طباعة الكتب... بين الجهد الرسمي والقطاع الخاص

 

شبكة النبأ: للكتاب قدرة كبيرة على نشر الفكر والثقافة، وجعلهما في متناول اليد لعموم طبقات المجتمع، حتى مع ظهور الوسائل الاخرى عبر الانترنيت، وامكانية تحميل الكتب الكترونيا، يبقى الكتاب الورقي حاضرا ومطلوبا من لدن الجميع، وثمة سحر خاص للمكتبة، في البيت او المدرسة او الجامعة او دور العبادة، إذ يشجع الكتاب الورقي القراء على اقتنائه او استعارته، ويُسهم بدفع الناس للقراءة، لقطف ثمار الفكر، وزيادة الوعي المجتمعي في التعامل مع مفاصل الحياة كافة، بقدرة ونجاح، أفضل بكثير من أولئك الذين لا يبحثون عن الكتب ولا عن الثقافة أو الفكر، بل يعتبرون هذه الامور ذات طابع كمالي ترفي، لا يدخل ضمن مفردات حاجاتهم الحياتية المكرّسة في الغالب للجانب المادي، مع اهمال الجانب النظري.

ولا يخفى عن الجميع، ذلك الدور الاساسي للكتاب في نشر الثقافة والفكر، وبالتالي نقل المجتمع من حال الى حال أرقى، ولكن وفق شروط واضحة، أهمها قيام الدولة بالجهد الحكومي الرسمي المطلوب، لطباعة الكتب، وتوزيعها، وطرحها في الاسواق للقراء كافة، بأسعار تنافسية، لا تثقل كاهل المواطن، المثقل أساسا بالغلاء وما شابه، ولابد أن يرادف هذا الجهد الحكومي، جهد آخر يروّج للكتاب، ويسعى لطباعته ونشره وتوزيعه، هذا الجهد يتمثل بالدور المهم للقطاع الخاص في هذا المجال، إذ ينبغي دخول رأس المال الخاص في المشاريع التي تخص طباعة الكتب ونشرها وتوزيعها بطريقة جيدة، تساعد على توفير و وصول الكتاب الى اكثر عدد ممكن من القراء بمختلف مستوياتهم.

وهناك قضية مهمة ينبغي التنبّه لها في هذا المجال، وهي تتعلق بقضية الأسعار، إذ هناك معادلة مهما لابد من الالتزام بها في دخول القطاع الخاص بمعترك انتاج الكتب، لأن رأس المال الخاص يبحث عن الربح، وهو حق مشروع، أما الجهد الحكومي في هذا المجال، فيمكن أن يتحمل القسط الاعلى من الكلفة، ووضع هامش ربحي قليل، فالحكومة يمكنها أن تدعم كلفة الكتاب وتجعله مناسبا للجميع لاسيما أصحاب الدخل المحدود، على خلاف القطاع الخاص، حيث أن تحقيق الربح المناسب أمر لا يمكن اهماله، على الاقل من أجل تطوير المشاريع الاقتصادية في مجال طبع الكتاب.

توجد لدينا تجارب ناجحة في العراق، يتعلق بتنفيذ مشاريع قطاع خاص لطبع الكتب، وقد أثبتت هذه المشاريع، على الرغم من قلّتها، أثبتت نجاحا ملحوظا في مجال طبع الكتاب، وتسويقه، وإيصاله الى أكبر عدد من القراء، مع تحقيق الربح المخطط له، الامر الذي أسهم بصورة فعالة في استمرار هذه المشاريع الخاصة، وقدرتها على التواصل بل النمو، ومنافسة المشاريع الحكومية، أو مشاريع القطاع الخاص الراسخة، فقد برعت مشاريع الجهد الخاص بطباعة الكتب ضمن شروط النجاح، خاصة المشاريع الجديد على ساحة الطباعة، ومن هذه الشروط، طرح الكتاب وفق اسعار مناسبة للدخل، وهي اسعار تنافسية في الغالب، كذلك طبع الكتاب بأناقة تضاهي أجود الكتب المنتجة في دور طبع معروفة، كما هو الحال بدور الطباعة في بيروت مثلا، وقد أثبت اصحاب مشاريع القطاع الخاص نجاهم في منافسة هذه الدور العريقة، من حيث الاسعار وجمالية الكتاب.

مثالنا هنا حول مشاريع القطاع الخاص لطباعة الكتب، يتمثل في دار نشر ميزوبوتاميا، وهي دار طبع عراقية حديثة النشوء، يقف وراءها جهد فردي خالص، وقد أثبتت هذه الدار نجاحها وقدرتها الكبيرة، على طباعة الكتب بأسعار مناسبة، وفق مواصفات فنية جمالية عالية، تضاهي ما تطبعه دور نشر معروفة خارج العراق كمطابع بيروت مثلا، كذلك تقوم هذه الدار بمهمة التسويق والتوزيع، فضلا عن إقامة حفل لتوقيع الكتاب، بحضور المؤلف وجمهور من المعنيين والقراء على حد سواء، بمعنى تتكفل الدار بمهمة الترويج للكتاب ايضا.

يقول الكاتب مازن لطيف صاحب الدار المذكورة اعلاه، لقد خضعت صناعة الكتاب في العراق إبان النظام السابق لمعايير الشمولية التي إبتزت حياة الناس وتدخلت في كل جوانبها وأخضعت الثقافة لمشيئتها، وحينها أشترط ان يكون الكتاب ومؤلفه موالي للسلطة ومدافع عنها، فاحتكرت دور النشر الحكومية طبع الكتب وفق معايير معينة وخضعت إصدارت دار الشؤون الثقافية وبيت الحمكة ودار المأمون ودار الحرية لرقابة صارمة، ومنعت أوحجبت من ان ترى النور الكثير من الكتب التنويرية، اما بعد عام 2003 فقد ازدادت حركة النشر في العراق يوماً بعد يوم، في كل انحاء العراق بصورة عشوائية، وعلى حساب مستوى وجودة الطباعة الذي مكث بدائي احياناً، بالمقارنة مع اية دولة خرى حتى العربية، ولا نريد أن نقارن مع الغرب الجامح المبادر بصناعة الكتاب. كل ذلك أضطر الكاتب العراقي طبع نتاجه خارج العراق وعلى نفقته الخاصة في اغلب الاحيان، وبشروط قاسية أو استلام حصة ضئيلة جدا لا تتجاوز 100 نسخة من الكتاب، والبقية للناشر وفي بعض الاحيان يقوم الناشر العربي بطبع 100 نسخة فقط من الكتاب ويخبر المؤلف انه طبع 1000 نسخة!! ويشارك فيها في المعارض الدولية.

ومع ذلك لابد من تشجيع الرأس المال الخاص، بالدخول في مثل هذه المشاريع، مع اهمية تحقيق الربح المناسب، خاصة اننا نلاحظ تراجعا واضحا في الدور الحكومي بهذا الشأن، فالواقع يشير الى أن وزارة الثقافة لا تملك سوى دار نشر واحدة، هي دار الشؤون الثقافية العامة، وهذه الدار تعمل وفق نظام التمويل الذاتي، فلا تتمكن من النهوض بهذه المهمة الكبيرة، خاصة ان الوزارة المعنية لا تعطي قضية طبع الكتاب اهتماما مناسبا، بل هو اهتمام ضعيف جدا، قيا لما هو مطلوب، لذا من الاهمية بمكان، أن ينهض القطاع الخاص بمهمة طبع الكتب، ويدخل رديفا قويا للجهد الرسمي، من اجل سد النقص ومعالجة الضعف الحكومي في هذا المجال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آب/2014 - 8/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م