قيم التخلف: الفردية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: وفق التصوّر الشخصي لنا، أن الفردية أو الفردانية لا تتسق مع ما تريده المجتمعات الناهضة، والطامحة للتقدم من أهداف، ويكمن السبب حول هذا الجانب، في التناقض القطعي بين الفردية والجماعية، ففي الوقت الذي نحتاج فيه الى التفكير والعمل الجماعي، فإن الفردية غالبا ما تكون عائقا كبيرا امام النهوض الفكري العملي الذي يساعد على دفع المجتمع والدولة الى امام، ونحن نتحدث هنا بعيدا عن بعض الفلسفات، او النظريات السياسية والفكرية التي تمجّد الفرد، وتقدس حريته الشخصية وتحميه من ضغط الجماعة في الفكر والسلوك، بمعنى أوضح نحن هنا في هذه الكلمة نناقش تأثير الفردانية على تعويق عملية تقدم الدولة والمجتمع.

وقد جاء عن هذا المفهوم او المصطلح، في الوكيبيديا.. أن الفردانية أو الفردية (Individualism) تعني التوجه الخلقي أو الفلسفة السياسية أو وجهة النظر الاجتماعية التي تشدد على فكرة الاستقلالية واعتماد الفرد على نفسه في اتخاذ قراراته، إذ يدعو الفردانيون إلى تنفيذ الفرد لأهدافه ورغباته حتى وإن عارضت المؤثرات الخارجية على اختياره الشخصي، سواء كان هذا المؤثر الخارجي هو المجتمع أو الدولة أو أية مجموعة أخرى من الناس أو المؤسسات، وغالبا ما يُرمز إلى الجماعية (collectivism) كنقيض للفردانية، والجماعية تشدد على أن قيم وأهداف المجتمع والدولة يجب أن تأخذ حقها قبل حق الفرد.

بهذه الصورة الواضحة جدا، نرى درجة التناقض الحاد بين ما يبتغيه الفرد من اهداف وتطلعات فكري وعملية، وبين ما تصبو إليه الجماعة/ المؤسسات، المجتمع، من سعي حثيث للبناء الجماعي على حساب الفردي، وهو امر مشروع كما يبدو للجميع، إذ ليس من المعقول ان تتفوق مصلحة الفرد على الجماعة، ولا يمكن تفضيل مآرب واهداف الانسان الشخصية، مهما كان نوعها، ومهما تلفعت بالمقبولية والشرعة، إذا جاءت هذه المصلحة على الضد من مصالح الجماعة، المجتمع والدولة!.

خاصة أننا نفهم الفردية على اساس علاقتها النسيجية المتداخلة مه الأنوية .. من الأنا.. والأنانية، أو ما يُطلق عليها بـ (الاثرة)، من الايثار، فالانسان الذي يفضل نفسه ومصالحه على حساب المجموع، يفعل ذلك وفق حالة الاستئثار، وليس الايثار الذي ينتمي للتضحية أولا واخيرا، لهذا فالمجتمع الذي يكثر فيه الافراد الانانيون، سيفشل، خاصة اذا كان هذا المجتمع او الدولة في بداية طريق البناء، وفي أول مسعى اللحاق بالركب العالمي المتقدم، بمعنى أن الجماعة هنا هم المفضلون وليس الفرد، وأن قيمة الفردية المتخلفة هنا، ستكون حاجزا او عقبة كأداء بين الدولة وبين التقدم والبناء!، لهذا ليس هناك مناص من ردع قيمة الفردانية المتخلفة، وتفضيل القيم ذات المنحى الجماعي لانها تقود بالنتيجة الى تقدم مجتمعي أوسع بكثير من المطامح الفردية الصغيرة في حجمها واهدافها ايضا.

إن الفردية تعد باعتقادنا قيمة متخلفة، ليس فيما يتعلق بالتنافس الفردي في الذكاء والتطور وما شابه، انها قيمة متخلفة اذا تعلق الامر بقضية التفضيل بين الفرد أو المجتمع، لأن الفردية بحد ذاتها تنطوي على انانية مؤذية، وأنوية مسيئة، لذلك نقرأ أيضا أن للفردانية علاقة مثيرة للجدل مع الأنوية (الأثرة)، وبينما يؤكد بعض الفردانيين على أنهم أنويون، فهم غالبا لا يعتبرون الأنانية بحد ذاتها أمرا حسنا. إنما يبرر بعضهم الامر بأن الأفراد ليسوا مجبرين على أداء فضائل مفروضة من قبل المجتمع وأنه لديهم الحق في أن يكونوا أنانيين إن أرادوا، فيما يبرر  آخرون  مثل (آين راند) في النسبية الأخلاقية ويعدون الأنانية من الفضائل!، إلا أن هناك من الفردانيين من يعارض الأنوية والنسبية الأخلاقية معا.

ويمكن لنا أن نتصور الوضع الذي سيكون عليه حال الجماعة، أو شأن الدولة والمجتمع، إذا شاعت بين افردها هذه القيمة المتخلفة، وقبلوا بها، وآمنوا بأن الانانية تنتمي الى الفضائل؟!!، هنا تكمن خطورة مثل هذه القيمة المتخلفة، التي تقدم مصلحة الفرد على الجماعة في جميع الاحوال والظروف، وهو امر كما يتضح لنا في أقصى الخطورة، إذ لايمكن أن يكون الفرد في يوم من الايام، أهم من بناء الدولة وتطوير المجتمع، لأن الفرد جزء والمجتمع كل، وعندما يصبح الجزء اهم وافضل من الكل، سوف يسقط الاخير، ويسقط مع الجزء الفرد حتما، من هنا يأتي رفضنا للفردية، باعتبارها قيمة متخلفة تضعف الجماعة/ الدولة/ المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آب/2014 - 27/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م