الخرطوم ومهنة البيع في الشارع المزدحم

 

شبكة النبأ: يدخل شاب سوداني احد يديه المحملتين بساعات حائط عبر نافذة سيارة اجرة ومن ثم رأسه، طالبا من الركاب ان يعرضوا سعرا لشرائها، ويقول مخاطبا احد الركاب "سعر جيد لك" ويسأل "كم من الدولارات؟" املا بعرض جيد، على الجانب الاخر من السيارة يتفاوض سائق سيارة الاجرة مع بائع اخر لشراء مصابيح رخيصة، ويشكل الباعة في شارع المك نمر في وسط الخرطوم، اكثر شوارع العاصمة ازدحاما، متجرا كبيرا جوالا يخدم سائقي السيارات وركابها العالقين في زحمة السير. بحسب فرانس برس.

فأصحاب السيارات يمكنهم من دون ان يغادروا سياراتهم شراء الصحف والنظارات التي تساعدهم على القراءة والمناديل لتنظيف اليدين من حبر الجرائد بعد الانتهاء من قراءتها، ومجموعة السلع التي يحملها الباعة تتغير وفقا للمواسم وهي تشمل بين جملة ما تشمل، الات حلاقة كهربائية عدة لصيد الاسماك يؤكد مروجها ان بالإمكان استخدامها في نهر النيل عند اخر الشارع، ويعرض الباعة ايضا مجموعة كاملة من ادوات المطبخ من اكواب وصحون والواح لتقطيع الخضار واللحوم.

وهم يطلقون طائرات في الهواء على امل ان تلفت انتباه اطفال يمرون مع ذويهم، وينتشر الباعة المتجولون في كل ارجاء القارة الافريقية وهم يعكسون في السودان الوضع الاقتصادي في البلاد التي بلغت نسبة بطالة الشباب فيها 34% في العام 2011 وفقا لتقديرات حكومية اوردها تقرير لبرنامج الامم المتحدة الانمائي صدر في اذار/مارس الماضي.

وجاء في التقرير "يعيش نصف سكان السودان في حالة فقر" مضيفا انه مع انفصال جنوب السودان الذي يضم غالبية انتاج النفط قبل ثلاث سنوات، زادت حدة الفقر في السودان، ويؤكد الباعة المتجولون في الخرطوم وبعضهم مراهقون، ان التسلل بين السيارات وتجنب عناصر الشرطة والعمل في ظل شمس حارقة مع حرارة تفوق الاربعين درجة مئوية، ليست الحياة التي حلموا بها.

ويقول مجدي محمد (23 عاما) "ليس لدي خيار اخر (..) فالعلامات التي حصلت في نهاية المدرسة الثانوية لم تؤهلني دخول الجامعة ولم اجد عملا اخر"، وولد محمد في عائلة مزارعين في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم التي ادى نقص الاستثمارات الى تداعي البنية التحتية الزراعية فيها على ما يؤكد محللون.

والان يجوب مجدي شارع المك نمر ذهابا وايابا محاولا بيع الات بلاستيكية لقطع الخضار، في الايام السيئة لا يجني اي قرش. اما في افضل الايام قد يحصل مئة جنيه سوداني (توازي 10,75 دولارات وفق لسعر الصرف في السوق السوداء المستخدمة على نطاق واسع)، ويؤكد ن البيع تحسن منذ بداية شهر رمضان.

ويقول "اعتقد ان ذلك عائد الى ان الناس لا يستطيعون الذهاب للسوق وهم صائمون" مضيفا "اسعارنا اقل من السوق" ما قد يشكل حافزا للمشترين الذين يعانون من التضخم الذي بلغ وفق لتقارير حكومية، 45,2% في حزيران/يونيو، قد تكون اسعارهم افضل الا ان الباعة المتجولون يحاولون استغلال المارة ايضا. فهذا البائع تمكن من بيع مصابيح بعشرة جنيهات الى سائق سيارة اجرة بينما كان يطلب في البداية 25 جنيها.

ويؤكد حسن مبارك العالق في زحمة السير ان الاسعار هنا ارخص موضحا انه سبق له ان اشترى من الباعة الشباب، ويوضح "احيانا اشتري اشياء صغيرة لا تحتاج للذهاب لمحل لشرائها"، لكن حسن وغيره يشتكون من نوعية السلع الرديئة.

ويوضح مجدي ان الباعة المتجولين يحصلون على البضائع من تجار في وسط الخرطوم ومن سوق ام درمان المدينة التوأم للخرطوم، من دون ان يدفعوا ثمنها ويسددون القيمة بعد بيعها مع الاحتفاظ بربح لهم.

ويواجه الباعة المتجولون خطر خسارة المال في حال صادرت الشرطة البضاعة في اطار تضييق الخناق على البائعين الجوالين، ويقول عمر حسين (19 عاما) من شمال كردفان والذي يعمل في الشارع منذ سنة ونصف السنة "علينا ان نركض بسرعة لاننا لا نملك السلع"، ويضيف عمر الذي يبيع الليمون الاخضر "العمل صعب جدا تحت اشعة الشمس الحارة كما ان التنقل بين السيارات خطر وبعض زملائنا اصيبوا في حوادث مرورية"، ويدرك القادم الجديد عصام علي (15 عاما) هذه المخاطر بعدما اتى قبل ثلاثة اشهر من الجزيرة اثر وفاة والده.

ويقول عصام "البيع في رمضان افضل من فترات السنة الاخرى ويراوح الدخل بين 50 الي 75 جنيها ولكن بعد ان نسدد قيمة الطعام والسكن لا يبقى لنا الا القليل"، ويضيف "قبل رمضان كنت ابيع مياه الشرب والان ابيع المناديل وابلغت من القدامى بانه علي ان اعرض ملابس الاطفال في نهاية رمضان وزينة للمنازل التي يشتريها الناس للاحتفال بعيد الفطر".

اما اسلام حسن (17 عاما) فيبيع مفارش الصلاة، وهو هجر مقاعد الدراسة لمساعدة اخوته الصغار في حين يعاني والده المرض، ويقول اسلام "انا لست راضيا عن هذا العمل حلمي العودة مرة اخرى للمدرسة ولكن يبدو ذلك مستحيلا"، وتقول سوسن بشير الواقفة في سيارتها في الشارع "انها مأساة" مضيفة "ما يجعلني حزينة ان هؤلاء الصغار يجب ان يكونوا في المدرسة، انهم موارد مهدورة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تموز/2014 - 28/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م