حيدر العبادي وخطة تقسيم العراق؟

علي الأسدي

 

منذ فترة ليست بالقصيرة يروج في الاعلام العربي والدولي الناطق باسم الولايات المتحدة ان المالكي طائفي وقد همش المكون السني بما فيه الأكراد، وقد جرت خلال السنتين الأخيرتين حملة مكثفة لإبراز هذه الصورة التي خرجت عن المعقول بشكل واضح جدا. وقد اضطلع بهذه الحملة عدة أطراف لكن أهم طرفين فيها هما أجهزة الاعلام الموالية للسعودية وثانيهما الدبلوماسية البرزانية السرية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. الأخيرة أظهرت الكورد بكونهم الضحية وأنه لا مخرج لهم غير الاستقلال عن بغداد اذا لم يزح المالكي عن السلطة. هكذا تم عرض الصورة عن عراق المالكي، بينما الهدف الحقيقي غير ذلك تماما. استعرض هنا بعض ما جاء في مقال الصحفي والكاتب السياسي الأمريكي المستقل مايك وتني عن هذا الموضوع والدور الأمريكي المشبوه في العراق مع تعليقي على ما ورد فيه.*

السبب الحقيقي هو رفض المالكي التوقيع على اتفاق بقاء 30 ألف عسكري في العراق عام 2011 ورفضه منح الحصانة للعسكريين الذين كانوا سيبقون في العراق لتدريب قوات الجيش والأمن العراقية. وهذا ما أغضب واشنطن ولهذا أرادت ازاحته واحلال آخر محله تستطيع واشنطن العمل معه، وقد كان ذلك واضحا من البيان الذي صدر عن البيت الأبيض مباشرة بعد الاعلان عن تعيين العبادي رئيسا للوزراء. وقد جاء فيه:

" قام نائب الرئيس جو بايدن بالاتصال بحيدر العبادي لتهنئته باسم الرئيس أوباما وأكد دعمه لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل العراقيين ومحاربة الارهاب الذي تمثله داعش. كما ناقش الزعيمان الخطوات العملية لإعادة تفعيل الاتفاق الثنائي الاستراتيجي بين البلدين الذي يعزز التعاون في كافة المجالات بما فيها الاقتصادية والدبلوماسية والتعاون الأمني. وقد شكر الرئيس المكلف العبادي نائب الرئيس بايدن على اتصاله، واتفق الاثنان على استمرار الاتصالات حول تشكيل الحكومة العراقية القادمة." ولم ينتظر السيد بايدن طويلا ليذكر العبادي بانه ينظر باهتمام الى التعاون الثنائي الاستراتيجي حول كافة القضايا بين البلدين الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية."

بيت القصيد في المكالمة التلفونية كما يراها الكاتب والصحفي مايك وتني هو " التعاون الاستراتيجي في كافة القضايا ". فالاتفاق الاستراتيجي ينص تحت بند " الدفاع والأمن " التي تحث على ضمان الأمن الحدودي والاستراتيجية العسكرية والمشاركة في المناورات الاقليمية المشتركة. وكان وزير الدفاع العراقي الدليمي قد وقع على وثيقة للتفاهمات الأمنية مع الولايات المتحدة والتي ستعقد اجتماعها التالي في واشنطن قبل نهاية هذا العام. الولايات المتحدة لم تلتزم بها قبل ازاحة المالكي عن السلطة.

ليس هناك ادنى شك في ان الولايات المتحدة ترغب في العودة للعراق ولهذا السبب سمحت للمنظمة الارهابية داعش لاحتلال 30% من أراضي العراق والتحرك نحو بغداد لتكون على بعد 50 ميلا منها ولم تحرك الولايات المتحدة اصبعا. وذلك لأن الرئيس أوباما كان يبحث عن سبب ليعيد نشر آلاف من القوات العسكرية الأمريكية في العراق عن طريق بث الرعب في نفوس قادته السياسيين بوضعهم وجها لوجه أمام احتمال تعرضهم للمذابح على شاكلة ما فعلته داعش في المناطق التي احتلتها. ومن السهل ملاحظة ذلك حتى لو لم تكن داعش موجهة بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة.

وعند ملاحظة المناطق التي احتلتها داعش وفرضت هيمنتها عليها تحت اسم دولة العراق والشام الاسلامية يتضح أنها هي المناطق التي تسعى الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري فيها. فهذه المنطقة تحاذي كردستان العراق وايران وسوريا وتسعى الولايات المتحدة من تواجدها فيها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التالية ذات الأهمية البالغة للمصالح الامبريالية الأمريكية في المنطقة. وهي:

1- حماية وضمان انسياب النفط من شمال العراق الى اسرائيل.

2- تعزيز هدف قيام دول كردية في العراق وسوريا وايران ولاحقا في تركيا.

3- التواجد على حدود ايران الغربية لتنفيذ خططها لإعادة ايران الى حظيرتها كما كانت حتى عام 1979 أثناء حكم الشاه وبذلك تعيد بناء قواعدها العسكرية والتجسسية الموجهة الى روسيا بعد أن كانت موجهة ضد الاتحاد السوفييتي.

4- التغلغل التخريبي الى داخل روسيا لزعزعة الاستقرار فيها واشغالها في مشاكلها الداخلية لإضعاف دورها وتقليص نفوذها الدولي وحصر اهتمامها فقط داخل حدودها.

5- النفاذ عبر ايران الى جمهوريات منطقة القفقاس الاسلامية التي تربطها بروسيا علاقات تعاون سياسي متعدد الأوجه لزرع الاضطرابات فيها على غرار ما جرى في دول الاتحاد السوفييتي السابقة وكما يحصل الآن في أوكرانيا. وترمي الولايات المتحدة من وراء ذلك تقطيع كل صلات روسيا بتلك الدول وانهاكها اقتصاديا وعزلها سياسيا واجبارها على الانكفاء داخل حدودها بعد انسلاخ القوميات غير الروسية عنها تمهيدا لالغاء مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي.

لهذه الأسباب تحاول الولايات المتحدة العودة للعراق ولا يجب الاعتقاد ولو للحظة ان الولايات المتحدة قد تخلت عن العراق. ففي عام 2007 صرح وزير الدفاع الحالي جوك هاغل بوضوح يقوله: " يدعي الناس اننا نسعى من أجل النفط، نعم، اننا نسعى من أجله فعن ماذا بحق السماء يتحدثون، فلسنا هناك من أجل التين..؟؟

قال أوباما انه لن يقصف داعش برغم احتلالها الموصل وسامراء وصلاح الدين وبعض مناطق من بعقوبة قبل تشكيل حكومة وحدة سياسية، بعبارة أخرى قبل ازاحة المالكي، لكنه قام بقصفها عندما اقتربت من حدود أربيل. فلماذا، هل لأن دماء أهل الموصل أرخص عليها من دماء الكرد..؟؟

لا، أبدا، الموضوع غير ذلك، فالأمريكيون غير معنيين بدماء أي انسان هم معنيون بدم آخر هو بالنسبة لهم أهم كثيرا من دماء العرب والكرد انه النفط. هناك عشرة أسباب تفسر لماذا قصف أوباما داعش على مشارف أربيل ولم يقصفها على مشارف بغداد. وهذه هي:

1- Exxon Mobile 2- Chevron 3- Aspect Energy 4- Marathon oil Corporation 5-Hess Corporation 6- Hillwood International Energy 7- Hunt Oil 8- International Energy 9 – Murphy Oil 10- HKN Energy

الشركات النفطية أعلاه هي الشركات الأمريكية العاملة في كردستان، ورسالة أوباما الى داعش عن سياسة الولايات المتحدة ببساطة هي: يمكنكم أن تقتلوا أي عدد من المسلمين والمسيحيين والآيزيديين كما تشاؤون، لكن اذا وضعتم اصبعكم على النفط فنحن سنحولكم الى رماد ذري، أليست هذه هي الرسالة..؟؟ بالطبع هي. لقد عادت الطائرات الأمريكية الى سماء العراق ثانية بحجة الدفاع عن الاقليات ولحماية الدبلوماسيين في اربيل ولمنع المتطرفين الاسلاميين من التقدم نحو كردستان.

خلال السنوات الثلاثة الماضية كتبت الصحافة الأمريكية الموالية لليمين عن أوباما وخسارته العراق بعد انسحابه منه عام 2011 محملينه كل ما يحدث من أخطاء في السياسة الأمريكية في المنطقة. ولهذا رغب أوباما أن ينحي المالكي لأجل اعادة القوات الأمريكية الى العراق كمحاولة لتصحيح الخطأ. وحالما قام الرئيس ونائبه وجون كيري الذين دعموا حيدر العبادي كبديل للمالكي الذي لا يعرفون عنه شيئا أثار الشكوك بأن الولايات المتحدة كانت تعمل وراء الكواليس لإزاحة المالكي، مما دفع الرئيس أوباما لنفى أي دور له في ذلك. لكن ما كتبته صحيفة الغارديان البريطانية حول هذا الموضوع يكذب النفي الأمريكي. وهذا ما جاء في الصحيفة:

" نفى الأمريكيون أن يكون لهم أي دور في ازاحة المالكي مع أن الرئيس ونائبه قد دعما الرئيس الجديد من خلال عدة مكالمات تلفونية. الادارة الأمريكية كانت منخرطة في انتقاد المالكي في الاسابيع الماضية محملته سوء ادارته لمصالح العراقيين. وكان الرئيس أوباما قد أمر دبلوماسييه في بغداد وواشنطن لإيجاد خيارا آخر للمالكي. وحاول أوباما التملص من الاستجابة لطلب الحكومة العراقية للمساعدة في دعم عمليات عسكرية ضد داعش قبل اجراء تغيير سياسي داخلي.

لكن الحقائق تشي بأشياء أخرى غير ما تدعيه الحكومة الأمريكية:

 الأمريكيون حملوا المالكي مسئولية تصاعد ارهاب داعش في حين ان الاستخبارات الأمريكية هي التي أوجدت داعش ودربتها ومولتها لتتحرك نحو العراق.

 الأمريكيون قالوا أنهم لن يساعدوا العراق قبل ازاحة المالكي.

 طلب أوباما من الدبلوماسيين الأمريكيين في بغداد وواشنطن لايجاد بديل للمالكي مع أنه الرئيس الحائز على أكثرية الأصوات في الانتخابات الأخيرة.

 الولايات المتحدة تعيد نفس السيناريو الذي اتبعته في أوكرانيا عندما دفعت بالدمية ياتسونيوك بديلا للرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيج.

 انهم يريدون رئيسا ينفذ الأوامر ولهذا السبب حصل المالكي على الكارت الأحمر وكان عليه أن يذهب.

وجهة النظر الأمريكية القائلة بأن العبادي سيوحد العراق لا تقنع أحدا وهي فكرة سخيفة. فعملية تقسيم العراق حقيقة واقعة على الأرض وجارية على قدم وساق ولن تعود الى الخلف. وهي كما يسعى لها الكثير من السياسيين وفي مقدمتهم جو بايدن الذي باشرها منذ اليوم الأول لتسلمه منصبه. انفصال كردستان سيسمح بتصدير النفط بأسعار رخيصة الى اسرائيل ولا يلزم المسئولين في كردستان تحويل مبيعات النفط الى الحكومة الاتحادية في بغداد وهو أمر نافذ حاليا. وقيام دولة اسلامية سنية لا حدود معلومة لها في طريقها لتكون هي الأخرى حقيقة واقعة بعد عدة سنوات. العبادي لن يكون بمستطاعه تغيير هذه الحقائق. العراق يتشظى من قبل قوى لا يستطيع العبادي مقاومتها أو السيطرة عليها. واجباته كما يريدها الأمريكيون ستنحصر في التوقيع تحت الخطوط التي تحددها الولايات المتحدة والسماح لها بإقامة القواعد العسكرية واعادة انتشار القوات الأمريكية ومباشرة وظيفته في ظل الواقع الجديد بإشراف الامبراطورية الأمريكية.

الأمريكيون لا يريدون رئيسا قويا وعراقا مستقلا. الأمريكيون يريدون النفط تحت هيمنتهم، انهم يريدون أن يقتل العراقيون بعضهم بعضا. الولايات المتحدة تريد الغاء الهوية العراقية وكل شيء يفيد العراقيين ويخدم وطنهم ويعزز استقلالهم وسيادتهم ووقف نهب ثرواتهم. هذه هي طريقة عمل الامبراطور، لقد وقف المالكي في طريق الولايات المتحدة ولذلك عليه أن يذهب، سواء كان طائفيا متعصبا أو لا فلا يغير من الأمر شيئا، لقد تقرر مصيره في اللحظة التي امتنع فيها عن التوقيع على اتفاق SOFA التي تبقي القوات الأمريكية في بلاده، وهذه هي نهاية من يحاول الوقوف في طريق الامبراطور.

استباحوه..

ومن السلاح.. جردوه..

وفي سوق النخاسة..

 للبيع.. عرضوه..

وبأبخس الأثمان..جزأوه وباعوه..

 وبإسم الخليفة..

أغاروا.. عليه..

وفي الظَهر.. طعنوه.

هدروا.. دمه..

وعلى عتبة باب بيته..

من الوريد الى الوريد.. نحروه.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آب/2014 - 24/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م