شبكة النبأ: الدول تُبنى بالعمل، وهي
حصيلة الجهد الفردي والجماعي للمجتمع، والزمن لابد أن يقترن بالعمل،
حتى تتكون لهما(الزمن والعمل) قيمة مزدوجة كبرى، قوامها البناء في
مجالات الحياة كافة، فمن دون العمل لا قيمة للزمن، ويصح العكس، أي
عندما لا يتم تحديد العمل بزمن محسوب، هنا سيكون العمل عشوائيا ويصبح
وبالا على صاحبه، لذا فالزمن يجب أن ينطوي على عمل واضح ومحدد، يصب في
مصلحة الفرد والمجتمع.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (اغتنام الفرص)، حول هذا الموضوع: (إن
الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط
به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة لا تقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم
بعمله). هكذا ينبغي على الإنسان أن يستثمر الزمن أفضل الاستثمار، خاصة
أن العمر يتناقص مع الساعات والأيام، وما يمضي من عمر الإنسان، لن يعود
مطلقا، لذا عليه أن يستغل كل ثانية من حياته بالطريقة التي تحترم قيمة
الزمن.
من هنا تتضح لنا قيمة الزمن، ولعل النجاح الذي حققته الأمم والشعوب
الأخرى على الأصعدة كافة، يرجع بالدرجة الأولى الى إعطاء الزمن قيمته
الحقيقية، وهذا يؤدي بدوره الى الاستثمار الأمثل للفرص التي تعترض مسار
الإنسان، او تلك التي يخلقها بنفسه، بمعنى أن الاستثمار الأفضل للفرص
يعني بدوره استثمار أمثل لساعات العمر.
النجاح قرين الإصلاح
وهذا ما يحث عليه الفكر الإنساني السليم في جميع الدراسات الفلسفية
او الاجتماعية او غيرها، فضلا عن التعاليم السماوية المقدسة التي نزلت
في كتب الله تعالى، وأولها تركيزا وتأكيدا على أهمية صلاح الإنسان
ونجاحه في العمل الصالح، هو القرآن الكريم كما يشهد الجميع بذلك، لذا
لابد أن يستثمر الانسان حياته المحددة بزمن محدد في الانتاج السليم على
الصعد كافة، وبعكسه، فإن إهدار الفرص تمثل إهدارا لعمر الانسان، وضياعا
لجهوده وقدراته الكبيرة التي منحها له الخالق العظيم سبحانه.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا في هذا المجال: (أن
تقدم العمر بالإنسان عبارة عن قرب نهاية وجوده على هذه البسيطة، وخاتمة
عمره في هذه الدنيا، والدنيا ـ كما في الحديث الشريف ـ مزرعة الآخرة-،
فلا بدّ للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه: فالساعات التي يضيّعها
الإنسان هنا وهناك، بلا استثمار ولا استغلال، فإنه إنما يضيع بها جزءً
من وجوده، ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره).
استثمار العمر بطريقة أفضل
لاشك أن الإنسان مطالب بالإنتاج من اجل التغيير، ولكن هذا لا يتم
مندون تخطيط، على المستوى الفردي والجماعي، علما أن الاستثمار السليم
للزمن يساعد في إطالة عمر الانسان، لأن النجاح سيكون دافعا لأن يعيش
الإنسان في وضع مادي ومعنوي جيد جدا، وهذا ما أثبتته بعض الدراسات
الحديثة المتخصصة، أي كلما كان الإنسان ناجحا في حياته كلما كان عمره
أطول من غيره، وهذا ما أكده الإمام الشيرازي سابقا، في كتابه نفسه إذ
يقول سماحته: (لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر
ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر
الإنسان).
وهناك دلائل اكيدة، كما يثبت المعنيون بهذا المجال، تدل على الترابط
الوثيق بين العمل الناجح، وتحسّن صحة الانسان، ورغبته بحياة افضل
وقدرته على تحقيق هذا الهدف، ويبدو أن الترابط بين العمل الصالح وطول
العمر واضحا لمن يبحث عن الأسباب، فحين يقوم الإنسان بعمل جيد يخدم فيه
نفسه والآخرين معا، فإنه سيشعر بحالة من السعادة والابتهاج، كونه قدم
شيئا يساعد الناس في حياتهم او قضاء حوائجهم الماسّة، لذا تجد أكثر
الناس سعادة هم المنتجون الفاعلون في المجتمع، حيث يقدم ذروة أفكاره
وأعماله لصالح الآخرين، فيشعر بحالة من السعادة والسمو الروحي الذي
ينعكس على مجمل حياته ماديا ومعنويا.
لذلك يؤكد الإمام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، قائلا في هذا
المجال: (إن الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه
يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يرى أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد
استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه سوف لا يتحسر يوم القيامة على هذه
اللحظات والساعات.. على العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب،
فإنه يندم على كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم
حسرة نفسية وكآبة روحية). من هنا تشير التجارب البشرية الى أن نجاح
الإنسان مرتبط في الغالب بأفكاره وأعماله، وبالفرص الناجحة التي
يستثمرها قبل أن تمضي من دون هدف أو طائل.
العمل يضاعف المعنويات
مما لا نقاش فيه، أن الإنسان المنتج غالبا ما يكون صحيح الجسم وحاذق
التفكير، والإنتاج المدروس يأتي كنتيجة منطقية للتخطيط، ومراعاة الزمن
واحترامه بصورة كبيرة، واختيار العمل المناسب، والشروع به ضمن التوقيت
الصحيح، وهكذا تبدو العلاقة تصاعدية بين النجاح وبين احترام الزمن،
واستخدامه بطريقة صحيحة من لدن الإنسان، يقول الإمام الشيرازي في هذا
المجال: (إن الذي يقدّر الزمن ويعمد إلى صالح الأعمال، إنما يزيد لروحه
ومعنويته معنوية وكمالاً مضاعفاً، ومضافاً إلى طول عمره عندما يأتيه
الموت تراه فرحاً مستبشراً؛ لأنه يشعر أنه غير مقصر في أمره، فلا يندم
ولا يتحسر كما يتحسر من ضيع عمره، فبهذا الاهتمام والاغتنام وبفضل الله
تعالى يضمن نجاته من أليم العذاب).
من هنا على الانسان فردا كان او جماعة، أن يتنبّه الى أهمية الزمن،
وضرورة استغلال الفرص في العمل الجيد، فهما كفيلان برفع الانسان الى
درجات عليا من السمو والترفّع على الصغائر، فضلا عن الفوائد الجمة التي
يكسبها الانسان متمثلة بارتفاع المعنويات، مع المكاسب المادية التي
تشكل مردودا متواصلا للاعمال الناجحة، على أننا يجب أن نفهم أن الانسان
الذي يستغل زمنه في استثمار الفرص للعمل الصالح، هو ذلك الذي يتمتع
بالذكاء حتما ويجيد التخطيط السليم، ويمتلك الارادة الفعالة، ويستطيع
الوصول الى اهدافه بصورة اسرع وأدق من أقرانه، وخلاف ذلك لابد أن
الانسان يعاني من خلل في الفهم والذكاء والادراك الامثل.
لذلك يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه حول هذا الموضوع:
إن (الزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها
وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن
تعود أبداً). |