الدولة الدينية

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا دولة دينية في الإسلام، النتيجة التي يتوصل اليها الباحثون والمهتمون بشؤون الحكم والانظمة السياسية، ويقرر احد الباحثين إن الإسلام كدين سماوي لم يضع قواعد جاهزة لا تقبل التغيير، بل وضع الأطر العامة القابلة للتطور والاجتهاد.

يعود ذلك الى اختلاف مفهوم الدولة عند المسلمين اختلافاً جذرياً عن مفهوم الدولة في أوربا، وذلك لسبب أساسي واضح هو أن الإسلام لا يعرف الكهانة ولا الطبقة المتميزة المتمثلة في رجال الدين والتي تختص بأسرار الدين وطقوسه، ومن ثم يكون لها الحق في التمسك بالسلطة السياسية في يدها، وهذا ما يرفضه الإسلام تماماً، حيث أن الفكرة الإسلامية للنظام الاجتماعي المتميز الخاص بها، ويختلف تماماً عن الأنظمة السائدة في تلك الفترة مما يعطي مفهوماً جديداً للدولة عند مفكري وفلاسفة الإسلام.

في المقابل يعتبر التاريخ الاسلامي شاهدا حيا على استخدام (الخلفاء) لنظرية الحق الإلهي غير المباشر وذلك حين استخدموا لقب "خليفة الله "، وتابعهم المنافقون فوضعوا احاديث نسبوها الى النبي – صلى الله عليه واله وسلم - مفادها ان الخليفة ظل الله في الارض يأوي اليه كل مظلوم وملهوف، كما ان كثيرا من الخلفاء الامويين والعباسيين وغيرهم اعتبروا انفسهم فعلا خلفاء الله على الارض بالمعنى الديني المقدس وليس بالمعنى المجازي، او السلطة التي تقيم الشرع الاسلامي، كانوا يهدفون الى رمي معارضيهم بالكفر باعتبار ان الثورة على الخليفة وخلعه ليس سوى عمل لا ديني في مضمونه، باعتبار ان الحاكم او الخليفة قدر من الله لا يجوز معارضته وإن كان ظالماً، ما دام لم يصدر عنه كفر بواح. فالنظرة التقليدية ان المُلك لله سبحانه يمنحه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وقد ترتب على ذلك ان كثيرا من الخلفاء أخذوا يتصرفون بموجب هذا التصور المقدس باعتبار ان اختيارهم إلهي المصدر او بتعبير آخر قدر إلهي لا مفر من حدوثه، ومن ثم يجب ترك امر الحاكم ومساءلته لله سبحانه وليس للبشر.

الدولة الدينية كما في المصطلح الحديث هي الدولة (الثيوقراطية) والتي تعني:

حكم الكهنة أو الحكومة الدينية او الحكم الديني. تتكون كلمة ثيقراطية من كلمتين مدمجتين هما ثيو وتعني الدين وقراط وتعني الحكم وعليه فان الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبروا موجهين من قبل الإله أو يمتثلون لتعاليم سماوية، وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أو على الأقل يسود رأي الكهنوت عليها.

كان أول من نحت مصطلح "ثيوقراطية" هو جوزيفوس فلافيوس في القرن الأول الميلادي لوصف الحكومة القائمة عند اليهود. حاج جوزيفوس بأنه في حين يعترف اليونانيون بثلاثة أنواع من الحكم: الملكية، الأرستقراطية، والفوضوية، كان اليهود فريدون في كون نظام الحكم لديهم لا يندرج تحت أي من أنظمة الحكم الآنفة. لقد فهم جوزيفوس الثيوقراطية على أنها شكل رابع من أشكال الحكومة يكون فيه ما يقوله الله في كتابه المقدس هو فقط مصدر الحكم. مع حلول حقبة التنوير في أوروبا، بدأت الثيوقراطية تأخذ دلالة سلبية بشكل كبير، خصوصا على أيدي الفيلسوف الألماني هيجل.

في نصوص التوراة والانجيل وحسب الشروح المقدمة لها يذكر جون كالفين وستيفانوس جونيوس بروتوس إنّ الديانة النصرانية تأمر بالثيوقراطية.

يقول كالفين في تفسير ما ورد في الكتاب المقدس من الأمر بالثيوقراطية: أن طاعة الملوك، وأولياء العهد والحكام ليس بسبب الخوف منهم بل لا بد من المعرفة أن طاعتهم طاعة للإله. لأن الملوك وأولياء العهد والحكام يستمدون حكمهم من الإله. يقول بولس: “لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ.” لأن من خالف الحكام فقد خالف ترتيب الإله.

فليعرف الكل أنه لا تتحقق مخالفة الحكام إلا بمخالفة الإله. فالحاكم لا ينتقم ممن يقلل شأنه؛ لأنه منزوع السلاح، ولكن الإله مسلح فهو ينتقم ممن يقلل شأن الحاكم. وأرى أن كلمة “الطاعة” تعني: أنه لا ينبغي لأي فرد من أفراد المجتمع أن يرى في نفسه سلطة فيما يتعلق بعامة الناس، وأن لا يتدخل في شؤون الدولة، والأمور المختصة بالحكام، أي لا حق لأفراد المجتمع التدخل في الشؤون الاجتماعية العامة والإدارية.

اما ستيفان جينيوس بروتوس في تأويله للثيوقراطية فيقول: الكتاب المقدس يحكم بسلطة الإله نفسه ويحكم الملوك بسلطة استمدوها من الإله لأن السلطة الأصلية للإله، والملوك هم الممثلون للإله. وأنّ الملك يستمد سلطته من الرب الإله ملك الملوك، يستمد الملك السلطة من الإله لينشر عدله ويحمي شعبه من أعدائه.

نحن نقرأ نوعين من العهود في لبس الملوك للتاج؛ الأول: بين الإله والملِك والشعب ليكون الشعب شعبا لله. والثاني: ما يكون بين الملك والشعب ليكون الشعب صادقا في الطاعة والملك عادلا في الحكم.

في العصر الراهن يمكن الاشارة الى ثلاث دول محكومة بالطريقة الثيوقراطية وهي:

الفاتيكان: في العام 1929، اعترف بشكل رسمي بالفاتيكان كمدينة مستقلة بعد عقد اتفاقيات مع الحكومة الإيطالية. ينتخب "مجمع الكرادلة"، وهو تجمع لرجال الدين الكاثوليكيين، الأب الذي يكون بعد ذلك رئيسا. ينتخب الأب لفترة تمتد إلى مدى حياته، ويحق للكرادلة فقط انتخابه. يعين الأب وزير الخارجية المسؤول عن العلاقات الدولية. يخضع القانون هنالك لإملاءات الأب واجتماعات يعقدها رجال الدين.

السعودية :حكمها ملكي و دستور الحكم أو ما يسمى بالنظام الاساسي للحكم مستمد من المذهب الوهابي وكذلك الأحكام القضائية.

إيران: توصف حكومة إيران بأنها "جمهورية ثيوقراطية". يقوم مجلس منتخب نصف عدد أعضاءه بتعيين فقيه إسلامي مدى الحياة في منصب القائد الأعلى. مجلس الخبراء، الذي يعتبر جهة تنفيذية في الحكومة، يحمل مسؤولية تحديد ما إذا كانت التشريعات القانونية مطابقة لرؤيته لشريعة الإسلام بالإضافة إلى مهمته في منع الناخبين الذين لا يرى فيهم الأهلية الكافية للترشح.

النتيجة التي يمكن ان نصل اليها هي:

إن نظام الحكم في الإسلام لا يتفق مع النظام الثيوقراطى الذي عرفته أوربا في العصور الوسطى، في ظل النظام السياسي الإسلامي الحاكم لا يزيد عن أن يكون منفذًا للشريعة، ومن حق الأمة التي تختاره أن تعزله، كما أن لأي فرد في الإسلام حق الاجتهاد متى بلغ القدر الكافي من العلم الذي يؤهله ليكون مجتهدًا، ومن حق الآخرين مخالفته في الرأي إذا كانت لهم أسانيدهم وأدلتهم، و الدولة الإسلامية هي الدولة التي تتحاكم إلى الله سبحانه وتعالى في شريعته، والسلطة التنفيذية لأمير الأمة الذي يُختار عن طريق الشورى ومهمته أن يطبق شرع الله في الرعية ، ولمجلس الشورى حق المراقبة عليه ، فإن خرج عن حد الله أوقفوه وإلا عزلوه، وجميع أفراد الأمة سواء أمام الشريعة الإسلامية، لا فرق بين حاكم ومحكوم، فللكلٍّ مكانته، وللكلٍّ دوره لإقامة الدولة والمحافظة عليها.

ان مصادر الفكر السياسي الإسلامي في مراجعه الأساسية، هي أن مهمة الحاكم في الإسلام تكاد تكون وظيفة تنفيذية سواء عن طريق التنفيذ الحرفي للنصوص أو التنفيذ الاجتهادي للأمور المرتبطة بالاجتهاد. وسلطات الخليفة محدودة بالحدود الشرعية، ولا يجوز له أن يتجاوز هذه الحدود، وإنما يقوم بتنفيذ أحكام الشريعة بأمانة وإخلاص وصدق. وهذه الوظائف لا تخرج عن كونها أعمالاً تنفيذية، يقوم بها نيابة عن المجتمع لحماية المصالح العامة، والدفاع عن البلاد، وإقامة الأحكام، والفصل في المنازعات، وجباية الأموال، وتوزيعها بين مستحقيها، واختيار الولاة، وتكليفهم بمهماتهم، بالإضافة إلى المهمة الرئيسية التي يقوم بها وهي حماية العقيدة وحفظ الدين وتطبيق مبادئه وأحكامه. وتعتبر الولاية في نظر الإسلام أمانة، وعلى الحاكم أن يقوم بهذه الأمانة على الوجه الأكمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آب/2014 - 27/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م