الوعي

حيدر الجراح

شبكة النبأ: بدون وعي الانسان لذاته لايمكن له ان يعي العالم او يفهمه..

ما هو الوعي ؟

لا يوجد تعريف محدّد أو على الأقلّ متّفق عليه بين الأوساط الأكاديمية لتلك الحالة التي تتمثّل بحالة (الوعي). و جميع التعريفات كانت (و لازالت) تعريفات ناقصة بلا جدوى ، كالتعريف الذي يقول (الوعي هو الإدراك)، أو(الوعي هو صحوة الفكر أو العقل). و يمكن أن تكون  مجرّد تعريفات توصيفيّة مثل:  (يتجسّد الوعي كأحاسيس أو أفكار أو شعور). أما التعريف العام الذي اتفق عليه العاملون في المنهج العلمي السائد هو كالتالي :

الوعي هو ناتج أساسي من الأحاسيس الخارجية المستمدّة من البيئة ، فالحواس تنقل المعلومات الحسّية إلى جذع الدماغ ، وخاصة التشكّل الشبكي، و الذي بدوره ينقل و يوزّع هذه المعلومات إلى المناطق المختصّة في القشرة الدماغية و التي تغذّي بدورها ، و بشكل ارتجاعي ، التشكّل الشبكي الذي يعمل على نقل ردود الأفعال إلى الأعضاء الحركية للتعامل مع المستجدّات البيئية . هذا هو التفسير العلمي لعملية أو ظاهرة "الوعي" .

 بالإضافة إلى المشكلة الكبيرة في تعريف (الوعي)، فقد كان لهذا الموضوع تاريخ مثير . هذا الشيء الذي يعدّ عنصر رئيسي في مجال علم النفس ، قد عانى في بعض الفترات من زوال كامل من ساحة علم النفس ، ليعود بعد حين و يصبح موضوع مثير للاهتمام الأكاديمي ، ثم يعود ليختفي مرّة أخرى . و هذا هو السبب الذي جعل التقدّم في مجال دراسة (الوعي) بطيء للغاية .

 جميع الجدالات التي دارت حول حالة (الوعي) ظهرت من دراسات مختلفة حول علاقة العقل بالجّسد ، و التي أثارها الفيلسوف الفرنسي (رينيه ديكارت) في القرن السابع عشر . فقد تساءل ديكارت : هل العقل منفصل عن الجسد ؟ هل للوعي أبعاد (كيان مادي) ؟ أو أن الوعي دون أبعاد ( كيان غيرمادي ) ؟ هل الوعي هو المحرّك لسلوكنا أو أنه موجّه من قبلنا ؟.

أما الفلاسفة الإنكليز مثل (جون لوك)، فقد ربطوا حالة (الوعي) بالحواس الجسديّة و المعلومات الحسّية التي تزوّدها ( اللمس ، النظر ، الشم ، السمع ،....) .

بينما فلاسفة أوروبيون آخرون مثل (غوتفريد ولهلم ليبنتز) و(إمانويل كانت)، فقد أعطوا لحالة (الوعي) دوراً مركزياً و أكثر فاعلية .الفيلسوف الذي كان له تأثير مباشر في الدراسات و الأبحاث اللّاحقة عن حالة  الوعي  كان (يوهان فريدريك هيربيرت)، الذي كتب في القرن التاسع عشر يقول:

(إن الأفكار قد تتصف بالجودة أو الكثافة ، و يمكن للأفكار  أن تنهي بعضها أو تقوم بدعم و تسهيل بعضها البعض) ، و قال أيضاً : (يمكن للأفكار أن تنتقل من حالة واقعية ( حالة واعية ) إلى حالة مزاجية لاإرادية ( حالة لاوعي ) ، و يوجد خط فاصل بين كلا الحالتين يسمّى عتبة الوعي) .

تاخذ كلمة (وعي) في اللغة العربية عدة معاني منها: (الانتباه من النوم والغفلة - الحفظ والتقدير - الفهمُ وسلامةُ الإدراك

وبالتالي  فالوعي هو إدراكنا للواقع و الأشياء, إذ بدونه يستحيل معرفة أي شيء. لذلك يمكن تعريف الوعي بأنه « الحدس الحاصل للفكر بخصوص حالاته و أفعاله». فهو بمثابة  "النور" الذي يكشف الذات عن بواطنها. أما اللاوعي فهو يدل إلى حد ما على الشيء والمتقابل مع الوعي. و هنا يمكن الحديث عن اللاشعور, باعتبار السلوك اللاواعي أو الذي يصبح لا واعيا, واقعة نفسية.

 قد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون افكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أو غير واقعي وقد يكون جزئيا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة..

يمكن تصنيف الوعي إلى أربعة أصناف وهي:

-1-  الوعي العفوي التلقائي:  إنه ذلك النوع من الوعي الذي يكون أساس قيامنا بنشاط معين, دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا, بحيث لا يمنعنا من مزاولة أي نشاط آخر.

-2-  الوعي التأملي: إنه وعي يتطلب حضورا ذهنيا قويا مرتكزا في ذلك على قدرات عقلية كلية, كالذكاء, أو الإدراك,أو الذاكرة.

-3- الوعي الحدسي: وهو الوعي المباشر و الفجائي الذي يجعلنا ندرك الأشياء أو العلاقات, أو المعرفة, دون أن نكون قادرين على   الإدلاء     بدليل    أو استدلال.

-4- الوعي المعياري الأخلاقي: وهو الذي يسمح لنا بإصدار أحكام قيمة على الأشياء و السلوكات فنرفضهما أو نقبلهما بناءا على قناعات أخلاقية, وغالبا ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية اتجاه أنفسنا و اتجاه الآخرين.

في كتابه (مطاردة قرن ونصف) وفي غيره من كتب اخرى، يؤكد الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) على الوعي والتوعية كمفتاح لتغيير واقع الامة الاسلامية، لان (أمّتنا اليوم هي أحوج ما تكون إلى الوعـي والتوعية وبحاجة إلى حشد كـلّ الوسائل الممكنة مـن إذاعـة وتلفـزة وجرائد ومجلاّت وشبكات فضائية وشبكات الانترنيت ، وأخيراً وليس آخراً الكتب).

يقترن الوعي والتوعية بنشر المعرفة، وحددها الامام الراحل بكل الوسائل التي من شانها ان تحدث الفرق الجوهري في استنبات الوعي المطلوب من خلال توعية المسلمين بذواتهم اولا ليستطيعوا وعي مسؤولياتهم ووعي حاجات الاخرين ومتطلبات اعمالهم.

ثم (بعد كلّ هذا الحشد من الأعمال المكثّفة لعل الله يُحدث بعده أمراً). بعد توفير كل متطلبات استنبات الوعي، سيكون الله سبحانه وتعالى مع اصحاب هذا الوعي ومساعدتهم على التغيير.

الوعي والتوعية بالعراقيل والصعوبات التي تقف في طريق المسلمين، لاينفع معها (الصراخ ولا النياحة ، وإنّما العمل وحده هو النافع ، وبدونه قد تدوم المحنة إلى قرن آخر وقرنٍ آخر والعياذ بالله) كما يعبر الامام الراحل، وهذا العمل الذي يقترحه (قدس سره) ليس شرطا ان يكون كبيرا وجسيما، بل يكفي فيه حتى الجزء الصغير منه، وهو الذي يسميه بالقطرة، (فلنبدأ من القطرة .. لنبدأ من الكلمة .. لنبدأ من الخطوة .. فالقطرات تتجمّع لتكوّن البحار .. والكلمات تلتقي لتكوّن الملاحم .. والخطوات تتجمّع لتكوّن المسيرة .. وهذه سنة الله في الكون).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آب/2014 - 16/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م