أهمية الدور الثقافي للجامعات العراقية

 

شبكة النبأ: من المعروف أن الدور الصحيح للجامعة لا يقتصر على الجانب العلمي، ولا ينحصر ايضا بمنهج التدريس العلمي المقرر، حتى في منهج الحقول والعلوم الإنسانية، صحيح أن الدور الأساس لها، يتعلق بالعلوم كافة، لكن ثمة ادوار أخرى مهمة للجامعة منها الثقافة، وتكريسها لدى الطلبة، وهذه من المهام التي تضطلع بها الجامعات في جميع دول العالم، وهذا يثبت بشكل قاطع دور الجامعة الثقافي، وأهمية هذا الدور، في نشر الثقافة والوعي التقدمي بين افراد و مكونات المجتمع من دون استثناء، منم خلال اعداد الطلبة ثقافيا، بما يُسهم في تطوير المجتمع والدولة، ومؤسساتها كافة.

لذلك يؤكد المختصون أن المنظومة العلمية الجامعية في أي بلد، تشكل ذاتا مستقلة، قوية، تتسم بالقدرة على التصحيح، و العطاء الدائم، في مجالات التخطيط، وبث الوعي العلمي والعملي فضلا عن الدور الثقافي لها، لذلك نلاحظ تفوق دور الجامعات في الدول المتحضّرة على سواها، وتدخلها في مفاصل حياة المجتمع كافة العلمية، كالاقتصاد والاجتماع والطب وما شابه، والثقافية ايضا، وهي في الغالب منظومة خالية من الشوائب الادارية والتعليمية، إلا ما ندر، لهذا تكون قادرة على لعب دور محوري في تطوير الدولة والمجتمع، لذلك يؤكد أحد الكتاب قائلا في هذا المجال أن (الجامعات - تمثل- ركنا أساسيا من أركان بناء الدولة العصرية المنفتحة القائمة على الفكر المتطور، والتعليم الجامعي له أبعاد كبيرة وخطيرة في آن واحد لان عملية التعليم ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، بالإضافة إلى كونه عملية مستمرة ليست مرتبطة بزمان ومكان وجيل معين، ومن هنا يأتي إدراك الواقع التعليمي فهو ليس مقصورا على جهة محددة إنما هو واجب يخص كل من يهتم بمستقبل شعبه ومصيره).

أما في العراق فتوجد لدينا منظومة جامعية عريقة، منها ما تأسس قريبا، ومنها ما مضى على تأسيسها وبنائها قرون، كذلك هناك دور جديد للجامعات، يتمثل بجهد القطاع الخاص، وانشاء الجامعات الاهلية، هذا يعني أن ثمة سياقا عمليا جامعيا ترسّخ وثبّتَ ركائزه عبر الزمن، بيد أن الملاحظ في الراهن التعليمي والتثقيفي عكس ذلك، حيث يلاحظ المراقب ظهور سلسلة من الظواهر والاخطاء التي لا تليق بالدور الجامعي الرائد، خاصة ما يتعلق بالجانب الثقافي، لأن الجامعة ينبغي أن تتصدى للظواهر الخاطئة، وتكرس منظومة ثقافية تشمل التفكير والتطبيق معا. وقد تتعلق الاخطاء بأفراد من الكادر التدريسي الجامعي، تخص اهمال الجانب الثقافي، وهو أمر قد لا تخلو منه كبريات الجامعات في العالم، ولكنني أتحدث هنا عن سياقات جماعية تنخر في الجسد الجامعي العراقي، تتعلق باهمال الثقافة، واعتماد اجراءات سقيمة، قد تشمل الادارة ايضا، ففي الوقت الذي ينبغي ان تنشر الجامعة ثقافة احترام الزمن والعمل وحقوق الفرد، قد نجدها تكرس اساليب بيروقراطية مقيتة، بسبب اهمالها للثقافة المناسبة، وثمة إشكالية مستديمة تخص العلاقة بين الاستاذ والطلبة، وهو امر يكاد يشكل حالة قائمة وشاخصة في المدار الجامعي، وقد تقف اسباب عدة في هذا المجال، منها فقدان الثقة بين الطرفين، اللاستاذ والطالب، ثم قضية الكيل بمكيالين، وتفضيل الطلبة على بعضهم لأسباب مناطقية او إنتمائية، وهو أمر لا يصح انتشاره، ولا يجوز التعامل وفقا له مع الطلبة او الاساتذة، وهذا كله ينتج عن الاهمال المتعمّد للثقافة، وعدم اعطاء الجامعات ما يكفي من اهتمام للثقافة التي ترفع من تفكير وسلوك الطالب الذي سيؤثر بدوره في المحيط الاجتماعي الاوسع. وكلنا نتفق على أهمية أن يكون الاستاذ الجامعي مثقفا مدركا لدوره في تطوير المجتمع علميا وثقافيا، ومنزّها من كل العاهات النفسية الاخلاقية التي قد نجدها في الناس الذين هم أقل درجة من الوعي والدور المجتمعي، لأن الاستاذ الجامعي مثال ونموذج للآخر، في القول والفكر والعمل، أما أن يشترك النموذج الجامعي في خلق وترسيخ الظواهر المرفوضة ويهمل الثقافة، فهذا دليل قاطع على أنه لا ينتمي بروحه وأعمالة لمنظومة الجهد الجامعي البنّاء، بل هو دخيل على هذه المنظومة، ويسيء لها ولنفسه في وقت واحد، لذلك من الاهمية بمكان أن تتدخل الوزارة المعنية ورئاسات الجامعات والعمادات في عملية تصحيح شاملة ودائمة، وعدالة قائمة، وترسيخ للدور الثقافي الرائد للجامعات في بناء الدولة والمجتمع، إذ يتطلب مثل هذا الدور الكبير، تصحيح الذات أولا وتشذيبها من عيوبها ونشر الثقافة المعتدلة المنتجة، حتى تمتلك القدرة على العطاء لأنها تمتلكهُ فعلا، من خلال بنائها الذاتي السليم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آب/2014 - 15/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م