المرأة والشخصية الذكورية المتعالية

 

شبكة النبأ: هناك استنتاج اجتماعي علمي، يتفق عليه العلماء المعنيون، يتعلق بالشخصية الذكورية، والظروف التي تسهم في صناعتها، فالإنسان كما يقال ابن الحاضنة الاجتماعية التي ولد ونشأ وترعرع فيها، وكيفما تكون طبيعة تلك الحاضنة، من حيث التقاليد والاعراف والثقافة وما شابه، سوف تُبنى شخصية الرجل، لهذا السبب ونظرا للبيئة الاجتماعية المتزمتة للمجتمع العراقي، فإن الشخصية الذكورية في المجتمع العراقي تتسم -كما هو ملموس- بالتعسف، لاسيما عندما يتعلق الامر بالتعامل مع المرأة، فمعظم الوقائع تؤكد هذا الاستنتاج أو الرأي، وتؤكد أن شخصية الرجل العراقي، تنطوي على خليط من النرجسية والاعتداد والسلطوية التي تُسهم بالنتيجة، في صناعة شخصية ذكورية دكتاتورية متعالية.

وهناك بعض الامور التي تقع في اطار السلوك الذكوري مع المرأة، تؤكد تشدد الرجل في هذا الجانب، مثلا من الامور التي يفرضها الرجل العراقي على المرأة، أنها لا يجوز لها التنقّل إلا بعلمه، بمعنى اوضح، لا يجوز لها الخروج من البيت إلا بإذنه، ولا يجوز لها التحرك في أي اتجاه إلا بعد أن تحصل على موافقة الرجل، ولا يُشترَط هنا أن يكون الرجل زوجها، بمعنى حتى لو كان الأب أو الأخ أو الابن أو ولي الامر، فهم جميعا يتعاملون مع المرأة بالطريقة نفسها، وهي الطريقة التي تدل على عدم الثقة بالمرأة، بمعنى حين يمنع الزوج أو الاب أو الاخ أو الابن، المرأة من التحرك والتنقّل بحرية خارج البيت، فإن هذا المنع يعطي مؤشرا لا يقبل الشك بفقدان الثقة بالمرأة، وبهذا تتحول الى كائن ضعيف خامل مسلوب الارادة والتفكير والابداع، بسبب هذا التهميش والاجحاف الواضح في التعامل الانساني معها.

لذلك فإن مثل هذه الافعال التي غالبا ما يكون مصدرها شخصية ذكورية مصابة بوباء التسلط، تحبط فاعلية المرأة، وتنم عن حالة من التعسف الذكوري المرفوض جملة وتفصيلا، ولعل زيادة نسبة الانفصال والطلاق التي تؤكدها الارقام الواردة من دوائر الاحوال الشخصية، دليل على البون الكبير الذي يفصل بين المرأة والرجل، كما أننا قرأنا وسمعنا عن حالات هروب النساء العراقيات اللواتي يعشن في الغرب من رجالهن، بعد أن وجدن القانون الذي يحمي المرأة وخياراتها من سطوة الرجل، هذه الحالة نقلها أكثر من شخص يعيش في الغرب، وهي دليل على فقدان التوافق بين الطرفين، فإذا كانت المرأة تعيش داخل العراق في كنف الرجل وتحيط بها ممنوعات المجتمع، وتهيمن عليها شخصية ذكورية متعالية، فإنها هناك في الغرب لا تعترف بذلك.

ولعلنا نستطيع بعد التركيز والتمحيص، ان نعثر على ظواهر سلبية تعكسها هذه الظاهرة الذكورية، فقد دقت محاكم الطلاق في العراق ناقوس الخطر بشأن هذه الظاهرة، وعندما لا تجد المرأة في الرجل عنصر رحمة وحماية لها، سوف تبحث عن أقرب الوسائل البديلة، وقد تلوذ بأصعب الحلول وهو الطلاق، حيث يغيب أحيانا عنصر التكافؤ بين الزوج والزوجة، كالمستوى الثقافي، أو اختلاف البيئة، ريفي ومديني، أو اختلاف الدخل، فقرا وغنى، وهكذا، بالاضافة الى  طبيعة الشخصية المتغطرسة للرجل، الذي لا يحسن التعامل مع المرأة وتركيبتها الرقيقة، وثمة اشكالية ترتبط  بدكتاتورية الرجل ومسخه لشخصية المرأة، تتمثل بعدم اعطاء المرأة حقها في العلاقات الجنسية، نحن نعلم أن الطرفين غالبا ما يفتقدان الى الثقافة الجنسية، وطالما أن الرجل يتعامل بسلطوية مع المرأة، فإنه يلجأ الى أسرع وأقصر الطرق لتحقيق واشباع رغباته، وغالبا ما يأتي هذا الامر على حساب المرأة في هذا المجال، وقد تدفع المنظومة الاجتماعية والاعراف السائدة بالمرأة الى كبت حاجتها الجنسية، فتغض النظر قسرا، عن تقصير الرجل في هذا الجانب، إذ هناك الخجل والحياء والخوف من نظرة المجتمع لها فيما لو طالبت بحقوقها، ويفاقم من ذلك اعتداد مزيّف وغير واعي للرجل بشخصيته، فضلا عن التمسك الأعمى بسلطته الذكورية من دون التنبّه الى خطورة سلب المرأة حقوقها الجنسية وسواها.

لذلك يتضح لنا، وللمعنيين بالجانب الاجتماعي، خلل واضح في طبيعة العلاقة الانسانية بين الرجل والمرأة، وغياب التكافؤ على نحو واضح بين الطرفين، والسبب يتعلق بالشخصية الذكورية المتعالية، ودورها في مسخ شخصية المرأة وجعلها تابع مطيع، ملزم بتنفيذ الاوامر والرغبات الذكوري، لذلك يحتاج المجتمع العراقي الى مسارات جديدة للسلوك والافكار التي تعطي للمرأة قيمتها الحقيقية، وتساعدها على بناء شخصيتها القوية الفاعلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آب/2014 - 19/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م