قيم التقدم: الإيثار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الإيثار قيمة مهمة من القيم التي تساعد المجتمع على التطور والمضي قُدُما نحو أمام، وتعني هذه القيمة حالة من نكران الذات مترسخة في شخصية الإنسان، واستعداد دائم للتضحية من أجل الآخر، تقابلها وتقف بالضد منها قيمة متخلفة، هي حب الذات وتمجيدها، إذ يتم تفضيل الذات على الآخر في جميع الحالات.

يحدث هذا عندما تستأثِر مجموعة أو حزب أو فرد بالسلطة مثلا، أو تستحوذ على حقوق الافراد والجماعات، بعيدا عن الضوابط والاعراف وحتى القوانين، بمعنى يحدث في هذه الحالة، تجاوز واضح على حقوق الآخرين في حالة الاستئثار، على العكس تماما من حالة الإيثار التي تجعل الفرد حريصا على حقوق الآخرين، مثلما هو حريص على حقوقه، أو بالدرجة نفسها إن لم يفضل الاخرين على نفسه.

إذاً فالإيثار أو التضحية من اجل الآخرين، كانت ولا تزال تمثل قيمة عليا من قيم التقدم، وقد استطاعت أن تنقل مجتمعات عديدة من حال الى حال، وغيرت واقعها نحو الافضل، لسبب بسيط، ان جميع الافراد والمكونات الاخرى يعرفون واجباتهم وحقوقهم، والجميع لا يفضلون أنفسهم على بعضهم، لذلك تسود حالة من الاطمئنان والاستقرار بين افراد المجتمع ومكوناته كافة.

على العكس مما يحدث في حالة الاستحواذ، حيث تختفي قيمة الايثار، وتسود قيمة بديلة لها، ومضادة لمفهومها وتأثيرها، هي قيمة الاستئثار المتخلقة، حيث تنتشر حالة من الاستحواذ في عموم مفاصل المجتمع، لاسيما الرسمية منها، كالمؤسسات والدوائر الانتاجية المختلفة، وسنلاحظ أن الجميع يلهثون نحو مصالحهم ومنافعهم، بغض النظر عما سيلحقه هذا اللهاث المحموم، من أذى ومخاطر وتجاوزات على حقوق الآخرين، ففي حالة الاستحواذ تموت قيمة الايثار، ويتوقف مفعولها، وتسود حالة الحرص الأعمى على المنافع الآنية، مقابل التفريط بالمصالح الحيوية بعيدة المدى.

في حالة كهذه، أي عندما يهرع الجميع نحو منافعه، من دون مراعاة لقوانين وشرع وتقاليد واعراف، عند ذاك سوف تسود في المجتمع، حالة الخوف واللاإستقرار، وغياب الاطمئنان، فضلا عن حالة الضعف التي سيعاني منها القانون، وتسيطر المحسوبية والرشا وما شابه من أساليب مدمرة لمنظومة القيم الايجابية، ويسود مفهوم (الشطارة) على حساب الحق، كما انتشر هذا السلوك في النسيج المجتمعي بالعراق، فقد اصبحت التضحية في خبر كان، وقلما نجد من يؤمن بها، بل حتى الحديث عنها بات امرا خاضعا لسخرية البعض، في مقابل ذلك سادت قيم غريبة مستهجنة، منها وأكثرها خطرا (تفضيل النفس) في جميع الحالات!!.

في حين أن جميع الوقائع والتجارب في العالم المتطور، أثبتت أن المجتمع (أي مجتمع كان) لا يمكن أن ينضم الى الركب المتقدم في العالم، ما لم يعتمد قيمة (نكران الذات/ التضحية/ الإيثار)، في منهجه الحياتي التفصيلي، بمعنى لابد ان ينتهج الجميع، هذه القيمة المتقدمة، لنقل المجتمع الى حالة افضل، ولابد أن يسلك الفرد والجماعة بصورة طوعية طريق الايثار والتضحية من اجل الاخرين، لأن التمسك بهذه القيمة، سوف ينعكس بقوة على القيم التقدمية الاخرى، التي  ستدفع الدولة والمجتمع الى امام بصورة دائمة، لأن تداخل القيم المتقدمة مع بعضها، سوف يُساعد بقوة و وضوح على تطوير الفرد والجماعة في وقت واحد.

لذلك اذا ارادت الدولة، وقادة المجتمع من النخب المتنوعة، أن تصل الى مصاف الدول والمجتمعات المتطورة، فعليهم تعميق حالات التضحية، من اجل الاخرين، بين الجميع، وجعلها قيمة سائدة، ولابد من نشر قيمة الايثار في المكونات المجتمعية كافة، والعمل المبرمج والمخطط له، للشروع بغرس هذه القيمة في نفس الطفل اولا، وتطويرها في المراحل العمرية اللاحقة، في المدرسة والجامعة ومحيط العمل، حتى تصبح سلوكا مجتمعيا عاما، يقوم به الفرد بصورة آلية. ولعل الوصول الى هذا الهدف بالمستوى المطلوب، يستدعي جهودا كبيرة ومستمرة، يشترك فيها الجميع، من دون استثناء، لكي يتحول المجتمع من قيمة الاستئثار والاستحواذ، الى قيمة الايثار والتضحية، وهو لا يقع في دائرة المستحيل اذا توافرت الارادة والاصرار والتخطيط الامثل والسعي بجدة نحو هذا الهدف الكبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تموز/2014 - 24/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م