الاستعصاء الديمقراطي في العراق

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل المشكلة في العراق مشكلة المالكي ام مشكلة النظام السياسي؟، منذ العام  2011 وانطلاق التظاهرات المطالبة برحيل المالكي، وثم لقاءات جماعة اربيل لسحب الثقة، والأزمات تتوالد وتتكاثر.. فلا المالكي استقال ولا جماعة اربيل استطاعت ان تسحب الثقة عن الحكومة ورئيس وزرائها في البرلمان.. معروف ان نظام الحكم في العراق هو نظام برلماني، يستطيع المساءلة وحجب الثقة، ومن صلاحيات رئيس الجمهورية وبحكم الدستور حل البرلمان والدعوة الى انتخابات اخرى.. لا رئيس الجمهورية اقدم على خطوته، ولا البرلمان ايضا تحرك نحو هدفه.

الشعارات واللافتات والاحتجاجات ليست ذات قيمة في رحيل مسؤول او بقائه في السلطة، فلم نصل بعد الى هذا الحد من الفهم للمسؤولية التي تقترن بالديمقراطية، ديمقراطية التمثيل والوصول الى المناصب والاشتراطات التي تتطلبه وتحدده.

رئيس الوزراء العراقي، يعرف نقاط ضعف خصومه، في التظاهرات وامتصاص زخمها، اعطى المتظاهرين مهلة المائة يوم، وفي ما يتعلق بالمصالح الخاصة لخصومه عرف كيف يشتغل عليها من منطلق المنافع الشخصية التي يتقاتل عليها الجميع دون استثناء حتى من قبل اصحاب الاصوات الاكثر علوا وضجيجا.

في الراهن العراقي، وبعد الانتخابات الاخيرة، يتحدث الكثيرون عن رفضهم لولاية ثالثة للمالكي، والجميع يهدد بالانسحاب من العملية السياسية برمتها الى درجة الكفر بها، او الاصطفاف في خانة المعارضة، او الاستقالة من المناصب، او غير ذلك من تهديدات تحملها الكثير من تصريحات الخصوم للمالكي.

بالمقابل، وعند درجة معينة، لو ان المالكي كان يعلم يقينا ان كل تلك التصريحات تحمل ولو مقدارا ضئيلا من الجدية واليقين لدى اصحابها، لن يفكر بالترشيح لدورة ثالثة، وهو يعلم ان الاختبار الحقيقي لتلك النوايا سيكون في مجلس النواب ومنح الثقة لحكومته وبرنامجها.

يعلم المالكي، ان الوصول الى اللحظة البرلمانية سيتطلب اسكات تلك الاصوات، وهو لا يملك سلطة اسكاتها الى ابد الابدين، فليس بامكانه على سبيل المثال سجن النواب، او اغتيالهم وقتلهم، وحتى لو فعل على اسوأ الفروض المستحيلة، فهناك البدلاء الذين ترشحهم كتلهم لاحتلال المقاعد البرلمانية الشاغرة تلك.

ماهي طريقة الاسكات تلك والتي تجعل الاصوات خافتة لا تكاد تسمع؟

انها المناصب التي يتم توزيعها على الجميع، ويمكن استحداث الكثير منها كوزارات جديدة كما حصل في الدورة السابقة اضافة الى الدرجات الخاصة الكثيرة، والتي يزداد عددها في كل عملية سمسرة سياسية في العراق.

في الجدل الدائر حاليا، هل اخل المالكي بالسياقات الدستورية، او انه قام باختراقها او انتهاكها؟

المادة 76 من الدستور العراقي الدائم، تنص على أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.

ونعلم ان الجلسة الاولى التي انعقدت للبرلمان العراقي، كان قد دخلها المالكي بكتلته الاكبر من ضمن الكتل التي فازت بالانتخابات، ثم يأتي بعده الاخرون في حجم كتلهم.

الخصوم السياسيون لرئيس الوزراء، والذين يعترضون عليه من ضمن المداخل والسياقات الدستورية والقانونية، يقفزون على ذلك ويطالبونه بعدم الترشح  لمنصب رئيس الوزراء كل وفق الاعتراضات التي يبديها عليه.

ويرفض المالكي -الذي يتولى تصريف شؤون البلاد منذ انتخابات غير حاسمة في أبريل نيسان- دعوات من السنة والكرد وحتى من الشيعة وايران للتخلي عن مساعيه لرئاسة الحكومة لاتاحة السبيل أمام تولى شخصية اكثر استقطابا للمنصب.

وهذا ما يشكل تعارضا مع الاليات الديمقراطية التي ابرز مظاهرها هو صندوق الاقتراع والانتخابات.. فهناك فائز يشكل الحكومة، وهناك خاسر يحتل مقاعد المعارضة، لكن الازدواجية التي يمارسها السياسيون العراقيون تنعكس على صدقية خطابهم وعلى قوة مواقفهم.. فهم اذ يتوسلون بالديمقراطية في الوصول الى مجلس النواب ينسونها في مواقفهم  اعتراضا على الاخرين.

المشكلة في ما يحدث هي ثقافية بامتياز، فرغم السنوات الماضية التي مرت ورغم اكثر من تجربة اقتراع وتصويت، لم نتعلم حتى الان الف باء الديمقراطية، والتي تسمح  بصعود حتى الحمقى والمجانين الى سدة الحكم، ولا يمكن الاعتراض على تلك الالية بعد الموافقة عليها وممارستها.. اذكر بهتلر الذي وصل الى حكم الرايخ الالماني بممارسة ديمقراطية، لم نستطع تبيئة الديمقراطية وانبات ثقافتها ومتطلباتها الثقافية والاجتماعية في العراق، بقينا حتى اللحظة عند مفردة واحدة منها وهو صندوق الاقتراع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آب/2014 - 15/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م