من يحمي جوامع الأنبياء من بطش الأغبياء؟!

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ضمن برامج الزيارات للاماكن التاريخية والدينية في المدينة المنورة، وصل الدور الى موقع معركة أحد، فتحركت قافلة الحجاج الى المكان وهو عبارة عن تلّة صخرية وسط الصحراء تجاورها مقبرة كبيرة مسيجة بقضبان الحديد تضم مراقد شهداء أحد، وفي طليعتهم حمزة بن عبد المطلب، عمّ النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله. وما أن وطأت أقدامنا ارض المكان، حتى انطلقت مكبرات الصوت وهي تزعق بصوت عالٍ وتنقل احاديث منسوبة كذباً الى النبي الأكرم تحرم زيارة القبور، منها "لعن الله يهود أمتي الذين جعلوا قبورهم مساجدهم"!.

هذا الاجراء السلفي المعادي بشدة لأي نوع من التقرّب الى المراقد المقدسة، ينبئ عن مخاوف جمّة من هذا التقرب، لان الناس بمختلف مستوياتهم وشرائحهم بحاجة الى مصدر إلهام يعطيهم زخماً معنوياً في الحياة يخفف من وطأة الاهتمامات المادية. بمعنى ان الناس يجدون في المزارات والمراقد المقدسة، واحة خضراء نقية من كل هموم الحياة المادية، يتمكن الإنسان فيها من تحسس الراحة النفسية، فهو امام مرقد يحمل معه تجربة حياة ودروس وعبر تفيده لحياته في الزمن الحاضر، بمعنى انه يأخذ اكثر مما يعطي، وهذا بحد ذاته امر محبب للنفوس وباعث على الطمأنينة والارتياح.

وهذا تحديداً ما يخشاه التيار السلفي وسعى لمحاربته بكل ما أوتي من قسوة وعنف خلال العقود الماضية، واليوم نلحظ تحركاً جديداً في هذا الطريق يتمثل في تنظيم ارهابي يرتدي عباءة "الخلافة الإسلامية" لإخفاء اهدافه السلفية، لكنها تظهر بين فترة واخرى في هدم الجوامع التي تضم مراقد لأولياء الله الصالحين، كان آخرها - وليس بأخيرها- جوامع تاريخية وكبيرة ومعروفة في مدينة الموصل، وهي جامع النبي يونس، وجامع النبي شيت، وجامع الامام عون الدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، هذه الجوامع التي كان يرفع منها الآذان وتجمع مئات المصلين يومياً، وتلقى فيها خطب الجمعة، وتتم فيها نشاطات دينية وطقوس عبادية، اذا بها تتحول الى ركام بعد نسفها من قبل عناصر "داعش".

فاذا كان هذا التنظيم الارهابي حالمٌ بـ "الخلافة الاسلامية" وطامح نحو السيطرة والهيمنة بالنيابة عن آخرين في المنطقة، فانه بالقطع يرى في هذه الجوامع، مهما كانت أهميتها وأهمية الراقد فيها، مصدر خطر ماحق عليها، فمصدر الإلهام لن يكون "ابو بكر البغدادي" او غيره من رموز الارهاب والتكفير، إنما ابناء الأئمة والانبياء عليهم السلام. من هنا؛ يرى المتابعون للاحداث ان افراد المجتمع في الموصل بشكل خاص – هذه الايام- والمسلمون في كل مكان، بشكل عام، هم المعنيون بهذا الجامع او ذاك، وليس غيرهم. وبات من المسلّم لدى المراقبين والمتابعين، أن "داعش" لم تكن لتستوطن الموصل ولا أي مدينة أو قرية صغيرة، لولا اطمئنانها من تأييد أهلها او سكوتهم واغلاق ابوابهم، هذا ان لم نقل بوجود رسائل دعوة يتم توجيهها من لدن جهات معينة في المدينة. فاذا كان جامع النبي شيت، وهو نجل النبي نوح، عليه السلام، ويُعد مكاناً مقدساً لدى المسيحيين واليهود والمسلمين على السواء، يحظى بأهمية دينية وحضارية لأهالي الموصل، فمن المفترض ان يكون هنالك موقف او ردة فعل معينة، لا أن تتوالي عمليات النسف للجوامع التاريخية الضخمة في المدينة، كما لو ان "الدواعش" يتجولون بسياراتهم المحملة بالديناميت على الجوامع التي يرون انها لا تصلح للبقاء مع وجودهم في المدينة.

طبعاً؛ هنالك من يتساءل عن طبيعة الدور الذي يمكن ان يضطلع به اهالي مدينة الموصل، مع وجود عسكري وارهابي يجوب الشوارع بشكل رهيب، وهل ان بإمكانهم – مثلاً- الحؤول دون تنفيذ قرار النسف لهذا الجامع او ذاك؟.

انه سؤال وجيه ومعقول في حدوده، بيد ان الأوجه، رسالة الناس والمجتمع عن هذه الجوامع واهميتها بالنسبة اليهم، مثلاً استمرار أداء الصلاة جماعة فيها، او الحرص على القيام بفعاليات وطقوس دينية تبين اهتمام المصلين بالطابع الديني والعبادي للمكان، وهي حجة دامغة لأي "داعشي" يزعم أن المكان مدعاة للشرك بالله. وربما تكون لهذه الحجة الدامغة والبرهان المفحم، اثره في مراجعة بعض عناصر داعش لأفكارهم ومتبنياتهم والعودة الى رشدهم، فهم من المفترض جاؤوا من البلاد البعيدة لمقاتلة "الكفار" وليس المصلين في الجوامع.

تناقلت الانباء يوم أمس ان جمعاً من اهالي الموصل قاموا بالاعتصام داخل "المنارة الحدباء" التي يقال انها على قائمة النسف، بمعنى ان هنالك دوراً اجتماعياً على الارض، إن تم تفعيله وتحشيده، بإمكانه مواجهة المخطط المرسوم لإبعاد الناس عن أي مصدر إلهام او ولاء خارج المصالح الاقليمية والدولية، وهي المصالح التي تعرفها "داعش" في الموصل والعراق بشكل عام، بانها "الخلافة الاسلامية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تموز/2014 - 29/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م