإسلامية داعية اسمه عبد الله البلجيكي يقول إنه سافر من بلجيكا إلى دولة الخلافة مع ابنه الصغير، وبينما كان يقف أمام خلفية عليها علم التوحيد الأسود يسأل الطفل الذي يقارب عمره ثمانية أعوام عما إذا كان يريد العودة إلى بلاده فيجيب "لا، لأنهم كفار وهنا دولة الإسلام"، فيعاود سؤاله "ماذا تريد؟ تبقى مجاهدا أو (تنفذ) عمليات استشهادية؟" فيرد "مجاهد"، فيسأل الأب "لماذا تقتل الكفار؟" فيرد الطفل "لأنهم يقتلون المسلمين، كل الكفار وكفار أوروبا"، وفي معسكر تدريب للصبية يقول مقاتل للكاميرا "جيل الأطفال هذا هو جيل الخلافة، هو الجيل الذي يحارب المرتدين والكفار والأمريكيين وأعوانهم بإذن الله عز وجل، لأن هؤلاء الأطفال زرعت فيهم العقيدة صحيحة".

سلاح جديد

الى ذلك وبعدما سيطر المتشددون السنة العازمون على إقامة خلافة إسلامية في الشرق الأوسط على خمسة حقول نفطية وأكبر سد في العراق باتوا الآن يسيطرون على سلاح اقتصادي قوي آخر، امدادات القمح، وسيطر مقاتلو جماعة الدولة الإسلامية على مناطق واسعة في خمس من أكثر محافظات العراق خصوبة حيث تقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) إن حوالي 40 بالمئة من قمح العراق يزرع بها، وقال مسؤول عراقي إن المقاتلين يأخذون القمح من صوامع التخزين الحكومية ويطحنونه ويوزعون الطحين (الدقيق) في السوق المحلية، وحاولت الجماعة أيضا اعادة بيع القمح المهرب إلى الحكومة لتمويل مجهود حربي يتسم بقدر هائل من العنف والوحشية.

ويعقد مسؤولون دوليون مقارنات مثيرة للقلق مع أيام الصعوبات التي شهدها العراق اثناء حكم صدام حسين عندما تسببت العقوبات الغربية في نقص حاد في السلع الغذائية في التسعينات، وقال فاضل الزعبي ممثل الفاو في العراق "الوقت الحالي هو الأسوأ للامن الغذائي منذ العقوبات والأوضاع تزداد سوءا"، ورغم أن العراق لا يواجه نقصا وشيكا في امدادات الغذاء إلا أن التوقعات للمدى البعيد تنطوي على غموض شديد، وقال حسن نصيف التميمي رئيس الاتحاد العام للجمعيات التعاونية الفلاحية في العراق (وهو اتحاد مستقل لجمعيات في أنحاء العراق) إن المتشددين يرهبون أي منتجين يحاولون مقاومتهم، واضاف قائلا "إنهم يدمرون المحاصيل والانتاج وهذا يسبب احتكاكات مع المزارعين، يمارسون ضغوطا هائلة على المزارعين حتى يتسنى لهم أخذ الحبوب منهم" مضيفا أن مزارعين أبلغوا أيضا عن قيام مقاتلين بإتلاف آبار للمياه.

ولحق كثير من المزارعين بمئات الآلاف من العراقيين الذين فروا امام تقدم المقاتلين العرب والأجانب، ولم يحصل من بقوا حتى الآن على ثمن المحصول الأخير وهو ما يعني عدم توفر الأموال اللازمة لديهم لشراء البذور والوقود والأسمدة لزراعة المحصول التالي، والاحصاءات عقب الهجوم السريع للجهاديين في أنحاء شمال العراق في يونيو حزيران قاتمة لكل من الحكومة في بغداد وللسكان الذين يحتاجون إمدادات غذائية يمكن الاعتماد عليها، وتقول وزارة التجارة العراقية إن 1.1 مليون طن من القمح الذي اشترته من المزارعين في موسم الحصاد الحالي مخزنة في صوامع في المحافظات الخمس، ويمثل هذا حوالي 20 بالمئة من الاستهلاك العراقي السنوي الذي تقدره وزارة الزراعة الأمريكية بحوالي 6.5 مليون طن يستورد العراق نحو نصفه.

وفي خضم الفوضى في شمال العراق لا يزال من غير الواضح بدقة حجم القمح الذي سقط في أيدي المقاتلين حيث لا تزال الحكومة تسيطر على أجزاء من تلك المحافظات، لكن مصدرا في وزارة الزراعة أكد حجم المشكلة وقال مشترطا عدم الكشف عن اسمه إن حوالي 30 بالمئة من إجمالي الانتاج الزراعي العراقي بما في ذلك محصول القمح بات مهددا، وتتمتع جماعة الدولة الإسلامية بمعاملات تجارية واسعة مع قيامها ببيع النفط الخام والبنزين في العراق وسوريا حيث تقاتل قوات الرئيس بشار الأسد بهدف إقامة خلافة عبر الحدود، وحتى الآن استخدمت الجماعة موارد الطاقة والغذاء الخاضعة لسيطرتها لتدبير التمويل وليس كأداة للحصار حيث تبيع تلك الموارد بدلا من حجبها. بحسب رويترز.

وأبلغ مسؤول كبير بالحكومة العراقية أن المتشددين استولوا في الأسابيع الماضية على قمح من صوامع حكومية في محافظتي نينوى والأنبار المتاخمتين لسوريا، ويشمل ذلك ما بين 40 ألف الي 50 ألف طن اخذت من تلعفر وبلدة أخرى في نينوى هي سنجار حيث فر مئات الآلاف من الأقلية اليزيدية إلى الجبال المجاورة أمام هجوم المسلحين، وقال المدير العام لمجلس الحبوب العراقي حسن إبراهيم إن المقاتلين حاولوا بيع قمح استولوا عليه من نينوى إلى الحكومة عبر وسطاء في محافظات أخرى، وأضاف قائلا "لهذا السبب أوقفت شراء القمح من المزارعين"، والمجلس تابع لوزارة التجارة ومسؤول عن مشتريات العراق الدولية والمحلية من القمح.

وأسعار الخبز مستقرة في بغداد بدعم من الواردات والمحاصيل في مناطق أخرى تحت سيطرة الحكومة، وف بغداد وتسع محافظات جنوبية اخرى اشترت وزارة التجارة حوالي 1.4 مليون طن هذا الموسم من المزارعين، ولم يتضح ما إذا كانت حاجة الحكومة للواردات ستزداد كثيرا نظرا لأنها لن تحاول على الأرجح توجيه إمدادات الي مناطق لم تعد تحت سيطرتها، وبدأ موسم حصاد القمح في العراق في مايو ايار قبل شهر من بدء هجوم الإسلاميين وحلفائهم الذين سيطروا خلال أيام على مدينتي الموصل وتكريت بعد انهيار مقاومة آلاف الجنود الحكوميين الذين دربتهم الولايات المتحدة، ويبدأ الحصاد في الجنوب ثم يتقدم شمالا وهو ما يعني أن المزارعين بدأوا في توريد القمح للصوامع الحكومية في المناطق الريفية حول الموصل في مطلع يونيو حزيران قبل اجتياح المتشددين للمدينة.

وقال الزعبي إن الحكومة تسدد في العادة مستحقات المزارعين متأخرة شهرين، ولذلك يعيش ما يقدر بنحو 400 ألف مزارع تحت سيطرة المسلحين وبلا أمل في الحصول على ثمن ما وردوه من قمح قبل الهجوم، وأضاف قائلا "لم يحصل أي مزارع على أمواله" وهو ما يعني أنهم لن يتمكنوا من بدء الزراعة في الموسم الجديد الذي يبدأ الشهر القادم على اقرب تقدير في بعض المناطق، وقال "هذا مصدر دخلهم الوحيد"، واضاف أن الفاو تسعى بشكل عاجل لتوصيل 3000 طن من بذور القمح للمزارعين لزراعتها رغم ان تلك الجهود تواجه مشكلات كبيرة بسبب الوضع الأمني، وتوصيل البذور حيوي لضمان ألا تضطر منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الأغذية العالمي (التي تساعد بالفعل مئات الآلاف) لتحمل عبء توفير الغذاء لمزيد من العراقيين.

وقال جون شنيتكر الخبير السابق بوزارة الزراعة الأمريكية والذي عمل مستشارا لوزارة التجارة لثلاث سنوات قبل أن تسحب وزارة الزراعة الأمريكية موظفيها من بغداد في 2012 إن عدة عوامل ستختبر قدرة المزارعين في شمال العراق على زراعة محصول القمح الذي سيتم حصاده في الموسم القادم، من بين تلك العوامل التهديدات التي تواجهها مياه الري بسبب سيطرة المتشددين على سد الموصل وعجز الحكومة عن توصيل الأسمدة والوقود للمزارعين في مناطق تحت سيطرة جماعة الدولة الإسلامية علاوة على فرار كثير من المزارعين من بيوتهم، وتوقع شنيتكر "تقلص المساحة المزروعة وانخفاض الانتاجية" في موسم 2014-2015، وفي الوقت نفسه فإن نظام التوزيع الذي تستخدمه الحكومة لتوريد الدقيق المدعوم والسلع الأخرى مثل زيت الطعام والسكر والأرز إنهار في المناطق التي يسيطر عليها المتشددون، ورغم أن هذا النظام يعاني من الفساد والاهدار إلا ان العراقيين الفقراء يعتمدون عليه، وقال شنيتكر إن إنهياره يمثل "صعوبة هائلة" لسكان الريف في شمال العراق وسيدفع في نهاية المطاف المزيد من الناس إلى صفوف اللاجئين.

مقاومة مسلحة ضد داعش

فيما دفعت عمليات تفجير اثمن المواقع التراثية في مدينة الموصل مجموعة من الطلاب والضباط السابقين الى تشكيل نواة اول مقاومة مسلحة ضد الجهاديين الذين سيطروا على هذه المدينة الواقعة في شمال العراق، ولم يلق عناصر تنظيم الدولة الاسلامية صعوبات كبيرة لفرض سيطرتهم على المدينة التي دخلوها منذ سبعة اسابيع، فيما لا تزال قوات كردية متمركزة على الابواب، وقوات عراقية بعيدة متضعضعة، لكن انور علي، 23 عاما، الذي انخرط بكتائب الموصل المسلحة التي تمكن قناصوها من قتل اربعة مسلحين من "داعش"، يامل ان يتم طرد هؤلاء الجهاديين من الموصل بالكامل.

وقال هذا الطالب الجامعي "التحقت مع مجموعة من الطلاب الجامعيين وموظفين ورجال اعمال بكتائب شعبية اطلقنا عليها اسم كتائب الموصل"، واضاف "لكن بعض المشاركين اقترحوا ان نغير اسمها الى جيش النبي يونس ثارا لمرقد النبي يونس الذي فجروه (مسلحو) داعش قبل ايام"، وتبنى التنظيم الجهادي الذي اعلن الخلافة في المناطق التي سيطر عليها، الشهر الماضي، تفجير عدد من اماكن العبادة التي يعود تاريخها الى قرون من الزمن، وبين هذه المواقع مسجد ومرقد نبي الله يونس، الذي يحظى بقدسية لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء، بالاضافة الى عدد كبير من الشواهد والمساجد والتماثيل التي تجسد تاريخ هذه المدينة الغني، وقد حولت الى ركام.

ويضيف انور علي ان "حملة تفجير المساجد والمراقد والكنائس والاثار التي يقوم بها هذا التنظيم التكفيري المتشدد لا تعدو كونها حملة لطمس هوية وشخصية الموصل الحضارية والتاريخية والاسلامية"، واعرب عدد كبير من سكان مدينة الموصل ذات الغالبية السنية، عن ترحيبهم بالجهاديين الذين قدموا من سوريا المجاورة في بداية الامر، وراوا فيهم خلاصا من تضييق قوات الامن العراقية، لكن هذا لم يدم فترة طويلة، وقال محافظ نينوى اثيل النجيفي ان "تفجير المراقد كان نقطة تحول بالنسبة لسكان المدينة الذين كانوا يعتقدون بتاجيل اي مواجهة مع داعش"، واوضح المحافظ من مقر اقامته في كردستان التي لجأ اليها بعد سقوط الموصل ان "الاعلان عن كتائب الموصل كان المفروض ان يتاخر اكثر، لكنه بسبب ظهور الاعتداءات على المراقد والمسيحيين، قررت بان تقوم ببعض العمليات السريعة كرد مباشر عن هذه الجرائم".

بدوره، قال ضابط سابق يشرف على الكتائب لكنه رفض الكشف عن اسمه، "باشرنا بتنفيذ واجبات ونشرنا قناصين في بعض المناطق وتمكنا من قتل اربعة من الدواعش في حي البكر وحي سومر وشارع النجيفي"، لكن المحافظ وشهود عيان من المدينة تحدثوا عن مقتل خمسة من مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في الهجمات الثلاثة المتفرقة، وقال الضابط "نحن نعمل على تنفيذ المزيد من الواجبات خلال الايام القادمة" مضيفا "لقد هددنا وتوعدنا كل من يتعاون مع هذا التنظيم المجرم باي شكل من الاشكال"، ونشرت الكتائب على مواقع التواصل الاجتماعي بيانا طلبت فيه من سكان الموصل الادلاء عن مواقع عناصر داعش، خصوصا هؤلاء الذين استولوا على ممتلكات المسيحيين وشاركوا بتفجير المراقد، واثار تفجير المراقد الغضب حتى بين بعض انصار الجهاديين في المنتديات التي تعنى بإخبارهم.

وكتب احد الجهاديين ويطلق على نفسه اسم فاروق العراق "الذين يدعون أنهم دولة إسلامية وتقوم على منهاج النبوة، عليكم تطبيق النصوص ولا تخرجون عن النصوص التي هي من زعمكم ورد فيها كلمة (هدم)"، واضاف "لقد خالفتم النص بتفجيرها، لأنه لا يوجد لفظ التفجير اذا على ماذا استدليتم في مشروعية عملكم"، واعترض الكثير من الجهاديين الذين كانوا في السابق اعلنوا تأييدهم لإعلان الخلافة الاسلامية بزعامة ابو بكر البغدادي، على هدم الاضرحة واعتبروا انه لا يوجد تبرير منطقي لهذا الفعل. بحسب فرانس برس.

بدوره، قال احسان فتحي الذي يعمل مع جمعية الاثار العراقية "اعتقد ان معارضة شعبية هو الطريق الوحيد الذي بقي لإنقاذ الشواهد التاريخية المتبقية"، واضاف "ادرك انني اطلب شيئا في غاية الصعوبة نظرا للسجل المروع لهؤلاء المتعصبين، لكننا بحاجة الى شجاعة الان قبل فوات الاوان"، ويبدو ان هناك بعض المؤشرات الى ان هذه الامنيات قد بدأت تتحقق، فقد قام عدد من سكان المدينة بالاعتصام حول مأذنة الحدباء التي تشبه برج ايفيل بانحنائها وتعود الى القرن الثاني عشر، بعد ان اعلن تنظيم الدولة الاسلامية انها الهدف القادم وشكلوا درعا بشريا لحمايتها، وقال باتريك سكنر وهو محلل يعمل مع مجموعة سوفان الاستشارية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها ان "هذا الفعل قد يقلب الناس ضدها"، موضحا ان تنظيم "الدولة الاسلامية لن يجد احد الى جانبه اذا قام عدد من الناس ليقولوا لهم هذا يكفي".

ويقدر عدد سكان مدينة الموصل بنحو مليوني نسمة فيما يقدر عدد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية بما بين 5 الف الى 10 الاف، وتعد مأذنة الحدباء رمزا وطنيا تاريخيا في العراق وطبعت صورتها على احدى الاوراق النقدية ذات العشرة الاف دينار، وقال سكنر ان "مأذنة الحدباء اشبه ببرج ايفيل بالنسبة لأهل الموصل، واعتقد ان تدميرها من شانه ان يؤدي الى ما هو مفقود في العراق، وهو رد فعل وطني، لذلك اتصور ان هناك عملية حسابية تجري لدى عناصر التنظيم"، ودعا محافظ نينوى الى دعم دولي لمساعدة نواة المقاومة لعناصر داعش في الموصل، وقال بهذا الصدد ان "كتائب الموصل في الوقت الحاضر لم تحصل على اي دعم وتعمل بإمكانياتها الذاتية"، واعرب عن ثقته بإمكانية هذه الكتائب من طرد داعش في حال حصولهم على دعم، لانهم يحظون بثقة جميع سكان الموصل، الامر الذي لا يملكه تنظيم الدولة الاسلامية.

حرب نفسية

بدورهم ينشط عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" و"المتعاطفون" معه بشكل خاص على موقعي "تويتر" و"يوتيوب" ويوزعون الصور وأشرطة الفيديو والتعليقات والرسائل، ويقول خبراء إن هذا النشاط يلعب دورا أساسيا منذ سنوات في جذب المجندين المحتملين للانضمام تحت لواءه، وغالبا ما تلجأ إدارات مواقع التواصل على الإنترنت إلى إقفال حساباتهم، لكنهم يفتحون غيرها تحت أسماء جديدة، وكلها مستعارة في الغالب، وتم بث شريط فيديو على "يوتيوب"، يظهر فيه شخص ملثم يرتدي زيا أسود ويحمل بندقية وهو يذبح الصحافي الأمريكي الذي خطف بسوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

وبدا فولي وهو يرتدي رداء طويلا برتقاليا شبيها بذاك الذي كان يرتديه المعتقلون الإسلاميون في سجن "غوانتانامو" الأمريكي، وعلى الرغم من أن إدارة "يوتيوب" سحبت سريعا الشريط، إلا أن عددا ضخما من متصفحي الإنترنت تمكنوا من مشاهدته، ونقلت صور من الشريط على مواقع إلكترونية عدة، لا سيما الإسلامية منها، كما انتشرت على نطاق واسع صور التقطت عن الفيديو، وبرر مؤيدو تنظيم "داعش" العمل بنشر صور لعمليات إذلال وتعذيب ارتكبها جنود أمريكيون في سجن أبو غريب العراقي، وكان فولي (40 عاما) يعمل مراسلا حرا شارك في تغطية الحرب في ليبيا قبل أن يتوجه إلى سوريا حيث كان يغطي النزاع لحساب صحيفة "غلوبال بوست" الأمريكية ووسائل إعلام أخرى.

على الانترنت، اتهمه متطرفون بأنه "جاسوس"، فيما اعتبر آخرون أنه يستحق الموت، لأنه أمريكي كافر!، وكتب أبو بكر الجنابي الذي يقدم نفسه بأنه "أصولي" باللغة الإنجليزية أن "إعدام الصحافي الأمريكي على أيدي الدولة الإسلامية استراتيجية مقصودة، عبر إظهار القوة التي هي قادرة عليها، تريد ترهيب أعدائها"، مضيفا "هذا يهدف إلى إثارة الرعب والحقد والكراهية"، وحمل الفيديو عنوان "رسالة الى أمريكا"، وتحت هاشتاغ "رسالة إلى أمريكا" بالانجليزية، انتشرت تعليقات كثيرة على "تويتر" أيدت عمل "الدولة الإسلامية"، بينها "قسماً قسماً لتخضعنَ لكم رأس الكفر أمريكا ما دمتم تقاتلون في سبيل الله وتحكمون شرع الله"، بينما كتب على حساب آخر "لم نجد مذاقا ألذ من دمكم"، أو تعليقا على الشريط "أروع إصدار، قنبلة من العيار الثقيل".

وكانت مئات الحسابات بدأت بتهديد الأمريكيين بعد بدء الولايات المتحدة بقصف مواقع تنظيم "داعش" في العراق في الثامن من آب/أغسطس، ونشرت على هذه الحسابات صور جنود أمريكيين يبكون، وصور من اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، وصور مرعبة لجثث مقطعة الأوصال، ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث "إيسترن" الأمريكية ماكس أبرامز "الإرهاب هو تحديدا استراتيجية تواصل"، مضيفا "أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ليس أمرا مفاجئا، لأننا في العام 2014، والجميع يستخدم تويتر"، إلا أنه يرى أن براعة "داعش" في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزت تنظيم القاعدة.

ويشير إلى أن عددا كبيرا من المجندين في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" هم من الشباب الذين درسوا في الغرب، وعدد كبير منهم من دول غربية، "هؤلاء منفتحون على مواقع التواصل وإتقانهم للغة الإنجليزية يساعدهم أكثر على إيصال الرسالة"، ويضيف أن نشر صور مرعبة على الإنترنت بات "وسيلة لاستعراض القوة" بالنسبة لداعش، وإذا كان الأمر "يثير اشمئزاز غالبية الناس، إلا أن من شأنه جذب العناصر المتطرفة في المجتمع"، وأعلن رئيس مجلس إدارة "تويتر" ديك كوستولو بعد نشر شريط الفيديو، أن شركته ستغلق كل الحسابات التي تنشر صورا عنيفة مأخوذة من الشريط، وسحبت إدارة "يوتيوب" الشريط، لأنه يخل بشروط الاستخدام، لكن مواقع أخرى أقدمت على نشره، كما حاول البعض على "تويتر" الترويج لتعتيم إعلامي على كل حسابات الجهاديين وأخبار "الدولة الإسلامية"، وكتب أحدهم "لن أنشر أي صورة أو فيديو تنشره الدولة الإسلامية بهدف الدعاية"، ودعا إلى "تعطيل مأربهم وصب الماء على نارهم"، وكانت حسابات جديدة ولدت بأسماء جديدة مؤيدة لقتل فولي ولتنظيم "الدولة الإسلامية"، وعلق أحدهم "هؤلاء الإرهابيون يعودون باستمرار".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آب/2014 - 1/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م