ما قبل وما بعد القرار 2170

عريب الرنتاوي

 

حسناً وصل المجتمع الدولي إلى قرار بالإجماع يجرم داعش والنصرة، والمتعاملين معها والداعمين لها... والقرار 2170، ربما يشكل بداية الطريق لحلف أممي في مواجهة الخطر الزاحف على المنطقة والإقليم والأمن الدولي... لكننا نقول “ربما”، فلسنا متأكدين بعد، ما إن كانت النوايا قد خلصت، والاستعدادات قد اكتملت لولوج عتبات المواجهة الإقليمية -الدولية مع قوى التطرف والإرهاب.

مصدر “عدم اليقين” الذي يجتاحنا، إنما يعود لأسباب عدة، منها... أولاً؛ تجاهل القرار للدول والأنظمة والحكومات التي تورطت قولاً وفعلاً في دعم إرهاب داعش والنصرة... فهذه القوى لم تهبط على سوريا والعراق من كوكب آخر، هناك من صدّر لها فكراً تكفيرياً، وهو ذاته المسؤول عن تغذية الجهاديين بفكر التفكير والكراهية، منذ الجهاد العالمي في أفغانستان وصولاً إلى “غزوتي واشنطن ونيويورك”، مروراً بالإرهاب الذي ضرب عواصم عدة في العالم... وهناك من موّل وزوّد بالبترودولار مباشرة عبر شبكات استخباراته ومؤسساته الدينية والاجتماعية... وهناك من قدّم الرجال بالآلاف إما بإخراجهم من السجون، أو بتنظيم عمليات نقلهم الجماعية من ليبيا وغيرها إلى ساحات الجهاد المفتوحة من الموصل إلى ريف حلب... وهناك من سهّل دخول المجاهدين بالآلاف عبر حدوده المفتوحة مع “دولة داعش”، واشترى منها النفط والمسروقات، وعالج جرحاها ومصابيها في مستشفياته، وأقام لهم معسكرات الاستقبال والتدريب وكل ما يحتاجونه في رحلتهم الجهادية.

وثالثاً؛ لأن هناك من لا يزال يميز بين إرهاب سافر وآخر أقل سفوراً... فيقترح علينا محاربة داعش من جهة، لكنه من جهة أخرى، يواصل دعم “حزم” وزهران علوش وبقايا الجماعات المسلحة، التي تتحالف مع النصرة، وتقيم معها غرف عمليات عسكرية مشتركة في “مارع” ودرعا والغوطة واليرموك، وبتواطؤ من الجيش الحر والائتلاف، بل وبمشاركة منهما، من دون أن يستتبع ذلك أي موقف أو إجراء من “المجتمع الدولي” الذي أدرج النصرة إلى جانب داعش، في لائحة المنظمات الإرهابية.

وثالثا؛ لأن هناك من يقترح دعم حكومتي بغداد أربيل والتعاون مع إيران في الحرب على الإرهاب، أما عندما يتصل الأمر بسوريا، فهناك من يشدد على وجوب تجنب محاربة داعش (دع عنك النصرة) في سوريا حتى لا تغضب دول الإقليم، التي جعلت من إسقاط نظام الأسد هدفاً لها، حتى وإن استوجب ذلك الاستنجاد بداعش والنصرة... وهناك من يقترح تجنب التعاون مع حزب الله، حتى لا تغضب إسرائيل وبعض أصدقائها من معسكر الاعتدال العربي.

الحرب على داعش وأخواتها، يستوجب أولاً؛ إعادة النظر في “فقه الأولويات والضرورات”، فداعش هي الخطر الأكبر الذي ينبغي أن تتوحد الجهود والإرادات لمواجهته، ويستدعي ثانياً، إطارا إقليميا – دوليا للتعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي، ويملي ثالثاً؛ تسمية المتهمين بدعم الإرهاب بأسمائهم، أقله اعتباراً من يوم صدور القرار 2107، وبخلاف ذلك، لن يساوي هذا القرار الحبر الذي كتب فيه.

في العراق، لا يبدو أن ثمة مشكلة في بناء ائتلاف عريض في مواجهة داعش، المجتمع الدولي منهمك في تقديم العون لحكومة أربيل، حليفته المفضلة والأثيرة... وحكومة بغداد، على الرغم من مشاكلها الكثيرة، نالها نصيب من الدعم كذلك، وفي ظني أن المعركة مع داعش في العراق، قد تنتهي لصالح بغداد والإقليم وبدعم مباشر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الصورة ليست كذلك في سوريا، واشنطن ما زالت تميز بين داعش العراق وداعش سوريا، وهي رسمت لنفسها حدودا لن تتخطاها إلى سوريا، في المدى المنظور على الأقل، وكذلك يفعل الاتحاد الأوروبي الذي تكتفي عواصمه الرئيسة باقتفاء أثر واشنطن لا أكثر... مع أن داعش لم يشتد عودها، وباتت قادرة على اجتياح العراق وتهديد أربيل، إلا بعد أن تمكنت في سوريا، وتحديداً في مناطق شمال شرق سوريا، ومن دون ضرب داعش هناك، لا معنى لكل حديث عن ضرب داعش في العراق.

يبدو أن أبو بكر البغدادي قد أدرك هذه الحقيقة، فمع تزايد طلعات الطيران الحربي الأمريكي في مناطق انتشار داعش، آثر النجاة وكبار قادة التنظيم باجتياز الحدود صوب سوريا... هناك سيكون بمنأى عن الطائرات الأمريكية، بطيّار أو من دونه.

في سوريا، لا توجد قوة على الأرض، قادرة على مواجهة داعش ومنع تقدمها وهزيمتها، سوى الجيش السوري... نرى منذ عدة أشهر، انهيار وتآكل الجيش الحر، وجبهة النصرة تتفكك تباعاً أمام زحف قوات “الخليفة”... وألوف الأنصار من مختلف القوى الإسلامية والجهادية يبايعون البغدادي على السمع والطاعة... وحده الجيش السوري قادر على وقف اندفاعة داعش، وإلحاق الهزيمة بها... ومن يريد أن يصل إلى هذه النتيجة، فإن طريقه يمر بقصر المهاجرين في دمشق... لا طريق آخر.

وإلى أن تحسم واشنطن خياراتها، سنظل على اعتقادنا بأن لعبة استخدام داعش وتوظيفها لم تنته بعد، وأن واشنطن وحلفاءها متورطون في هذه اللعبة، إن لم يكن بالدعم، فبغض النظر وإدارة الظهر لكل من يقدم العون والدعم والتسهيلات... ونريد أن نرى تداعيات موقف ديفيد كاميرون من التعاون مع إيران في مواجهة داعش، وما إذا كان هذا التعاون، سينسحب على حلفاء إيران، أم أنه سيتوقف عندها، وهل المقصود بالدعم، إعادة انتاج سيناريو المالكي – العبادي في سوريا، أم أن الوضع مختلف في سوريا عمّا كان عليه الحال في العراق... هل الأسد جزء من معسكر الحرب على الإرهاب، أم أن رحيله هو المطلوب لبدء هذه الحرب وفتح صفحة للتعاون مع إيران... ما الذي يقصده كاميرون، وما الذي سيترتب على حديثه، وهل هو حديث بريطاني خاص، أم أن الرجل نطق باسم حلفائه عبر الأطلسي؟

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آب/2014 - 24/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م