قراءة في كتاب: القوة الناعمة.. وسيلة النجاح في السياسة الدولية

 

 

 

 

الكتاب: القوة الناعمة.. وسيلة النجاح في السياسة الدولية

الكاتب: جوزيف س. ناي

ترجمة: د. محمد توفيق البجيرمي

تقديم: د. عبد العزيز عبد الرحمن الثنيان

عدد الصفحات: 257

الناشر: مؤسسة العبيكان

عرض: شبكة النبأ المعلوماتية

 

 

شبكة النبأ: منذ إنهيار الاتحاد السوفييتي والسياسة الدولية بدأت عهداً جديداً من التفكير والتطلعات التي على أساسها ووفقها تم تبني سياسة جديدة وخطاباً مفاهمياً لم يستبدل القوة بل غيّر دفتها عبر ما أصطلح عليه (جوزيف ناي) بـ (القوة الناعمة). هذا المفهوم الذي دفع بأمريكا للحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من سياسة الارغام الذي اتبعته بعد الحرب الثانية.

(جوزيف س. ناي) مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد قراءته (القوة الناعمة) هو المساعد السابق لوزير الدفاع الامريكي أيام رئاسة كلنتون، وهو أحد أبرز الباحثين في السياسة الدولية، كما أنه عميد مدرسة كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، ورئيس مجلس المخابرات الوطني.

إن كتاب القوة الناعمة يعرض بشكل جليّ ما يجب أن تكون عليه السياسة الدولة للقوى العظمى، واستبدال سياسة العصا والجزرة بسياسة القوة الناعمة، مع تأكيد المؤلف على ضرورة إحتفاظ هذه الدول بقوتها الصلبة، بكونها مؤشراً لا يمكن الاستغناء عنه في ظل الراهن الذي يسود العالم، والتهديدات التي تتعرض لها البلدان ومنها تدفق المعلومات وتهديد الإرهاب.

ويذهب تقديم الكتاب لعرض موجز لسبل ومفردات إيجاد هذه القوة، ومنها الدراسات والبعثات داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى القوة الكبرى التي تنتج القوة (الناعمة) فمثلا الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للافلام والبرامج التلفزيونية في العالم، وفيها أكثر من (86) ألف باحث أجنبي، كما أنها تمثل المرتبة الاولى في الفوز بجائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد. وتجدر الاشارة إلى أن المؤلف تطرف إلى جدار برلين بقوله (جدار برلين كان قد تم اختراقه بالتلفزيون والافلام السينمائية قبل زمن طويل من سقوطه عام 1989).

يتفرع كتاب القوة الناعمة لخمسة فصول مع تقديم ومقدمة وإشادات بالإضافة إلى الهوامش في نهاية الكتاب. جاءت الفصول بحسب عناوينها:

الفصل الأول (الطبيعة المتغيرة للقوة) وقد تطرق المؤلف لمفهوم القوة في هذا الفصل بقوله (القوة تشبه الطقس، يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص، ولكن لا يفهمه إلا القليلون). وتشبيه للطقس جاء معتمداً على حالة المزارع والعامل في الإرصاد وطريقة تنبأهم كما يحاول الزعماء السياسيون والمحللون أن يصفوا علاقات القوة والتنبؤ بتغييراتها. كما ذهب هذا الفصل إلى توضيح مفهوم القوة الناعمة بشكل مفصل وموسع كما جاء في الصفحة (24) موضحاً بشكل خطٍ بياني طبيعة العلاقة النسقية بين القوتين (الصلبة والناعمة). كما حدد الفصل الأول موارد القوة الناعمة لبلدٍ ما فهي ترتكز على ثلاثة موارد: ثقافة البلاد (وهي الاماكن التي تكون فيها جاذبة للآخرين)، قيمة السياسة، خاصة عندما تطبق بإخلاص في الداخل والخارج، وأخيراً سياسته الخارجية، عندما يراها الآخرون مشروعة وذات سلطة معنوية أخلاقية.

كما تطرق الفصل الأول لحدود القوة الناعمة، والدور المتغير للقوة العسكرية، موضحاً ما أضافه العلم في القرن العشرين وتأثير التكنولوجيا على موارد القوة الناعمة.

كتب جوزيف ناي في الفصل الثاني عن (مصادر القوة الأمريكية الناعمة) جاء في مقدمة الفصل تسليطه الضوء على مصادر الولايات المتحدة لهذه القوة مؤشراً إلى الإقتصاد وما تلعبه أمريكا من دور مهم تحتل فيه المرتبة الأولى عالمياً، مبيناً نمط المؤشرات الاجتماعية التي تحدد القوة الناعمة في أمريكا، فهي تجتذب ما يقارب ستة أضعاف المهاجرين الاجانب، كما أن الولايات المتحدة هي أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم. ومن بين الـ (1.6) مليون طالب مسجلين في جامعات خارج بلدانهم، نجد أن 28% منهم موجود في أمريكا، بالمقارنة مع 14% يدرسون في بريطانيا، كما أن أكثر من 86 ألف باحث أجنبي كانوا مقيمين في مؤسسات تعليمية أميركية في العام 2002م. كما أن أميركا تنشر كتباً أكثر من أي بلد آخر في العالم. وهي تبيع مؤلفات موسيقية ضعف ما تبيعه اليابان التي تليها مرتبة في هذا المجال. كما أن لدى الولايات المتحدة مضيفون على مواقع الانترنت يزيدون على ثلاثة عشر ضعف المضيفين اليابانيين. كما إنها تحتل المرتبة الأولى في الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد. وهي تحتل مرتبة ثانية لصيقة بعد فرنسا بجوائز نوبل للآداب. كما إنها تنشر ما يقارب أربعة أضعاف المقالات العالمية والدولية التي تنتجها اليابان المنافسة التالية لها في هذا المجال.

تحدث جوزيف ناي في الفصل الثالث عن قوة الآخرين الناعمة، متمثلاً بالاتحاد السوفييتي (سابقاً) أثناء الحرب الباردة، إذ كانت تعدُّ روسيا آنذاك المنافس الأول لأميركا في القوة الناعمة، فهي بدورها انهمكت في حملة واسعة لإقناع العالم بجاذبية نظامها الشيوعي.

أما الفصل الرابع من الكتاب فقد تطرق إلى البراعة في استخدام القوة الناعمة، وفي هذا الفصل عاد جوزيف ناي إلى منصبه بكونه مساعداً لوزير الدفاع، إذ انه تطرق في حديثه عن الحرب على العراق، وكيف أن النظام العراقي صمد بوجه العقوبات لفترة زمنية طويلة عدّها جوظيف هي مرحلة القوة الناعمة التي عبرها حاولت الولايات المتحدة من إقناع العالم بضرورة إنهاء نظام صدام والقضاء عليه لمّا يشكله من خطر على العراقيين وعلى العالم أجمع.

الفصل الخامس والاخير من هذا الكتاب فجاء عن القوة الناعمة وسياسة أميركا الخارجية. ومن الجدير بالذكر أن المؤلف بنى الأُسس المفاهيمية للكتاب بما يتعلق بنظرة المعادات لأميركا في الربع الاخير من القرن الماضي، وقد أعتبر الدبلوماسي المحنك توماس بيكرينغ عام 2003 أن العالم يمر بـ (أعلى قمة من العداء لأميركا شهدناها منذ زمن طويل). إذ تُظهر الاستطلاعات أن أميركا تكبدت خسائر كبيرة من قوتها الناعمة وهذا كله ناتج من السياسة الخارجية المتبعة لدى الولايات المتحدة، إذ يلاحظ أن الرأي السائد مازال ساري المفعول رغم أنه فكرة كلاسيكية تقليدية عن السياسة الرأي القائل بأن أميركا مجرد قوة استعمارية. أدعم هذا الرأي تعاطف الكثيرين مع قضايا استخدمت فيها أميركا قواها الصلبة وبشكل مباشر ومفرط، وعليه أستنتج مراقب استرالي بأن درس العراق هو أن قوة أميركا الناعمة آخذة بالإنحطاط، خاصة وأن جورج بوش ذهب إلى الحرب بعد أن فشل في حصوله على إئتلاف عسكري واسع، أو حتى على تفويض من الامم المتحدة، فكان لذلك عاقبتان مباشرتان هما: إزدياد العاطفة المعادية لأميركا، وزيادة المشاركة في الارهاب وتكبيد أميركا كلفة أعلى للحرب ولجهد إعادة الاعمار.

هذا عرض لكتاب (القوة الناعمة) للباحث جوزيف ناي، رئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع الاميركي في إدارة كلنتون، بيّن الكتاب أهمية القوة الناعمة في استرتيجية السياسة الدولية الحديثة وطريقة تمكنها من الازمات بعيداً عن القوة الصلبة إذا ما تطلب الأمر. حتى وإن أدى ذلك إلى نفقات باهظة مكلفة، لما ستعود عليه من نتائج مهمة بالجذب والاستقرار السياسي والخارجي وتعاطف دولي، بحسب مصادر القوة التي تطرقنا لها في فصول هذا الكتاب. والكتاب من الاهمية بمكان أن قام بتصديره شخصية نافذة كالسيناتور الاميركي (تشاك هيغل) والجنرال (برنت سكوكرفت) منوهين بأهميته البالغة ومحورية آراءه التي يجب الالتفات إليها في صناعة القرار. وانطلاقا مما سبق يبدو أن العراق خاصة والمنطقة العربية عامة، بحاجة اليوم إلى ضم هذه القوة (الناعمة) إلى جدول أولوياتها في طريقة تقديم نفسها للعالم وصد هجمات الإرهاب الشرسة التي تتعرض لها المنطقة، للحصول على تأييد دولي واسع ومشاركة فاعلة من العالم في دفع قوى التطرف والإرهاب عنها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آب/2014 - 14/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م