في القارة العجوز... التقلبات المالية تهدد التوازن الاقتصادي

 

شبكة النبأ: تشكل التقلبات المتواصلة التي تعيق النمو الاقتصادي في الاتحاد الاوربي ومنطقة اليورو، عقبة بحد ذاتها، فبعد اجراءات التقشف التي وصفت بالقاسية، وإنعاش القطاعات المصرفية، وحزم القوانين المنقذة لانهيار الاقتصاد في الدول الاوربية الاشد ضعفا، اضافة الى سياسية دعم القطاعات الضعيفة، وغيرها من الاجراءات الاقتصادية المستمرة على مدى سنوات، ما زال النمو الاقتصادي يعاني بين الفتور والتذبذب، إذا ما اضيفت له بعض البيانات الايجابية بين الحين والاخر.

وقد جاءت التوقعات الاقتصادية الداعمة لمنطقة اليورو، نتيجة للأداء القوي للاقتصاد الالماني، الذي لم يتأثر كثيرا بالأزمات السابقة، لكن المانيا، باتت تعاني هي الاخرى من اشارات توقف النمو والازدهار، وهي نتيجة طبيعية، كما يرى خبراء الاقتصاد، لمضاعفات الازمة الاوكرانية، وسياسية العقوبات الاقتصادية الموجهة الى روسيا، التي قد تضعف الاقتصاد الالماني القوي، وبالتالي، اضعاف منطقة اليورو ككل، سيما وان الاتحاد الاوربي اقتصاديا، يعتبر في نهاية المطاف نتاج لكل الدول الاعضاء، وخصوصا المؤثرين منهم كما في المانيا، صاحبة الاقتصاد الاقوى في الاتحاد الاوربي.

وتوقف نمو اقتصاد منطقة اليورو بشكل غير متوقع في الربع الثاني من العام متأثرا بتراجع النمو في ألمانيا والجمود في فرنسا وهو ما يدق أجراس الإنذار بشأن سلامة اقتصاد المنطقة الذي يستعد لمواجهة أثر العقوبات المفروضة على روسيا، وأظهرت بيانات لمكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي يوروستات أن اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 18 دولة لم يحقق نموا في ثلاثة أشهر حتى يونيو حزيران مقارنة مع الربع الأول الذي سجل فيه نموا قدره 0.2 بالمئة، وكان محللون توقعوا أن يحقق اقتصاد منطقة اليورو البالغ حجمه 9.6 تريليون يورو نموا فصليا قدره 0.1 بالمئة.

ويشكل الأداء الأسوأ من المتوقع لأحد أكبر الاقتصادات في العالم علامة تحذير قبل الربع القادم حيث سيواجه الاتحاد الأوروبي التأثيرات الشديدة للعقوبات التي فرضت على روسيا في يوليو تموز بسبب دورها في أزمة أوكرانيا، ومقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي نما الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو كما كان متوقعا بنسبة 0.7 بالمئة بعد نمو قدره 0.9 بالمئة في بداية العام، وعلاوة على البيانات المخيبة للآمال من أكبر اقتصادين في المنطقة وقعت إيطاليا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد في براثن الركود في الربع الثاني في علامة على أن أوروبا تواجه صعوبة في النهوض بالاقتصاد مع تأخر الإصلاحات.

في سياق متصل حوم اليورو قرب أدني مستوياته في تسعة أشهر أمام الدولار متأثرا ببيانات قاتمة من ألمانيا وفرنسا ألقت بالمزيد من الشكوك على تعافي منطقة اليورو وعززت توقعات بأن يتخذ البنك المركزي الأوروبي المزيد من إجراءات التحفيز، وانكمش الاقتصاد الألماني بصورة غير متوقعة 0.2 بالمئة في ثلاثة أشهر حتى يونيو حزيران بينما لم يحقق الاقتصاد الفرنسي أي نمو للربع الثاني على التوالي، في الوقت نفسه عادت إيطاليا إلى الركود للمرة الثالثة منذ 2008، ونزل اليورو إلى أقل مستوياته عند 1.3348 دولار بعد البيانات الألمانية مقتربا من مستوى 1.3333 دولار المنخفض الذي بلغه في وقت سابق هذا الشهر، وتعافى اليورو قليلا ليجري تداوله بعد ذلك عند 1.3365 دولار دون تغير يذكر. بحسب رويترز.

وعانى الجنيه الاسترليني أيضا حيث سجل أدنى سعر له في أربعة أشهر عند 1.6657 دولار متراجعا 3.0 بالمئة عن أعلى مستوى في نحو ست سنوات الذي بلغه في منتصف يوليو تموز، ويعاني الاسترليني منذ أن فاجأ بنك انجلترا المركزي المستثمرين بتلميحه بأنه لا يتعجل رفع أسعار الفائدة، ووجد الدولار النيوزيلندي بعض الدعم في نمو مبيعات التجزئة في البلاد أكثر من المتوقع في الربع الثاني من العام ليسجل أعلى مستوى في أسبوع عند 0.8490 دولار أمريكي، وفي أحدث التداولات سجل الدولار النيوزيلندي 0.8484 دولار أمريكي مرتفعا 0.3 بالمئة.

تراجع النمو

فيما كشفت ارقام موقتة نشرت مؤخرا ان اجمالي الناتج الداخلي في المانيا سجل تراجعا في الفصل الثاني بنسبة 0,2 بالمئة، اي اكثر مما كان متوقعا، ويفسر هذا التباطؤ خصوصا بالمساهمة "السلبية" للتجارة الخارجية وتراجع الاستثمارات كما قال المكتب الاتحادي للإحصاء (ديستاتيس)، وخفضت تقديرات النمو في الفصل الاول الى 0,7 بالمئة مقابل 0,8 بالمئة قبل المراجعة، وكانت الارقام الاخيرة التي نشرت تشير الى تباطؤ واضح في الاقتصاد الالماني، لكن تبين انه اكبر مما كان مقدرا، وكان محللون في وكالة داو جونز نيوزوايرز يتوقعون تراجع النمو 0,1 بالمئة فقط.

فبد بداية جيدة بفضل الشتاء الذي لم يشهد بردا شديدا، لم تتمكن المانيا من الصمود بالوتيرة نفسها في الفصل الثاني، وكان المصرف المركزي الالماني اعلن عن تباطؤ في النمو من قبل، والعاملان الاساسيان لهذا التراجع هما الميزان لتجاري لألمانيا الذي كان في الماضي من نقاط قوة هذا البلد واصبح سلبيا قبل ان يتدهور بشكل كبير، وقال مكتب الاحصاء ان "الصادرات كانت اقل من الواردات بالمقارنة مع الفصل الذي سبق"، وتوقفت استثمارات الشركات ايضا، في المقابل ما زال استهلاك العائلات والنفقات العامة في حالة جيدة، وستصدر الارقام المفصلة بشأنها في نهاية آب/اغسطس، وعلى مدى عام وبالمقارنة مع الفصل الثاني من 2013، بلغت نسبة النمو 0,8 بالمئة كما قال مكتب الاحصاء، واضاف ان "الاقتصاد الالماني فقد بعض حيويته لكنه يمكن ان ينتعش من جديد". بحسب فرانس برس.

وفتحت الأسهم الأوروبية منخفضة بفعل بيانات مخيبة للآمال عن الناتج الاقتصادي لأكبر اقتصادين في منطقة اليورو مما ألقى بظلال من الشك على فرص التعافي، وتراجع مؤشر يوروفرست 300 الأوروبي 0.3 بالمئة إلى 1322.16 نقطة في حين انخفض كل من مؤشر داكس الألماني وكاك الفرنسي 0.4 بالمئة، وشهد الاقتصاد الألماني انكماشا مفاجئا هو الأول له على مدى أكثر من عام في الأشهر الثلاثة حتى يونيو حزيران في حين قلصت فرنسا توقعاتها للنمو هذا العام والعام القادم بعد عدم تحقيق نمو اقتصادي في الربع الثاني من السنة، وقال ماثياس ثيل المحلل لدى ام.ام فاربورج في هامبورج "البيانات تزداد ضعفا ولم تعد الأجواء مواتية لزيادة أوزان الأسهم في محافظ المستثمرين.

وحذرت مجموعة هنكل الألمانية للسلع الاستهلاكية من تباطؤ نمو أرباحها الأساسية في النصف الثاني من العام الحالي بسبب الأزمات في روسيا والشرق الأوسط، وقال الرئيس التنفيذي للشركة كاسبر رورشتيد في بيان "نتوقع أن يكون لتصاعد الصراع الروسي الأوكراني واستمرار الأزمة السياسية في الشرق الأوسط تأثير سلبي على مناخ السوق"، ويشدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات على روسيا رابع أكبر أسواق هنكل في أقوى إجراء دولي حتى الآن ردا على دعم موسكو للمتمردين في شرق أوكرانيا، وتصل المبيعات السنوية للشركة في روسيا إلى نحو مليار يورو (1.34 مليار دولار).

وفي الوقت نفسه شنت إسرائيل هجوما على قطاع غزة بينما يتصاعد العنف في العراق، وقالت الشركة إنها حققت زيادة نسبتها 8.4 بالمئة في صافي ربح السهم بعد التعديل في الربع الثاني من العام ونموا في المبيعات بنسبة 3.3 بالمئة إلى 4.14 مليار يورو وهو ما يقل عن متوسط التوقعات البالغ 4.21 مليار يورو، وبحساب تأثير ضعف الدولار وعملات الأسواق الناشئة مقابل اليورو تكون المبيعات قد تراجعت 3.5 بالمئة

الحظر الروسي

من جهتها فرضت روسيا "حظرا كاملا" على واردات الأغذية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ردا على العقوبات المفروضة عليها بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية، وقال رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف إن الحظر سيشمل الفاكهة والخضروات واللحوم والأسماك والحليب ومنتجات الألبان، ويشمل الحظر أيضا كل من أستراليا وكندا والنرويج، وتحظر روسيا أيضا على شركات الطيران الأوكرانية تسيير رحلات الترانزيت عبر أراضيها، حسبما قال ميدفيديف في كلمة متلفزة.

وأوضح أن حكومته تدرس أيضا حظر رحلات الترانزيت لشركات الطيران في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ردا على العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية الأوضاع في أوكرانيا، وسيؤدي منع رحلات الطيران من المرور عبر المجال الجوي في سيبيريا إلى زيادة التكاليف بشكل كبير وكذلك الإطار الزمني لتحليق العديد من الطائرات المتجهة إلى مقاصد آسيوية، وتتهم الحكومات الغربية الحكومة الروسية بتأجيج الاضطرابات في شرقي أوكرانيا من خلال إمداد الانفصاليين المؤيدين لروسيا بالأسلحة والخبرة.

وشدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الشهر الماضي من العقوبات على روسيا، وفرض الاتحاد الأوروبي قيودا على قطاعات رئيسية ومسؤولين روس، وكانت أول حزمة من العقوبات فرضت على روسيا بعد أن ضمت إقليم القرم الأوكراني إليها في مارس/آذار الماضي، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستفرض عقوبات من جانبها على الغرب تستمر لمدة عام، وستدخل حيز التنفيذ على الفور.

فيما تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن أضرار اقتصاد الاتحاد الأوروبي بين عامي 2014 و2015 ستبلغ نحو 90 مليار يورو، نتيجة لفرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا، وقدرت المفوضية الأوروبية الأضرار الاقتصادية الناجمة من فرض عقوبات اقتصادية على قطاعات من الاقتصاد الروسي في عام 2014 بـ 40 مليار يورو ما يعادل 0.3% من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوربي في العام الحالي، وفي عام 2015 بـ 50 مليار يورو ما يعادل 0.4% من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي للعام المقبل، وفقا للمصدر الإلكتروني " أي يو أوبزرفر".

الاقتصاد الإيطالي واليوناني

من جهة اخرى أظهرت أرقام رسمية أن الاقتصاد الإيطالي دخل في مرحلة ركود من جديد بعد انكماشه على مدار ربعين سنويين متعاقبين، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وهو قيمة إجمالي ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات، بنحو 0.2 في المئة خلال الربع الثاني من العام الجاري، ويأتي ذلك فيما أظهرت بيانات أن الربع الأول شهد انكماشا بواقع 0.1 في المئة، ويعتبر خبراء الاقتصاد حدوث انكماش للناتج المحلي الإجمالي على مدار ربعين سنويين متعاقبين بمثابة دخول الدولة في حالة ركود اقتصادي.

وبدا الاقتصاد الإيطالي، في نهاية العام الماضي، أنه يتعافى من الركود، حيث شهد نموا جزئيا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، لكن منذ ذلك الحين تراجعت الأرقام الاقتصادية أكثر فأكثر، وقالت هيتال ميهتا، الخبيرة الاقتصادية الأوربية، قبيل الإعلان عن الأرقام الأخيرة: "إيطاليا لديها حزمة كبيرة من الديون الحكومية، وهي في حاجة للنمو من أجل تخفيض أصول هذه الديون، ولذلك فإن هذه الأرقام الضعيفة بمثابة انتكاسة". بحسب بي بي سي.

لكن البنك المركزي الإيطالي أعلن الشهر الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بواقع 9 في المئة منذ بداية الأزمة المالية العالمية عام 2007، وأظهرت أرقام أخرى، أن الناتج الصناعي قد ارتفع بواقع 0.9 في المئة خلال الفترة من مايو/ أيار إلى يونيو/ حزيران، وهي أكبر زيادة من نوعها خلال خمسة أشهر، ويعد الإنكماش غير المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي بمثابة ضربة لرئيس الوزراء ماتيو رينزي، الذي جاء إلى السلطة في فبراير/شباط متعهدا باتخاذ إجراءات إصلاحية وإنعاش الاقتصاد.

لكن الإصلاحات التي تحققت حتى الآن تقتصر على تخفيضات ضريبية للعمال ذوي الدخل المنخفض، وقالت ميهتا: "إذا قارنت ذلك بدولة مثل إسبانيا، التي اتخذت إجراءات تقشفية هائلة ونفذت إصلاحات في سوق العمل في نفس الوقت، سنجد أن إيطاليا لم تتخذ ما يكفي من إجراءات ونحن نرى الفرق في معدلات النمو التي تحققت"، وخلال الشهر الماضي، رفعت الحكومة الإسبانية تقديراتها لمعدلات النمو لعام 2014 النمو إلى 1.5 في المئة، وتتوقع إيطاليا أن تصل معدلات النمو الاقتصادي لعام 2014 إلى 0.8 في المئة، مع وصول العجز إلى 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبدون انتعاش اقتصادي، ثمة تكهنات بأن الحكومة قد تحتاج لميزانية أخرى للحفاظ على العجز أقل من السقف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي والذي يصل إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

فيما اعلنت هيئة الإحصاء اليونانية (إلستات)، إن الاقتصاد اليوناني يعانى ركودا شديدا منذ عامين، انكمش في الفترة بين مطلع أبريل حتى نهاية يونيو الماضيين بنسبة 2.0%، فيما كانت تقديرات الخبراء الاقتصاديين تشير إلى أن هذه النسبة ستصل إلى 5.0%، وكانت آخر مرة يحقق فيها الاقتصاد اليوناني نموا في الربع الثاني، من عام 2008، عندما حقق إجمالي الناتج المحلى للبلاد آنذاك نموا بنسبة 4.0%، ومنذ ذلك الحين ظل الاقتصاد اليوناني يسجل انكماشا بشكل جعل البلاد تعتمد منذ 2010 على قروض مساعدات من مانحين دوليين.

ووفقا لتوقعات وزارة المالية اليونانية فإن الاقتصاد اليوناني سيعود هذا العام إلى تحقيق نمو، وذلك لأول مرة منذ وقوع الأزمة المالية، وقدرت الوزارة نسبة النمو بـ6.0%، وشددت الوزارة على أهمية تطورات الأوضاع خلال الربع الثالث للوصول إلى هذه النتيجة، ومن المنتظر أن يستفيد الاقتصاد من ازدهار القطاع السياحي هذا العام، ومن غير الواضح بعد مدى تأثير الصراع الأوكراني وتداعياته على أداء الاقتصاد اليوناني ولاسيما مقاطعة روسيا للمنتجات الزراعية من الاتحاد الأوروبي، حيث تأتى اليونان من بين الدول المتضررين من مثل هذه الخطوة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آب/2014 - 18/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م