مسؤولية بناء الدولة العراقية

 

شبكة النبأ: تقع مسؤولية بناء الدولة العراقية المدنية المستقرة المتطورة على جميع العراقيين، ولكن هناك مستويات متباينة لهذه المسؤولية، وفقا لطبيعة الدور الذي يقوم به الفرد، والجماعة، وتبعا للظروف والفرص التي تتوافر لهم، من حيث الوعي والثقافة، والقدرة على التأثير والمشاركة الفاعلة، في التخطيط والتنفيذ، ولكن يبقى القادة السياسيون هم الأكثر تأثيرا من غيرهم، في مجال بناء الدولة التي تستطيع مواكبة العصر، ومستجداته في عموم المجالات السياسية والاقتصادية والمعرفية وسواها.

وقد وثّق لنا التاريخ، كثيرا من المواقف المشرفة، لأولئك القادة والساسة الذين خدموا دولهم وشعوبهم بأمانة واخلاص، فاستحقوا المكانة المرموقة، والإشادة الدائمة والشكر على مواقفهم ومساعيهم، التي تنم عن نكران الذات، والإيمان الحقيقي بدور بالشعب وقدرات الامة التي ينتمي لها السياسي، ليس من باب التطرف، او المنحى الشوفيني العنصري، بل من واجب العاملين في السياسة، العمل بأمانة واخلاص لبناء الدولة المدنية، وعدم تضييع الفرصة التي تتاح لهم، بسبب الانشغال في الصراع على المنافع والمناصب، وتكديس الاموال وما شابه، على حساب حاضر ومستقبل الشعب!.

إن الظروف المعقدة التي تحيق بالعراق في الراهن، قد تدفع بالنخب وقادتها، الى اليأس وربما تقلل من ارادتهم على بناء الدولة العراقية، وهو هدف تشترك فيه اطراف دولية واقليمية، بمساعدة ذيول داخلية، لكن لا ينبغي التراجع حيال فرصة بناء الدولة، ولا ينبغي التردد او التخوّف في هذا المجال، فقد اعطى لنا التاريخ والواقع مثالا واضحا ومعروفا لنا جميعا، حول هذا الجانب، يتمثل بضياع أرض ودولة فلسطين بسبب أنانية السياسيين، بعد أن أهدر هؤلاء الفرصة تلو الاخرى لتحصين الدولة الفلسطينية، منذ عام 1948 والى الآن، وبدأت أرض فلسطين تُقضَم شيئا فشيئا، وتتلاشى مع كل فرصة يتم تضييعها على أيدي السياسيين والنخب الاخرى ايضا، وها أن الساسة الفلسطينيين وجدوا أنفسهم مرغمين على التفاوض مع الطرف المغتصب لأرضهم، لكي يحصلوا على جزء بسيط منها، ولم يحصلوا عليه حتى الآن.

ليس معيبا أن نضع تجارب التاريخ أمام بصيرتنا، ونقرر الاستفادة منها، ونمضي قُدما لبناء دولتنا، على الرغم من المصاعب الجمّة التي تحيط بنا، نعم نحن نعرف ان هناك مشهدا سياسيا دوليا واقليميا متداخلا ومعقدا، يضع العصي في الدواليب دائما، ويستميت في منع النخب العراقية عن بناء دولتهم وحكومتهم القوية، نظرا للاطماع الكبيرة التي تضطلع بها الدول الاقليمية والعالمية ايضا، حيال العراق وارضه وثرواته.

لذلك لابد من توافر الارادة السياسية المؤمنة الذكية، والقادرة على البناء الصحيح للدولة، ويجب ان يفهم المسؤولون وتؤمن النخب العراقية لاسيما السياسية منها، أن لا مجال لخسارة إذن الفرصة التاريخية المتاحة لهم لبناء الدولة، فقد لا نحصل على فرصة اخرى، وقد تضيع الدولة، والمسؤول عن ذلك هم قادة النخب، يتقدمهم القادة السياسيون، كما يحدث الان في العراق، إذ من الواضح أن بعض من ينتمي الى الطبقة السياسية من العاملين في الميدان السياسي، خاصة القادة منهم، أي قادة الاحزاب والمنظمات والكتل والمؤسسات وما شابه، هؤلاء هم المسؤولون عن تضييع فرصة بناء دولة العراق القوية المصانة، فضلا عن مسؤوليتهم لاحتمالية تفتيت العراق وضياع هذه الفرصة الى الابد.

وثمة اسباب كثيرة ومتداخلة تقف وراء هذا المشهد السياسي المرتبك، ينبغي التصدي له بعزم، وقراءته بدقة وعلمية تامة، وفهمه ثم وضع السبل الكفيلة بدرء مخاطر ضعف الدولة وعدم القدرة على بنائها بناءً سليما معافى، فهناك اسباب واضحة كل الوضوح للمراقب والمتابع، لها تأثيرها في عدم بناء الدولة العراقية، بل حتى المواطن البسيط يتحدث اليوم بصوت عال عن الاخطاء الكارثية التي يرتكبها بعض السياسيين بحق العراق، والسبب دائما، هو عدم التفكير خارج اطار المصلحة الخاصة، الفردية والحزبية معا.

نعم يوجد سياسيون لا تعنيهم قضية بناء الدولة العراقية من بعيد أو قريب، بل تتركز جهودهم كلها على تحصيل المنافع وتحقيق المآرب والأهداف الشخصية والحزبية، كما نلاحظ ذلك من خلال جمع الاموال والاستئثار بالمناصب والتعيينات العائلية والحزبية وما شابه، متغافلين عن قضية اهم واهداف اكبر، تتمثل في قضية بناء الدولة القوية المستقرة، كذلك هناك من يعمل لصالح حزبه، أو انتمائه الاصغر، على حساب بناء الدولة ايضا، وفي كلا الحالتين، يتم تضييع فرصة البناء الصحيح للدولة العراقية.

لقد حصل العراقيون كما هو واضح، على فرصة تاريخية ربما لا تتكرر، لوضع الاسس الصحيحة لبناء الدولة، وفي حالة عدم استثمار هذه الفرصة وهدرها، هذا يعني خضوعا للساسة العراقيين ولجميع النخب، للمخطط الدولي الاقليمي الهادف الى اعاقة بناء الدولة، وهذا يعني خسارة الفرصة الذهبية التي اتيحت لهم، وفي حقيقة الامر خسارة بناء دولة العراق المرفّهة القوية المتطورة، بمعنى اوضح لا احد يربح من هذه الخسارة، حتى اولئك الساسة والنخب التي تتسبب في حدوثها.

من هنا يجب أن يدرك الجميع، وأولهم السياسيون العراقيون، أن الفرصة المتاحة لهم الآن بخصوص بناء الدولة العراقية، قد لا يحصلون عليها مرة اخرى، بل لا يحصل عليها الشعب العراقي مطلقا، وربما يتسبب هؤلاء بتفتيت دولة عريقة، لها كيانها وتاريخها المعروف للجميع، فالمطلوب اذن أن يتحمل السياسي العراقي اولا، وجميع النخب مسؤوليتهم بأمانة واخلاص، للسير في مسعى بناء الدولة القوية المستقرة، وعدم الخضوع للسيناريوهات الدولية والاقليمية، المحاكة مسبقا لتحطيم الدولة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تموز/2014 - 27/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م