ثقافتنا في رمضان

شبكة النبأ: شهر رمضان يحمل معه تفاصيله وسماته الخاصة التي تميزه عن أشهر السنة المتبقية، كل الشهور الأخرى متشابهة تقريبا، ليس لها أجواء تميزها عن غيرها، ولكن هذا الشهر الكريم، له طقوس وفعاليات متنوعة، معظمها يجري بعد الإفطار، فالسمة الغالبة لهذا الشهر، تتمثل برغبة الناس بالتجمع، في أماكن العبادة والمراقد المطهّرة، وايضا بالحضور في الأندية والصالونات الثقافية الرسمية والأهلية على حد سواء، بمعنى هناك توجّه جماعي لاستثمار هذا الشهر في زيادة الوعي الجمعي، ثقافيا ودينيا وسياسيا، وفي جميع المجالات الاخرى للحياة.

فهناك الكثير من رجالات الثقافة، لديهم صالونات، يقدمون فيها برامج ثقافية متعددة الاهداف والمضامين، وفي الوقت نفسه، تنشط الاتحادات والمنظمات والاندية الثقافية التابعة للحكومة، وتقدم هذه الأروقة المعنية بالثقافة أمسيات ما بعد الافطار، تُعنى بتثقيف المجتمع ومضاعفة وعيه وفهمه لما يدور حوله من تطورات متسارعة، في الجانب الثقافي وسواه.

هذه الصورة الثقافية، هي التي يجب أن نعيشها في شهر رمضان المبارك، ولكن في حقيقة الأمر هذه الصورة لم تكتمل كما ينبغي لها أن تكون، بمعنى عناك نوع من الضمور والتلكّؤ في قيام الصالونات والمنظمات الثقافية بدورها التثقيفي، بل هناك جهد شبه معدوم، للأنشطة الثقافية الأهلية، وتغيب المبادرات التي كانت تتبناها في مثل هذا الشهر، شخصيات تُعنى بالثقافة، لأسباب ربما يعزوها البعض الى حالات أمنية تلقي بظلالها على حركة الناس ونشاطهم المتنوع في هذا المجال أو ذاك.

وربما تكون الاحترازات الأمنية عاملا معوقا لإقامة النشاطات الثقافية، ولكن لا ينبغي أن تنعدم الفعاليات الثقافية او تشحّ، لأننا نعيش هذا الشهر الكريم وأجواءه مرة واحدة أو شهرا واحدا في السنة، هناك فعاليات تقيمها بعض المنظمات، مثل منظمة رؤية للتنمية البشرية، وكذلك مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، التي تعقد (مطبخا) اسبوعيا للافكار، وربما كان هناك دور لنادي الكتاب في تقديم محاضرات تاريخية ثقافية، او ملتقى الرافدين وقصر الثقافة والفنون، في تقديم بعض الأمسيات الثقافية.

وهناك  حضور في اماكن العبادة والاستماع الى المحاضرات الدينية والثقافية، وهو أمر متعارف عليه ومتواصل، لكن ما نعنيه هنا دور الاتحادات والصالونات والمجالس الادبية التي كانت تعقد بشكل يومي بعد الافطار، لماذا غابت هذه المجالس؟ ولماذا لم نشهد تفعيلا لتلك المجالس الادبية الثقافية في هذا الشهر الذي يحث ويساعد باجوائه، على عقد واقامة الانشطة الثقافية.

كذلك لماذا تغيب المبادرات الثقافية الفردية على غير المتعارف والمعتاد، بمعنى أوضح، حتى في الاحياء والمناطق الشعبية، كانت تعقد ندوات ثقافية للتوعية بمبادرات افراد يحرصون على التثقيف الجمعي، لماذا غابت هذه المبادرات؟؟ هذه الاسئلة التي نطرحها الآن تشكل هاجسا لكثير من المعنيين بالثقافة، لذلك لابد من البحث عن الاسباب الحقيقية التي تحد من تواصل الانشطة الثقافية المتنوعة في هذا الشهر الكريم، وهو الشهر الذي تتفتح فيه عقول الناس واذهانهم، وتتحرك قرائحهم نحو الثقافة والوعي بصورة جماعية.

لماذا تضعف او تغيب مثل هذه الفعاليات في هذا الشهر الكريم، الذي يشجع الجميع، الرسميين والأهليين، على إدامة الثقافة وتطوير الوعي؟.

بطبيعة الحال، لا توجد مغالاة في طرح هذه التساؤلات، لأن واقع الحال يشير الى هذا التلكؤ، وعلينا جميعا، وأعني بذلك من يهمهم أمر الثقافة والوعي الجمعي، علينا البحث عن الاسباب والمشكلات التي تعيق اقامة الانشطة الثقافية المختلفة في الصالونات والبيوتات والاندية المعنية بتفعيل الثقافة وتطويرها، لذلك علينا إعادة النظر في هذا الامر، والتحلي بالارادة والاصرار على القيام بدورنا الثقافي، والاستفادة من شهر رمضان المبارك واجوائه لتحقيق هذا الهدف.

ربما توجد مشكلات جدية تقف في طريق المعنيين بالثقافة وتطوير الوعي، ولكن لابد من وضع التصورات الواقعة والخطوات العملية المناسبة التي تكفل استمرارية التثقيف والتوعية في هذا الشهر، نظرا لسهولة الحصول على اكبر عدد من الافراد، وعندما يتوفر الجمهور، ونحصل على اكبر عدد من الناس، وهو امر يحبذه الناس لاسيما بعد الافطار، فإننا نضمن الركن الأهم من تحقيق الرؤية الثقافية المطلوبة.

وهكذا نحن بحاجة فعلية الى اجواء هذا الشهر المبارك، خاصة أننا مطالبون بزيادة الوعي، والتعرف بوضوح لما يدور حولنا، من خلال تعميق الوعي، وردم الفجوات التي يقيمها الجهل بين العقول وبين الثقافة والعلم، وهو هدف لا يمكن تحقيقه، من دون تعاون مشترك بين المثقفين المعنيين بهذا الامر والجهات الاخرى، شخصيات أو منظمات، تهتم بصورة جدية بتثقيف الملأ الأوسع من الناس وزيادة وعيهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تموز/2014 - 23/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م