شبكة النبأ: شغلت النفس الإنسانية
اهتمام كثير من المفكرين وعبر امتداد التاريخ الانساني الطويل، منذ
ايام الفلسفة اليونانية واساطينها ومرورا بالفلاسفة المسلمين، وليس
انتهاءا بعصرنا الحالي وتجدد الاهتمام بعد تطور العلوم والمعارف.
اتفقت معظم الآراء حول النفس على انها شيء مستقل عن الجسد، وهي اقرب
ما تكون إلى مفهوم الروح ويظهر ذلك من خلال ما ذكره هؤلاء الفلاسفة على
النحو الآتي:
يقول الكندي: ( تعتبر النفس بسيطة ذات شرف وكمال، عظيمة الشأن،
جوهرها من جوهر الباري عز وجل).
وذهب الفارابي إلى أن النفس شيء غير الجسم فقال: ( أن النفس
الإنسانية جوهر بسيط ليس بجسم، وهي غير جسمانية بل هي استكمال لجسم
طبيعي آلي أو عضوي . وهذه النفس صدرت بعد نشوء البدن البشري).
ويقول إخوان الصفا: (النفس وجدت قبل البدن وأنها كانت في عالم خاص
بها قبل حلولها فيه، وأنها حية بذاتها لا تفسد بفساده، وأنها تظل
محبوسة في البدن لا تفارقه إلا بالموت الذي يعتبر ميلاداً لها) .
ويرى الرازي: ( أن النفس الإنسانية ليست جسماً ولا حالةً في الجسم
فهي جوهر مفارق. ..)
في القرآن الكريم ومن خلال ورود الكثير من الايات حول النفس يمكننا
تحديد عدد من الصفات التي تتميز بها:
1- أنها مخلوقة . قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إن اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)النساء/1.
2- أنها تموت. قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ
إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت /57.
3- أنها تتمتع بحرية الاختيار. قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/7-10.
4- أنها مكلفة من قبل خالقها عز وجل. قال تعالى :(لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ ..) البقرة/286 .
5- أنها تجادل. قال تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ
عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ)النحل/111 .
6- أنها لوامة. قال تعالى: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ)القيامة/2.
7- أنها أمارة بالسوء. قال تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إن
النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إن رَبِّي
غَفُورٌ رَحِيمٌ)يوسف/53.
و(النفس هي مبعث فساد الكل، أو صلاح الكل؛ فهي إن ارتفعت عن جذورها
المادية صلح الكل، وإن انحطت إلى جذورها المادية وقطعت جذورها الفوقية
فسد الكل)، كما يشير الى ذلك الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس
سره)، وهو يتحدث عن النفس الإنسانية.
وفي موضع اخر من كتاب حمل عنوان (الفضيلة الاسلامية) وحين يتحدث
الامام الراحل عن الانسان فهو يصفه بانه (له روح وله بدن، والأول مصدر
العلم والفضيلة، والرضا والغضب، والحزن والسرور، والجبن والشجاعة،
والسخاء والبخل... وما إليها... والثاني مصدر الإدراك والذوق، والسمع
والبصر، والشباب والهرم، والصحة والسقم وما إليها... ولكل من هذين
استقامة وانحراف: فانحراف الجسد: المرض، واستقامته: العافية، وانحراف
الروح: البخل والجبن... وما إليها، واستقامته: الكرم والشجاعة.. وما
إليها).
فساد الكل الذي يشدد عليه الامام الراحل والذي منطلقه النفس الفردية
داخل مجتمعها، له مظاهر عديدة داخل هذا المجتمع، وهي سيئة في انحرافها
لأنها (وليدة جذور منحرفة، فلا يمكن التخلص من هذه المظاهر السيئة إلا
بتقويم الجذور وتعديلها). أي اصلاح النفس او الروح..
ونرى تأكيدا اخر على هذا التأثير الفاعل للنفس الانسانية في فسادها
والذي يستتبعه فساد المجتمع حين تجتمع عدة انفس منها فاسدة مريضة، وهنا
يطالب الامام الراحل بهدم هذا المجتمع من اصله على حد تعبيره، و(بناء
مجتمع جديد من الأساس، كما أن من يريد أن يشتمل روضه على أشجار مستقيمة
يلزم عليه أن يقطع كل ما أعوج من شجره، ويغرس مكانها شجرة أخرى).
في دعوته للتغيير، والذي يستأثر كثيرا باهتمامات الامام الراحل،
فانه رغم التأكيد على الجانب الفاسد من النفس الانسانية، الا انه
بالمقابل يرى التغيير والتجديد من داخل هذه النفس ذاتها، لأنه (تجديد
يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح
غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
والطبيعي وغير ذلك)..
لكن التجديد لا يمكن له ان يقوم الا عبر الفهم اولا، وهو فهم الحياة
كما هي وليس فهماً هامشياً أو مقلوباً. |