ركائز النهضة الثقافية العالمية للشيعة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: عندما يطالب سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، الشيعة بأهمية الشروع في نهضة ثقافية عالمية، فإن سماحته يستند في ذلك الى جملة من المواصفات التي يتحصَّل عليها أبناء الشيعة من أتباع آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله، وهذه المواصفات تمهد لهم إمكانية تحقيق المقومات المطلوبة، للشروع في برنامج ثقافي عالمي، ينشر الثقافة الإسلامية والمبادئ الإنسانية التي تقوم عليها ثقافة ومبادئ المذهب الشيعي في عموم العالم، ويأتي ذلك مستمدّأ ومستنِدا الى سيرة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، ثم سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام.

الركيزة الاولى لنهضة الثقافة الشيعية، كما نقرأ في صفحات التاريخ الموثوق منه، تتمثل في أن الشيعة (أئمةً وأتباع) نذروا أنفسهم لمواجهة الظلم أينما كان، وأياً كان مصدره وحجمه، فالانسان الشيعي المتقي لا يعبأ بالعواقب، اذا كان الامر يتعلق بردع الظلم وأهله، لذلك فإن المتقين الذين ينتمون الى الشيعة، غالبا ما يكونوا مستعدين لتقديم أعلى التضحيات، ومنها عناصر ومستلزمات الرفاهية في الحياة، فلا يبحث الانسان الشيعي المتقي عن جاه او نفوذ او سلطة او اموال، ويرفض هذا السلوك من أي طرف كان، حتى لو كانت السلطة مصدره.

وقد اثبت التاريخ تلك المواقف الجبارة لأئمة اهل البيت عليهم السلام، عندما تصدوا للطوغيت بأنفسهم وذويهم وأموالهم وبكل ما يملكون، وهذا ما تصدى له ايضا أتباع اهل البيت في كل مكان من الارض، فقدموا الغالي والنفيس قربانا للمبادئ الإسلامية الإنسانية التي ترفع من شأن الإنسان، وتقارع في الوقت نفسه مصادر الظلم وامتهان الناس، لذلك فإن الشيعة على الرغم من انهم يعيشون في هذه الحياة، ولهم الحق في العيش الذي يليق بكرامة الانسان، إلا أنهم مستعدون للتضحيات دائما وابدا، وهذه ميزة يتميز بها الشيعة منذ أزمنة سحيقة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في احدى كلماته القيمة: (الشيعة مثلهم كمثل من يجمع الأموال ويودعها في المصارف والبنوك، فأمواله ليست موجودة عنده لكنها محفوظة له. ومثل غيرهم هو مثل من يجمع الأموال في جيب مثقوب، فهي تسقط منه ولا يستفيد منها أبداً).

بعض صفات المتّقين:

ومن الركائز الاخرى للثقافة الشيعية، أنهم يجعلون من التقوى طريقا لهم، كما يذكر ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في كلمته نفسها: (للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كلمة عظيمة ـ ويالها من عظيمة، ويا لها من عظيمة، وكل كلماته صلوات الله عليه عظيمة ـ في خطبة المتّقين، يذكر بعض صفات المتّقين، حيث يقول صلوات الله عليه: شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم). اذن فالمتقون يشاركون اهل الدنيا حياتهم وسبل عيشهم، ولكن بما يحفظ قيمة الانسان وكرامته، وبما يجعله مستعدا لما تريده الدار الاخرى، على الرغم من انه يعيش الدار الاولى، فهو وإن عاش في هذه الدار، لكنه لن يفرط في الاخرى قط.

وثمة ركيزة اخرى تقوم عليها مبادئ وثقافة الشيعة، تتمثل بالانتصار للحق والوقوف في صفه مهما كانت المعاناة والنتائج، لأن الوقوف الى جانب الحق يعني في ابسط ما يعنيه دحرا للباطل، وهذا جوهر الاسلام الذي رفض الجور والظلم ونادى بالعدل والرحمة والمساواة، لذلك على اساس هذه الركائز ينبغي ان تكون هناك نهضة عالمية لهذه الثقافة، حتى يتسنى للعالم ان يعيش في حالة من التوازن والاستقرار، فإذ شاع العدل وتراجع الظلم، سوف يعيش العالم اجمع في حالة من الهدوء والسكينة والانسجام، خلافا للصورة المتشنجة التي يعيشها الآن، وهي تمثل واقعا متشنجا مأزوما مشبعا بالصراعات وحالات الاحتراب التي ما انفك العالم يعاني منها في كل مكان من كوكبنا الأرضي، من هنا نحن بحاجة الى نهضة ثقافية تعيد العالم الى رشده.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الشيعة اليوم أن يقوموا بنهضة ثقافية شاملة على مستوى سبعة مليار، أي عالمية عدد نفوس العالم. فالكثير من الناس اليوم ليسوا من المعاندين، بل هم في غفلة وفي ضلال). نعم هناك كثرة من الناس لا يعرفون الثقافة الشيعية حق المعرفة، لكنهم لو اطلعوا عليها بجوهرها الاسلامي الحقيقي، لانتسبوا إليها من دون ادنى تردد، على الرغم من ان مصادر السلطة والأنظمة الجائرة، تحاصر هذه الثقافة وتمنعها من الوصول الى الآخرين بشتى الطرق.

الجلوس على عرش الظلم

وغالبا ما يتعرض الشيعة للقهر والقمع، ومع ذلك وكما أكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلا:  (سيكون الأجر محفوظاً عند الله للذين أصيبوا وابتلوا من الشيعة، وستكون فرحتهم يوم القيامة أكثر من حزنهم وتعبهم في الدنيا. فطريق أهل البيت صلوات الله عليهم جنّة، المتاعب في هذا الطريق مفرحة).

ومن الواضح للجميع أنّ القوة يمكنها أنْ تصنع عرشا في كل حين، ولكن هل يدوم هذا العرش المصنوع بحراب الظلم، هذا ما يرفضه الشيعة جملة وتفصيلا، وهذه هي الركيزة الاهم التي تقوم عليها ثقافة الشيعة أينما تواجدوا في بقاع الارض، فالصوت الشيعي لا يقبل بالحاكم الذي يقيم عرشه بالحراب، ويصنعه بالقوة الغاشمة، وتمثل ركيزة مقاومة الطغاة في الثقافة الشيعية منهجا لا رجوع عنه، مهما كانت النتائج، لذلك تعرض الشيعة ولا يزالون في كثير من دول العالم، الى القمع والقتل والنفي، لأنهم يرفضون الحكم المصنوع بحراب القوة.

ويؤمن الإنسان الشيعي المتقي، أن الظلم لا يمكن أن يدوم، ونهايته قادمة في جميع الاحوال، ولكن ليس بالخضوع والاستكانة للظلم، وإنما في شن مقاومة قوية ومؤمنة ضد الظلم حتى يسقط مترنحا من الاعالى نحو الحضيض. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الموضوع: (يستطيع الإنسان أن يصنع بالحراب كل شيء ولكن لا يستطيع أن يجلس عليه. وهذا حال كل من يظلم).

لهذا السبب كان الشيعة ولا يزلون يعانون من الظلم والاضطهاد، لأن ثقافتهم تقوم على ركائز في مجملها لا تقبل التجاوز على ذات الإنسان، ولا تثلم قيمته الإنسانية التي دعت الأديان والأعراف والقيم كافة الى الحفاظ عليها، ومن البديهي أن الإنسان الذي يقاوم الانحراف سيواجه المصاعب ويعيش المعاناة، وهذا هو حال الشيعة الان، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في نهاية كلمته القيّمة هذه: (أسأل الله تعالى أن تكون المعاناة التي يعانيها الشيعة اليوم بالعراق وسوريا هي آخر المعاناة، وهذا ما تدلّ عليه القرائن الموجودة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آب/2014 - 24/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م