تنافس الوسطاء في غزة ...

يحبط الهدنة ويكشف وجها آخر لصراع النفوذ الإقليمي

 

شبكة النبأ: قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (ماهر الطاهر) إن فصائل الوفد الفلسطيني إلى القاهرة سلمت المسؤولين المصريين ورقة تتضمن موقفها الموحد بشأن الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة لعرضها على الجانب الإسرائيلي، وأوضح الطاهر أن أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها هي:

1. وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

2. وفك الحصار بكل ما يترتب عليه من فتح المعابر.

3. وحقوق الصيد البحري بعمق 12 ميلا بحريا، وإلغاء المنطقة العازلة المفروضة من إسرائيل على حدود القطاع.

4. وإطلاق سراح أسرى (صفقة شاليط)، الذين تم إعادة اعتقالهم ونواب المجلس التشريعي وكذلك الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو.

وكانت جامعة الدول العربية دعت، الأطراف الدولية إلى الضغط على إسرائيل لإرسال وفد إلى القاهرة، للتفاوض الوفد الفلسطيني عبر وساطة مصرية ومشاركة أمريكية، وقد رفضت إسرائيل المشاركة في المفاوضات او الجلوس مع حماس، بعد ان شككت في مبادرات وساطة سابقة حاولت القيام بها قطر، ويبدو ان إسرائيل تحاول الاستفادة من الانشقاق العربي الواضح حول الحرب في غزة بعد ان ارتبط اسمها بالحركة الإسلامية حماس، التي تختلف الدول العربية في دعمها ومحاربتها، سيما وان اسمها يرتبط بحركة الاخوان المسلمين، التي حاربتها مصر والسعودية والامارات والكويت، فيما دعمتها بشدة قطر إضافة الى تركيا التي دخلت على الخط من خلال اردوغان وحزب العدالة والتنمية ذو التوجه الاخواني.

في سياق متصل يقول محللون وبعض المسؤولين إن المساعي الرامية للتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة قد تتعثر بسبب الصراع على النفوذ الإقليمي بين الدول العربية المحافظة والحكومات المؤيدة للإسلاميين إذ تتنافس هذه القوى على لعب الدور الرئيسي في الوصول للهدنة، ومصر وهي قوة رئيسية ذات ثقل بالمنطقة وقطر الدولة الخليجية الصغيرة هما طرفا المواجهة الإقليمية المتعلقة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة وجماعة الإخوان المسلمين المرتبطة بها أيديولوجيا، ويقول كل طرف إن الآخر تدفعه رغبة في تحقيق نفوذ دبلوماسي وسحق الخصوم السياسيين من خلال هدف إنساني وهو حماية أرواح الفلسطينيين من الجيش الإسرائيلي.

وقال المحلل غانم نسيبة الذي يقيم في بريطانيا "لقد تحولت غزة بشكل مفاجئ جدا في المسرح الذي يجري التعبير فيه عن هذه المواءمات الجديدة في العالم العربي"، وأضاف "غزة هي أول اختبار لهذه التحالفات الجديدة وأثر ذلك على إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار هناك"، وكان يشير إلى قطر وتركيا والسودان وإيران وهي الدول الرئيسية في تجمع فضفاض من الدول التي تعتقد إن الإسلاميين يمثلون مستقبل السياسة في الشرق الأوسط، ويتنافس هذا المعسكر بشكل علني آخذ في التزايد مع مجموعة من الدول المحافظة الموالية للغرب بقيادة مصر والأردن والإمارات والسعودية ومعظمهما عازمة على سحق جماعة الإخوان ويعتبرونها تهديدا، وهذا الانقسام واضح حاليا في الجهود الدبلوماسية بشأن غزة.

ودعمت قطر حكومة الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي عزل من السلطة قبل عام بعد احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه، ومنذ ذلك الحين قدمت السعودية والإمارات أموالا لدعم الرجل القوي عبد الفتاح السيسي الذي كان قائدا للجيش ووزيرا للدفاع وقت عزل مرسي وانتخب رئيسا بعد شن حملة على جماعة الإخوان وحظرها، وفي ظل حكمه شددت مصر سيطرتها على الحدود الجنوبية لقطاع غزة وأغلقت الأنفاق في محاولة لمنع إمدادات الأسلحة ومنع المتشددين من العبور، ويشتبه مسؤولون مصريون في تشجيع قطر لحماس على رفض مبادرة وقف إطلاق النار التي طرحتها مصر.

وقال مسؤولون فلسطينيون إن المبادرة تضمنت في أغلبها شروطا اسرائيلية وأمريكية لوقف إطلاق النار، ولدى حماس مطالب خاصة لوقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل ومن بينها الإفراج عن سجناء ورفع الحصار الاقتصادي، وبعد رفض حماس للمبادرة المصرية اتجهت كل العيون صوب الدوحة وقال مصدر قطري رفيع إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس التقى هناك زعيم حركة حماس خالد مشعل الذي يعيش في العاصمة القطرية، وقال مسؤول في القاهرة إن معركة غزة "جزء من صراع إقليمي بين قطر ومصر وتركيا"، وأضاف "حماس، ركضت إلى قطر التي تكرهها مصر كثيرا لتطلب منها التدخل، وفي النهاية نحن واثقون من أن حماس ستصل لتسوية بشأن اتفاق يتشابه جدا مع المبادرة التي طرحتها مصر لكن بتوقيع الدوحة".

وزار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري القاهرة ويرجح أن يتوسط بين قطر ومصر وتركيا لإنهاء القتال في غزة، وقال دبلوماسي مصري "المعضلة الآن هي التوصل لاتفاق بين مصر وقطر، ومن الواضح أن حماس فوضت قطر لتكون الناطق باسمها في المحادثات"، وأضاف "كيري هنا في محاولة للتوسط بين قطر ومصر للاتفاق على صفقة ستوافق عليها حماس"، وقال مصدر آخر في وزارة الخارجية "سيطلب كيري من مصر إضافة شروط حماس ثم سيذهب إلى قطر ويطلب منها أن تطلب من حماس الموافقة على الاتفاق المعدل"، لكن كيري حث حماس في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري بالقاهرة على السعي لمفاوضات سلام مع اسرائيل في قطاع غزة استنادا للمبادرة المصرية. بحسب رويترز.

ولأسباب تتعلق بالتاريخ والجغرافيا تنظر مصر دائما لنفسها على أنها الوسيط الأكثر فعالية في الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني في غزة، لكن منتقدين يقولون إن الحكومة المصرية المعادية للإسلاميين بشدة تحاول الضغط على حماس للقبول بهدنة تقدم تنازلات قليلة للحركة، ويقولون إن هدفها هو إضعاف الحركة والقوى الاسلامية المتحالفة معها في مصر، وقال زعماء حماس إن مصر لم تتشاور معهم بشأن مبادرتها التي لم تعالج مطالبهم، وفي وقت يجري فيه التعامل مع جهود السلام بحذر يبدو الآن أن قطاع غزة اختبار للقوة في صراع على النفوذ الإقليمي.

وقال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن الوساطة بشأن غزة شهدت "الكثير من التدخل السياسي"، وأضاف "قطر كانت غير راضية عن (خطة) وقف إطلاق النار المصرية، وهم غير مرتاحين جدا لأنها جاءت من مصر ويحاول القطريون تقويض مصر سياسيا والضحية هو وقف إطلاق النار الذي اقترحته مصر"، وتابع "المشكلة هي، من سيقدم وقف إطلاق النار؟ من سيفوز في المباراة الأولى بين المعسكرين السياسيين الجديدين في العالم العربي؟"، وأصل الخلاف يعود إلى المواقف المتناقضة من جماعة الإخوان المسلمين التي ساهمت في الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية عام 2011 قبل أن يطاح بها من السلطة العام الماضي.

وتتحدى أيديولوجية الجماعة مبدأ الحكم الوراثي المحافظ المهيمن منذ فترة طويلة في الخليج، ويقيم بعض الأعضاء القياديين بالجماعة في قطر ويبثون آرائهم عبر وسائل الإعلام القطرية مما أثار غضب دول الخليج العربي الأخرى، وتتهم قطر باستخدام تحالفها مع حماس لشق طريقها إلى جهود التوسط بين الحركة وإسرائيل، ويشك منتقدون في أن قطر ترغب في تحسين صورتها دوليا والتي شابها ادعاءات حول حقوق العمال الفقراء استمرت لأشهر والفساد المزعوم بشأن نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 والتوترات السياسية مع جيرانها العرب في الخليج، لكن الحكومات الغربية ترى قطر كوسيط إقليمي كبير محتمل بسبب روابطها مع الحركات الإسلامية في مصر وسوريا وغيرها.

وتنفي قطر أي دوافع خفية وتشير إلى أن واشنطن طلبت منها صراحة اجراء محادثات مع حماس، وقال وزير الخارجية خالد العطية إن دور قطر كان مجرد تسهيل الاتصال، وقال مصدر مطلع على المسألة إن قطر لن تضغط على حماس لتغيير أو تقليص مطالبها، وفي السعودية حيت تزداد الشكوك بشأن حماس بشكل خاص لتحالفها مع جماعة الإخوان وإيران خصمها الإقليمي الرئيسي، تخلت الصحف عن تقليد إلقاء اللوم على إسرائيل وحدها وهاجمت أيضا الحركة الفلسطينية، وكان عنوان مقال رأي كتبه فادي إبراهيم الذهبي، هو "قيادة حماس من الدم المصري إلى الدم الفلسطيني".

وزعم أن حماس قامت بتأجيج الحرب في غزة ليس لتحرير فلسطين ولكن كجزء من حملة إخوانية أوسع نطاقا ضد حكومة مصر لكسب ود إيران، وقال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات وهو عضو في حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت مؤخرا بهدف انهاء الخلاف بين حماس وحركة فتح انه لا يرى أي تنازع بين الدول العربية، وقال "هذا ليس هو الحال وليست هناك منافسة بين الدول العربية، أنهم جميعا يريدون وقف إراقة الدماء"، وأضاف "جميع الدول العربية تريد أن تضع حدا لنافورة الدم هذه في غزة، وتركيا وقطر ومصر كلهم متفقون، ولقد نحى قادة هذه البلاد خلافاتهم جانبا ونتفق جميعا على أن سفك الدماء يجب أن يتوقف".

دور لقطر وتركيا في غزة

فيما دخلت كل من قطر وتركيا على خط الأزمة الحالية في غزة، وكبار المحللين يتحدثون اليوم عن محور حماس قطر تركيا، ويتوضح ذلك بجلاء من خلال تصريحات خالد مشعل عندما طرحت المبادرة المصرية بعد أن دعا إلى إشراك كل من الدوحة وأنقرة في الوساطة، ولا تنظر القاهرة إلى هذا التحالف الثلاثي بعين الرضا، إذ اتهم وزير الخارجية المصري سامح شكري هذا المحور بـ"محاولة إفشال الدور المصري الذي يعد بمثابة حائط الصد ضد المخطط الرامي إلى تفتيت المنطقة إلى دويلات متحاربة"، وأكد شكري أن علاقة بلاده مع حركة حماس "ليست جيدة"، إلا أن مصر "مع مصلحة الشعب الفلسطيني"، وأضاف أن "هذا المحور يستهدف أن ينزع عن مصر وضعها كطرف فاعل قادر على التأثير على الموقف الإسرائيلي الذي يدرك جيدا دور مصر وأهميته بالمنطقة"، وهاجم النائب ياسر القاضي الأمين العام لاتحاد نواب مصر، قطر وتركيا، معتبرا أن دورهما كان "تسهيل مهمة الكيان الصهيونى في إيقاع حركة حماس في فخ الحرب البرية على غزة".

وتعي الدول الغربية جيدا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ثقل كل من قطر وتركيا في المعادلة الغزاوية، وقال مسؤولون أمريكيون إن كيري يحافظ على الاتصالات مع قطر وتركيا، لكن آخر تصريح لوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أكد فيه أنه "على حماس السعي للتفاوض لإنهاء القتال في غزة على أساس المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار"، والطرف الإسرائيلي يبدو منزعجا من هذا المحور، وفتح حربا على جبهتين دبلوماسيتين بحق كل من الدوحة وأنقرة، واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغور ليبرمان، أن "قطر تحولت إلى مشكلة عالمية"، كما أضاف أن "قطر تشكل العمود الفقري الاقتصادي لأكثر المجموعات تطرفا التي تزعزع الاستقرار في العالم كله وفي الشرق الأوسط خاصة، كما أن قطر تشكل عاملا مركزيا في المواجهة التي نديرها الآن ضد حركة حماس في غزة، فهي تقوم أيضا بتمويلها وتوفر ملجأ لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل".

ولا تبدي تل أبيب حماسا لإشراك قطر وتركيا في التفاوض مع الفلسطينيين، وفي هذا السياق اتهمت صحيفة "إسرائيل اليوم" من خلال مقال لأحد كتابها الأمريكيين بـ "السذج ومغفلون" لأنهم يثقون في مساعي البلدين للتوصل إلى حل للأزمة، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اتهم تركيا بانتهاك "القواعد الدبلوماسية" بعد التظاهرات التي جرت في أنقرة وإسطنبول ضد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وتخللتها أعمال عنف استهدفت مقرات دبلوماسية إسرائيلية، وكانت تركيا طردت السفير الإسرائيلي لديها واستدعت سفيرها في 2011 بعد مقتل عشرة أتراك في هجوم شنته القوات الإسرائيلية ضد السفينة مافي مرمرة التي كانت في طريقها لكسر الحصار عن قطاع غزة في أيار/مايو 2010.

واتهم أردوغان إسرائيل بممارسة "إرهاب الدولة"، وأكد أنه "طالما بقي في السلطة لن يكون هناك أي شيء إيجابي مع إسرائيل، متهما تل أبيب من جديد بارتكاب "إبادة" ضد الفلسطينيين أمام أعين الأسرة الدولية، وأعلنت تركيا الحداد ثلاثة أيام على الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا في الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ولا يرى الباحث في العلوم السياسية، كريم أملال، أن يكون بمقدور قطر وتركيا أن تلعبا دورا هاما في حلحلة الوضع بالمنطقة، وذلك بالنظر للعلاقات المتوترة بين تل أبيب وأنقرة من جهة وتشنج نظيرتها بين الدوحة ودول الخليج، وأضاف أملال أنه "عكس ما كان يحصل في السابق، لا يوجد طرف في المنطقة بإمكانه أن يلعب دور الوساطة سواء بالنسبة لقطر أو تركيا، ومصر بالتأكيد"، وأوضح أنه لا "مصلحة على المدى القصير لكل من الدوحة وأنقرة لأن تنخرطا في وساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، ما يفسر، بحسبه، ظهور اسم الولايات المتحدة كطرف أساسي ومهم للقيام بدور الوسيط.

مصر كسر شوكة الإسلاميين

الى ذلك توضح محاولات مصر الضغط على حماس لقبول هدنة تقدم للحركة تنازلات قليلة لإنهاء القتال مع إسرائيل عزم القاهرة على إنهاء المهمة التي بدأتها في الداخل وهي سحق الإسلاميين الذين تري أنهم يمثلون تهديدا، واعتبرت مصر نفسها على الدوام أكثر الوسطاء فاعلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه المرة لم تتحرك القاهرة بسرعة لوقف الحرب في غزة وعندما تحركت كانت المبادرة التي طرحتها لوقف إطلاق النار على ما يبدو تهدف لعزل حماس التي تتبنى فكر جماعة الاخوان المسلمين المصرية أكثر من التوصل الى وقف إراقة الدماء فورا، واشتكى قادة حماس من أنهم لم يكونوا طرفا في محادثات الهدنة المقترحة ولم يتم التشاور معهم بشأن المبادرة المصرية وقالوا إنها لم تتطرق لمطالبهم مثل رفع الحصار الذي تفرضه اسرائيل على غزة والذي يقوض اقتصاد القطاع.

وعزل الجيش المصري الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل عام بعد مظاهرات حاشدة على حكمه ثم شنت مصر واحدة من أشرس الحملات على الإسلاميين فيها منذ عقود، وقتل مئات من أعضاء ومؤيدي الجماعة في احتجاجات شوارع تحول الكثير منها إلى العنف وألقت السلطات القبض على ألوف من مؤيدي الجماعة واغلب قادتها منذ عزل مرسي، وأعنت مصر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية كما حكمت محكمة مصرية بأن حماس جماعة إرهابية ومنذ ذلك الوقت تركزت السياسة الخارجية لمصر بالمنطقة على أمنها القومي، وقال مسؤول مصري كبير "في وجود تاريخ من عدم الثقة والارتياب كيف يمكن لأحد أن يتصور أن نفتح أبوابنا لحماس وأن نعاملهم كحكام شرعيين رغم أن كل ما رايناه منهم هو الإرهاب". بحسب رويترز.

وأضاف "لكن مصر لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى القتل في غزة لذلك كنا في حاجة لاقتراح مبادرة، خطوة سياسية لإظهار أننا موجودون ومهتمون بوقف إراقة الدماء"، وبينما كانت إسرائيل تقصف غزة وكانت حماس تطلق الصواريخ على إسرائيل طرحت مصر مبادرة لوقف إطلاق النار تشبه تلك التي أنهت قتالا واسعا عام 2012 حين كان مرسي في الحكم، لكن المناورات الدبلوماسية المصرية هذه المرة جعلت حماس (التي رفضت المبادرة) تشعر بأنها ليست طرفا فيما يحدث بينما قبلت إسرائيل المبادرة، وطبقا لمصادر مصرية ومصادر في جامعة الدول العربية لم تتحدث مصر مباشرة مع قادة حماس في غزة حول المبادرة لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية قال إن بلاده أجرت اتصالات مع مختلف الفصائل الفلسطينية حول المبادرة،

ووافقت مصر على التحاور مع موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وهو مقيم في القاهرة لكنه ليس جزءا من الدائرة الداخلية للحركة، وتختلف تعاملات القاهرة مع حماس الآن بشدة عن تعاملاتها معها عام 2012 عندما قدم مرسي لقادة حماس معاملة رؤساء الدول، وقال دبلوماسي مصري في الجامعة العربية إن قادة حماس "أرادوا من المصريين أن يعبروا الحدود إليهم في القطاع أو أن يدعوهم لمصر لعقد محادثات لكني أخشى أن هذا لن يحدث"، وحاليا يبدو أن مصر تنوي أن تحمل حماس المسؤولية عن تزايد أعداد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة صغير المساحة ذي الكثافة السكانية العالية وإن كانت مصر قالت إن هدفها هو وقف العدوان الإسرائيلي.

وقال مصدر أمني مصري "إذا لم يكونوا يريدون الموافقة على اقتراح الهدنة الذي قدمناه فإنني أدعوكم لتروا الإدانات التي ستنهال عليهم من العالم العربي والعالم كله لوقوفهم دون تحرك أمام سقوط قتلى من شعبهم بالعشرات يوميا"، وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن حماس كان بإمكانها إنقاذ حياة 40 فلسطينيا على الأقل لو أنها قبلت المبادرة المصرية، وأدانت مصر الهجوم البري الإسرائيلي لكنها قبل ذلك اتهمت حماس وقطر وتركيا بالتآمر لتقويض جهودها للتوصل الى تهدئة، وفي نفس الوقت اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة لبحث سبل وقف القتال الذي أودى بحياة 260 فلسطينيا معظمهم من المدنيين منذ بدء القتال في الثامن من يوليو تموز، ودعا عباس لقبول المبادرة المصرية، وكان عباس قد عقد اتفاقا مع حماس في ابريل نيسان لتشكيل حكومة توافق وطني بعد سبع سنوات من انتزاع حماس السيطرة على غزة من حركة فتح التي يتزعمها عباس،

ومع استمرار القتال فإن مصر على الأرجح ستواصل حث جميع الأطراف لقبول مبادرتها من أجل الحفاظ على دورها التقليدي كوسيط في الشرق الأوسط، واتهم المحلل السياسي الفلسطيني الذي يقيم في غزة عدنان أبو عامر مصر بمحاولة إبعاد حماس عن المحادثات ثم إلقاء اللوم عليها بشان الخسائر في الأرواح الفلسطينية، وقال إن هذا يمثل صبا لمزيد من الزيت على النار كما يزيد التوتر بين حماس ومصر، ومن الممكن أن يكون من شأن إعطاء حماس دورا بارزا في أي مفاوضات المساعدة في إنهاء القتال، لكن ليس مرجحا حدوث ذلك لأن الحركة ليست في موقف قوة فقد فقدت تحالفها القوي مع سوريا وإيران بعد أن رفضت عام 2011 دعم الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من طهران في مواجهة جماعات المعارضة السورية.

واقتصاد غزة في حالة يرثى لها كما أن حماس تعاني من أزمة مالية تعجزها عن دفع رواتب موظفيها في القطاع منذ شهور، لكن السيسي الذي كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش عند عزل مرسي أوضح أن إحدى أولوياته ضرب الإخوان المسلمين وتحييد حلفائها مثل حماس، وتتهم السلطات المصرية حماس بدعم إسلاميين متشددين في سيناء تقول الحكومة إنهم يحاولون الإطاحة بها لكن الحركة تنفي ذلك، ومنذ عزل مرسي ألحق الجيش المصري ضررا باقتصاد غزة عبر تدمير معظم الأنفاق الموجودة تحت خط الحدود وعددها 1200 تقريبا والتي تستخدم في تهريب البضائع والسيارات والسلاح للقطاع.

وقال أستاذ العلوم السياسية المصري مصطفى السيد "الواضح أن السلطات المصرية لا تشعر بارتياح في التعامل مع حماس التي لا تثق بدورها بالحكومة المصرية ويمكنها أن تجعل القتال يمتد لفترة أطول"، وأضاف "على ضوء العلاقة السيئة بين حماس ومصر الآن لن تكون حماس مستعدة لمساعدة مصر على تحقيق مكسب سياسي بأن تقبل مبادرتها لوقف إطلاق النار التي لا تقدم شيئا لحماس بل تحرمها من الوضع الذي كانت تتمتع به في عهد مرسي"، وتريد حماس أن ترفع إسرائيل الحصار عن القطاع بعد أن كان سببا في ضرب الاقتصاد وفي المعاناة التي يعيشها سكان غزة وعددهم 1.8 مليون نسمة.

وقال نشطاء مصريون إن قوات الأمن منعت وصول قافلة مساعدات شعبية لقطاع غزة الذي يتعرض لهجوم اسرائيلي ووصفوا ذلك بانه "موقف سياسي" لكن مصدرا عسكريا نفى ذلك وقال إن الأمر يتعلق بعدم استيفاء الاجراءات الأمنية اللازمة لضمان سلامة القافلة، وقال الصحفي والناشط تامر أبو عرب الذي كان واحدا من بين اكثر من 500 ناشط يرافقون قافلة تضم أدوية ومعونات طبية لغزة إن قوات الأمن استوقفت القافلة عند كمين أمني بمنطقة بالوظة على طريق القنطرة-العريش شرقي قناة السويس ورفضت السماح لهم بالمرور لعدم توفر قوة لتأمين القافلة داخل سيناء، وأضاف "واضح أنه كان في موقف سياسي" مشيرا الى العلاقات المتوترة بين السلطات المصرية وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطنية (حماس) التي تربطها علاقات وثيقة بجماعة الاخوان المسلمين التي اطيح بها من السلطة في مصر العام الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آب/2014 - 8/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م