الإنسان والحياة.. جدل دائم؟

د. اسعد الأمارة

 

لا ينقطع الجدل داخل النفس الإنسانية إلا بموت الإنسان، ذلك الموت الذي يفضي إلى فناء النفس القادرة على التفكير والتكوين وإدراك ما هو موجود في هذه الحياة سلبياً كان أم إيجابياً، محباً أم كارهاً للناس أو الأشياء أو الآخرين من المقربين أو غير المعروفين؟ انه جدل لا ينتهي إلا بنهاية صاحبه. يقول بيير داكو تمضي الحياة ويدور تطورها كما يدور الدولاب الذي يحرك الماء، ولابد للإنسان من أن يكون قادراً بتوازنه على أن يدع الظرف الذي لا يلائمه ينزلق عليه انزلاقا. أما بالنسبة للظرف الملائم فإنه يتطلب أن يفيد منه الإنسان.

أن البعض منا لا يواكب هذا التسارع في أحداث الحياة فيقف أما مذهولا أو مترددا في ركب موجة هذا التسارع فيكون الأمر أشبه بالسجين لحالته الذهنية، أن البعض أصيب بانحرافات داخلية، ونحن على يقين دائم وحقيقة لا يمكن إغفالها وهي أن الحياة ليست عادلة ولا ظالمة، وليست صالحة وليست عمياء.. هذه الصفات نطلقها نحن البشر استناداً إلى أطرنا المرجعية كما يقول علماء النفس الاجتماعي ، فقولنا بأن الحياة هي ما هي عليه، هو صحيح تماما، فلماذا نريدها صالحة كما نتمنى، ونريدها مبصرة وليست كما نتمناها عمياء ، ولكن الحقيقة الغائبة إننا لا نراها كذلك، نراها كما تجيش في حنايانا مشاعر الحب أو المودة أو نقيضها في الكره والبغض.. نقول إن الحياة منطقية تسير كما يسير النهر الخالد الهادئ في الجريان حاملا معه قوارب الناس .. بها همومهم، وأشجانهم، محبتهم وبحثهم الدائم عن الآمان والتغيير وكسب المال والمكانة الاجتماعية.. هذا الجدل غير المنتهي يقود الناس إلى صراع الوجود الذي ينتج كل جديد ولولاه لما عاش الإنسان في سواءٍ أو صحة نفسية، لعاش العزلة والخوف من المجهول.

أن المكتئبين والعصابيين بأنواعهم ومنهم الوسواسيين والشخصيات القلقة لم يتمتعوا بهذه الجدلية لأنهم انقطعوا عن مواجهة التحديث والتطور القادم من خارج الذات وابتلوا بما في أنفسهم من صراع غير منتهٍ، نقلوا المواجهة من الخارج إلى الداخل" من البيئة الخارجية إلى داخل أنفسهم" .هنا نحدد وصف ميزان الصحة والسواء والمرض واللاسواء بالجهاز النفسي الذي يتوسط بين الداخل والخارج" الداخل بمحتواه الكامل للمنظومة النفسية وصراعاتها التي تحدد الصح من الخطأ، والخارج بمواضيعه المختلفة أي العلاقات الإنسانية ، ومدى قدرة بعضنا على الموازنة.

تلعب قدرتنا في الذكاء والذاكرة "الخبرة السابقة" والحكم الصحيح على الأمور واختيار الواقع المناسب الذي يحمي النفس من المداهمة غير المتوقعة بوساطة تنوع وكثرة المثيرات البيئية المؤدية إلى عدم التوازن النفسي والاجتماعي والقيمي في إبعاد ما هو مؤلم، فالوجود على قيد الحياة مرتبط بالألم، والوجود يسعى إلى التغلب على الألم ، فتزداد حينئذ كثرة استخدام الحيل الدفاعية المختلفة وأحيانا اللجوء إلى أحلام اليقظة ومن ثم التدهور شيئا فشيئا نحو انعدام التوازن وهو انعدام الصراع تماما المؤدي إلى استمرار الإنسان في المواجهة والاستمتاع بلذة التحدي واستنادا للمقولة الفرنسية السيكولوجية: إن للآلام جمالها، شريطة أن ينجح الإنسان في تجاوز النكبات والعقبات، فلا حياة بدون عثرات أو عوائق، ولن يكون التغلب النهائي على الألم الذي هو أساسا يساوي استمرار الحياة مقابل الفناء وهو الموت.

ليس من المفيد أن يشكو الإنسان من الحياة بقدر ما يغير أساليبه في مواجهة صعوباتها واستراتيجياته وتنوع الطرق المؤدية للنجاح، فليس للحياة عيون ترى أو آذان تسمع أو أيدي تلوي بها الناس أو من يتخاذل أمامها في مواجهتها، أنها قاسية إذا صرعته الأزمات والصدمات والضغوط الحياتية، واستسلم لها، والسبب في ذلك أنه فقد بصره في رؤية مشاكله وضاق أفقه في إيجاد الحلول، لذا نقول لا جدوى في صب اللعنات على الزمن أو على الحياة وضعف المواجهة.

 إن على الإنسان أن يرى خصمه حتى يستطيع أن يصارعه، وإلا فإنه مغلوب مندحر لا محالة، فإذا كان قويا متوازناً أصبح متكيفاً مع الظروف الحياتية وهو ما يطلق عليه النجاح الداخلي الذي يكفل له السيطرة على البيئة الخارجية مهما كانت صعبة أو قاسية، فرغبة الحياة تبعد شبح رغبة الموت، وهذه الثنائية تدور داخل النفس الإنسانية في عدة مواضع ومواجهات حياتية، ففي أحيان كثيرة يتمنى الإنسان الموت بدل المواجهة وهو الانهزام في معركة الحياة، وقولنا في النهاية أن الرغبة والتحكم ما هما إلا وجهان لنفس العملة.

* أستاذ جامعي وباحث نفسي

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/آب/2014 - 10/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م