الحوزات العلمية: إشكالية الاستقلال والتبعية

 

شبكة النبأ: قبل الخوض في إشكالية الاستقلال والتبعية التي تتعرض لها الحوزات الدينية من الحكومات والأنظمة السياسية، نبدأ أولاً بمحاولة فهم ماهية الحوزة، وما هو دورها في توجيه السياسة والثقافة وفي إدارة شؤون المجتمع كافة، إن التعريف الواضح للحوزة العلمية، كما ورد في موقع الويكيبيديا، يؤكد أنها المدرسة الدينية في المذهب الشيعي الاثنى عشري. وتعتبر حوزة النجف أشهر وأعرق الحوزات. وتليها حوزة قم في إيران التي ازداد دورها لعدة ظروف سياسية في المنطقة منها تضييق النظام البعثي في العراق خلال فترة نظام صدام، على الحوزة في النجف، وطرد الغالبية العظمى من الطلاب الأجانب في الحوزة.

ولا شك أن دور الحوزات الدينية في ضبط إيقاع الدولة والمجتمع، مهم جدا وذو تأثير كبير على مجريات الأمور كافة، في السياسة وسواها، وتأخذ الحوزة العلمية أهمية دورها كونه الدور الأهم الذي يتفوق على الأدوار الأخرى كافة، وذلك وفقا لتفويض واضح وقوي، من الطبقات الشعبية المختلفة، فالشعب بعموم شرائحه، يثق بهذه الحوزات بل يمنحها الثقة التامة بخصوص إدارة شؤون المجتمع، لاسيما العلاقة بين الحاكم والشعب، وتقف بكل ما تملك من قوة دينية معنوية في الغالب بوجه النظام السياسي المتعسف.

لهذا يتمسك بها الشعب كونه الطرف المحكوم، ويأتمر بكل ما تراه الحوزة صائبا وصحيحا وناجعا، في معالجة الأزمات التي تتعلق بالأمن الداخلي والخارجي وما شابه من أمور تتعلق بالسياسة او الاقتصاد او سواه مما يتطلب إدارة سليمة في المجالات كافة، لذلك تخشى الأنظمة السياسية الحاكمة هذه الحوزات، بسبب تأثيرها الكبير على الرأي العام، والاستجابة الجماهيرية السريعة لما تراه الحوزة من أمور تستوجب تدخلا شعبيا في هذا الأمر او ذاك، ويرى أحد الكتاب أنّ الحوزات العلمية المعاصرة ومنذ عصر الغيبة الكبرى تَعدّ حاضنة الثقافة الشيعيّة، وعقلها المتفكّر والمتطور والمتحضّر، المواكب لكلّ عصر وفي كل مصر، آخذةً بنظر الإعتبار الحداثة والعصريّة مع الحفاظ على الأصالة والحفاظ على السنن، والتراث العظيم في كل مجالات العلوم والفنون، والتي تبتني على الفهم والفقه الأكبر في العقائد وعلی ذات الإنسان وعقله، والفقه الأوسط في الأخلاق وتبتنی علی صفات الإنسان وقلبه، والفقه الأصغر في الأعمال وأفعال الإنسان وجوارحه. ويرى أيضا أن الحوزات المعاصرة إنّما هي منطلق ربّاني وإلهي، ومصدر شعاع علمي ومعرفتي لكلّ العالم، فإن عالمنا اليوم بكلّ أطيافه وقوميّاته وتياراته الفكرية والسلوكية ينظر إلى الحوزويين بنظرة متلهفة ومتعطّشة للعلم والمعرفة، فلابد للحوزة من الإستقبال الفكري للأمة الإسلاميّة جمعاء بل وللبشرية، وإرشاد الأنظمة السياسية وهداية الحكومات، وإرشاد الناس وموعظتهم في حياتهم المعاشية نحو السعادة والهناء والعدل والإحسان والحريّة والكرامة الإنسانية.

من هنا تحاول كثير من الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية (أزهرة الحوزات)، بمعنى جعل الحوزة ذات دور شكلي بسبب التبعية التامة للأنظمة السياسية، كما نلاحظ ذلك في سيطرة الحكومات المصرية المتعاقبة على أداء الأزهر، وجعله في الغالب معاضدا للحكومة والحاكم، وإهمال مطالب الطرف المحكوم، والسبب هو تبعية هذه المؤسسات الدينية الى السلطة، بدلا من أن تقف بالضد من رغبة الحكومات القامعة للشعوب.

هذه التبعية قلما تحدث مع الحوزات العلمية، بسبب التزامها القطعي بالنص القرآني الكريم الذي يقول بصورة واضحة: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون./ هود). بمعنى لا يمكن الوقوف الى جانب الظالم، حاكما كان او غيره ممن يسوسون الناس، ويتحكمون بمصائرهم، لهذا تخشى الأنظمة السياسية الموقف الحاسم للحوزة العلمية، والإجراءات المستقلة لها، لأنها في الغالب تفشل مخططات الحكومات، فضلا عن إفشالها لمآرب المستعمرين، كما نلاحظ ذلك في موقف الحوزة الشيرازي في ثورة التنباك، التي وضعت حدا للتوسع الاستعماري البريطاني في إيران، وكذلك الخال في موقف الحوزة الشيرازية المعروف ضد المحتلين الانكليز في العراق، عندما قادت هذه الحوزة الجماهير الشعبية في ثورة العشرين التي قزّمت الاحتلال الانكليزي وحجّمت دوره في العراق، علما ان مثل هذه المواقف الشجاعة والحاسمة غالبا ما تأتي ضد إرادة الحكومات المتعاونة مع المحتل.

لذلك غالبا ما تفشل سلطة الحاكم والحكومات القمعية، في السيطرة على الحوزات العلمية، فتلجأ الى شتى السبل، في محاولات حثيثة لإخضاعها ووضعها تحت عباءتها، وهو الأمر الذي ترفضه الحوزات العلمية المستقلة وفقا للنص القرآني الكريم الذي سبق ذكره، اما من يستجيب للحاكم الظالم فهو لا يمكن أن يكون رجل دين حوزوي ملتزم، لان الحوزة ترفض الظلم وتقارع الحاكم الظالم، من خلال قيادة الجماهير الشعبية وتعبئتها ضد الحكومة الظالمة، وتقودها الى الثورة على الظلم، وهذا ما تؤكد جميع الأدلة والأسانيد التاريخية التي تتعلق باستقلال الشعوب، وقدرتها في رفض الحاكم الظالم من خلال وحدة الموقف بين الحوزة العلمية والجماهير في الكفاح ضد الأنظمة القمعية الظالمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/آب/2014 - 30/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م