أخلاقيات التغيير.. الابتلاء والصبر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: جميع الأقفال والأبواب لها مفاتيحها، وهي ليست متشابهة، بل كل مفتاح يختلف عن الاخر تبعا لما يفتحه من اقفال وابواب..

للإنسان القدرة على الابتكار والابداع، ومن ذلك قدرته على الوصول الى صناعة مفتاح سحري واحد، يفتح جميع المغاليق، وهو يسهل عليه حمله والانتقال به من مكان الى اخر.. قد تكون تلك الصورة اقرب الى المجاز منها الى الحقيقة، حين نتحدث عن مشاكل الانسان وهمومه، العقبات التي تعترض طريقه، والمعوقات التي تمنعه من التقدم، وحتى المشاكل اليومية التي تثيرها حركته وتفاعله مع الاخرين، والسؤال احيانا يتمحور حول السبب في ذلك، سبب المشاكل والمعوقات والعقبات، وكثيرا ما تنحصر الإجابات على مثل تلك الأسئلة في جوابين لا ثالث لهما:

الاول انها من صنع هذا الانسان نفسه، قصورا او جهلا.

الثاني هي من الله عز وجل خالق الانسان وجميع المخلوقات.

كل اجابة تحتوي على قدر من الصحة، فالسبب والنتيجة في الاول هو البلاء، وفي الثاني هو الابتلاء.

ولكن ماذا لو انتفى القصور والجهل، واضحى الانسان محل بلاء وابتلاء في الوقت نفسه؟.

يدخل في ذلك مفهوم جديد هو الصبر، وعكسه هو السخط، على ما يبتلى به الإنسان في الحالتين. وهو ايضا اختلاف في نوع البلاء الواحد، فقد يكون اختباراً لأفراد وجماعات معينة، ويكون عذاباً لآخرين وتأديباً لهم.

ما هو الفرق بين البلاء والابتلاء؟.

البلاء في اللغة: الاختبار والامتحان (والبلية والبلوى والبلاء واحد وجمعه البلايا، وبلاه، جرّبه واختبره).

وتأتي الفتنة بمعنى الابتلاء، (الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار)، (وَاتّقُوا فِتْنَةً) الانفال /25، أي، (بلية، وقيل ذنباً وقيل عذاباً).

والحمد لله على ما أبلا وابتلى أي، (على ما أبلى من النعم وابتلى من النقم).

والبلاء هو المصدر نفسه وهو اسم لما يبتلى به الإنسان، والابتلاء هو الاختبار وهو ما ينزل بالعبد من خيره وشره وقد يكون المال ابتلاء، وقد يكون الولد ابتلاء، وقد تكون كثرة النعم ابتلاء لتختبر ماذا ستفعل بها؟.

ما هو المفتاح السحري الذي اعطاه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين؟ انه التقوى.

في رحلته التي يصطحبنا فيها المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتاب (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) من خلال ما يقدمه من تفسير وشروح لفقرات تلك الرسالة، وهذه المرة يأخذ مقطعا منها يقول فيه الامام الصادق عليه السلام مخاطبا الشيعة: (فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به فإنه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم  وأموالكم).

حول معنى (العصابة) يقول السيد صادق الشيرازي: (العصابة تطلق على المجموعة ذات الفكرة والسلوك الواحد، وفي العبارة الشريفة هم الشيعة الذين لم يكن عددهم كبيرا في تلك الفترة).

والامر بالتقوى في بداية الفقرة، هي ان يجعل الشيعة (الله نصب اعينهم ويحكموه في اعمالهم ونواياهم). وهي المفتاح السحري لكل خير عميم.

ولا تكتمل نجاة الشيعة رغم امتلاكهم او تمتعهم بالتقوى الا من خلال امتحانهم بالأموال والانفس، وهو امتحان شديد الوقع والاثر، لا يحتمله الا من كان قلبه ممتلئا بالإيمان والتسليم المطلق لله سبحانه وتعالى.

وهي نعمة النجاة كما يشرح السيد صادق الشيرازي، وهو امتحان يشبه ما (امتحن به الصالحون من قبلهم، وليس من شك ان الصالحين المشار اليهم هم الائمة الاطهار عليهم السلام والنخبة من حوارييهم).

وعدم النجاح في هذا الامتحان الالهي يعني عدم النجاة.

في اتخاذ الاسوة والقدوة، وهي هنا النبي صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام، يجب ويلزم على المؤمنين (ان يعلم بعضهم بعضا اصول الدين وفروعه، وما اروع ان يبدوا هذه المسؤولية الكبيرة والمهمة من محيط اسرهم والمقربين اليهم، لينتقوا فيما بعد الى الجار والصديق والتلميذ، فيصل صوتهم الى كافة الاطراف، فيدعوهم الى التزام التقوى بكل الوسائل، بما في ذلك الكتاب والتلفاز والمذياع ومواقع الانترنت.. وهذه القضية مهمة جدا وبحاجة الى المزيد من الوعي والصبر والاستقامة، لان الاسلام لم يصل الينا الا بوعي وصبر واستنقامة اسلافنا الصالحين وما بذلوه من التضحيات الجسام).

هذه الثلاثية القائمة على (الوعي والصبر والاستقامة) قد تصطدم بما يحمله الاخرون من عقائد وافكار تجعل الطريق شاقا ووعرا امام ايصال الواجبات والمحرمات إليهم، لكن ذلك لا يمنع من الاستمرار فيه (حتى لو اعربوا عن عدم الرغبة في ذلك. فهو لايقلل من حجم مسؤولية المؤمنين).

و(الاستقامة في تبليغ الدين اساسية وضرورية، الم يعلم النبي صلى الله عليه واله ان المشركين لن يؤمنوا به رغم كل ما كان يبذله من الجهود الجبارة؟).

لاشك انه كان يعلم ان هناك من سيبقى على الكفر، ولكنه مع ذلك لم يكل عن دعوة الناس الى الاسلام.

جميع البلاءات والابتلاءات التي تمر بالإنسان، هل ستزيده إيماناً وقربا من الله سبحانه وتعالى، أم تجعل منه عبداً يتكبر ويتعالى على الناس؟.

الصبر على البلاء والابتلاء في الحالة الاولى يرفع من درجات العبد ويقربه من الله سبحانه وتعالى، والسخط على البلاء والابتلاء يبعد العبد من تلك المكانة، وكل بلاء وابتلاء هو الى قضاء وانتهاء، ويبقى فقط الاجر او العقاب على طريقة التلقي وكيفية التعامل مع الابتلاء والبلاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آب/2014 - 6/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م