الكلمة وأثرها في شخصية المجتمع الفكرية والمعرفية

في ذكرى رحيل الامام الشيرازي

موقع الامام الشيرازي

 

يحتل الحرف والكلمة، جانباً بارزاً، في شخصية المفكر المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفكرية والمعرفية، إذ ينقل سماحته في مباحثه المعرفية والألسنية، "مسألة" إن القوالب الفكرية، تكون وراء تشكيل الرأي المجتمعي، حيث يعتاد الإنسان، أن يحصل كل مجتمع أو مجموعة قالباً فكرياً، يحركه نحو ذلك المجتمع سلباً وإيجاباً، وأن اللغة أداة التواصل ونقل المعلومات وتبادل الآراء والأفكار والتعامل بين البشر، وذلك في مسعى لتبيان دور الكلمة، في تأسيس الفكر والثقافة.

فاللغة في منظور سماحته، تقوم بدور فعال في تماسك المجتمع والجماعات، وبالتالي فهي من الأركان المهمة في التعبير عن الأفكار والمعتقدات، حيث جعل الإنسان من لغة التفاهم، الوسيلة للوصول بنفسه أو بجماعته أو بالعموم إلى حاجاته وحاجاتهم.

ويعرض سماحته دور الكلمة في تشكيل الثقافة المجتمعية والرأي العام، بوصفه أمراً اكتسابياً، ويجري اكتسابه على ثلاث مراتب، في الأولى تحصيل المعلومات والآراء، بجمعها من مصادرها المتمثلة بجميع الدرجات الاجتماعية، التي تكون عينات مختلفة ومتباينة للرأي العام، والتخطيط في المرتبة الثانية، وفي المرتبة الثالثة يحتاج تشكيل الرأي العام، إلى التطبيق والتنفيذ، لأنه لا يكفي التخطيط فقط وإنما ينبغي معرفة السبل المتاحة للتنفيذ.

يقارب سماحته هذه الجزئية البحثية، وفق منهج فقهي استدلالي معمّق، حول دور اللغة بتجسيداتها (الإيحاء والكلام واللمس والصورة)، في تشكيل الرأي العام، خصوصاً الرأي العام للمجتمعات المسلمة، مستنداً إلى دور اللغة في الفقه والأصول، ومشيراً إلى اندفاع المسلمين من غير العرب، على تعلم اللغة العربية حباً بالإسلام، فجعلوها لغتهم الرئيسية أو الثانية بعد اللغة الأم، لأن القرآن الكريم جعل اللغة العربية لغة للمسلمين بصورة عامة، فضلاً عن تمسك العرب المسلمين بها كلغة رئيسة، رغم تزاحم الأقوام وتعاقبها على بلدانهم، فتواصلت لغة حية عبر الزمن، بفضل الإسلام والقرآن، وعليه كان لزاماً على مهندسي الرأي العام، أن يحسنوا استخدام اللغة، للوصول سريعاً إلى الهدف.

عنى السيد المجدد في آثاره الفكرية والمعرفية، بالتشجيع على نشر اللغة العربية والعناية بها، مبيناً أنها لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة، كما ورد في الحديث الشريف، وهي إحدى وسائل توحيد الأمة الإسلامية، وهذا لا يعني أن يترك غير العرب لغتهم ويتحدثوا بالعربية، بل يتعلموا العربية بالإضافة إلى لغتهم الأصلية التي هي للتفاهم في الإطار المحلي، أما اللغة العربية فهي للتفاهم في إطار الأمة الإسلامية، إذ يرى(قده) أن منهج الإسلام، يقوم على دعم اللغة العربية، وجعلها لغة التفاهم، فالصلاة وكتاب الله وسنة رسول الله كلها بالعربية، وهذا يعني إن الإسلام يريد من المسلم أن يتعلم العربية لتصبح لغة للتفاهم، مفصلاً توجهات هذه الدعوة، وفي كتاب سماحته، "المرجعية الإسلامية، رؤى في الأساليب والأهداف".

إن مبحث أهمية اللغة، المستمد من مباني منظومة الأحكام الشرعية، مع التباين في الغاية، يمكن إسقاطه أيضاً على آليات هندسة وتشكيل الرأي العام، لجهة تأثيره قي المضامين النصّية ومبانيها ودلالاتها في اللفظ والمعنى، في الصياغة اللغوية لخطاب مرجعيات القرار السياسي والإعلامي والاجتماعي، يهدف التأثير باتجاهات ومدركات الرأي العام، وإعادة تشكيله وفق المخطط له في إطار الاستراتيجية الوطنية.

بموازاة ذلك، يؤكد سماحته، الدور الإعلامي والمعرفي للكتاب، في نشر التوعية الثقافية بين الشعوب والمجتمعات، فالكتاب السياسي مثلاً، يختلف في تأثيره عن المقال الصحافي السياسي، الذي مهما كان متعمقاً، فإنه سوف ينسى بمجرد انقضاء عمره الزمني، بينما الكتاب يبقى، من ضمن المقتنيات والذاكرة. وإن أهمية الكتاب ودوره في الثقافة والمعرفة والإعلام، لا يقلل من أهمية الصحافة، مبيناً أهمية وضرورة التوجه إلى الصحافة، لأنها من أهم وسائل التبليغ والإرشاد والإعلام والنشر والإمتاع وتهيئة الرأي العام، وذلك مرتبط في جميع نواحي الحياة المجتمعية، لأنها تؤسس لعلاقات إنسانية في المجتمع، وتضمن رفع مستوى الوعي عند الناس، وهي أيضاً تمارس دوراً خطيراً مكملاً لدور السلطات الثلاث في الدولة، لذا لقبت بالسلطة الرابعة، وهي المرآة العاكسة للشعب، انطلاقاً من الحديث الشريف، "كما تكونوا يولى عليكم".

ولذلك يبين سماحته، إن بعض الكتّاب قد ارتأى أن يجمع مقالاته في كتاب وينشره، ويبقي على آثاره، وهذا مستوحى من مقولة الإمام الصادق (عليه السلام): "احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها"، وقد ألزم سماحته نفسه بهذا التوجه، إذ أفنى حياته، في التأليف والكتابة، وفي إيلاء الكلمة، مكانتها وأدوارها، فكان نتاج سماحته وفيراً، بين تأليف الكتب والرسائل والبحوث والدراسات والمحاضرات والمقالات، مما أكد انسجام رؤاه ومبادئه، مع العمل والأداء.

* أجوبة المسائل الشرعية العدد (203)

http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آب/2014 - 14/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م