آراء لابد منها حول نداء كردستان

علي الأسدي

 

أصدر لفيف من المثقفين القوميين الكرد نداء بمناسبة الاعلان عن قرار الاستفتاء على استقلال كردستان والاستيلاء على كركوك وما يسمى بالمناطق المختلف عليها ولأهمية ما ورد فيه والظرف الدقيق الذي يحيط بكردستان والعراق نبدي جملة من الآراء حول ما ورد فيه وما وراءه.

في هذا الظرف السياسي الصعب وبدلا من تعزيز التلاحم الاجتماعي وتوحيد الصف الوطني حول الأهداف المشتركة لشعبنا بكافة مكوناته يتبارى مثقفون أكراد وعرب لتأجيج المشاعر القومية والطائفية المتطرفة. حيث تتردد الأحاديث عن تشكيل الاقليم السني في الموصل أو الاقليم السني في العراق أو الاقليم الشيعي في البصرة أو في الجنوب والوسط العراقي. وفي المقابل هناك جهود لإعلان استقلال كردستان وغير ذلك من الدعوات التي لا تخدم مصالحنا المشتركة في وطن موحد تحت اسم الدولة العراقية.

 واحدى صور تلك الدعوات النداء الذي أصدرته مجموعة من المثقفين الاكراد بمناسبة اعلان رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني عن تنفيذ المادة 140ونيته للاستفتاء على استقلال كردستان. نشر النداء تحت عنوان " نداء كردستان " في الحادي عشر من شهر تموز\يوليو الجاري واحتوى على 37 بندا دعت جميعها الى حشد القوى الكردستانية داخل وخارج كردستان لتوحيد الصفوف والحث على كسب الرأي العام العالمي بما يتناسب والحدث التاريخي. وقد عبر البند 22 منه عن موضوع النداء وأهدافه وخطوات تنفيذه. حيث جاء فيه:-

" الإيعاز إلى الجاليات الكردستانية المتواجدة في بلدان أوربا وغيرها بالقيام بمسيرات وتظاهرات وإعتصامات أمام سفارات الدول الأوربية والدول الدائمية العضوية في الأمم المتحدة ورفع المذكرات تأييداً لمسيرة إستفتاء تقرير المصير " واستنكاراً لتهديدات العنصريين الفاشست بإبادة شعب كردستان." (القويسات من قبل الكاتب). واختتم المثقفون الكرد ندائهم بالشعار " الاندحار والخزي والعار للعنصريين الفاشست ".

الواضح من منطوق النداء وموضوعه هو توحيد الصف الوطني الكردي مع الحقوق التاريخية للكرد في كركوك والمناطق التي تم الاستيلاء عليها. هكذا بكل بساطة تخرج علينا مجموعة من مثقفينا منادية لا للوحدة العراقية عربا واكرادا بل لوحدة الكرد للوقوف صفا واحدا للدفاع عن انفصال كركوك وغير كركوك عن العراق. انها للأسف محاولة للعب على مشاعر قومية ولى زمانها واشغال الكرد عن عدوهم الحقيقي الذي يطوق كردستان بحدود تصل الى 1035 كيلو متر وهم بهائم داعش ومن ورائها هذا الا اذا اعتبر الأخوة الذين وقعوا النداء أن داعش حليف لسلطة اقليم كردستان. ان الايهام بوجود عدو في بغداد فاشي وعنصري هو الدجل بعينه وهي مهمة لا نرضاها لمثقفي كردستان وخاصة وان بينهم تقدميون وليس فقط قوميون حاقدون.

ان مهمة المثقفين الكرد المقدسة التي تجاهلها النداء هي توحيد النضال الوطني ضد اسرائيل التي تزرع عيونها في كل مكان في كردستان مستغلة سذاجة البعض في حكومة الاقليم بكونها داعما مهما لاستقلال كردستان في المحافل الصهيونية التي لها نفوذا على صانعي القرار في واشنطن. يجب حث الكرد على الوقوف ضد التوزيع غير العادل للدخل والثروة وضد الفقر الذي يلف الأكثرية الساحقة من شعبنا عربا وغير عرب. عدو الشعب الكردي هو الدكتاتورية المطلقة لحكم العشيرة والعائلة والفساد الاداري والمالي والاستغلال الطبقي المنفلت لقوة العمل الكردية والاجنبية التي تعيد للأذهان الاستغلال العبودي في القرون الوسطى. فما يجري من استغلال للقوى العاملة عبر يوم العمل الطويل وأجور الكفاف تستدعي منا ومن المثقفين الكرد فضحها والنضال بلا هوادة لوقفها وتحريمها. العدو ليس في بغداد أخوتنا الكرد، بل في الطبقة الجديدة الصاعدة التي أثرت على حساب الكادحين عبر السمسرة غير المشروعة في مبيعات النفط وعقود النفط والأراضي الزراعية دون ضوابط قانونية تحمي الصالح العام بينما تضيق الأرض بكادحي الريف.

نداء المثقفين الكرد حذر بطرف خفي من الحكومة الاتحادية دون اشارة ولو بكلمة واحدة الى التهديد الذي تشكله داعش على العراق بما فيه الكرد. مثل تلك الدعوات هي آخر السيئات التي نتلقاها من أخوتنا القوميين الكرد. وبالمناسبة فان تطرف القوى القومية المتمثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني كان سمة دائمة في نشاطهم السياسي والمهني فلم يستجيبوا لوحدة النضال الوطني العراقي الا نادرا منذ قيام الحزب نهاية أربعينيات القرن الماضي. وسجل منتسبيه حافل بمخالفة الاجماع الوطني في أهم الانعطافات الوطنية وكان ذلك واضحا بدورهم في مؤامرة انقلاب الثامن من شباط المشئوم عام 1963.

الايهام بوجود عنصريين وفاشست هو تجنى على الواقع، فلا يوجد بين الاحزاب الحاكمة في بغداد حزبا فاشيا أو عنصريا واحدا بل أحزابا دينية طائفية لكنها تتسم بالاعتدال والتسامح ومناصرة للعمل المشترك والتعاون مع القوى الكردية على أسس التفاهم المشترك. لكن هذا لا ينفي وجود سياسيين افرادا دفعهم الفساد الى الواجهة لكنهم لا يشكلون اي وزن سياسي وطني وليس لهم اي دور مؤثر في العملية السياسية. ومن الخطأ المروُع تصوير العرب كعنصريين وفاشست متناسين النضال المشترك مع القوى التقدمية العربية خلال عشرات السنين الماضية ضد الديكتاتورية الصدامية.

لقد تزامن الاعلان عن الاستيلاء على كركوك مع استيلاء داعش على الموصل ومناطق أخرى وكذلك مع استكمال بناء انبوب نقل النفط من كركوك الى ميناء جيهان التركي للمباشرة بتصديره الى اسرائيل وغيرها من الدول. حكومة اقليم كردستان تتعامل مع ثروتنا النفطية المشتركة كثروة منهوبة. حيث قامت وزارة نفط الاقليم بشخص وزيرها أشتي هاورامي بتوقيع عشرات العقود مع الشركات الاجنبية في السنين الماضية في سباق مع الزمن وفق عقود أكثرها تقوم على نظام الامتياز الاستعمارية التي تمنح الشركة بموجبه حق ملكية الثروة النفطية تتصرف بها كما تشاء خلال فترة العقد التي قد تصل الى مئة عام.

لقد حاولت الحكومة العراقية الأولى أثناء الاحتلال الأمريكي لبلادنا بقيادة أياد علاوي اعادة الحياة لتلك العقود وروج لها دفاعا عن شركات النفط وزيره للتخطيط حينها مهدي الحافظ بمحاضرات مدفوعة الثمن ألقاها في نادي العلوية لكن الوقت أدرك الاثنين فلم يتم لهما انجاز المهمة غير المشرفة. وخلال الولاية الأولى لنوري المالكي قدم الأمريكيون مسودة قانون للنفط يرسخ النموذج الاستغلالي نفسه الذي ساد ابان العهد الاستعماري لكنه لم يلقى الموافقة في مجلس النواب بسبب الحملة الاعلامية المضادة التي كشفت عيوبه وأخطاره البعيدة المدى على الثروة النفطية في العراق. ويشرف كاتب هذه السطور مشاركته المكثفة والواسعة في تعرية ونقد بنود مسودتي القانون الأولى والثانية والدعوة الى رفضهما جملة وتفصيلا حتى اضطر وزير النفط حينها الدكتور الشهرستاني الى اعداد صيغة جديدة تعتمد عقود الخدمة التي تبقي الثروة النفطية ملكا حصريا للشعب العراقي.

إيهام الكرد بوجود عدو لهم في بغداد لا وجود له في الواقع انما هو خدمة مجانية عظيمة لقوى الارهاب الممثلة بداعش التي يجب أن نتوحد جميعنا لدحر فلولها وتطهير العراق من فكرها المتخلف وممارساتها الاجرامية. انه ليس غير سوء حظ العراقيين أن تنجح قوى الشر في تأجيج الخلاف بين الأشقاء العرب والأكراد في وقت ما نزال نكافح حربا طائفية يراد اشعال فتيلها عاجلا لا آجلا. الظرف الدقيق الذي نمر به حاليا يحتم علينا الوقوف معا عربا وكردا وتركمانا ومكونات شعبنا الأخرى لدحر بهائم الظلامية من داعش ومثيلاتها واعادة المدن والقرى الى مواطنيها وتقديم المساعدات المجزية لهم ليتجاوزا هول الكارثة التي حلت بهم.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تموز/2014 - 27/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م