مستقبل العلاقة بين العراق وايران على ضوء المتغيرات الجديدة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لم تقتصر الإطاحة بالمالكي عليه وحده، بل شمل ذلك ايضا رفع يد قاسم سليماني عن الملف العراقي وانتقاله للامساك بالملف السوري، مع تلزيم ملف العراق الى حسين همداني..

من المعروف عن سليماني وطيلة السنوات السابقة التي ادار فيها ملف العراق وازماته انه شخصية استخبارية تعنى ببناء الخيوط المتشابكة، عن طريق تعقيدها او فكها، بدرجات متوازية او متداخلة.

اما حسين همداني فياتي من خلفية عسكرية بالدرجة الاساس، يعنى ببناء الجماعات المسلحة، وتشكيل القوى العسكرية خارج الاطر الرسمية، بما يعنيه ذلك من تحشيد وتجهيز وامدادات.

وتيرة الهاجس الامني وارتفاعها، جاءت بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على الموصل وتكريت، فضلاً عن حراك العشائر السنية والمجموعات البعثية وانهيار الجيش العراقي، وتزايد احتمالات انفصال إقليم كردستان.

انتبهت ايران ولو متأخرة، ان التحدي الامني الجديد في العراق يمكن ان ينشأ من  طبيعة التنافس القائم بين المجموعات والتيارات القومية والدينية والسياسية في العراق. وهنا تظهر نتائج مثل غياب الاستقرار والخلافات المذهبية واحتمال تقسيم العراق كتحديات تتجاوز حدود العراق لتصل إلى المجال الأمني الإيراني، وهو تحدي يختلف عن تلك التحديات التي كانت قبل العام 2003.

سوريا من منظور المستقبل القريب، ليس في وارد حسم الصراع العسكري فيها، او بمعنى من المعاني تأجيل ذلك الحسم لفسح المجال امام مقاربات جديدة للجماعات المتصارعة، القضاء على او اضعاف بعضا منها، تقوية البعض الاخر، وذلك يحتاج الى نسج تحالفات او اصطفافات جديدة، توكل مهمتها الى قاسم سليماني، الذي يقرر ولا يفاوض مع تلك الجماعات..

يرافق ذلك جهد للخارجية الايرانية، من خلال اشراك السعودية في هذا الملف، ملف التحالفات الجديدة، وهي خطوة تنبني على الترحيب السعودي غير المسبوق بتكليف حيدر العبادي لرئاسة الوزراء في العراق، مع الضغط من جانب ايران على السعودية باتجاه خطوات اوسع، ويتم ذلك عن طريق الحوثيين في اليمن.

متغير اخر بعيدا عن السياسة، وهو موقف المرجعية الدينية في النجف الاشرف وتمسكها بمطلب تغيير المالكي، كشف امام الايرانيين، (الولي الفقيه – الحرس الثوري) مدى ضعفهم امام مرجعية النجف، في وقت كان الجميع يروج وخاصة وسائل الاعلام المعادية للشيعة ان مرجعية النجف هي رهينة القرار الايراني.

في زيارته الاخيرة الى العراق، يعترف جواد ظريف وزير الخارجية الايراني بتقديم الدعم العسكري لقوات البيشمركة الكردية، ويوثق مسعود البارزاني هذا الاعتراف ويضيف اليه ان ايران اول دولة امدت قواته بالسلاح للتصدي لقوات الدولة الإسلامية (داعش)، ولا يبتعد الطريق الذي سلكته الاسلحة الايرانية عن انظار امريكا التي تجوب الفضاء، وتحصي كل حركة على الارض العراقية.

سبق ذلك عدد من التصريحات لبعض المسؤولين الايرانيين حول دعمهم للجهد العسكري الاتحادي عبر المستشارين العسكريين الايرانيين، وهي تصريحات سبقت اعتراف وزير الخارجية.

ربما يكشف مستوى التعاون بين ايران واقليم كردستان في العراق في الوقت الحالي عن نوع من الاطمئنان الايراني بان شحنات تلك الاسلحة والدعم اللامحدود الذي تحصل عليه الاكراد من الدول الاوربية ليس في وارد التعجيل بالاستقلال الكردي، مثلما يخشى الكثيرون من تنامي هذا الدعم.

وربما هي ايضا رسالة الى الفرقاء السياسيين في العراق، ان المرحلة القادمة للإيرانيين ستشهد انفتاحا نحو السنة ايضا، وعدم الاكتفاء باعتبار الشيعة الحليف الاوحد في المعادلة العراقية الجديدة، مما يبعث برسالة اطمئنان الى السعودية ودول الخليج، بان ايران لن تكون اللاعب الاوحد على الساحة العراقية مستقبلا، اذ يمكن ان يكون الاخرون شركاء على تلك الساحة، مما يؤدي ذلك الى محاصرة الدولة الاسلامية وعدم تمددها.

مرد تلك التغييرات في السياسة الايرانية يمكن ان يعزى الى الملف النووي الايراني والتغيرات التي طرأت عليه في الشهور الاخيرة، حيث يعتقد كثير من الساسة الإيرانيين بأن النجاح في التوصل إلى اتفاق بشأن القضية النووية الإيرانية من شأنه إغلاق صفحة مريرة في العلاقات المضطربة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وسيفتح الأبواب أمام التقدم في مناطق النزاعات الأخرى؛ وربما الأهم أن يتم التعاون بين البلدين، والعمل على تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ويرون أنه "جنبًا إلى جنب مع حلفائها في المنطقة -وبتعاون الولايات المتحدة مع إيران- يمكن تشكيل نظام أمني إقليمي لمحاربة التهديد الأمني الكبير والوشيك لمصالح وأمن جميع الأطراف المعنية". ويعتقد صانع القرار الإيراني "أن صعود التطرف والجماعات الجهادية في ظل الظروف الراهنة يحتم على الولايات المتحدة وإيران ألا يكونا في حالة عداء؛ لأن المستفيد من هذا الوضع هو "الجماعات الإرهابية"، ويصب في مصلحة صعودها، وامتدادها من بلد إلى آخر".

ومن بين محللين قلائل يرون في تطورات العراق الأخيرة تحديًا مباشرًا لإيران يتحدث كيهان برزجر، وهو باحث إيراني معروف، عن ما تحمله هذه التطورات من تهديد للأمن القومي الإيراني، ويرى أن هذا التهديد يكمن في كونه يمثل "تطرفًا أيديولوجيًا بشكل تقليدي، ويحمل موقفًا معاديًا للشيعة ولإيران والدولة الوطنية، وهو أحادي ومعارض للحدود السياسية ومعاد للديمقراطية".

ويرى أن "داعش" في العراق، "مشكلة تتجاوز بضعة آلاف من المقاتلين الذين يسيطرون على مواقع مهمة بسرعة هائلة"، وما يهدد إيران هو وجود "قوى إقليمية ودول تقف وراء هذه المجموعات". وما يعزز من القلق الإيراني على هذا الصعيد هو الخلل الذي أصاب علاقات إيران الإقليمية، وإذا لم تستعد هذه العلاقات التوازن المطلوب، فسيشكّل ذلك أرضية للتدخل الخارجي، ويهيئ الظروف لتوظيف هذه المجموعات ضد المصالح الوطنية الإيرانية، ولذلك فإن تعاون إيران والسعودية بات حاجة ومصلحة للطرفين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آب/2014 - 1/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م