هل هناك مبررات كافية لتدّخل الدولة في السوق؟

حاتم حميد محسن

 

الاقتصاديون يدافعون بحماس عن طريقتهم في التفكير، لأن التحليل الاقتصادي السليم يحول دون وقوع أكبر الكوارث في التاريخ الانساني. فمثلا، حركات تحسين النسل في بداية القرن العشرين كانت معادية للاقتصاد، حتى وان لقيت التشجيع من بعض من اُطلق عليهم بالاقتصاديين. وكما اشار Bryan Caplan، ان الهيليكوست وجدت بعض جذورها في المالتيسية، التي ترى ان النمو السكاني يتجاوز النمو في الانتاج الزراعي. كوارث التخطيط المركزي في الاتحاد السوفيتي والصين واماكن اخرى تتحدث عن نفسها. نحن لا نبالغ لو قلنا بان التحليل الاقتصادي السليم يمكنه انقاذ الملايين من البشر.

لكن المعرفة الاقتصادية المطبقة بشكل ناقص تكون خطيرة. في الصفوف التمهيدية لموضوع الاقتصاد، يتعلم الطلاب مختلف انواع "فشل السوق"، الذي يحدث عندما لا تسمح بعض خصائص السوق في انتاج المحصلة الفعالة. وفي سياق الاقتصاد النيوكلاسيكي للقرن العشرين، يتمثل فشل السوق الحقيقي في عدم بلوغ حالة التوازن في ظل نموذج السوق التام المنافسة. في هذا الاطار، يصبح فشل السوق ممكناً حينما تحصل المظاهر التالية:

1- المؤثرات الخارجية Externalities او كما تسمى بـ مؤثرات الجيران او مؤثرات الطرف الثالث: في الاقتصاد ذي المنافسة التامة يتم تخصيص المصادر بشكل افضل لأن الاسعار تساوي الكلفة الحدية في جميع خطوط الانتاج. ولكي يتم ذلك، من الضروري ان يتحمل المنتج جميع التكاليف ويحصل المستهلكون على جميع المنافع. هذه الخاصية (المحل الذي تقع عليه التكاليف ) سوف لن تحدث مع وجود المؤثرات الخارجية لأن هناك افراد آخرين غير مشاركين في البيع سيدفعون تكاليف او يستلمون منافع, هذه المؤثرات قد تكون ضارة كما في حالة تلوث المياه او الهواء الناتج من عمل المصنع، وقد تكون نافعة مثل الاعمال العظيمة لأينشتاين وموزارت التي تجاوزت بمنافعها الكلفة التي دفعها العالم تجاهها. او حين يقوم شخص ما بأعمال حراسة الكترونية لمنزله فيستفيد تلقائيا الناس المجاورون له.

2- البضائع العامة public goods وتسمى سلع الاستهلاك الجماعي، وهي الحالة الثانية لفشل السوق، وفيها يستطيع الناس التمتع بالسلعة او الخدمة دون ان يدفعوا اي كلفة تجاهها، مثل الدفاع الوطني وخدمات الشرطة حيث تتوفر الخدمات لجميع الناس بصرف النظر عن عددهم او من يدفع الضرائب.

 3- المعلومات غير التامة Asymmetric Information

السوق يعمل بشكل جيد حينما يصبح كل شخص على اطلاع كامل بالمعلومات. حيث ان الافراد لا يستطيعون اتخاذ قرارات مثلى اذا لم تتوفر لديهم معلومات كاملة عن الاشياء التي يبيعونها او يشترونها. نقص المعلومات الضرورية هو سبب آخر لفشل السوق.

4- قوة السوق مثل الاحتكار(حين يوجد بائع واحد للسلعة او الخدمة)، والـ monopsony (حين يوجد مشتري واحد للسلعة او الخدمة)، او المحتكر الطبيعي(عندما تكون كلفة بناء الصناعة اكثر فاعلية بوجود شركة واحدة تنتج المخرجات لكامل السوق).

ان مؤثرات الطرف الثالث والبضائع العامة ونقص المعلومات وقوة السوق توفر شروطا ضرورية لكنها ليست كافية لتبرير تدخل الدولة. انها لا تمتلك قوى سحرية تسمح للمتدخلين التأثير بالناس كما لو كانوا احجاراً للشطرنج. منتقدو السوق، يعتقدون ان مجرد اثارة هذه المصطلحات سيحطم نظرية الاسواق الحرة. لسوء الحظ، اللااقتصاديين عادة لا يفهمون حقا هذه العبارات، ادراك هذه العبارات هو فقط الخطوة الاولى نحو فهم واضح للظاهرة الاجتماعية. دعنا ننظر الى كل من هذه المفاهيم بالتعاقب.

المؤثرات الخارجية

منتقدو السوق أشاروا الى المؤثرات الخارجية، بالتكاليف او فوائد الفعالية الاقتصادية التي تنساب الى الناس البعيدين عن العملية. المثال الكلاسيكي على الكلفة الخارجية هو التلوث. افرض ان شركات الصلب تنتج بطريقة تقذف بها المواد الكيمياوية الى الهواء التي تسبب الاوساخ في ملابس الغسيل او اصابة الناس بالامراض، حتى وهم  لا يشترون الصلب. لو ان الشخص الذي يشتري الصلب يتحمل هذه التكاليف، سنعترف به كطرف في عملية التبادل. مثال كلاسيكي آخر هو السكك الحديدية التي تمر عبر المزارع وتطلق الشرر الذي عادة يسبب الحرائق في المزارع المجاورة. وكمثال على المنفعة الكلاسيكية او المؤثر الخارجي الايجابي هو التعليم. حين ندفع للجامعة مقابل تعليمنا، فان بعض منافع ذلك ستعود الى باقي المجتمع بفضل انتاجيتنا العالية او السلوك العالي الاخلاقية. وكما ان ضحايا التلوث تحملوا تكاليف بدون فوائد، فان باقي المجتمع يحصلون على منافع من تعليمنا دون تحمل تكاليف.

طبقا لتعبير رونالد كوس فان السوق يفشل عندما تنحرف التكاليف الخاصة او منافع الافعال عن المنافع او التكاليف الاجتماعية. بالنسبة الى المؤثرات الخارجية السلبية، الاقتصاديون عادة اقترحوا فرض ضرائب على الافعال ذات التأثير الخارجي. لذا فان ما يسمى بضرائب pigovian ستعالج مشكلة فشل السوق. نقاد السوق يطرحون هذا النوع من النقاش ليوضحوا ضرورة التدخل الحكومي.

غير ان مجرد وجود المؤثرات الخارجية السلبية لا يعني ان الحكومة يمكنها تحسين الاسواق. لاحظ ان المشاكل الخارجية تُعتبر فشلاً للسوق فقط عند المقارنة مع نموذج السوق المتوازن التام المنافسة. بمعنى آخر، ان الفشل هنا لا يعني ان "الاسواق لا تعمل" في التطبيق، وانما هي تفشل في الارتقاء الى النموذج المثالي. وكما يتبين، ان الاسواق تفشل في كل الاوقات، لا وجود لسوق حقيقي ذو توازن تام المنافسة، ولا وجود حتى لأسواق السلع التي ندرسها احيانا في الكورسات التمهيدية.

في الحقيقة، ان المؤثرات الخارجية السلبية هي موجودة في كل مكان. نحن نطور كل انواع القواعد الطوعية للتعامل معها. قواعد السلوك، مثلا، تؤدي هذه الوظيفة. عندما نهتم جميعنا بقواعد السلوك، نستطيع تجنب فرض تكاليف خارجية على الآخرين وكذلك سنمتلك طرقاً قليلة الكلفة للتعامل مع مثل هذه المؤثرات الخارجية السلبية، كل منها يفرض تفاعلاً اجتماعياً.

ان "فشل السوق" والوجود الدائم للمؤثرات الخارجية السلبية دفع البعض للمطالبة بتدخل حكومي للحد من تلك المؤثرات، باعتبار ان العملية السياسية سوف تنجز ما يطالب به الاقتصاديون. اي ان السياسيين سيفرضون الحل المثالي. غير ان ثورة الخيار العام (1) التي بدأت في الستينات من القرن الماضي تحدّت ذلك الافتراض حين أظهرت الكيفية التي تفشل بها الحكومات ايضا. المصلحة الذاتية للسياسيين مترافقة مع حدود معرفتهم، يعني انهم لا يستطيعون وسوف لن ينتجوا المحصلة المثالية. نحن تُركنا نتأمل اي من النظامين الناقصين هو الافضل لنا: السوق الفاشل ام العملية السياسية الفاشلة. لدينا عدة اسباب للاعتقاد ان الاسواق ستتغلب على الحكومة في هذا الشأن، حتى في ظل ظروف غير تامة. احد الاتجاهات يرى ان اي "فشل للسوق" هو فرصة لرجال الاعمال لحل المشكلة واكتشافهم من خلال الربح والخسارة مدى نجاحهم في العمل. العملية السياسية لا تمتلك الحوافز المسبقة ولا عمليات تحويل المعرفة ايضا.

لذلك، فان اولئك الذين يستخدمون "المؤثرات الخارجية السلبية" كتبرير لأفعال الحكومة يجب ان يبيّنوا شيئين:

 اولاً، ان فشل السوق المقترح لا يمكن تصحيحه لا من خلال المبادرة entrepreneurship ولا عبر التغيرات في قواعد اللعبة (مثل، تعريف اكثر دقة لحقوق الملكية لحل مشكلة المؤثرات الخارجية السلبية المرتبطة بالملكية المشتركة)،

 وثانياً ان الحل المفروض من جانب الحكومة هو منسجم مع الحوافز السياسية ومتفوق على حصيلة السوق غير التام. لسوء الحظ، ان الناس وكذلك الاقتصاديون الذين يجادلون لأجل التدخل الحكومي لتصحيح المؤثرات الخارجية هم نادرا ما ينفذون هذه الخطوة الثانية.

السلع والخدمات العامة

الاقتصاديون باستمرار يشيرون الى ان ما يجعل شيء ما "سلعة عامة" هو ليس لأن الحكومة تنتجها، بحيث يصبح الناس عموما بوضع افضل، او لأنها تؤدي لخير المجتمع بالمعنى الاوسع. بدلا من ذلك، ان الشيء هو سلعة عامة لأنه لا توجد منافسة في استهلاكه (اي ان استهلاك شخص ما لا يؤثر على كمية ما يستهلكه الاخرون) وايضا لا يستثني احدا من الاستهلاك (اي سيكون مكلفا استبعاد اي شخص لا يدفع مقابل السلعة او الخدمة). التفاح هو سلعة منافسة: اذا شخص ما يأكل تفاحة، الآخر لا يستطيع. مدرس الاقتصاد هو سلعة غير منافسة: اذا انت تجلس في القاعة مستمعا لأستاذك في الاقتصاد، انت لا تقلل من منفعة محاضرة الاقتصاد التي يسمعها الآخرون.

الاستبعاد هو أكثر صعوبة. من الصعب استبعاد شخص ما من الحماية من هجوم نووي. لو نحن ندفع لحماية بيوتنا من الابادة النووية، نحن بالتأكيد سوف نحمي جيراننا ايضا. من المحتمل ان أحسن مثال عن السلع العامة الخالصة هو الدفاع ضد كويكب ربما يدمر الارض – هذا هو المثال المستعمل في الفصل 18 من كتاب المبادئ الحديثة: الاقتصاد الجزئي للكاتبين Tyler Cowen and Alex Tabarrok. ولكن رغم كل ذلك، هناك طريقة منافسة، مستبعدة، متاحة بالتكنلوجيا الحالية لحماية المرء من الموت المروع المرتبط بكويكب، اذا كان الكويكب صغير جدا يمكن الوقاية منه ببناء واقي تحت الارض. السلع التي لها كلتا الخاصيتين، يكون انتاجها اقل من حاجة السوق لأن العديد من الناس سينتفعون منها حتى عندما يكون هناك القليل ممن يدفع لها.

الناس يرتكبون اخطاءاً واضحة عند الحديث عن السلع العامة. الخطأ الاكثر شيوعا هو الاعتقاد ان كلمة عامة تعني تزويدها من جانب الحكومة. لكن كلمة "عامة" هنا تشير الى مختلف خصائص السلعة وليس الى ما اذا كانت الحكومة تزودها حاليا. البعض يدّعي ان التعليم العالي هو "سلعة عامة" لكن ذلك غير صحيح. الكلية مستبعدة: جامعة سانفورد وجامعة ست لورنس، يمكنهما منع الناس من دخول ابواب الجامعة، فالتعليم هو ليس سلعة عامة بالمعنى الاقتصادي للكلمة. التاريخ مليء بالأمثلة حول ما يسمى "السلع العامة" التي تُزوّد طبقاً لآلية السوق. لنأخذ مثال، الاقتصادي Daniel D’Amico الذي يرى ان فرض القانون، والقانون الجنائي، والسجون يمكن تزويدها بطريقة خاصة. يجادل دي اميكو ان توفير الحكومة للسجون في اليونان القديمة نشأ ليس لمعالجة فشل السوق وانما لفائدة النخب السياسية.

نقص المعلومات

يحدث نقص المعلومات عندما يمتلك طرف ما معلومات لا يمتلكها الطرف الآخر. سوق التأمين الصحي معرّض افتراضا للفشل بسبب ظاهرتين: الاختيار العكسي والمأزق الاخلاقي. في حالة الاختيار العكسي، وبسبب عدم مقدرة شركة التأمين على التمييز بين المريض والمعافى، فقط المريض سيسعى الى التأمين. اما في حالة المأزق الاخلاقي، الشخص الذي يملك تأمين على المنزل ربما يغيّر سلوكه ولا يتخذ احتياطات تقي البيت من الحريق لأن شخصاً آخر (شركة التأمين) هي التي تتحمل التكاليف.

ما يبدو من فشل في سوق التأمين الصحي يشير الى لغز: لماذا لم يتّبع الامريكيون بعض اشكال التأمين الصحي الوطني اثناء العصر التقدمي؟(2) كانت هناك حركة للتأمين بين الاصلاحيين، لكن الامريكيين العاديين عزفوا عنها. بعض المؤرخين يدّعون ان مجموعة من المصالح الخاصة وجهل العمال الامريكيين يوضح سبب ذلك. ولكن في كتابه عام 2007 "أصل التأمين الصحي الامريكي: تاريخ تمويل الامراض الصناعية" يوضح الاقتصادي والمؤرخ John E. Murray ان العمال الامريكيين لم يطلبوا تأميناً صحياً من الحكومة لأنهم كانوا مقتنعين بحلولهم الخاصة.

الفوائد لم تكن سخية، والمردود كان قليلا، الشركات وصناديق التمويل، والعمال ابتكروا عدة طرق لمعالجة امكانية السلوك المربح. ومع ان صناديق التمويل هذه لم تكن تامة، ولكن كما لاحظ موراي، كان من الواضح انها لم تكن اسوأ من الحلول التي تقودها الدولة.

عندما تواجه الشركات المحفزات المناسبة، فانها ستخلق سلع عالية النوعية وتزود معلومات دقيقة عنها الى المستهلكين. في الاسواق التنافسية، السمعة هي آلية قوية جدا تعطي الشركات حافزاً للحفاظ على مستويات معينة للنوعية. الاقتصادي المؤرخ Sukkoo Kim لاحظ انه مع التحضر ونمو الاسواق، اصبحت اسماء الشهرة والمواقع المتعددة العاملة تحت نفس الراية (A&P, McDonald ) طريقة هامة تستطيع فيها الشركة ابراز النوعية. لو انت زرت مطعم بسبب قراءاتك عنه في موقع yelp.com، فستدرك مدى قوة السوق في توفير المعلومات.

هناك ايضا الادّعاء بان "نقص المعلومات" ذاتها لا يجعل التدخل الحكومي في السوق مفضلا. وجود مثل هذه المشاكل لم تمنع حلول السوق في الماضي. كذلك، العديد من التدخلات الحكومية الحالية التي يستخدمها الناس كحجة كانت في الاصل مرتكزة على المصالح الخاصة والخدمة الذاتية وليس على السلع العامة. انظر الى الفشل المفترض للسوق في معلومات المجال الطبي. كما يذكر ملتن فريدمن، ان التراخيص الطبية تزيد رواتب الاطباء المُلزمين على حساب المستهلكين. الاقتصادي Morris Kleiner اوضح صحة هذا في العديد من المهن المرخصة.

قوة السوق

الاحتكار هو فشل آخر للسوق. الاحتكاري (بائع واحد للسلعة او الخدمة) يتقاضى سعر كبير وينتج القليل من السلع. في بدايات القرن العشرين، العديد من الاتحادات الاحتكارية جرى تجزئتها من جانب الحكومة الفيدرالية النشطة آنذاك. في مقالته "جذور المدافعين عن معارضي الاحتكارات" يشير الاقتصادي Thomas J. Dilorenzo الى ان العديد من الشركات والافراد الذين عوملوا كاحتكاريين لم يكونوا منسجمين مع الوصف. شركة ALCOA للالمنيوم مثلا، قيل انها كانت احتكارية، ليس بسبب انها رفعت سعر الالمنيوم وانما بسبب انها خفضت السعر. في السوق الديناميكي، كما لاحظ جوزيف شمبر في منتصف القرن العشرين وغيره من الاقتصاديين، ان الطريقة لتصبح غنيا هو ان تبتكر: وتناقش في احسن المواقع وتترك العالم يطرق بابك.

الانطباع السائد عن "الاحتكار الطبيعي" قد لا يكون واقعيا. فبالرغم من ان بعض المنافع العامة قد تكون احتكارات طبيعية، لكن العديد مما سمي "احتكار طبيعي" هو ليس كذلك. حتى بالنسبة للخدمات العامة، نحن نستطيع رؤية ان التغيرات في التكنلوجيا تُضعف مما يبدو احتكار طبيعي – مثل، تطوير استخدام تكنلوجيا المايكروويف لنقل مكالمات التلفون، أعقبها تكنلوجيا الخلوي. بالطبع شركة AT&T لخدمات التلفون الاحتكارية كانت نتيجة لجهودها في بناء لوبي قوي مع الحكومة في عام 1910، حين كانت الشركة هي الاكبر من بين اكثر من 20 ألف شركة تلفون منفصلة. هذا ادّى الى إبطاء الابتكارات لأن الولايات المتحدة لو لم تمنح الاحتكار لشركة AT&T لكانت حققت المزيد من التقدم وبسرعة كبيرة. كذلك، لجنة الاتصالات الفيدرالية أبطأت ادخال التلفونات الخلوية لأكثر من عقد وبكلفة عالية للامريكيين.

البحث السريع يبيّن ان عدد كبير من الناس يعتقدون ان غوغل هي محتكر طبيعي في عالم البحث (الدليل يثبت عكس ذلك فهناك محرك Bing )، او ان هناك من يقول ان الفيسبوك هو محتكر طبيعي في الميديا الاجتماعية، بينما عكس ذلك نرى العديد من الناس لديهم حساب مع LinkedIn و Google+ و Twitter، وايضا القول ان تويتر محتكر طبيعي هو غير صحيح لأننا نقوم باشياء مشابهة في مواقع اخرى للميديا الاجتماعية. قبل عدة سنوات، كان الناس يعتقدون ان مايكروسوفت هو محتكر طبيعي (الدليل ينفي ذلك بوجود Apple )، واليوم بعض الناس يرون ان Apple هي محتكر طبيعي (وجود مايكروسوفت يثبت عكس ذلك ). ان مجرد الاشارة الى الشركات الكبيرة "بقوة السوق" او "محتكر طبيعي" لن ينهي النقاش، بل سيكون بداية لحديث اكثر اهمية حول الاسواق والحكومات.

استنتاج

فشل السوق هو موضوع شائك حتى للاقتصاديين الحرفيين. وعندما يثير غير الاقتصاديين امثلة عن فشل السوق ستصبح المسألة أكثر تعقيداً. ليس فقط كل هذه المصطلحات ذات معاني تقنية لا تجاري المعنى الذي يفكر به غير الاقتصاديين، وانما لأن معظم غير الاقتصاديين غير مطلعين على مختلف الانتقادات التي اثيرت في الادب حول هذه المواضيع. والاكثر اهمية، ان انتقادات غير الاقتصاديين للسوق هي غير واعية بالتحليلات المؤسسية المقارنة التي جعلتها نظرية الخيار العام جزءاً ضرورياً للتفكير حول دور الحكومة في الاقتصاد. الاشارة الى عدم الكمال في السوق لا يعطي بذاته تبريراً لتدخل الحكومة، والطريقة الوحيدة المؤكدة بان "فشل" السوق هو "فشل" هي بالمقارنة مع فكرة نظرية لا يمكن بلوغها. الفهم الحقيقي للاقتصاد السياسي المقارن يبدأ(ولا ينتهي) بالاعتراف ان الاسواق ليست دائما تامة.

..............................................

المصادر:

1- 2013Library of Economics and Liberty, Art carden, Steve Horwitz,

الهوامش:

(1) نظرية الاختيار العام public choice theory للاقتصادي الامريكي James Buchanan الحائز على جائزة نوبل لعام 1986 سعى من خلالها الى بناء نموذج نظري يدمج فيه دور الحكومة في تعظيم الرفاهية مع النموذج النظري لحركة الاقتصاد. واساس الفكرة ان الحكومة هي كأي وكيل اقتصادي باحث عن المنفعة. فلو نظرنا الى الطرفين الاساسيين في اتخاذ القرارات نجدهما الشركات والمستهلكين. الشركات تسعى الى تعظيم الربح اما المستهلكون يسعون الى زيادة قناعتهم من السلع والخدمات. الحكومة من جهتها تتخذ قراراتها للحصول على المزيد من اصوات الناخبين في الانتخابات القادمة. مثال على ذلك استمرار سياسة الدعم الزراعي التي تقدمها الحكومات للمزارعين رغم جميع النصائح التي يقدمها الاقتصاديون للحكومات. نظرية الاختيار العام تنظر في الرابحين والخاسرين من الناخبين. الرابحون من سياسة الدعم الزراعي هم المزارعون حيث انهم مجموعة سياسية ضاغطة يرفضون وقف الدعم وسيصوتون ضد اي حكومة تقترح وقف الدعم. اما الخاسرون هم مجموع المستهلكين. طالما ان متوسط عدد الناخبين غير قلقين وغير واعين بالخسائر التي تلحق بهم من جراء سياسة الدعم، فان الحكومة المعظمة للتصويت ستتجاهل مصلحة الاكثرية وتدعم مصلحة الاقل عددا. الحكومة ستدرس تغيير السياسة الزراعية فقط عندما تصبح كلفة الدعم الزراعي عالية لدرجة تدفع دافعي الضرائب للبدء بحساب الكلفة. استمرار الحكومة في مواصلة اهدافها الخاصة مثل تعظيم التصويت يجعلها تفشل في العمل لمصلحة الناخبين، وهنا سوف تزيد السياسة المتبعة من فشل السوق وستكون مؤذية للاقتصاد خاصة في المدى البعيد.

(2) العصر التقدمي progressive Era هو الفترة التي شهدت نشاطا اجتماعيا واصلاحات سياسية كبيرة في الولايات المتحدة بين الاعوام 1890 و 1920.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آب/2014 - 27/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م