داعش في... منظومة إجرامية متكاملة تتضخم بالأزمات

 

شبكة النبأ: حذر خبراء من استمرار توسع تنظيم داعش ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" الإرهابي في مناطق الصراع والتوتر بين جانبي الحدود السورية والعراقية، في حال استمر الوضع الحكومي والإقليمي والدولي على ما هو عليه، سيما وان قوة التنظيم الاقتصادية والتسليحية، إضافة الى الدعم اللوجستي والاستخباري وازدياد اعداد الراغبين بالالتحاق في صفوف المسلحين التابعين للتنظيم، تعتمد بالأساس على إطالة امد الازمة والاستمرار بحكم المناطق التي تسيطر عليها، من اجل كسب المزيد من الأموال (من خلال عمليات تهريب النفط والبضائع والإتاوات والخطف والجزية والرسوم التي تفرضها على مرور السلع والبضائع)، والرجال (اذ يقدر مسؤولون عسكريون أمريكيون وأمنيون عراقيون أن الدولة الاسلامية لديها ثلاثة الاف مقاتل على الأقل في العراق وأن العدد يرتفع إلى نحو 20 ألفا عند حساب المجندين الجدد الذين انضموا اليها منذ الهجوم الخاطف الذي شنته الشهر الماضي)، مما ينذر بخطر كبير حذر منه الخبراء والمنظمات الأممية والمجتمع الدولي.

ويحاول العراق مجابهة اقوى هجمة إرهابية داخل أراضيه منذ عام 2003، الا ان ضعف القيادات الأمنية والخلافات السياسية وقلة التسليح الحديث والجهد الاستخباري، إضافة الى ازمة الحرب الاهلية في سوريا، كلها عوامل ساهمت في ضعف التأثير على منع او استئصال التمدد الإرهابي الذي حدث الشهر الماضي، واستطاع من خلاله تنظيم داعش احتلال الموصل وأجزاء من ديالى وصلاح الدين والانبار، لتفق الأراضي التي تقع تحت سيطرة مساحة لبنان بعدة اضعاف في العراق وحدة.

ومع ان الازمة السياسية كانت العامل الأبرز في ضعف الأداء الحكومي، سيما وان الخلافات السياسية بين المكونات الأكبر (المسلمين الشيعة، المسلمين السنة، الاكراد) انعكست سلبا على معنويات الشارع العراقي والقوات الأمنية التي انهزمت بسهولة امام زحف التنظيمات الإرهابية ومسلحيها، الا ان الخطوات الأخيرة المتمثلة باختيار رئيس مجلس النواب العراقي ورئيس الجمهورية، من شانها احداث الفرق، والتوافق بين الكتل السياسية للتوحد في مجابهة خطر يهدد وحدة العراق وسلامة إراضيه. 

أدوات داعش اللاإنسانية

فقد حقق تنظيم الدولة الإسلامية نجاحا كبيرا في سحق المقاومة عبر شمال العراق باستخدام رؤيته الخاصة للقوة الناعمة والقوة الخشنة حتى أن ما وعد به من الزحف على بغداد ربما لا يكون شجاعة شكلية لا أساس لها في الواقع، وفي حين أن الدول التقليدية تسعى لكسب قلوب وعقول الناس في الخارج قبل أن تلجأ بالضرورة للقوة العسكرية فإن هذه الجماعة الجهادية تعمل أيضا على تحقيق أهدافها بالوسائل النفسية وتقوي شوكتها سمعة الإفراط في استخدام العنف، واستخدمت الدولة الإسلامية التي استولت في يونيو حزيران الماضي على مساحة كبيرة من الاراضي في شمال العراق بما في ذلك مدينة الموصل أكبر مدن المنطقة هذه الاستراتيجية عندما واجه مقاتلوها مقاومة مسلحة من بلدة العلم على مدى 13 يوما.

فقد خطف المقاتلون 30 أسرة محلية واتصلوا بأكبر أعيان المدينة لنقل رسالة بسيطة عن الرهائن مفادها "تعلمون مصيرهم إذا لم تتركونا نستولي على المدينة"، وخلال ساعات استسلم شيوخ العشائر وكبار أهل البلدة لإنقاذ الأسر، وسرعان ما ارتفع علم المتشددين الأسود فوق المباني الحكومية ومراكز الشرطة في العلم، وبعد أسابيع لا يحرس نقاط التفتيش في مختلف أنحاء العلم ليلا سوى بضعة مسلحين ملثمين، وهكذا ارتاح تنظيم الدولة الاسلامية للسيطرة من خلال الخوف، وقال أحد السكان الخائفين هاتفيا مشترطا عدم نشر اسمه "كل الناس مستاؤون من وجود الدولة الاسلامية لكن لا يسعنا عمل أي شيء".

وتتكرر حكايات الانتصار المماثلة للدولة الاسلامية (التي استولت على مساحة كبيرة من الاراضي السورية خلال الحرب الأهلية) في مدن وقرى أخرى بمحافظة صلاح الدين الواقعة شمالي بغداد، ولم يردع العداء الجهاديين عن الاستيلاء على الارض والاحتفاظ بها في بعض المناطق التي تسكنها أغلبية سنية حيث قاتل السكان المحليون تنظيم القاعدة في العراق الذي خرجت من عباءته الدولة الإسلامية، وسمح كسر شوكة السكان المحليين للقوة الصغيرة نسبيا بالزحف جنوبا إذ ركزت حربها في الأيام الأخيرة على ساحات قتال لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن بغداد، وقد عزز المقاتلون رصيدهم من السلاح والعتاد على طول الطريق وجعلوا الاستيلاء على أسلحة وعربات شرطا في أي اتفاقات يبرمونها مع التجمعات السكانية التي أرغموها على الخضوع لهم.

ولا تزال بعض التجمعات السكانية السنية ترفض الانضواء تحت لواء المتشددين الإسلاميين، لكن مشاعر الغضب من حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي شجعت بعض الجماعات السنية المسلحة على الانخراط مع الدولة الاسلامية منذ استيلائها على الموصل في العاشر من يونيو حزيران حسبما قال مسؤولون وشيوخ عشائر، وقال منصور البرزاني رئيس مجلس الامن الوطني لإقليم كردستان العراق إن الدولة الإسلامية "أصبحت وجه هذه الانتفاضة أو هذا التمرد"، وانضمت جماعات أخرى تعارض بغداد إلى الدولة الاسلامية بعد أن اجتذبها نجاحها المتواصل، وقال البرزاني "آمنوا بمبدأ عدو عدوي صديقي". بحسب رويترز.

وقال الشيخ وسام حردان أحد القيادات الشعبية التي قاتلت تنظيم القاعدة إن بعض الجماعات السنية المسلحة المتحالفة مع الدولة الاسلامية تولت السيطرة على تجمعات سكنية أخضعتها الدولة الاسلامية في البداية، وأضاف أن الدولة الإسلامية "تعتمد على الخلايا النائمة في الاحتفاظ بالمناطق والجيش الاسلامي وجيش المجاهدين و(جيش) النقشبندية كلهم يرفعون الآن علما واحدا ويتعاونون"، ويبدو أن مقاتلين من السنة ممن اكتسبوا خبرة واسعة في مقاتلة القوات الامريكية في البداية ثم تنظيم القاعدة ينحون خلافاتهم المذهبية مع الدولة الاسلامية جانبا على الأقل في الوقت الراهن سعيا لتحقيق هدف مشترك.

عندما دخل مسلحو الدولة الاسلامية الضلوعية في قافلة طويلة من الشاحنات والعربات العسكرية المسروقة توجهوا إلى أعيان عشيرة جبور برسالة مفادها، انضموا إلينا كمقاتلين أو ابقوا في دياركم وبعيدا عن طريقنا، وقال عدد من سكان المدينة إن مقاتلي الدولة الاسلامية قالوا للشيوخ "لا مشكلة لنا معكم، وهدفنا هو دخول بغداد"، لكن أهل الضلوعية لم يرتاحوا لهذا الهدف، وكان كثير منهم قاوم الغزو الأمريكي عام 2003 غير أنهم انضموا فيما بعد إلى القوات الامريكية في مقاتلة تنظيم القاعدة، وتطوع نحو 2000 من السكان المحليين للقتال في صفوف الشرطة من أجل منع المسلحين المتشددين من اجتياح المدينة وسرقة السلاح والعربات.

وتبادل المقاتلون المتشددون والشرطة السيطرة على المدينة عدة مرات خلال قتال استمر أسابيع شارك فيه سكان محليون وبعض التعزيزات الحكومية من وقت لآخر، وقال أحد السكان انضم للشرطة لفترة ثم غير رأيه "لا أثق بالقوات الحكومية"، وأضاف أنه أرسل زوجته وأطفاله الثلاثة إلى قرية قريبة وسيبقى مع أخيه لحماية المتاجر التي يملكونها.

وإلى الشمال في قرية الزوية الواقعة بين نهر دجلة وسلسلة جبال صغيرة بدأت الدولة الاسلامية هجوما بريا استغرق يوما بأكمله مدعوما بقصف شديد كاد أن يمحو هذا التجمع السكاني بعد أن حاول السكان المحليون التعبئة، ويراود الأمل بعض السكان في إمكانية النجاح في منع الدولة الاسلامية من فرض حكمها على الزوية بفضل ما لديهم من ذكريات عن مقاتلة القاعدة عندما دفعت مجالس الصحوة المدعومة من الولايات المتحدة التنظيم للتراجع، وقال أحد سكان المدينة طلب عدم نشر اسمه خشية الانتقام منه "تصدينا لهم عدة مرات وكنا المنتصر دائما في تلك السنين"، وقال عدد من السكان إن الموجة الأولى من المتشددين التي حاولت اقتحام الزوية تصدى لها بعض السكان كانوا يختبئون في الجبال.

غير أنه سرعان ما فر الآلاف للنجاة بحياتهم عندما بدأت الدولة الاسلامية تطلق قذائف المورتر من الضفة الأخرى للنهر، واشتعلت النيران في نحو 200 منزل ومركز الشرطة الرئيسي، وقال آخر إنه حارب وهو وزملاؤه حتى نفدت ذخيرتهم، وأضاف "وعدنا المحافظ (بمحافظة صلاح الدين) ورئيس الشرطة ببعض التعزيزات لكن للأسف لم تنفذ الوعود"، وقتل أكثر من 20 شخصا من سكان الزوية وقال سكان إن عدد القتلى بين المتشددين غير واضح رغم أنهم قدروه بالعشرات.

ورفعت الدولة الاسلامية أعلامها على المباني الحكومية في الزوية التي لم يلحق بها الدمار لكن سكانا يقولون إن المقاتلين قصروا وجودهم على نقطتي تفتيش عند مداخل المدينة، ومازال يسمح لموظفي الحكومة بالذهاب إلى أعمالهم في العيادات الصحية أو في محطات الكهرباء رغم أن المسؤولين الامنيين لم يعودوا إلى أعمالهم، ويقول السكان أيضا إن المتشددين يسمحون لأي شخص "يتوب" بزيارة شيخ محلي يستضيف ممثلا للدولة الاسلامية بعد صلاة الجمعة، ويحصل من يعترفون بأنهم أخطأوا بمقاومة الجماعة ويبايعونها على ورقة مختومة بخاتم الدولة الاسلامية وشعارها الاخضر بما يضمن سلامتهم، وقال أحد سكان المدينة إن الوجود الرمزي يكفي لمنع السكان من التمرد مرة أخرى ويشير إلى أن السكان يعتقدون أن الدولة الاسلامية جعلت من الزوية مثلا لكل من يحاول الخروج على قواعدها.

استهداف المقدسات

فيما دمر تنظيم "الدولة الإسلامية" ضريحا يقال إنه قبر النبي يونس بن متى في مدينة الموصل شمالي العراق، حسب سكان محليين، وأضاف السكان المحليون أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية الذين فرضوا فهمهم المتشدد للإسلام على سكان المدينة أمروا مرتادي مسجد النبي يونس بالخروج منه ثم فجروه، وبني المسجد في موقع أثري يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ويقال إنه المكان الذي دفن فيه النبي يونس والذي تقول قصص في الإنجيل والقرآن إن حوتا ابتلعه، وقد رمم المسجد في التسعينيات من القرن العشرين في عهد الرئيس السابق صدام حسين وكان مقصد حجاج من مختلف أنحاء العالم قبل استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من شمالي وغربي العراق بمساعدة مسلحين سنة آخرين.

وأدى تفجير الضريح إلى تدمير عدة منازل مجاورة له، حسب سكان محليين طلبوا عدم كشف هوياتهم حرصا على سلامتهم الشخصية، وأضاف السكان أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية يعتقدون أن "الضريح أصبح مرتعا للردة عن الإسلام وليس للصلاة"، ومضى السكان المحليون للقول إن المسلحين دمروا مسجدا مجاورا آخر هو مسجد الإمام ابن الحسن، ويأتي الهجوم على ضريح النبي يونس في أعقاب انتخاب مجلس النواب العراقي رئيسا جديدا للعراق هو السياسي الكردي فؤاد معصوم ليخلف الرئيس العراقي الحالي المنتهية ولايته جلال طالباني. بحسب الأسوشييتد برس.

تهريب النفط

الى ذلك استولى مقاتلو الدولة الاسلامية على أربعة حقول نفطية صغيرة عندما اجتاحوا شمال العراق وأصبحوا الان يبيعون النفط الخام والبنزين لتمويل دولة الخلافة الجديدة، فبالقرب من مدينة الموصل الشمالية استولت الدولة الاسلامية على حقلي نجمة والقيارة وإلى الجنوب بالقرب من تكريت سيطر مقاتلوها أيضا على حقلي حمرين وعجيل خلال هجومهم الذي اجتاحوا فيه شمال العراق، وحقول النفط التي سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية متواضعة إذا ما قورنت بحقول النفط العراقية العملاقة قرب كركوك والبصرة والتي تخضع لسيطرة الاكراد والحكومة المركزية على الترتيب، وأغلب الحقول النفطية الواقعة في الاراضي التي تسيطر عليها الدولة الاسلامية مغلقة ولا يتم ضخ النفط منها ويقدر مسؤول تركي أن عددها نحو 80 حقلا.

لكن احتكار الوقود في تلك المناطق التي استولى عليها التنظيم يمنحه ميزة على الفصائل السنية المسلحة الأخرى التي قد تشكل تهديدا لهيمنته على الأمور في شمال العراق، ويقول مسؤولون عراقيون إن الدولة الاسلامية نقلت نفطا من القيارة في الأسابيع الأخيرة لتكريره في وحدات متنقلة في سوريا لإنتاج السولار والبنزين بجودة منخفضة ثم إعادة المنتجات لبيعها في الموصل التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، وأضاف المسؤولون أن كميات أكبر من النفط الخام بعضها من حقل النجمة تباع أيضا عن طريق مهربين إلى تجار أتراك بأسعار مخفضة للغاية تبلغ نحو 25 دولارا للبرميل.

وقال هشام البريفكاني رئيس لجنة الطاقة في المجلس المحلي لمدينة الموصل "تأكدنا من تقارير تظهر أن الدولة الاسلامية تشحن النفط الخام من حقل نجمة النفطي في الموصل إلى سوريا لتهريبه إلى إحدى الدول المجاورة لسوريا"، وأضاف "الدولة الاسلامية تحقق أرباحا بملايين الدولارات مع هذه التجارة غير المشروعة"، وقال مالك محطة بنزين في الموصل إن محطات البنزين في المدينة تبيع الان الوقود الذي يورده لها تجار يعملون مع الدولة الاسلامية التي تتقاضى دولارا أو دولارا ونصف للتر حسب جودة الوقود بزيادة كبيرة عن الاسعار التي كانت سارية من قبل، وأضاف "الوقود ينقل من سوريا، والسعر ثلاثة أمثال السعر السابق لكن على السائقين شراءه بسبب توقف الوقود الذي تدعمه الحكومة".

وقال البريفكاني إن الدولة الاسلامية هي الطرف الوحيد المسؤول عن الواردات من سوريا حيث تسيطر على حقول في محافظة دير الزور، وتابع "يستخدمون جانبا منه لعرباتهم ويبيعون الباقي لتجارهم في الموصل، وكانت شركة سونانجول المملوكة للدولة في أنجولا تتولى إدارة حقلي نجمة والقيارة لكنها انسحبت في العام الماضي مستندة لأسباب قاهرة مع ارتفاع تكاليف التطوير والمخاوف الأمنية بسبب المتشددين في المنطقة، وكان حقل القيارة الذي تقدر احتياطاته بنحو 800 مليون برميل ينتج 7000 برميل يوميا من الخام الثقيل قبل أن يستولي تنظيم الدولة الاسلامية عليه وعلى مصفاة قريبة طاقتها 16 ألف برميل في اليوم، وتوقفت مصفاة القيارة ومصفاة أخرى قريبة منها في كسك شمال غربي الموصل عن العمل بعد أن هرب العاملون بهما.

لكن النفط ظل يتدفق من حقل القيارة نفسه بعد أن طلب المتشددون من الموظفين العراقيين البقاء في مراكزهم ووعدوا بحمايتهم مثلما فعلوا في أغلب المنشآت النفطية من أجل الحفاظ على الإنتاج، وأشار مسؤول عراقي كمثال إلى المعركة من أجل السيطرة على مصفاة بيجي في الشمال وهي أكبر مصافي تكرير النفط في العراق حيث يحاول مقاتلو الدولة الاسلامية وغيرهم السيطرة على الموقع منذ منتصف يونيو حزيران دون إلحاق أي ضرر بالمنشآت، وقال مهندس يعمل في القيارة مشترطا عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام منه إن تنظيم الدولة الاسلامية "يحرص على الحفاظ على سلامة منشآت الطاقة داخل القيارة، لم ندرك لماذا لم يدمروا المنشئات، لكن بعد أسبوع بدأوا يملؤون الشاحنات بخام القيارة، كانوا يخططون من البداية للتربح من الحقل". بحسب رويترز.

وقالت مصادر حكومية عراقية إن من الصعب تقدير حجم الأموال التي يحققها التنظيم من بيع النفط الخام أو المنتجات المكررة في سوريا لان عدد الشاحنات يتباين من يوم لآخر، وقال مصدر إن عملية منفصلة لتهريب النفط إلى إقليم كردستان وإلى ايران كانت تحقق ما يقرب من مليون دولار يوميا في وقت سابق لكنها توقفت الآن، وقال متعامل وصاحب شركة شحن في الموصل إنه يشتري 250 برميلا من النفط الخام من المتشددين بمبلغ ستة الاف دولار، وأضاف "الخطوة التالية تتوقف على مهارتنا في التعامل مع التجار الأتراك".

وكمصدر آخر للدخل يفرض تنظيم الدولة الاسلامية ضرائب على كل المركبات والشاحنات التي تنقل البضائع إلى الموصل بواقع 400 دولار للشاحنة الكبيرة و100 دولار للشاحنة الصغيرة و50 دولارا لسيارات الركوب إذا كانت تحمل بضائع، وقال أحمد يونس الخبير العراقي في الجماعات المسلحة إن الاسلاميين يقيمون دولة اقتصادية بناء على الموارد المتزايدة والبنية التحتية المتاحة لهم، وأضاف أنه بالنظر إلى امتداد الدولة الاسلامية عبر الحدود العراقية السورية وسيطرتها على حقول نفطية وتزايد نشاطها الاقتصادي فإنها "ستتحول إلى عملاق اقتصادي لديه أصول بمليارات الدولارات"، وقال يونس "في المستقبل هل ستشتري أسهما في نايمكس؟ كل شيء ممكن".

إلى الجنوب يسيطر مقاتلو الدولة الاسلامية على حقلين آخرين شرقي تكريت مسقط رأس صدام حسين، أحدهما وهو حقل عجيل ينتج 25 ألف برميل في اليوم من النفط الخام كانت تنقل إلى مصفاة كركوك و150 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا تضخ إلى محطة كركوك للكهرباء التي تسيطر عليها الحكومة، ومازال يجري ضخ الغاز رغم انخفاض حجم الانتاج اليومي إلى 100 مليون قدم مكعبة ويفسر خبراء الطاقة ذلك بأن محطة كهرباء كركوك تزود مدنا كثيرة في المنطقة بالكهرباء ولأن المتشددين يريدون أن يتحاشوا أزمة في الطاقة، وقال مهندس في الموقع إن المتشددين ينقلون كميات صغيرة فقط من النفط من عجيل بسبب مخاوف من أن تؤدي أساليب الاستخراج البدائية إلى اشتعال الغاز.

رحلات سياحية في أراضي الخلافة

من جانب اخر بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي ينفذ إعدامات ميدانية ويرجم النساء ويتطرف في تطبيق الشريعة الإسلامية، بتسيير رحلات "سياحية" لعناصره والمدنيين بين شمال سوريا وغرب العراق، لتعريفهم على الأراضي التي يسيطر عليها وأعلن فيها إقامة "الخلافة" قبل نحو شهر، ويستغل بعض الجهاديين هذه الرحلات التي تتم في حافلات ترفع رايات التنظيم السود، لقضاء شهر عسل مع زوجاتهن في محافظة الأنبار العراقية، بحسب ناشطين من مدينة الرقة، أبرز معاقل التنظيم في شمال سوريا، ويقول ناشط يقدم نفسه باسم هادي سلامة عبر الإنترنت، أن أبو عبد الرحمن الشيشاني (26 عاما)، وهو مقاتل في صفوف التنظيم الجهادي، أمضى وزوجته الثانية شهر عسل في الأنبار.

ويوضح الناشط أن الشيشاني شارك في إحدى هذه الرحلات برفقة زوجته السورية "بعد وقت قصير من زواجهما"، مضيفا بسخرية "هؤلاء الجهاديون رومنسيون إلى حد كبير"، إلا أنه، وبحسب الناشط، لم يجلس الشيشاني وزوجته جنبا إلى جنب داخل الحافلة، "لأن النساء يجلسن في الخلف، والرجال في المقدمة"، ويشير إلى أن سائق الحافلة "يقوم ببث أناشيد جهادية طوال الرحلة".

ويوضح أحد مقاتلي المعارضة في شرق سوريا أن "الرحلات" بدأت بعد تسمية البغدادي "أميرا للمؤمنين"، ويقول سلامة أن رحلة الحافلات "تنطلق من مدينة تل أبيض (في ريف الرقة على الحدود التركية) وصولا إلى محافظة الأنبار، ويمكن للراغبين النزول في أي مكان يرغبون، ولا حاجة لجوازات سفر لعبور الحدود"، وأكد أن هذه الرحلات "ليست مجانية، إلا أن السعر يختلف بحسب المسافة التي يعبرها الركاب"، ويوضح أبو قتيبة العكيدي، وهو قائد ميداني لمجموعة مقاتلة معارضة في محافظة دير الزور، أن غالبية المشاركين في هذه "الرحلات" هم من الجهاديين الأجانب.

ويقول "غالبيتهم أجانب، يتحدثون مع بعضهم البعض باللغة الإنكليزية ويرتدون ملابس أفغانية، ويرافقهم مترجم بالزي الأفغاني الأسود يشرح لهم عن المناطق التي يزورونها"، ويضيف أن بعض هؤلاء شوهدوا وهم يحملون كتيبات عن "شعارات الخلافة الإسلامية وتاريخها وأسباب نشأتها وعودة أمجادها"، مؤكدا أن المقاتلين لا يحملون أسلحتهم في الحافلات، إلا أن عربات التنظيم المزودة أسلحة رشاشة تواكب الحافلات، ويوضح ناشط يقدم نفسه باسم أبو إبراهيم الرقاوي، أن الرحلات "تنظم مرتين أسبوعيا، يومي الأربعاء والأحد، وهي تشبه إلى حد كبير أي رحلة تنظمها شركة سياحية، باستثناء أنها تقتصر على مناطق سيطرة الدولة الإسلامية الموزعة بين بلدين، ويتم التعامل معها على أنها أرض واحدة". بحسب فرانس برس.

ويشير إلى أن هذه الرحلات بدأت تحظى ببعض "الشعبية" في أوساط المدنيين السوريين الذين لديهم أقارب على الجانب الآخر من الحدود، ويقول أن "العديد من الناس المقيمين (في شمال سوريا وشرقها) ينتمون إلى عشائر منتشرة في سوريا والعراق، ويستخدمون الحافلات لزيارة اقاربهم"، ولم يكن في الإمكان الحصول على معلومات حول هذه الرحلات من تنظيم "الدولة الإسلامية" نفسه، إلا أن حساب "ولاية نينوى" التابع لـ"الدولة الإسلامية" على تويتر، نشر صورا لحافلات كتب عليها "مشروع النقل المجاني الخيري"، وبدت صور أشخاص وهم يدخلون الحافلات التي ألصقت عليها أعلام "الدولة الإسلامية"، مع تعليقات بينها "اقبال المسلمين على النقل في الحافلات".

وفي المناطق التي تفرد التنظيم بالسيطرة عليها، يتم "تكفير" كل من لا يوالي "الدولة"، وترغم النساء على ارتداء النقاب، والرجال على إطلاق لحاهم، وتفصل بين الناس "محكمة شرعية" بإشرافهم، وعمد عناصر التنظيم إلى رجم امرأتين على الأقل بتهمة "الزنى" مؤخرا، ويقول الرقاوي إن رحلات التنظيم إلى العراق بدأت تستقطب أيضا أشخاصا عاديين من سوريا "بعضهم يذهبون للقيام بأعمال تجارية، في حين أن آخرين يريدون فقط أن يأخذوا إجازة من القصف المتواصل في سوريا".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تموز/2014 - 27/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م