إنقاذ تركمان العراق: فوزٌ على ثلاث جبهات

مايكل نايتس

 

لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يدير دفة المبادرات في المعركة التي يشنها للسيطرة على العراق في إطار سعيه لإقامة الخلافة الإسلامية في الأراضي العراقية والسورية الخاضعة لسيطرته. وإزاء هذا الوضع، يتعين على بغداد وحلفائها أن يضعوا بسرعة حداً لاندفاع هذا التنظيم ويوقفوا تضخم صورته، وهذا أمرٌ يسعهم تحقيقه بنصرٍ كبير إذا ما تعاون أكبر عدد ممكن من الحلفاء ليبرهنوا أن قوى المنطقة بأسرها تتآزر فيما بينها من خلال انضمامها إلى ركب المسيرة ضد «الدولة الإسلامية».

ولعل التدخل العسكري الأمريكي في الأزمة الأمنية في العراق بات وشيكاً فيما يسير سياسيو بغداد بخطىً حذرة نحو تشكيل حكومة أكثر شمولاً بقيادة رئيس وزراء جديد وفيما ينقل فريق التقييم الأمريكي اكتشافاته الأولية حول وضع القوى الأمنية العراقية. وقد تتمثل الخطوة التالية للمخططين الأمريكيين بمساعدة السلطات العراقية على إطلاق حملة سياسية عسكرية تتيح للقوى الأمنية الوقوف على قدميها من جديد واستمالة العشائر والمقاتلين السنة المترددين إلى الحكومة في المعركة ضد «الدولة الإسلامية»، مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة كانت تدعو نفسها حتى الآونة الأخيرة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»). ومن الممكن أن يكون قلب الموازين رهناً بعاملين هما:

إحراز انتصار واضح: تحتاج القوى الأمنية العراقية المشتتة إلى إحراز انتصار باهر لربما يكون ضيق النطاق ولكن يحظى بتغطية إعلامية واسعة. ويجب أن تكون العملية العسكرية متواضعة نسبياً بهدف زيادة فرص النجاح إلى أقصى حد وإعادة ثقة القوى الأمنية بنفسها والإطاحة بوهم قوة «داعش/الدولة الإسلامية» التي لا تقهر.

ترسيخ التوافق الوطني والدولي: من المفضّل أن تركز القوى الأمنية العراقية وشركاؤها الدوليين جهودها الأولية على ساحة معركة تكون بعيدة عن النزاع الطائفي الفوضوي في بغداد وضواحيها، أي ساحة معركة تتوافق فيها مصالح مختلف عناصر التحالف الشيعية والسنية والكردية والأمريكية والتركية والإيرانية في اصطفاف واسع النطاق.

ويبدو أن التخفيف من المعاناة اليائسة للقرى التركمانية المحاصرة في قضاء طوز خورماتو - التي تقع في منتصف الطريق تقريباً بين بغداد والموصل - يستوفي كل الشروط الآنف ذكرها (انظر إلى الخريطة).

تكتل التركمان المحاصرون في العراق، تموز/يوليو 2014: المناطق الخضراء تحت سيطرة الحكومة الفدرالية؛ المناطق السوداء واقعة تحت سيطرة المتمردين؛ المناطق الصفراء تحت  سيطرة البشمركة. المنطقة الزرقاء هي تكتل التركمان في آمرلي. وتقع بغداد على مسافة 100 كيلومتر إلى الجنوب، وتكريت 60 كيلومتر إلى الغرب، وكركوك 40 كيلومتر إلى الشمال. انقر على الخريطة لرؤية المناطق بصورة أوضح.

الحصار

إن التركمان في شمالي العراق هم أقلية عرقية ناطقة باللغة التركية ويضمون شيعةً وسنةً على حد سواء. بيد أن التركمان الشيعة الذين يشكلون غالبية الجماعات الشيعية الكبيرة في الشمال ذي الأكثرية السنية يتعرضون منذ مدة طويلة للاستهداف الكثيف من قبل «داعش/الدولة الإسلامية» وسابقاتها («تنظيم القاعدة في العراق» و«دولة العراق الإسلامية»). وفي منتصف حزيران/يونيو، طرد هذا التنظيم بوحشية ما يزيد عن أربعين ألف شخص من هذه الجالية من مركز تلعفر التركماني غربي الموصل، وبعد أيام قليلة ارتكبت هذه الجماعة مذبحة بحق أربعين مدنياً في بلدة بشير التركمانية قرب كركوك، مما دفع قوات البشمركة الكردية إلى التقدم وراء مواقعها الدفاعية البحتة في المناطق الكردية من أجل مساندة الميليشيات التركمانية.

واليوم يتكرر المشهد نفسه على بعد خمسة عشر ميلاً جنوب مدينة طوز خورماتو التي يسيطر عليها الأكراد. فهناك تحاصر «الدولة الإسلامية» تكتلاً من نحو اثني عشر ألف مدني من التركمان الشيعة المدنيين في ناحية آمرلي، بعد أن كانت قد استحوذت على القرى التركمانية النائية على غرار بسطاملي وبروشلي وقره ناز ودفعت عائلات المنطقة للنزوح إلى مركز ناحية آمرلي. ويشار إلى أن مركز الناحية هذا كان قد شهد في 7 تموز/يوليو 2007 عملية تفجير هائلة نفّذها تنظيم «القاعدة» بواسطة شاحنة ضخمة مفخخة وذهب ضحيتها 159 مدنياً وجُرح أكثر من 350 آخرين. واليوم يدافع عن هذه البقعة نحو 400 متطوع مسلح من الأهالي التركمان. وقد حاول الجيش العراقي أن يشق طريقه بالسلاح صعوداً حتى وادي نهر العظيم للوصول إلى تكتل المدنيين المحاصرين إلا أن تقدمه تباطأ على مسافة عشرين ميلاً جنوبي سد العظيم. وفي الوقت نفسه، تنقل القوات الجوية العراقية الذخيرة واللوازم الطبية الحيوية وحتى حليب الأطفال إلى هذا التكتل بواسطة مروحيات غير مسلحة تتعرض لنيران قنّاصي «الدولة الإسلامية» ورشاشاتها الثقيلة. والآن بعد مرور قرابة الشهر على هذا الحصار، لقي 175 شخصاً حتفهم كما يدّعي سكان آمرلي التركمان، ويتفشى الخوف من حصول مجزرة طائفية في حال فشل الدفاع عن الناحية، ذلك أن السكان لا يملكون أي مكان متاح لهم يتراجعون إليه.

ساحة قتال مواتية

إنّ مساندة تركمان آمرلي الشيعة قد تجسد المعركة البارزة التي يحتاجها العراق في الوقت الحاضر. إذ أنّ الحكومة الاتحادية ذات القيادة الشيعية تستميت لتجنب حدوث جولة أخرى من التطهير الطائفي كتلك التي ارتُكبت في تلعفر ولم يسمح بُعدها الجغرافي بإنقاذها. ولكن يمكن تخفيف محنة آمرلي إذا ما حصل الجيش العراقي على الدعم في الوقت المناسب. فلإيران علاقاتٌ وثيقة مع المجتمعات الشيعية المحيطة بآمرلي ويمكن التعويل عليها بعدم تدخلها في مثل هذه المساعي. وبالفعل سبق أن بدأت طهران بالضغط على حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» لمحاربة «الدولة الإسلامية» على نطاق أكبر، وبالتالي فإن عملية فك الحصار عن آمرلي سوف تناسب هذا الجهد. هذا ومن المحتمل نيل دعمٍ إضافي من تركيا التي بذلت قصارى جهدها في الماضي لدعم هذا المجتمع التركماني بالتحديد حيث أرسلت طائرات الإسعاف إلى آمرلي بعد عملية التفجير التي وقعت عام 2007 وقامت بنقل الجرحى إلى تركيا.

بالإضافة إلى ذلك ينجر مقاتلو حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» في منطقة طوز خورماتو شيئاً فشيئاً إلى المعركة المحلية. فحين نجحت قوات البشمركة في إحباط محاولة تفجير سيارة مفخخة من قِبل «الدولة الإسلامية» كانت تستهدف التركمان الشيعة في طوز خورماتو في 19 حزيران/يونيو، انهال التنظيم بالقصف والاعتداءات على حاجز البشمركة المجاور لمدة أربع ساعات. كما سهّل حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» إدخال الميليشيات التركمانية إلى تجمّع آمرلي وقطع الطريق أمام شاحنات تهريب النفط التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في المنطقة. وعلى بُعد ثلاثين ميلاً إلى الجنوب الشرقي، أقدم انتحاري كازاخستاني من «الدولة الإسلامية» على تفجير حزام ناسف عند حاجز تفتيش للبشمركة في 14 تموز/يوليو مما أسفر عن مقتل اثنين من المقاتلين وإصابة خمسة آخرين - وما هذه العملية سوى واحدة من عدة هجمات نفذها التنظيم مؤخراً ضد الأكراد في منطقة جبال حمرين.

كما من المتوقع أن يقوم بعض المتمردين السنة في المنطقة بالوقوف على الحياد أو حتى بشن عملياتهم الخاصة ضد «الدولة الإسلامية» بمؤازرة الجهود التي يبذلها التحالف لتحرير آمرلي. ففي بلدة سليمان بيك المجاورة، حاولت الجماعة المسلحة «جيش رجال الطريقة النقشبندية» ذات التوجهات البعثية الجديدة، أن تنفذ أربع انتفاضات على الأقل منذ كانون الثاني/يناير 2013، ولكن في كل مرة كان مقاتلو «الدولة الإسلامية» يدخلون ويسيطرون على الساحة بعد نجاح الانتفاضة الأخيرة في حزيران. واليوم تتصارع الحركتان في حرب متدنية المستوى حيث تسعى كل منهما إلى فرض سيطرتها على منطقة جبال حمرين. وفي هذا الأسبوع وحده تم العثور على 12 مقاتلاً من «جيش رجال الطريقة النقشبندية» معدوماً على أيدي عناصر «الدولة الإسلامية» في بلدة السعدية على بُعد ستين ميلاً جنوب شرق آمرلي. وقبل أن تعزز «داعش/الدولة الإسلامية» وجودها في منطقة آمرلي في العام الماضي، كانت تربط علاقات مجتمعية جيدة بين التركمان المحليين والعرب السنة في سليمان بيك.

التداعيات على السياسة الأمريكية

كما مبين أعلاه، من شأن إنقاذ تكتّل آمرلي أن يوجه ضربة بارزة لتنظيم «الدولة الإسلامية» ويوحّد مصالح بغداد والأكراد وتركيا وإيران وواشنطن في وحدةٍ نادرة. ومع إنشاء "مركز العمليات المشتركة" الجديد في «إقليم كردستان» في شمال العراق، أصبحت الولايات المتحدة في موقعٍ يخوّلها تقديم خدمات التخطيط والتنسيق والدعم اللوجستي إلى جانب الضربات الجوية لمساندة أي عملية مشتركة في المنطقة. إذ لا تزال هناك علاقاتٌ جيدة للغاية تربط بين القوات المسلحة الأمريكية وقوات حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، كما أن العناصر الأمريكيين يتمتعون بخبرة داخلية مكثفة في العمل مع العشائر والزعماء المحليين في كلٍّ من آمرلي وسليمان بك ومدينة طوز خورماتو. ولا يفصلهم عن الجنود والمدنيين الذين شاركوا في العمليات المشتركة في الماضي سوى اتصال هاتفي واحد، ناهيك عن أن بعضهم سبق وأعرب عن استعداده لمساعدة معارفهم القدامى في آمرلي.

وباختصار، يمكن القول إنّ الكثير من أبرز الميادين الواعدة التي يمكن للولايات المتحدة التدخل فيها تتواجد ضمن ساحات المعارك في شمال وغرب العراق بعيداً عن بغداد. وفي حال تم استيفاء شروط واشنطن للتدخل العسكري، ستشكل جهود التحالف للتخفيف من معاناة التركمان في آمرلي نقطة بداية جيدة. ومن الأمثل أن تكون هذه العملية جزءاً من عدة معارك متصلة تستوفي معيار قابلية التطبيق وتخدم مصالح عدة فصائل - على أمل أن تتسع خارج حدود طوز خورماتو وكركوك وبحيرة حمرين حين يتطلع المقاتلون السنة إلى آمرلي كمثال يحتذون به فيقضون على وجود «الدولة الإسلامية» في مجتمعاتهم المحلية.

ومن الناحية العملانية، تستطيع الولايات المتحدة أن تعيد تزويد تكتل آمرلي جواً بالمساعدات الإنسانية والعسكرية مستعينةً بفعالية بالعمليات الليلية والإنزالات الجوية بطرقٍ تعجز القوات العراقية عن استخدامها. ويسعها أيضاً إجلاء الإصابات الخطرة والمدنيين الأكثر حاجة للمساعدة. بالإضافة إلى ذلك فإن القليل من الدعم الجوي بالطائرات من دون طيار التي تحلق أصلاً فوق العراق، ليساهم بشكل كبير في رفع المعنويات وزيادة فرص صمود المقاتلين في آمرلي، إلى جانب قوات عراقية وكردية تتقدم نحوهم لإغاثتهم. وفضلاً عن ذلك كله، قد تشكل هذه الضربات تذكيراً في حينه للحلفاء والأعداء معاً بالمقدرة المتعاظمة للقوة الجوية الأمريكية وباستعداد الرئيس أوباما لاستعمالها في الظروف المناسبة.

* مايكل نايتس هو زميل لافر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن.

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تموز/2014 - 22/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م