شبكة النبأ: منذ أن سيطرت عناصر
"داعش" على مدينة الموصل وأطرافها، وبدأت بالزحف نحو مناطق في جنوب
المحافظة باتجاه محافظة "صلاح الدين" باتجاه العاصمة بغداد، كان ثمة
غضّ نظر عن مواجهة قوات "البيشمركة"، كما لو أن هذا التنظيم لم يرَ في
قاموسه ولاية اسلامية في المناطق ذات النفوذ الكردي، وكان هذا الواقع
على الارض هو الذي عزز الاعتقاد بوجود تواطؤ كردي في عملية إسقاط مدينة
الموصل بالتعاون مع بعض الاطراف السنية في الحكم.
وفي حركة عسكرية خاطفة، لا تقل سرعة عن السيطرة على الموصل، وصلت
الأوامر الى عناصر التنظيم بتوجيه البنادق وربما السيوف باتجاه قوات
البيشمركة المرابطة في عدد من المدن والبلدات العراقية أبرزها، سنجار و
تلكيف والحمدانية ومخمور، و زمار، ومعبر ربيعة، وما يعرف بمنطقة
الشلالات في الموصل وسد الموصل ومنطقة عين زالة النفطية، حسب ما افادت
مصادر اعلامية.
وفي آخر تطور خطير في مسار تقدم "داعش" استفاق الجميع صباح يوم
الاثنين على سيطرة هذا التنظيم على قضاء جلولاء في محافظة ديالى، على
مسافة (115) كيلومتراً عن العاصمة بغداد. وحسب المصادر فان هجوماً
انتحارياً كان مفتاح دخول التنظيم الى هذه المدينة بعد القضاء على عشرة
مقاتلين اكراد. بل ان المصادر تتحدث عن زحفهم باتجاه مدينة خانقين،
وهذا يعني تقدم التنظيم باتجاه المناطق المتاخمة للحدود الايرانية.
وبالرغم من الحديث عن اشتباكات عنيفة ومعارك دارت بين الجانبين قبل
سيطرة التنظيم على جلولاء، بيد ان المعطيات تتحدث عن وجود خطة مسبقة
بعلم الجميع لإلحاق هذا القضاء بالمناطق الداعشية، لاسيما اذا لاحظنا
حجم التسليح الموجود لدى الكُرد وتجاربهم القتالية الطويلة، واكثر من
ذلك الدوافع المعنوية للقتال والحرب، بغير ما لدى الآخرين، مثل الجيش
العراقي التابع للحكومة المركزية، حيث يقاتل الكُرد دفاعاً عن الارض
والحقوق القومية، وهي مسألة ليست بالبسيطة بحيث يتغلب عليها عناصر
إرهابية حديثة العهد – بمعظمها – في فنون القتال وحرب المدن.
المراقبون والمتابعون يبحثون عن تفسير لهذا التغيير المفاجئ في
إستراتيجية "داعش" الجديدة في القتال، فقد كانوا يتعكزون على تصور
بأنهم إنما ينصرون المكونات الاجتماعية الناقمة على الوضع السياسي في
البلاد، بل غير الراضية على وجود عراق تحكمه الأغلبية الشيعية، وبعد
المكون السنّي، فقد انضم الكُرد مؤخراً الى خندق الرفض والمعارضة
لحكومة بغداد على خلفية تنافس محموم على الهيمنة والنفوذ وتقسيم الثروة
الهائلة في العراق. فكان أن نشب النزاع بين شخص مسعود البارزاني (رئيس
الاقليم)، ونوري المالكي رئيس الوزراء السابق، الى درجة ان بلغت
العلاقات حد القطيعة والتهديد والوعيد. هذا التصور كان مبنياً على
معطيات وحقائق تحسب لها "داعش" حساباً خاصاً، فهم، وحسب متابعين
وخبراء، ليسوا أناس عبثيون او جاؤوا من فراغ، إنما هنالك مخطط ومنهج
واضح للتعامل مع الوضع العراقي، بحيث يعطيهم شيئاً من المقبولية.. بيد
أن ثمة تغيرات رصدوها وتحسسوا منها الخطر على وضعهم في الميدان.
الزيارة الخاصة والهامة لوزير الخارجية الفرنسي لاربيل ولقائه
الرئيس مسعود البارزاني، له عديد الدلالات والمضامين، كون فرنسا تعد من
طليعة الدول الغربية الراعية للمشروع القومي الكردي، ومن الداعمين
الاساس لحصول كُرد العراق على الارض التي يقيمون عليها اليوم حكومتهم
مع نكهة الدولة المستقلة. وفي المؤتمر الصحفي الذي جمع الاثنين، طالب
البارزاني حلفائه الفرنسيين بامداد الاكراد بالسلاح لمواجهة "داعش". و
صرح بالقول، بما لم يصرح به من قبل: "نحن لا نقاتل مجموعات مسلحة، بل
نقاتل دولة ارهابية..". وحسب المصادر فان البارزاني لم يتوان عن إدراج
الدعم الجوي في قائمة طلبات التسليح.
وربما يكون الطلب الكردي مفهوماً، إذ سبق هذا التصريح إعلان واشنطن
موافقتها على مشاركة المقاتلات الامريكية في ضرب اهداف محددة لعناصر
"داعش"، بعد طول انتظار في اتخاذ مثل هذا القرار. بيد ان الذي يحفز
الكُرد وشخص البارزاني، وجود قوة جوية لدى بغداد وهي تفتقد لذلك. من
هنا؛ يضع المراقبون هذا الاحتمال على بساط البحث في امكانية وجود تخطيط
لدى الكُرد بخلق واقع أمني – عسكري سيئ في مناطق الحرب مع "داعش"،
لتؤكد الحاجة الى تسليح قوات البيشمركة بما يؤهله أن يكون جيش رديف
للجيش العراقي في هذه الدولة العراقية..! بل ويذهب البعض الى ابعد من
ذلك، وهو توقع الكُرد بأن يكونوا ناجحين ليس فقط على الصعيد الاقتصادي
والسياسي ضمن الاقليم، إنما على الصعيد العسكري ايضاً، وأن يمتلكوا قوى
عسكرية متكاملة تغنيهم عن القوة العسكرية المركزية. بمعنى ان يكون
هنالك جيش للبيشمركة، الى جانب الجيش العراقي. |