كيف نظر ارسطو للحكومة؟

حاتم حميد محسن

 

قبل ان يطرح ارسطو نظريته في الحكم، يقوم باختبار النظريات الاخرى للحكومة ويراجع القوانين السائدة لدى الدول المحكومة جيدا. هو يبدأ بنقد موسع لجمهورية افلاطون مفسراً رغبة افلاطون القوية في ان يكون المواطنون شركاء في الزوجات والاطفال والملكية. هدف الجماعة هنا هو تحقيق وحدة المدينة بأقصى ما يمكن، لكن ارسطو يهاجم ذلك بقوله ان المدينة تستلزم تعددية ضرورية: مختلف الناس يجب ان يقوموا بمختلف المساهمات وينجزون مختلف الادوار، وينسجمون مع طبقات اجتماعية متميزة. والاّ فان المدينة سوف لن تكون قادرة على اداء وظائفها الضرورية لتبقى مكتفية ذاتيا.

ارسطو يرفض اقتراح افلاطون بان الرجال يشتركون بنساء المدينة وان الاطفال يؤخذون من امهاتهم عند الولادة وتتم تربيتهم جماعيا في دور حضانة للدولة. هذا الاقتراح سيمنع اي طفل من الحصول على الرعاية الابوية الصحيحة، وان فقدان الروابط العائلية سيجعل المواطنين اقل قدرة على ابداء الصداقة والحب. ارسطو يلاحظ ايضا ان افلاطون لم يوضح كيف يمكن انتقال الاطفال بين الطبقات الاجتماعية دون خلافات كبيرة.

ارسطو يهاجم ايضا نظرية افلاطون حول الملكية، قائلا ان ممارسة السخاء هو فضيلة هامة، تتطلب امتلاك خاص للملكية. ان مشاكل الناس التي عادة يربطونها بالملكية الخاصة تنبثق ليس من الملكية الخاصة وانما من الطبيعة الشريرة للانسان. الحل يكمن في المشاركة بالتعليم وليس بالملكية. ارسطو ايضا يشير الى ان افلاطون لم يكن واضحا حول اي نوع من الملكية يجب ان تمتلكها طبقة المزارعين.

وفي آخر تعليق له على جمهورية افلاطون، يلاحظ ارسطو انه من الخطورة بمكان ترك حكم المدينة كليا بيد طبقة واحدة. كذلك، نظام افلاطون يبدو انه يمنع طبقة الحراس، ومن ثم كامل الجمهورية من بلوغ السعادة، وبهذا فهو يحبط هدف الترابط الفكري.

 بعد ذلك يذهب ارسطو ليشرح بالتفصيل العيوب التي وجدها في قوانين افلاطون: (1) ان افلاطون اقترح ان المدينة تتطلب أقاليم واسعة لكنه لم يوفر علاقات آمنة مع المناطق المجاورة، (2) السخاء، هو كالزهد، يجب ان يكون مبدأ مرشد بشأن الثروة، (3) يقول افلاطون ان الارض يجب ان تُقسم الى حصص متساوية وتوزع بالتساوي بين المواطنين لكنه لم يترك استثناءات للتغيرات في السكان، و (4) يبدو ان افلاطون يريد شكلاً للحكومة او حكومة متوازنة دستوريا لكنها تنتهي الى نظام حكم اوليغارتي.

 بعد ذلك ينتقد ارسطو النظريات التي اقترحها الفيلسوفان Phaleas of Chalcedon وHippodamus of Miletus. كان اهتمام فاليس الرئيسي هو المساواة في الملكية، لكنه لم يدرك ان المساواة المادية وحدها لا تجعل الناس سعداء، وانما، تبرز السعادة من الاعتدال والتربية. التمايز الطبقي لهيبوداموس كان ملتبساً، بسبب اصلاحاته القانونية التافهة، وما انطوى عليه من نظام خطير للمكافئات.

بعد تعامله مع هذه الانظمة النظرية، يوجّه ارسطو انتباهه الى الدساتير الموجودة فلم يجد اي منها مقنعاً. هو وجد عدداً من المشاكل في حكومة اسبارطة الشهيرة: (1) نظام العبودية يجعل هناك خطراً دائما هو القيام بالثورة، (2) الحرية غير الملائمة الممنوحة للمرأة تخلق عدة مشاكل، اسوأها نظام المهور الذي يؤذي الاقتصاد والجيش، (3) اعضاء المجالس والقضاة عادة يتم انتخابهم عشوائيا من الجمهور العام، (4) كل من اعضاء المجالس والمحاكم هم عرضة للرشاوي و(5) ملكا المدينة لم يتم انتخابهما على اساس الجدارة والاستحقاق.

ارسطو لم يكن راضيا ايضا عن كريت وقرطاجة. نظام كريت كان نخبوياً وعرضة للخلافات، وبقي آمناً بفضل عزلته عن الدول الاخرى. وبينما قرطاجة هي افضل من كل من سبارطة وكريت، لكنها تكافئ الاغنياء كثيرا بما يشجع الطمع.

ان هدف ارسطو في الكتاب الثاني هو اظهار الحاجة لنظرية جديدة للحكم، نظراً لعدم وجود نظرية مثالية او حكومة مثالية. وبالتالي، هذا الكتاب يبدو اقرب الى الجدل العنيف منه الى النقاش المتوازن. ارسطو يترك استثناءات هنا وهناك، لكنه عموما غير مهتم بقيمة النظريات والدساتير التي يناقشها. وبقدر ما تبدو هذه الامثلة اكثر نقصاً، سيصبح الجمهور اكثر استجابة لنظريته. وبدلا من الانخراط في نقد متوازن، كان ارسطو في اغلب الاحيان يميل الى عزل المسائل الفردية خارج سياقها ويصفها بطريقة معتمة.

ان نقاش ارسطو لجمهورية افلاطون المثالية يؤهلهُ ليكون احدى اعظم المواجهات الفكرية في كل العصور لكنه بدلا من ذلك كان وللأسف غير مقنع. ارسطو يبدو اساء عمداً قراءة افلاطون، وهو نادرا ما يخفف من النقد له. ربما يدافع البعض عن افلاطون في عدة مسائل: (1) ادّعاء ارسطو ان رغبة افلاطون بالمزيد من الوحدة يتجاهل الطبيعة الضرورية للمدينة هو ادّعاء بلا معنى، طالما ان جمهورية افلاطون المثالية منقسمة بشكل صارم الى ثلاث طبقات اجتماعية متميزة، (2) افلاطون يقترح الاشتراك في الزوجات والاطفال فقط لطبقة الحراس الحاكمة، وذلك لكي يصبح الاطفال يدينون بالولاء للدولة عندما يكبرون ولن يتأثروا بالروابط العائلية. هو لم يقترح اي شيء عن ازالة الروابط العائلية ضمن الطبقات الاخرى، (3) طبقة الحراس فقط اقتُرح ان تعمل بدون ملكية خاصة و(4) جدال افلاطون حول سعادة المدينة قصد به ضمان سعادة الافراد ضمن المدينة.

ان هجوم ارسطو على القوانين هو اكثر سوءاً، والمعلقون يرون ان ارسطو ربما كان يشير الى صيغة من القوانين تختلف عن القوانين المتوفرة للقارئ الحديث. انتقاد قوانين اسبارطة هو ربما اكثر صوابية، مع ان ارسطو لم يشر الى العديد من الفضائل في قوانين اسبارطة الراقية. كتاب السياسة لم يذكر الكثير عن فاليس وهوبيداموس او عن قوانين قرطاجة – تجدر الاشارة الى ان ارسطو اعتبرها مدينة في شمال افريقيا وبهذا هي خارج ذروة الحضارة التي كانت مقتصرة على الاغريق القديمة.

وعلى الرغم من الضعف في هجوم ارسطو، لكن الكتاب الثاني يبقى جديراً بالاستحقاق. الاكثر اهمية، ان ارسطو يستمر في الدفاع عن الملكية الخاصة. اكثر المنظّرين الذين يهاجمهم والذين يسعون لإلغاء الملكية الفردية يقومون بهذا بهدف القضاء على الجشع والانانية المصاحبة للملكية الخاصة. يجادل ارسطو ان هذه الرذائل تبرز من خبث الانسان وليس من مجرد وجود الملكية الخاصة. وبالنتيجة، الغاء الملكية الخاصة هو ليس ضروريا ولا هو شرط كافي لإزالة الرذيلة. اذا كان الناس متساوون في الثروة فهم سيصبحون كسالى في رفاهيتهم. واذا كانوا متساوين في الفقر، هم سيصبحون وبسرعة اكثر سخطاً. تاريخ الشيوعية في القرن العشرين أثبت صحة ادّعاء ارسطو بان الغاء الملكية الخاصة ليس كافيا لجعل الناس سعداء وفضلاء.

..........................

* من كتاب السياسة، ارسطو، الكتاب الثاني

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آب/2014 - 24/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م