شبكة النبأ: يعد البناء السياسي
المتحضر من اهم ما تقوم به النخبة السياسية، متمثلة بالاحزاب والكتل،
فضلا عن الشخصيات المستقلة التي تعمل في ساحة السياسة، لذلك ينبغي ان
تقوم عملية البناء السياسي على أسس صحيحة واعية متحضرة، تتلاءم وروح
العصر بما استجد فيه من تطورات هائلة في المجال السياسي وسواه، وتبقى
دول العالم الثالث في اسفل قائمة الدول المتطورة سياسيا، بسبب فشل
الاحزاب والعاملون في الحقل السياسي خلافا للاحزاب السياسية في
المجتمعات المتطورة، فالحزب السياسي في بلداننا الاسلامية غالبا ما يضع
مصالحه وأفراده في مقدمة اهتماماته متناسيا أن الهدف الاساسي من تشكيل
الاحزاب، ليس الحصول على المناصب والاستئثار بالسلطة، بقد ما يتعلق
الامر بتقديمه للخدمات الكثيرة لعموم افراد الشعب، من دون امتيازات أو
قوة او جاه او استغلال للموقع الرسمي في الحزب والدولة، لذا ينبغي
للحزب إذا اراد كسب شعبية الناس أن يقدم مصالحهم على مصالحه أولا.
في هذا الاطار يرى الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في
الاسلام) بأن: (الحزب، تجمعٌ لأفراد لهم مصالح مشتركة من وجهة النظر
الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وأنه من أجل استلام السلطة ينشط
ويتحرك في إطار برنامج عام). وهكذا نلاحظ ان ثمة برنامج سياسي مخطط له
مسبقا هو الذي يحدد طبيعة النشاط الحزبي، وينبغي أن يُبنى ذلك على أسس
سياسية متحضرة وسليمة، ولا يصح أن يكون يأخذ هذا النشاط السياسي نمطا
عشوائيا، ويجب أن لا تنحصر اهداف الحزب أو الشخصيات الناشطة في الحقل
السياسي، بتحقيق المكاسب الحزبية او الفردية، كما حدث بالنسبة لاحزاب
الشعوب المتأخرة، علما أن الحاجة الى الحزب تبقى قائمة، في المجتمعات
التي تتبنى المنهج التحرري، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بهذا
الخصوص: (إن المجتمعات التي تتبنّى الديمقراطية الاقتصادية بما يجعلها
في غنىً عن الأحزاب، تحتفظ في نفس الوقت بهذه الأحزاب بوصفها تنظيمات
من أجل الكفاح الاجتماعي المُتواصل، وذلك لغاية رفع مستوى الوعي
السياسي وتحقيق الخيارات الاجتماعية والحفاظ على أيديولوجيتها ، لأنه
لا يوجد حزبٌ بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، دون أن يقبل بمبدأ
الكفاح).
السياسة تنظير وتطبيق
لا يمكن أن يُكتب النجاح للشخصية السياسية أو الحزب السياسي، من دون
الرسم الدقيق للأسس السياسية الصحيحة، بعيدا عن التنظير والتطبيق ضمن
الاطر الذاتية والمصالح الخاصة، بمعنى ينبغي أن تبنى الاسس السليمة
التي تصب في صالح المجتمع، وان يسعى الحزب والنخب السياسية لتحقيق
الاهداف الشعبية قبل الاهداف الخاصة، لأن حصر العمل السياسي لصالح
الحزب وقيادته وأعضائه تجعله حزبا دكتاتوريا بالضرورة، اما كيف يتحول
الحزب من مهمته الوطنية المتعارف عليها في بناء الاسس السليمة، الى حزب
ضيق الافق يعمل في خدمة نفسه ومنافعه، فذلك يرتبط أولا بقيادته التي
تسعى الى استثمار الفرص لصالحها ومسخ أعضائها، وجعلهم من دون ارادة،
يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا المجال: (عندما تكون آراء
القائمين على حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه، فانّ قدرة التفكير
والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره ، تزول وتمحى،
وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها).
ولذلك عندما تستلم الاحزاب السياسية السلطة أو الحكومة، ولا تعمل
لصالح الشعب، فإنها ستفقد شعبيتها تدريجيا، وهو أمر لا مفر منه طالما
أن مصلحة الشعب في عرف هذه الاحزاب تأتي بعد مصلحة الشعب، وهو ما يحدث
في معظم دول العالم الثالث والعربية ايضا، حيث تنحسر شعبية الحزب، لأن
قيادته وبرنامجه ينحرف بشدة الى خدمة قيادة الحزب فردا كان او مجموعة،
ناهيك عن تفضيله لاعضائه على عموم الشعب، وهذه هي الخطوة الاولى التي
تقود هذا الحزب الى الفشل والسقوط الحتمي.
وانطلاقا من هذه الوقائع السياسية يؤكد الامام الشيرازي في هذا
المجال بكتابه المذكور نفسه قائلا: (في البلدان النامية، تفقد الأحزاب
تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة
مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فانّ
مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبة السياسية والشعبية، وذلك لأنّها
ديكتاتورية بطبيعتها).
إشكاليات العمل السياسي
تواجه العمل في الحقل السياسي إشكاليات عديدة، يحاول الساسة وقادة
الاحزاب تلافيها، او تذليلها، خاصة تلك التي تتعلق بحالات التناقض او
التصادم بين العاملين في السياسة وبين نظام الحكم القائم، فهناك
إشكالية بين عمل الاحزاب السياسية وبين الحكومة في المجتمعات المتأخرة
تسهم في وضع المعوقات حيال بناء الاسس السياسية الصحيحة، حيث في الغالب
تلتبس العلاقة بين الطرفين، وتتحول من حالتها الايجابية المفترضة الى
حالة من فقدان الثقة والصراع شبه الدائم، يقول الامام الشيرازي في هذا
الخصوص: (في المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربة
والممارسة الحزبية، فيما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين
الأحزاب الصحيحة والسليمة، فانّ الأحزاب تصبح على شكل منظماتٍ لا تشعر
الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا ترى فيها ما يُجسّد ويعكس
خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية). وهذا يعني فيما يعنيه فشل
الطبقة السياسية العاملة في الحقل السياسي في بناء الاسس المطلوبة، حتى
تستمر حالة النمو السياسي في الاتجاهات الملائمة.
لذلك يضع الامام الشيرازي سببين واضحين كانا يقفان وراء تدهور
العلاقة بين الاحزاب والناس من جهة وفشل الاحزاب في القيام بدورها
السياسي الصحيح من جهة اخرى، مما أدى ذلك الى فشل بعض تلك الاحزاب في
مهامها السياسية بصورة شبه دائمة، اذ يذكر الامام في هذا الصدد هذين
السببين بوضوح:
1- إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب
السياسية في بلدانها.
2- فقدان الكتب اللازمة وعدم تعليم قواعد السياسية في المعاهد بوجه
صحيح أدى إلى جهل المجتمع وخاصة جيل الشباب فيه بالقضايا السياسية
والحزبية حتى تدار الأحزاب بالوجه الصحيح).
لهذا يثير هذا الوضع الملتبس بين الاحزاب السياسية وبين المجتمعات
المتأخرة، الكثير من التساؤلات يطرحها الامام الشيرازي على الاحزاب
السياسية قائلا: (هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية
للشعوب ؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا
الأمة أو تؤدي إلى تصنيف المجتمع إلى فئاتٍ نخبوية بلا حدود وفئاتٍ
فقيرة بلا حدود ؟ وهل هي قادرة على أن تكون سنداً وقوةً للجماهير
الشعبية ؟).
من هنا نستطيع القول أن الاحزاب السياسية لا تزال غير قادرة على وضع
الاسس والاطر المطلوبة للعمل السياسي المتحضر، لاسباب كثيرة منها
اهمالها لمبادئ تتعلق بالعمل الجماعي، او بروح الفريق الواحد، إذ ينبغي
عليها اللجوء الى الشورى دائما، والى ما يخدم عامة الناس بما يضع حدا
للطموحات الحزبية والفردية غير المشروعة، في مقابل السعي الدائم
لديمومة العمل السياسي السليم. |