الطائرات الماليزية.. الرسائل السياسية المميتة الى القارة العجوز

 

شبكة النبأ: يبدو ان الحيرة التي وقع بها الخبراء الامنيون والمنظمة الدولية للطيران والشرطة الدولية وغيرها من الدول والمنظمات التي شاركت في بحث أسباب سقوط الطائرات او استهدافها في الآونة الأخيرة، قد قاد البعض الى نظريات المؤامرة، او الاستهداف السياسي وايصال الرسائل الى الخصوم، والتي عادة ما تكون عن طريق اختيار اهداف مدنية مؤلمة لكنها مؤثرة، كما يرى بعض الخبراء والمحللين، سيما وان البعض يدرج في سياق هذه الاحداث الكثير من الأهداف والاحداث المشابهة لها حدثت في الماضي، كما حصل عندما تم استهداف الطائرة الإيرانية ابان الحرب العراقية –الإيرانية بصاروخ انطلق من سفينة حربية تابعة للولايات المتحدة الامريكية، فيما لقي 269 شخصا على متن طائرة البوينغ للخطوط الجوية الكورية حتفهم لدى غرقها في بحر اليابان عام 1983، والتي اتهم فيها الاتحاد السوفيتي الذي كان على خلاف حاد مع الولايات المتحدة الامريكية.

بعد ان اختفت الطائرة الماليزية الأولى منذ أشهر، في واقعة اعتبرت من أكثر الاسرار حيرة في تاريخ الكوارث الجوية على الاطلاق، فيما سقطت الطائرة الماليزية الثانية فوق الأراضي التابعة للانفصالين الموالون لروسيا، شرق اوكرانيا، بعد ان تسربت معلومات مؤكدة انها استهدفت بصاروخ أدى الى اسقاطها وقتل جميع ركابها، اللذين كان من بينهم 80 طفلاً، وتبادل الجانبان (النظام الاوكراني والانفصاليين) الاتهامات بالتسبب في وقوع الكارثة، فيما حملت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي، روسيا السبب في سقوط الطائرة لدعمها المنشقين، إضافة الى ذلك فقد سقطت، قبل أيام طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية فوق مالي، والتي أشار اليها الرئيس الفرنسي (الذي خسر العشرات من مواطنية كانوا على متن الطائرة المنكوبة)، بعدم استبعاد أي فرضية لسقوط الطائرة، بما في ذلك استهدافها من قبل إرهابيين.

ومع البحث عن أي ادلة قد تشير الى إمكانية معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت الى سقوط الطائرة، قال رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق إنه جرى التوصل لاتفاق مع الانفصاليين في أوكرانيا للسماح للشرطة الدولية بالوصول إلى موقع تحطم الطائرة الماليزية، والسماح للمحققين بتحديد سبب تحطمها، وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء إن الاتفاق مع الكسندر بوروداي زعيم الانفصاليين "سيوفر الحماية للمحققين الدوليين" للعثور على بقية الرفات وتأكيد سبب تحطم الطائرة.

فيما اعلنت السلطات الهولندية ان مجموعة تضم ثلاثين خبيرا هولنديا في الطب الشرعي في طريقها الى موقع حطام الطائرة في شرق أوكرانيا، بعد تمكنهم من الحصول على موافقة لدخول الموقع بموجب اتفاق بين منظمة الامن والتعاون في اوروبا والانفصاليين الموالين لروسيا.

كارثة اخرى

في سياق متصل لقي جميع الركاب الذين كانوا على متن طائرة خطوط الطيران الماليزية وعددهم 298 راكبا مصرعهم بعدما تحطمت الطائرة في شرق أوكرانيا على مقربة من الحدود مع روسيا، وكانت الرحلة MH17 قادمة من أمستردام في طريقها إلى كوالالمبور قد اختفت من على شاشات الرادار في منطقة تعج بالصراعات في أوكرانيا وعلى متنها 183 مسافرا من بينهم 80 طفلا و 15 من طاقم الطائرة، والطائرة المحطمة من طراز بوينغ 777-200ER، وهي نفس طراز الطائرة الماليزية التي اختفت أثناء رحلتها من كوالالمبور إلى بكين في مارس/أذار الماضي، وتتمتع الطائرة، التي صنعت عام 1997، بسجل جيد في الصيانة وكان أخر فحص لها في 11 يوليو/تموز، حسبما قالت شركة الخطوط الجوية الماليزية.

وأظهرت لقطات موقع تحطم الطائرة بعد ذلك في أراض يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا بحسب ما أعلنته شركة الخطوط الجوية الماليزية، غادرت الطائرة مطار شيبهول في أمستردام في الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش يوم 17 يوليو/تموز، وكان من المقرر أن تصل مطار كوالالمبور الدولي في الساعة 22:10 بتوقيت غرينتش، وفقدت شركة الطيران الاتصال بالطائرة بعد أربع ساعات في الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش، على بعد 50 كيلومترا من الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وأظهرت لقطات موقع تحطم الطائرة بعد ذلك في أراض يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا، وتحدث شهود عيان عن عشرات الجثث على الأرض.

واتهم الجانبان في الصراع الدائر في أوكرانيا بعضهما بإسقاط الطائرة بصاروخ، بيد أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إن هناك أدلة دامغة على تورط روسيا في الحادث الذي وقع في منطقة تخضع لسيطرة متمردين موالين لروسيا، وتنفي روسيا المزاعم، وقال كيري إن الولايات المتحدة رصدت إمدادات عسكرية نقلتها روسيا إلى أوكرانيا من بينها قافلة من حاملات الجنود المدرعة والدبابات وقاذفات الصواريخ، وأضاف أن نظام صواريخ SA-11 الروسي، المعروف باسم BUK، نقل إلى المتمردين، كما شاهدت الولايات المتحدة فيديو يظهر تحرك قاذفة عائدة إلى روسيا بعد تحطم الطائرة. بحسب بي بي سي.

وعرضت السلطات الأوكرانية في وقت سابق تسجيلا زعموا أنه محادثة بين متشددين موالين لروسيا يعترفون بإسقاط الطائرة، بيد أن أليكسندر بوروداي، وهو زعيم انفصالي، اتهم الحكومة الأوكرانية بالهجوم على الطائرة نفسها، ويقول خبراء إن المحققين في حادث تحطم الطائرة ينبغي لهم أن يكونوا قادرين على تحديد أسباب تحطم الطائرة من خلال تتبع الحطام، ولقي جميع الركاب الذين كانوا على متن طائرة خطوط الطيران الماليزية وعددهم 298 راكبا مصرعهم

وتظهر قائمة الركاب التي نشرتها الخطوط الجوية الماليزية أن الطائرة كان على متنها 193 هولنديا (أحدهم أمريكي مزدوج الجنسية)، و43 ماليزيا (بينهم 15 هم طاقم الطائرة)، و27 أستراليا، و12 إندونيسيا، وعشرة بريطانيين (أحدهم مزدوج الجنسية من جنوب أفريقيا)، وأربعة ألمان، وأربعة من بلجيكا، وثلاثة من الفلبين، وواحد من كندا، وآخر من نيوزيلندا، كما قتل ستة أشخاص على الأقل من أعضاء وفد كانوا في طريقهم لحضور مؤتمر دولي عن الإيدز في ملبورن بأستراليا، ومن بين أولئك يوب لانغه، الباحث البارز والمتخصص في مرض الإيدز والرئيس السابق للجمعية الدولية للإيدز (آي ايه اس).

ونعت الجمعية البروفيسور لانغه، قائلة إنها فقدت بالفعل أحد العمالقة في هذا المجال، كما أعربت الوفود التي وصلت بالفعل إلى أستراليا للمشاركة في المؤتمر عن "صدمتها البالغة" مما حدث، وأشارت قصص أخرى للمسافرين والطاقم وجود أسرة ماليزية هولندية من خمسة أفراد، فضلا عن زوجين هولنديين كانا في طريقهما إلى بالي، وعالم استرالي في علم الأمراض وزوجته كانا عائدين من عطلة أوروبية فضلا عن مضيف طيران في الخطوط الجوية الماليزية كانت نجت زوجته، التي تعمل أيضا في الخطوط الجوية الماليزية، عندما تخلفت عن نوبة عمل على متن الرحلة المفقودة MH370.

وقال هويب غورتر، نائب رئيس شركة الخطوط الجوية الماليزية أوروبا، إن مسار الطائرة أعلنته السلطات آمنا للطيران، وقد استخدمته شركات طيران عديدة أخرى ولم يخضع لأي قيود، وكان انفصاليون موالون لروسيا قد عثروا على أجهزة تسجيل الرحلة في "الصندوق الأسود" للطائرة، وقالت هيئة الطيران المدني البريطانية إن قرارات شركات خطوط الطيران بشأن الطيران فوق مناطق الصراعات تعتمد على عدة عوامل، نصائح وزارة الخارجية، وتحذيرات في المنطقة، والطقس، ومساعدات الملاحة، وأي المطارات معطلة، وأظهرت بيانات أنه خلال ال 48 ساعة التي سبقت تحطم الطائرة، اختارت العديد من شركات الطيران التحليق فوق المنطقة.

وبحسب موقع (فلايت رادار 24) الذي يرصد مسار رحلات الطيران لحظيا كانت الشركات الأكثر استخداما للمسار فوق مدينة دونتيسك الأوكرانية، ايروفلوت (86 رحلة)، الخطوط الجوية السنغافورية (75 رحلة)، الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية (62 رحلة)، الخطوط الجوية الألمانية لوفتهانزا (56 رحلة) ، الخطوط الجوية الماليزية (48 رحلة)، وفي وقت تحطم الطائرة يوم 17 يوليو/تموز، كان هناك عدد من رحلات الطيران الأخرى في المنطقة، وكان انفصاليون موالون لروسيا قد عثروا على أجهزة تسجيل الرحلة في "الصندوق الأسود" للطائرة ووافقوا على تسليمها إلى المحققين الماليزيين الذين يتواجدون في أوكرانيا حاليا، وتخزن أجهزة التسجيل، وهي عادة برتقالية اللون حتى يسهل اكتشافها، المعلومات الفنية الأساسية بشأن الرحلة فضلا عن المحادثات التي دارت داخل مقصورة القيادة.

وسوف تكشف التسجيلات زمن وقوع الحادث وارتفاع الطائرة وموقعها، كما سيكشف التسجيل الصوتي ما كان يعرفه الطاقم قبل وقوع الكارثة، وتعتبر التحقيقات مسؤولية الدولة التي وقع فيها الحادث، بحسب المنظمة الدولية للطيران المدني، وبدأت الحكومة الأوكرانية التحقيقات، غير أنها دعت ماليزيا للمشاركة في تلك التحقيقات فضلا عن مساعدة خبراء دوليين، وكان مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، المنوطة بمراقبة الموقع قبل وصول المحققين، أول فريق يزور منطقة حطام الطائرة، ويتناثر حطام الطائرة على مساحة يصل نصف قطرها إلى نحو كيلومترين، فيما تشير تقارير إلى العثور على بعض الأشياء على مسافة أبعد من ذلك، كما وصل فريق ماليزي من 133 مسؤولا وخبيرا، من بينهم أفراد بحث وإنقاذ، وخبراء في الطب الشرعي وخبراء طبيون إلى أوكرانيا، ووصل علماء هولنديون في الطب الشرعي لبدء أعمال التحقق من هوية الجثث، كما تمت دعوة عدد من الدول الغربية لإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ودولية.

صدمة دولية

الى ذلك يعتقد أن ستة على الأقل ممن كانوا على متن طائرة الخطوط الجوية الماليزية، التي سقطت شرقي أوكرانيا، كانوا في طريقهم لحضور مؤتمر دولي هام في أستراليا، ومن بين أولئك يوب لانغه، الباحث البارز والمشهور المتخصص في مرض الإيدز والرئيس السابق للجمعية الدولية للإيدز (آي ايه اس)، ونعت الجمعية البروفيسور لانغه، قائلة إنها فقدت بالفعل أحد العمالقة في هذا المجال، كما أعربت الوفود التي وصلت بالفعل إلى أستراليا للمشاركة في المؤتمر عن "صدمتها البالغة" مما حدث، وكانت تقارير أولية قد أشارت في البداية إلى أن ما لا يقل عن 100 من المشاركين في هذا المؤتمر لقوا على متن الطائرة الماليزية المنكوبة، وجرى تصحيح العدد بعد ذلك.

ويلتقي أكثر من 14 ألف عالم وناشط وسياسي في مؤتمر 2014 لمرض الإيدز، في مدينة ميلبورن الأسترالية، وعمل يوب لانغه أستاذا للطب في جامعة أمستردام الهولندية، وبدأ أبحاثه على مرض الإيدز منذ الظهور الأول للفيروس بهولندا في فترة الثمانينيات، وجرب العالم الهولندي تقنية علاجية لمضادات الفيروسات العكسية ومنها فيروس الإيدز، والتي حولت الإيدز إلى مرض يمكن التحكم به في الوقت الحالي، كما عمل أيضا على وقف انتقال الإيدز من الأم إلى الطفل أثناء فترة الحمل والولادة، ويوصف لانغه بأنه قائد في مجال عمله، وشغل منصب رئيس الجمعية الدولية للإيدز في الفترة من 2002 وحتى 2004، وقال بيتر ريس، الذي يعمل أيضا في جامعة أمستردام، "يوب كان صديقا وزميلا مقربا مني، الجميع هنا في ملبورن يشعر بالصدمة لما حدث". بحسب بي بي سي.

وأضاف: "عندما ظهر هذا المرض الغريب في أمستردام في مطلع الثمانينيات، كنا نتدرب في ذلك الوقت وواجهنا هذا المرض الذي كان جديدا آنذاك، والذي ساهم في تشكيل سيرتنا المهنية علميا وطبيا"، وأعرب جيريمي فرار، مدير مؤسسة ويلكوم تراست الخيرية للأبحاث الطبية، عن عميق حزنه بسبب الوفيات التي نتجت عن سقوط الطائرة، وقال فرار، "كان لانغه عالما طبيا عظيما، وصديقا كبيرا لمؤسسة ويلكوم تراست الخيرية وكان لفترة طويلة مستشارا هاما، كما كان أيضا صديقا شخصيا، وفقدانه خسارة كبيرة لأبحاث الصحة العالمية".

وقالت زويا شاباروفا، مستشارة مؤسسة الرعاية الصحية للإيدز، والتي سافرت لحضور المؤتمر على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية لهونغ كونغ، "إنها حقا خسارة رهيبة لا تصدق، إنها خسارة لبرنامج الإيدز والمرضى، وأتقدم بخالص العزاء لعائلته ولكل من كانوا على متن الطائرة"، وأشارت تقارير أخرى إلى وفاة جلين توماس، من منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، والذي كان على متن الطائرة المنكوبة، وقالت فضيلة شايب، المتحدثة باسم المنظمة، "فقدنا إنسانا رائعا ومحترفا، والجميع هنا مصدوم مما حدث".

سوريا بدلا من أوكرانيا

فيما أظهرت بيانات المسارات الجوية ان شركة الخطوط الجوية الماليزية عدلت مسار رحلتها من كوالالمبور الى لندن لتطير في الاجواء السورية بعد اغلاق مسارها المعتاد فوق أوكرانيا، ونشر موقع فلايت رادار 24 على حسابه على تويتر خريطة جوية ظهر فيها تعديل المسار، وتظهر بيانات الرحلات ان هذه الرحلة كانت تمر من قبل فوق شرق أوكرانيا، وبعد حادث اسقاط طائرة ركاب ماليزية في شرق أوكرانيا بدأت شركات الطيران تتفادى المرور فوق المناطق التي يقاتل فيها الجيش الاوكراني الانفصاليين الموالين لروسيا، وأظهرت بيانات الرحلات سلكت الرحلات القادمة من كوالالمبور المتجهة الى لندن (إم.اتش4) مسارا مختلفا فوق شرق تركيا.

وأظهرت بيانات المسارات الجوية ان طائرة الخطوط الجوية الماليزية اتخذت في رحلتها من كوالالمبور الى لندن مسارا مختلفا فوق شرق تركيا، وأبرز تعديل المسار التحديات التي تواجهها شركات الطيران في البحث عن مسارات بعيدة عن مناطق الصراعات في الرحلات بين اسيا وأوروبا، وكانت مئات الرحلات تعبر بشكل روتيني فوق أوكرانيا قبل الحادث وليس مستغربا ان تطير الشركات الدولية فوق مناطق الحروب مثل سوريا وأفغانستان. بحسب رويترز.

ولا تشجع هيئة الطيران الاتحادي الامريكية شركات الطيران الامريكية على الطيران إلى سوريا أو منها أو في مجالها الجوي وفقا الى تنويه وضعته على موقعها في مايو ايار عام 2013، وقالت شركة الخطوط الجوية الماليزية ان مسار الرحلة إم.إتش 4 كان يتفق مع المسارات التي أقرتها المنظمة الدولية للطيران المدني، وقالت الشركة في بيان "فيما يتعلق بالتنويه الصادر الى الملاحين الجويين من هيئة الطيران المدني السورية فان المجال الجوي السوري لا يخضع لقيود"، واضافت "في كل الاوقات كان مسار الرحلة إم.إتش 4 في المجال الجوي المعتمد من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني".

مأساة عام 1983

على صعيد اخر يذكر تحطم طائرة الخطوط الجوية الماليزية في شرق اوكرانيا الكوريين الجنوبيين بقضية الرحلة التي اسقطها السوفيات في الاول من ايلول/سبتمبر 1983 على خلفية توتر حاد بين موسكو وواشنطن، وعلى غرار المسافرين على متن الطائرة الماليزية، لقي 269 شخصا على متن طائرة البوينغ للخطوط الجوية الكورية حتفهم لدى غرقها في بحر اليابان، واوجه التشابه بين الكارثتين كثيرة: فقد اسقطت صواريخ عسكرية اعتبرت موسكو بطريقة مباشرة او غير مباشرة مسؤولة عنها، طائرتين لشركتين جويتين آسيويتين، وحصلت الكارثتان في اجواء من التوتر الكبير بين القوتين العظميين التي فجرت تبادل التهم وعرقلت عمليات استعادة الجثث والتحقيق حول تحطم الطائرة.

واخيرا، انتقلت المآسي الشخصية لمئات الاشخاص الذين قتلوا، الى المرتبة الثانية بعد الاعتبارات الجيوسياسية والقاء كل طرف على الآخر مسؤولية ما حصل، وكان رونالد ريغان آنذاك رئيسا للولايات المتحدة ووصف الاتحاد السوفياتي بأنه "امبراطورية الشر"، وكان اعلن لتوه مبادرة الدفاع الاستراتيجي، وقد سمي هذا البرنامج "حرب النجوم" من قبل وسائل الاعلام واعتبرته موسكو سعيا الى كسر التوازن النووي بين القوتين العظميين، واعتبر الخبراء آنذاك ان التوتر بلغ ذروته منذ الازمة الكوبية في 1962 وان الاجواء المكهربة ساهمت في كارثة الطائرة الكورية.

وكانت البوينغ التي اقلعت من نيويورك تقوم بالجزء الاخير من رحلتها الى سيول عبر الاسكا، ولم تجمع الآراء بعد على ما حصل بالضبط، لكن المعروف ان الطائرة انحرفت بشكل طفيف عن مسارها المقرر ودخلت في المجال الجوي السوفياتي، وتوصل المحققون الى خلاصة ان الدخول في المجال الجوي السوفياتي كان عرضيا بسبب خطأ في الطيار الالي، وأرسل الجيش السوفياتي طائرتين قتاليتين لاعتراض البوينغ، وفي مقابلة في 1998، قال طيار احدى هاتين الطائرتين غينادي اوسيبوفيتش "كنت قادرا على رؤية صفين من النوافذ مع النور، وتساءلت هل هذه طائرة مدنية، لكن لم يكن لدي الوقت لأفكر".

واضاف هذا الطيار ان الطائرتين أطلقتا النار تحذيرا، وتلقتا عندئذ الامر بإسقاط الطائرة، وقال غينادي اوسيبوفيتش "كانت اوامري تدمير الطائرةن قمت بمهمتي"، وكان بين المسافرين 105 كوريين جنوبيين و62 اميركيا، وتحدث رونالد ريغان عن "مجزرة" واعتبر ان السوفيات "يتحدون العالم والمبادئ الاخلاقية التي تنظم العلاقات البشرية"، وقد اعتبرت هذه الانتقادات فاترة بالمقارنة مع رد فعل الرئيس الحالي باراك اوباما لدى تحطم طائرة الخطوط الجوية الماليزية في شرق اوكرانيا التي اسقطها على الارجح صاروخ اطلق كما يقول الاميركيون من منطقة يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا. بحسب فرانس برس.

لكن رد ريغان بقي الى حد كبير في نطاق الاقوال، وحذر مجلس الامن من المبالغة في رد الفعل واعلن ان "لا مكان للانتقام في هذه القضية"، وفي 1983، احتاج السوفيات الى خمسة ايام ليعترفوا بإسقاط الطائرة، ثم تمسكوا بالفرضية التي تقول ان البوينغ كانت تقوم بمهمة تجسس، وفي كوريا الجنوبية التي كانت تحكمها في تلك الفترة حكومة موالية للجيش، عبر الناس عن غضبهم لكن الحرب الكلامية بين موسكو وواشنطن غطت على التظاهرات، وعلى غرار ما حصل مع الطائرة الماليزية، كانت عمليات جمع الحطام وجثث الضحايا فوضوية ومتوترة، مع شكاوى كثيرة من الولايات المتحدة ضد السوفيات الذين ارسلوا سفنا الى مكان الكارثة، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي كشف الروس انهم استعادوا الصندوقين الاسودين، وتفيد تقارير سرية ان موسكو احتفظت بهما لأن لا شيء فيهما يؤكد ان الطائرة كانت تقوم بمهمة تجسس، ويؤكد تسجيل الاصوات في قمرة القيادة فرضية حصول انحراف عرضي نحو المجال الجوي السوفياتي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تموز/2014 - 29/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م