ليبيا والمستنقع الدموي للدولة الفاشلة

 

شبكة النبأ: ليبيا التي تعيش ظروف سيئة بعد ان سيطرت الميليشيات والمتطرفين الإسلاميين، من الذين شاركوا في القتال واسقاط نظام القذافي، على موانئ تصدير النفط والترسانة العسكرية للجيش القذافي، إضافة الى مناطق واسعة من ليبيا ومطالبتها بالحكم الذاتي، وقد ولدت هذه الاحداث المزيد من الصراع بين هذه الميليشيات المتناحرة من اجل السلطة والمال، فيما تحارب أخرى من اجل تطبيق أفكارهم الإسلامية المتشددة والقريبة من فكر القاعدة.

وحاولت السلطات حتى الان السيطرة على مقاتلي الميليشيات من خلال اضافتهم الى جدول العاملين بالحكومة لكن بعد عدة أشهر من الاحتجاجات حول حقول النفط والموانئ تراجعت ايرادات الحكومة مع تصاعد المشاكل الاقتصادية، وساعد حلف شمال الاطلسي المقاتلين في الاطاحة بالقذافي لكن الحلف لم يتدخل للقضاء على الفوضى التي أعقبت ذلك رغم اقتراحات ليبية بأن ليبيا تبحث السبل التي يمكن من خلالها لقوات أجنبية المساعدة، وقال كيري في مؤتمر صحفي بعد محادثات في فيينا بشأن البرنامج النووي الايراني "نشعر بقلق بالغ بشأن مستوى العنف في ليبيا"، واضاف كيري "إنه خطير ويجب ان يتوقف، ونحن نعمل بجدية شديدة من خلال مبعوثين خاصين لإيجاد الترابط السياسي، الذي يمكن ان يجمع الناس معا لخلق قدرة أكبر في حكومة ليبيا حتي يمكن ان ينتهي هذا العنف". بحسب رويترز.

لكن حتى اللحظة فان جميع الجهود الدولية والإقليمية لمنع انهيار الدولة ومؤسساتها في ليبية باءت بالفشل، كما ان تصاعد اعمال العنف الأخيرة اكدت ان الحكومة والقوات الموالية لها لم تستطع منع المزيد من الانزلاقات الليبية في مستنقع الصراعات الدامية، التي اضرت كثيرا بالمدنيين الليبيين المقسمين بين العنف والفشل الحكومي والولاء العشائري والقتال المسلح بين ميليشيات مختلفة الانتماءات والولاءات. 

العنف والتزام الولايات المتحدة

فقد دعا وزير الخارجية الامريكية جون كيري الى وضع حد لمستويات العنف "الخطيرة" في ليبيا بعد ان أغلقت اشتباكات الميليشيات في طرابلس المطار الرئيسي في البلاد ودمرت معظم الطائرات الرابضة هناك ودفعت الامم المتحدة الى سحب موظفيها من ليبيا، وقتل ما لا يقل عن 15 شخصا في بعض من أسوأ الاشتباكات في العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي في شرق البلاد، وقال مسؤول ليبي إن عدة صواريخ جراد سقطت على مطار طرابلس الدولي مما ألحق اضرارا ببرج المراقبة، وبينما تلاقي الحكومة الجديدة صعوبات خلال سعيها لفرض النظام منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي تنزلق ليبيا الى هاوية الفوضى حيث تتقاتل كتائب المعارضين السابقين والميليشيات على النفوذ السياسي والاقتصادي.

وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما في ذلك الوقت "ستجيئ أيام صعبة، لكن الولايات المتحدة ملتزمة هي والمجتمع الدولي تجاه الشعب الليبي"، واليوم يهيمن على ليبيا رجال قبائل مسلحون واسلاميون ساعدوا في الاطاحة بالقذافي لكنهم يتحدون الآن سلطة الدولة، ويقول مسؤولون أمريكيون إن الأسلحة المنهوبة من ترسانات القذافي انتهى بها الحال إلى مناطق أخرى من الشرق الاوسط ووصل بعضها إلى سوريا حيث يحتمل سقوطها في أيدي مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق والشام التي استولت على مساحات كبيرة من شمال العراق وغربه، وقال مسؤول أمريكي آخر "منذ انهيار نظام القذافي عام 2011 ظهرت أسلحة من المخزونات الليبية في عدد من مناطق الصراع من بينها سوريا". بحسب رويترز.

في واشنطن تعطلت عملية رسم السياسة الامريكية بفعل المشاحنات السياسية بسبب هجوم 11 سبتمبر ايلول عام 2012 على موقع دبلوماسي أمريكي في بنغازي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي وحول ليبيا وبنغازي ثاني أكبر مدنها إلى مصطلحات يستخدمها الجمهوريون للإشارة إلى أخطاء إدارة أوباما، وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه إنه بسبب إمساك كل من البيت الأبيض والكونجرس "بخناق الآخر في هذا الموضوع فقد أصاب ذلك بالشلل التام الجهود داخل الحكومة (الامريكية) للتوصل إلى توافق بشأن ما ينبغي عمله.

وأحد الأساليب التي تم تجريبها مؤخرا هو ايفاد مبعوثين من بينهم البريطاني جوناثان بأول والدبلوماسي الامريكي المخضرم ديفيد ساترفيلد لمحاولة دفع الفصائل الليبية نحو توافق سياسي، والمؤشرات كثيرة على توقف النظام السياسي عن العمل في ليبيا منذ الحرب الأهلية التي أدت إلى سقوط القذافي.

وخفضت واشنطن في هدوء عدد موظفيها الدبلوماسيين المحدود في طرابلس وحثت المواطنين الامريكيين على مغادرة البلاد، وما من شيء يمكن أن يضمن تغير الحال في ليبيا في حالة استخدام أعداد كبيرة من القوات الغربية وأموال الغرب، وقال مسؤول أمريكي إن من غير الواضح هل كان من الممكن أن تساعد الولايات المتحدة في تغير الوضع على نحو أفضل بعد حكم القذافي الذي استمر 42 عاما، وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مخولا سلطة الحديث لوسائل الاعلام "هذا الانتقال كان صعبا ومؤلما، لكن هل توجد حرب أهلية اليوم؟ الوضع ليس مثل سوريا".

وفي العام الماضي التزمت الولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا وتركيا بتدريب ما يصل إلى 20 ألف جندي من قوة الأغراض العامة لكن التدريب الأمريكي الذي سيتم في بلغاريا لم يبدأ بعد، ويقول مسؤولون أمريكيون إن التمويل جزء من المشكلة، فليبيا لم تسلم الجانب الأكبر من المدفوعات التي وعدت بها للولايات المتحدة مقابل التدريب الذي قد تصل كلفته إلى 600 مليون دولار، وقال مسؤول أمريكي إن مشروع تدريب القوات الليبية "ضحية عدم الاستقرار"، وقال مسؤولون إن ليبيا لم تحدد قوائم الرجال الذين سيتم تدريبهم من خلال عملية فحص دقيقة.

كما عرقل انزلاق ليبيا إلى حالة من الفوضى الأمنية مساعي أمريكية أخرى للمساهمة في تعزيز قدرات ليبيا، فقد تعطلت محاولة لتدريب القوات في ليبيا بقيادة أمريكية في أغسطس اب الماضي عندما أغار متشددون على قاعدة للتدريب قرب طرابلس ونهبوا أسلحة وعربات ومعدات أخرى، وقال مسؤول بوزارة الدفاع الامريكية إن الإدارة الامريكية تعمل الآن بهدوء على إطلاق برنامج جديد لتدريب قوات ليبية خاصة بالإضافة إلى وحدات معاونة ومسؤولي الأمن الحدودي وتزويدهم بالمعدات، والأعداد التي سيتم تدريبها صغيرة وسيتم التدريب خارج ليبيا بسبب المخاوف الأمنية، ويعد هذا التدريب إضافة متواضعة إلى برنامج للمساعدات العامة يمثل جزءا صغيرا مما أنفقته واشنطن في العراق وأفغانستان.

ففي السنة المالية التي تنتهي في 30 سبتمبر ايلول قدرت المساعدات الامريكية لليبيا بستة ملايين دولار، وعلى النقيض بلغ إنفاق وكالة المساعدات الامريكية وحده 3.5 مليار دولار سنويا في ذروة التدخل الامريكي في أفغانستان، وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه "بذلنا ما شعرنا أن بوسعنا أن نبذله في إطار ما نملك من موارد، وفي النهاية هي عملية ليبية، ونحن فقط في موقف تقديم النصح فالبلد بلدهم".

واشتبكت ميليشيات في طرابلس مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل وإغلاق المطار الرئيسي ومركز المراقبة الجوية ووقف الرحلات الجوية الدولية، وكانت هذه أسوأ اشتباكات تشهدها العاصمة منذ ستة أشهر، وقالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إن إغلاق مطار طرابلس الدولي والوضع الأمني المتدهور يجعل من المستحيل عليها انجاز عملها، وأغلق مطار طرابلس ومطار مدينة مصراتة، ومطار بنغازي مغلق منذ شهرين وبهذا لا يتبقى سوى مطارين صغيرين يربطان ليبيا بالعالم الخارجي اضافة الى طريق بري عن طريق تونس، وقال سكان طرابلس ان صواريخ جراد سقطت في محيط المطار، وسمع في المطار دوي نيران أسلحة مضادة للطائرات وأسلحة ثقيلة أخرى.

طلب مساعدة دولية

من جهتها ألمحت الحكومة الليبية لاحتمال طلب المساعدة الدولية لتوفير للحماية للشعب الليبي والمرافق الحيوية في البلاد، في أعقاب التصعيد المفاجئ بالهجوم على مطار طرابلس الدولي، وأصيب الليبيون بصدمة بالغة بعد تعرض المطار لأضرار بالغة اثر يومين من القتال بين الميليشيات المتناحرة، وما زال البرلمان تحت يد ميليشيات الزنتان التي تسيطر عليه منذ الاطاحة بالعقيد معمر القذافي، وفشلت الحكومة الليبية في نزع سلاح الجماعات المسلحة التي شاركت في انتفاضة عام 2011. بحسب بي بي سي.

وقالت الحكومة الليبية في بيان رسمي إنها "تتباحث مع المجتمع الدولي في أمر التأكد من حماية الأرواح والمرافق الحيوية لليبيا من الدمار والتخريب"، وقال البيان، الذي نشر على موقع الحكومة الرسمي على الإنترنت إنها "عقدت عدة مشاورات عاجلة".

وقال أحمد الأمين المتحدث باسم الحكومة الليبية إن قصف مطار طرابلس دمر 90 بالمئة من الطائرات الرابضة هناك، وقال للصحفيين إن الحكومة درست "إمكانية استقدام قوات دولية لتعزيز الأمن"، وأضاف أن "ذلك سيعطي الحكومة الوقت لإعادة بناء الدولة والمؤسسات"، وحاولت ميليشيات، من بينها "غرفة عمليات ثوار ليبيا" الاسلامية، السيطرة على المطار من ميليشيا الزنتان، ومن المعتقد إن الميليشيتين تتلقيان تمويلا من الحكومة، ولم يتضح بعد مدى الأضرار التي تعرض لها المطار، ولكن البعض يقولون إن الأمر قد يستغرق شهورا قبل إعادة افتتاحه.

وتقول جواد إن الليبيين اعتادوا على الصدمات، ولكن الهجمات الاخيرة على المطار أصابتهم بصدمة كبيرة، وترى أن الليبيين لم يكونوا ليعتقدوا أن المليشيات ستتمادى لدرجة امطار المطار والمنطقة المحيطة به بصواريخ غراد، وتضيف جواد أن السكان المجاورين للمطار يشعرون بالفزع، وأن الذين لديهم فرصة الذهاب إلى مناطق أكثر أمانا قاموا بذلك، ولكن أغلبهم لا يستطيعون المغادرة.

نقل البرلمان الى بنغازي

الى ذلك أشارت السلطات الليبية الى أنها ستمضي في خطط لنقل البرلمان الى مدينة بنغازي في شرق البلاد على الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية هناك، وتأتي خطة نقل مجلس النواب المنتخب حديثا من العاصمة طرابلس الى ثاني أكبر مدينة ليبية في إطار الجهود لإعادة بناء سلطة الدولة في الشرق الذي يحتاج الى التنمية بعد أن أهملته الحكومة الليبية لعقود، وقال وزير العدل صالح المرغني إن الحكومة قررت تخصيص 25 مليون دينار ليبي (20.83 مليون دولار) لنقل المجلس الذي انتخب الشهر الماضي في انتخابات شهدت أعمال عنف ونسبة إقبال ضعيفة، وأضاف للصحفيين أنه ليس هناك ما يمنع وجود السلطة التشريعية في هذه المدينة معبرا عن أمله في توفير مزيد من التمويل للمساعدة في تحويل بنغازي الى مقر دائم للمجلس.

وتساءل دبلوماسيون وبعض النواب من البرلمان السابق كيف يعتزم المجلس الانعقاد في مدينة لا تتمتع فيها القوات الحكومية بنفوذ يذكر، وتدهور الوضع الأمني منذ أعلن لواء منشق بالجيش حربا على الإسلاميين المتشددين في مايو ايار لتتحول أجزاء من بنغازي الى ساحات معارك حتى في شهر رمضان، وقال المرغني بعد محادثات مع نواب ومسؤولي أمن محليين إن قوات الأمن ستضع خطة لحماية المجلس في بنغازي، وسيقيم النواب من خارج بنغازي في فندق تبستي الذي سيكون مقر المجلس أيضا، ويواجه الفندق صعوبة في جذب الزائرين منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. بحسب رويترز.

ولدى سؤاله عن أمن المبنى الموجود في وسط المدينة قال النائب امل بايو الذي حضر الاجتماع إن النواب يأملون أن يحمي أهالي بنغازي المجلس مثلما حموا المجلس الوطني الانتقالي خلال الانتفاضة على القذافي، ومن المتوقع ظهور نتائج الانتخابات التي جرت في يونيو حزيران في 20 يوليو تموز لكن أقل من نصف الليبيين الذين يحق لهم الانتخاب أدلوا بأصواتهم فيها وهي نسبة إقبال مخيبة للآمال تعبر عن الإحباط من حالة الفوضى التي تسود ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تموز/2014 - 23/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م