سلام عليك أميري علي

رفعت الزبيدي

 

ياعلي أنا وأنت أبوا هذه الأمة، اقرار محمدٍ النبي لعليٍ الوصي أن الأمة الاسلامية لابد لها من أب رحيم عطوف بها يهتم بمصالحها الدينية والدنيوية هذا الأب يعبر عنه بعدة مصطلحات حسب التراث الذي تركته أعظم الشخصيات في تاريخ الاسلام. من تلك المصطلحات القيادة في الأمة وقد ترك النبي الاكرم اعجابا لانظير له في كتابات المستشرقين والمفكرين وهم يكتبون بعضا مما يرونه في شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

يقول المفكر الفرنسي لامارتين "إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم لكن هذا الرجل (محمدا) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.

قيادة النبي للأمة لم تكن مبنية على اسلوب البطش والقوة مع الخصوم والمعارضين او ترغيبهم للدخول في الدين انما كان كما قال رب العزة {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ، قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ومن فلسفة القيادة ورمزيتها النبوية عند الرسول المصطفى الى مفهوم آخر للأبوة في الأمة حيث كانت رأفة النبي ورحمته مصداقا للقرآن الكريم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حتى انه استحوذ على قلوب من سمعوا كلامه وتعاملوا معه و أصبح من العسير عليهم أن يفتقدوا النبي في مرحلة الرحيل الطبيعي عن الحياة الدنيا وقد أنذرهم الله تبارك وتعالى في آيات واضحة بعدم النكوث والتراجع عن مسيرة النبي المصطفى، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ}.

 فمن خلال سيرة الهادي البشير نقرأ معالم الدعوة النبوية للأمة أن تكون بارٌةً به من خلال أهل بيته الأطهار وقد بين في كثير من المواقع منزلتهم من الٍامامة وكيف ستكون في خاتميتها المهدوية من صلب الامام الحسين الشهيد عليه السلام حتى صدح القرآن في اشارة واضحة {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.

هنا يتوقف التاريخ مدويا في جريمة النكث بالعهود والوعود والارتداد عن نهج النبي المصطفى وتعاليمه التي تضمن للأمة عدم السقوط والتفسخ وعودة الجاهلية في أبشع صورها. كانت القضية مجرد سلطة وامارة تعيد في الأذهان زعامات قبلية في مكة قبل الاسلام وقد أحياها الخط الاموي بعد أن وجد الظروف مواتية بعد انحراف من تزينت الدنيا في نظرهم وعزلوا صاحب الحق الشرعي في الامامة والقيادة باعتباره كنفس النبي المصطفى (ياعلي انا وانت أبوا هذه الأمة) وفي هذا المقام يقول امير المؤمنين علي عليه السلام:

(أما والله لقد تقمَّصها فلان، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذاءَ أو أصبر على طخيّة عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا)، هو تراث الأبوة والقيادة الرحيمة في الأمة وعلي المترفع عن مفردات السلطة ومغرياتها كما نفهم من سيرته المباركة.

 ان الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ذكرى استشهاده يعيد الى الأذهان مفهوم القيادة الشرعية القادرة على النهوض بواقع الأمة ويقيم أهم مطالب الشعب في الحياة الحرة الكريمة من خلال العدالة وقد كانت سيرة علي المرتضى نموذجا خلاقا فريدا في مفهوم احترام حقوق الانسان وتطبيق العدل والاحسان في المجتمع. اننا لانعيد احياءا مجردا من روح المعاني الأخلاقية في ادارة الدولة والمجتمع انما نعيد التذكير لمن يعقل ويستوعب الدروس القاسية ونحن نعيش أسوء مراحل حياة الأمة الاسلامية وواقعها المنحط والممزق أن أمة تخون أمانة أبيها الرؤوف الذي عبر النبي الاكرم عن نفسه ما أوذي نبي قط كما أوذيت. فهل جزاء الاحسان الا الاحسان؟.

هذه الامة تعيش ذليلة منكسرة تنخر بها البدع والافكار المضللة لترتد عن صراط الله المستقيم ولم يكن لهذا الصراط الا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة. فنعم الامام امامي أمير المؤمنين ونحن نكتب بعضا من كلمات الوفاء وتجديد البيعة له يوم استشهاده، فسلام عليك أبا الحسنين سلام العارف بك والمقر لك بالإمامة، السلام عليك وعلى من والاك ولاية راسخة ثابتة الى أبد الآبدين ورحمة الله وبركاته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تموز/2014 - 22/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م