النازحون بين الإهمال والتعامل بأكثر من مكيال

 

شبكة النبأ: لم تكن ظاهرة النزوح وليدة الظروف الراهنة في العراق فحسب، بل تكاد أن تكون ظاهرة عالمية، حيث يتم نزوح عشرات الآلاف سنويا في مناطق ساخنة في العالم، وغالبا ما يكون النزوح على نوعين، الأول داخلي والآخر خارجي، الداخلي تكون مساحته الدولة نفسها التي يجري فيها الاحتراب، والثاني نزوح الناس الى خارج بلدانهم، طلبا للامان، كما يحدث في ظاهرة اللجوء الإنساني وما شابه.

نتحدث في هذه المقالة عن النازحين في العراق، ونعني بهم تحديدا، النازحين داخل الأراضي العراقية، والظروف الصعبة التي واجهتهم وشكلت خطرا داهما على حياتهم، خاصة ما أفرزته الأحداث الجديدة بعد احتلال عصابات داعش لمدينة الموصل ومناطق أخرى من بعض المحافظات الشمالية وغربا في الانبار، وقد تعرض النازحون الى اهمال كبير من لدن المسؤولين في وزارة الهجرة او الحكومات المحلية، وبعد التدقيق فإن درجة الاهمال كانت كبيرة، حتى ان الامراض فتكت باعداد منهم لاسيما الاطفال وكبار السن.

هذا الاهمال شكل صورة واضحة من صور التعامل غير الصحيح مع النازحين، واشتركت فيه جهات حكومية وأهلية، بمعنى حتى المنظمات الإنسانية الأهلية المحلية والدولية المستقلة، لم تقم بواجبها الإنساني الصحيح ازاء النازحين، الامر الذي ادى الى الحاق اضرار واضحة بهم، جلها يتعلق بتردي الواقع الصحي لهم، نتيجة لسوء السكن، وسوء التغذية، ونقص في الادوية، وانتشار بعض الامراض بين الاطفال بصورة لافتة، من دون أن تتصدى الجهات الصحية والمنظمات الإنسانية المعنية لهذا الجانب الخطير.

ويرافق هذا الإهمال ظاهرة الكيل بمكيالين او اكثر مع النازحين!، بمعنى هناك مشكلة اخرى خطيرة يواجهها النازحون، تتمثل بالتعامل غير العادل معهم، وقد لاحظ المراقبون والمتابعون لحالات النزوح التي حدثت مؤخرا في العراق، وكيف تعامل معها العراقيون أنفسهم والعالم اجمع وفق ظاهرة الكيل بمكيالين، فقد تم التعامل مع المسيحيين الذين هجرتهم عصابات داعش، كأنهم بشر من الدرجة الثانية، فيما جاءت الأقليات الأخرى المهجرة من الموصل وكأنهم مواطنون او نازحون من درجة أدنى.

ونلاحظ أن الاعلام تعامل مع ظاهرة النزوح وفق الكيل بمكيالين او اكثر، فقد تم التركيز الاعلامي محليا وعالميا، على تهجير المسيحيين بصورة لافتة للنظر، وهو امر لو انه شمل جميع النازحين لشكل ظاهرة انسانية رائعة، ولكن ان يتام تركيز الجهود كلها على اقلية معينة هي اقلية المسيحيين، فهذا امر يدعو للتساؤل، وينم عن خلل في التعامل مع النازحين، خاصة اننا عرفنا من خلال المعلومات الدقيقة الواردة من الموصل، ومن قضاء تلعفر تحديدا، أن أعدادا كبيرة من الشيعة نزحوا هربا من الموت والمخاطر الجسيمة التي تعرضوا لها من عصابات داعش الإرهابية، ولكن لم يجدوا الاهتمام نفسه الذي وجده المسيحيون النازحون للأسباب المذكورة نفسها!.

تُرى أين يكمن الخلل في مثل هذا السلوك المرفوض، ولماذا، ومن هي الجهات التي تقف وراء مثل هذا التمايز الذي يكاد يكون طبقيا ولا إنسانيا، فالمسيحي كما هو معروف لا يتميز عن الشيعي أو الشبك او غير هم من الطوائف، بمعنى اذا كان المعيار في التعامل مع النازحين يستند الى إنسانية الإنسان، فلا يوجد أي مبرر لتفضيل النازحين المسيحيين على غيرهم من الأقليات الأخرى، ولا نعرف تحديدا لماذا تعامل الاعلام بهذه الطريقة المزدوجة مع قضية النزوح التي شملت بأضرارها الجميع بصورة متساوية.

حتى على مستوى الاجراءات العملية، كان هناك تمييزا بين النازحين محليا وعالميا، ولا نعرف بالضبط لماذا هذا الكيل بمكيالين، فنلاحظ فرنسا مثلا، اعلنت عن استقبالها لجميع النازحين المسيحيين من العراق، وخصصت لهم مبالغ نقدية فورية مع منحهم اللجوء الفوري، ولم تشمل هذه الاجراءات الفرنسية النازحين الاخرين من غير المسيحيين!!، ترى لماذا هذا التمييز اذا كانت النظرة واحدة محكومة بالمعيار الانساني في التعامل مع الجميع؟. هل الشيعي او السني المهجَّر لا يمتلك الصفة الانسانية التي تجعله نظيرا للانسان المسيحي؟.

وهكذا أصبح النازحون رهنا لمثل هذه النظرة العاجزة عن المساواة بين الناس، إستنادا الى المعيار الانساني، أما الدعوات ذات الطابع الانساني التي تطلقها الدول الاوربية، فقد فشلت في التعامل بمكيال واحد مع جميع النازحين، كذلك لاحظنا التركيز الكبير على اخبار تهجير أقلية دون سواها، في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الاخرى، وهو دليل عجز المؤسسات الاعلامية وحتى الحكومية، بالاضافة الى عامة الناس، عن التعامل المتوازن مع محنة النازحين من دون تمييز.

فكما ذكرنا سابقا، فإن أعداد الشيعة المهجرين عنوة وقسرا من قضاء تلعفر، تفوق النازحين من المسيحيين، والمعاناة والظروف القاسية التي عانوا منها أكثر، ولكن الاعلام وحتى الجهات والمؤسسات الحكومية، غضّت النظر عن هؤلاء، فيما أعطت حيزا واسعا من الاهتمام بالمسيحين والتركيز عليهم اعلاميا، وكأنهم هم وحدهم الذين تضرروا من الارهاب الداعشي، في حين تؤكد الادلة والوقائع الموثقة، أن الأذى والجوع والمرض وخطر الموت طال الجميع من دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آب/2014 - 6/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م