أخلاقيات التغيير.. الرضا بصنيع الرب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: قال الإمام الصادق عليه السلام: (اعلموا انه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله، فيما صنع الله اليه، وصنع به، على ما أحب وكره. ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله الا ما هو اهله، وهو خير له مما احب وكره).

مفتاح اخر من مفاتيح الايمان هو الرضا المطلق بما يأتي من رب العالمين عز وجل، تجاه عباده في حياتهم.. وهو ربما المفتاح الاكمل والاتم لاستكمال الايمان الكامل.

(لا يكتمل ايمان العبد مالم يرض بقدر الله عز وجل)، هكذا يتحدث المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي وهو يشرح ويفسر كلام الامام الصادق الى الشيعة في كتابه (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة).

ومثل كثير من حقائق الدين التي تغيب عن المتدينين، يمكن اعتبار الايمان الكامل ودرجاته وسلم الصعود اليه، واحد من تلك الحقائق التي لا يوفيها المؤمنون حقها، فالكثير منهم يعتبرون ايمانهم كاملا عند وصولهم الى حد معين منهم او الى درجة معينة، لا يمكن الارتقاء فوقها او مغادرتها، طالما يظنون انهم قد حققوا تلك المرتبة ووصلوا الى تلك المنزلة..

يقطع السيد صادق الشيرازي ذلك الظن والبناء على مرتبة يقينية اعلى ترتفع بالظن او التوهم بقوله: (المقصود بالإيمان هنا الدرجات الاسمى منه، لان للايمان درجات ومراتب، فان لم يرض الانسان بالمقدرات الالهية لن يرقى الى اعلى الدرجات، ويكون ايمانه كاملا).

الرضا بما يقدره الله عز وجل، هو الايمان الكامل بأعلى درجاته، وذلك التقدير والقبول متات من انه (في الدنيا الفانية يتعرض الانسان الى حالات متعددة ومتفاوتة، اذ ان الجميع يرغبون في العلم وطول العمر، والثروة والزوجة والذرية، والمنزلة الاجتماعية المرموقة والنجاح، وفي مقابل ذلك ثمة امور لايرغب الناس بها كالفقر والمرض والمظلومية).

القبول والرضا والتسليم وهو يدخل ضمن تلك الحاجات والرغبات الانسانية والتي هي (حقيقة ثابتة وغير قابلة للتبديل والتحويل)، والتي تتعرض الى الايجاب من خلال الحصول عليها او السلب من خلال فقدها، تستدعي من الانسان الرضا بجميع احوال وجودها وفقدها، فالراحة والسلامة والغنى، او الفقر والمرض والبؤس، يجب التسليم لله تعالى في تقديرها وتثبيتها او تغييرها، والا لن (ينال هذا الانسان الايمان الحقيقي).

تعامل الإنسان مع ما يقدره عليه الله عز وجل، يتطلب منه (التأقلم) مع التقادير الالهية، يعبر السيد صادق الشيرازي عن ذلك، ويضيف (ويقنع بكل الاحوال ولو كان مستاء من بعض الامور، ففي هكذا مواقف لابد ان يخاطب نفسه: ان الله قدر لي ذلك، ولابد لي من الرضا برضاه وقدره، ولو ان هذه الظروف لا تلائمني، ولكنني أرضى بها تسليما لارادة الله تعالى، لان كل مايصدر عن الله العادل الرحيم سيصب في مصلحتي في نهاية المطاف ان احسنت الموقف والتصرف تجاهه).

الرضا المطلق والتسليم الكامل بما يصدر عن العادل الرحيم، يأتي متماشيا مع حقيقة دنيوية يشير اليها السيد صادق الشيرازي وهي: (ان مصلحة الإنسان لا تعني الراحة الصرفة في الدنيا، وانما تكون مصلحته بعد تقييم دقيق لا حواله في دنياه واخرته. والانسان غير غافل عن هذه الحقيقة في اموره الدنيوية، فمن يدخر مبلغا كبيرا من المال لامر هام كالزواج، فهو لايصرف ما ادخره في الأمور التافهة).

وبالتالي فان افعال الله عز وجل هي أيضا على هذا الأساس، حيث يعامل كل عبد طبقا لمصلحته.. ومايتعرض له العباد يصب في مصلحتهم دون ادنى شك، سواء رضوا بذلك ام رفضوه.. فالله عز وجل يسوق الجميع باتجاه مصالحهم.. ولذا ينبغي لهم ان يلتزموا بالصبر في البلاء فيرضون برضا الله في كل الأحوال.

يقيم السيد صادق الشيرازي تفريقا بين الصبر والرضا، بحسب درجاتهما المتفاوتة، (فلما يشكو العبد ربه، ويعترض على تقدير معين لايقال له: عبد صابر او راض، ولما لا يعترض العبد على خالقه فيسكت لتعقله وتحمله، ولكنه في الوقت نفسه غير راض، يقال له: عبد صابر).

ثم هناك المرحلة الارفع من الصبر (وهي ان لايعترض العبد على فعل ربه، ويشكره على كل حال، وهذه هي مرحلة الرضا المرجوة، فيقال لهذا العبد آنذاك: صابر راض).

يعترف السيد صادق الشيرازي بصعوبة تلك المنزلة وذلك الارتقاء، الا ان ذلك ليس مستحيلا، (فكما ينبغي للإنسان ان يسعى لتوفير طعامه ورفع مشاكله المادية، كذلك لابد له من السعي لتحقيق الأمور المعنوية)، ولا يسع المرء بلوغها بيسر (وان ليس للإنسان الا ما سعى).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آب/2014 - 19/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م