التجسس الأمريكي.. صدمة دولية تكشف حربا خلف الكواليس

 

شبكة النبأ: فصول فضيحة التجسس الكبيرة التي فجرها العميل الأمريكي السابق "إدوارد سنودن" بخصوص بعض العمليات المهمة التي قامت بها وكالة الأمن الوطني الأمريكي، ضد بعض الدول والشخصيات والمؤسسات والافراد داخل وخارج الولايات المتحدة، لا تزال محط اهتمام وترقب الرأي العام الامريكي والعالمي، خصوصا وان هذه الوثائق قد اثبتت تورط الاستخبارات الأمريكية في عمليات تجسس ومراقبة شملت وبشكل فعلي اكثر "35 دولة صديقة وعدوة" هذا بالإضافة الى انها شملت ايضا هواتف وحواسيب مئات الملايين من المواطنين و المسؤولين والزعماء بما فيهم اقرب حلفاء الولايات المتحدة الأميركة التي تواجه اليوم وبحسب بعض المراقبين جملة من الانتقادات التي اسهمت بخلق ازمة دبلوماسية كبيرة بينها وبين الكثير من حلفائها.

وقد اضطرت الادارة الامريكية وبسبب هذه الضغوط والفضائح الى تبرير موقفها بان برنامج التنصت سري هو أداة أساسية لمكافحة الإرهاب الهدف منه حماية الأمن القومي للولايات المتحدة.

وبحسب بعض المحللين فان الفترة القادمة ومع كشف المزيد من الوثائق الجديدة ربما ستشهد ازمة دولية خطيرة قد تدفع الادارة الأميركة الى اتخاذ خطوات خاصة لمعالجة اخطائها السابقة لكنهم اكدوا ايضا انها ستواصل العمل ببرنامجها التجسسي في سبيل جمع المعلومات.

حيث أثارت تداعيات هذه الفضيحة تساؤلات هامة وضعت أوباما في موقف محرج، أهمها كيف سيتم معالجة هذا الشرخ الكبير في مؤسسة الامن القومي الامريكي؟، ولماذا كشفت فضيحة سنودن الان وليس في وقت حدوثها؟، وعليه حيث تذكي هذه الفضيحة الجاسوسية حروب التجسس التي تتخفى بالأساليب الملتوية والمبهمة، مما يمهد لعودة الحروب الباردة ويقلل فرص السلام في العالم.

وثائق سرية

وفي هذا الشأن فقد اوردت صحيفة واشنطن بوست ان وكالة الامن القومي الاميركية كانت مخولة رصد معلومات "تشمل" كل الدول في العالم باستثناء اربع فقط. واضافت الصحيفة نقلا عن وثائق سرية ان "الولايات المتحدة وقعت اتفاقات واسعة النطاق حول منع التجسس مع تلك الدول الاربع وهي بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا". الا ان "ترخيصا قانونيا سريا يعود الى العام 2010 وغيره من الوثائق تثبت ان للوكالة صلاحية اكثر مرونة مما كان معروفا مما اتاح لها ان ترصد من خلال شركات اميركية ليس فقط اتصالات لاهدافها في الخارج بل اي اتصالات حول تلك الاهداف".

والترخيص الذي حظي بموافقة المحكمة المعنية لشؤون التجسس في الخارج وكان ضمن مجموعة وثائق سربها المستشار السابق لدى الوكالة ادوارد سنودن، يقول ان 193 دولة "تشكل اهمية للاستخبارات الاميركية". كما اتاح الترخيص للوكالة جمع معلومات حول هيئات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب الصحيفة. وقال جميل جعفر مساعد المدير القانوني لدى الاتحاد الاميركي للحريات المدنية للصحيفة التي شرحت له مضمون الوثائق "هذه الوثائق تظهر مدى نطاق نشاطات التجسس التي كانت تقوم بها الحكومة والدور المتواضع الذي باتت تكتفي به المحكمة في مراقبتها".

وشدد تقرير الصحيفة على ان الوكالة لم تتجسس بالضرورة على كل الدول لكن كان لديها ترخيص للقيام بذلك. وكانت المانيا اعلنت استنكارها الشديد العام الماضي ازاء قيام وكالة الامن القومي بالتجسس على الهاتف النقال للمستشارة الالمانية انغيلا ميركل وغيرها من برامج التجسس عبر الانترنت والاتصالات الهاتفية. ويحقق البرلمان الالماني في نطاق تجسس وكالة الامن القومي وشركائها على مواطنين وسياسيين المان وفي ما كانت الاستخبارات الالمانية تعاونت معها. بحسب فرانس برس.

وشهدت علاقات واشنطن مع اوروبا بشكل عام ودول اخرى مثل البرازيل توترا منذ تسريب المعلومات رغم تطمينات الرئيس الاميركي باراك اوباما بانه يوقف التجسس على قادة الدول الصديقة. وشددت الادارة الاميركية على ان وكالة الامن القومي بحاجة الى ادوات لردع اي هجمات ارهابية ليس فقط ضد الولايات المتحدة بل ضد حلفائها ايضا. وحصل سنودن (30 عاما) المتعامل السابق مع وكالة الامن القومي الاميركية على لجوء مؤقت في روسيا في اب/اغسطس الماضي بعدما سرب الاف الوثائق التي كشفت قيام الاستخبارات الاميركية بالتجسس على نطاق واسع في الداخل والخارج.

مراقبة الاتصالات الالكترونية

الى جانب ذلك خلصت لجنة مستقلة في تقرير الى ان البرنامج الاميركي "بريزم" لمراقبة اتصالات الاجانب على الانترنت مشروع ومفيد في الحملة ضد الارهاب وذلك في ختام تحقيق اطلقته بعد المعلومات التي كشفها ادوارد سنودن في 2013. وكتبت لجنة حماية الخصوصية والحريات المدنية المؤلفة من خمسة اعضاء والتي كلفها الكونغرس والرئيس الاميركي باراك اوباما التحقيق في شرعية ودستورية عدة برامج مراقبة قامت بها وكالة الامن القومي التي كان سنودن يعمل لديها، ان "جمع المعلومات في اطار برنامج بريزم يسمح به القانون بشكل واضح".

ويتيح بريزم لمحللي وكالة الامن القومي مراقبة الاتصالات الالكترونية لاشخاص اجانب وموجودين في الخارج كما يبدو بحسب الوكالة. وبحسب وثائق ادوارد سنودن فان فيسبوك وغوغل ومايكروسوفت وابل و"ايه او ال" وسكايب وياهو كلها يشملها هذا البرنامج، لكن الشركات نفت اعطاء امكانية الاطلاع المباشر على مشغلاتها. وهذا البرنامج اعتمد بموجب المادة 702 من القانون الذي يحدد انشطة التجسس التي تقوم بها الحكومة الاميركية في الخارج واعتمد عام 2008. ويضيف الخبراء ان البرامج الواردة في المادة 702 تتوافق مع الدستور وخصوصا التعديل الرابع الذي يحمي الاميركيين من اي تفتيش مفرط.

وكتبوا في تقريرهم "تبين ان البرنامج مفيد في عمل الدولة لمكافحة الارهاب وكذلك في مجالات استخبارات اخرى" واكدوا ان اكثر من ربع تقارير وكالة الامن القومي حول الارهاب الدولي تشمل معلومات جمعت بفضل هذه البرامج. لكن اللجنة اكدت في المقابل ان "بعض جوانب البرنامج من المادة 702 تصل الى حدود ما هو مسموح به دستوريا".

وتطرق اعضاء اللجنة في هذا الاطار الى جمع اتصالات مواطنين اميركيين عرضا ووضعوا عدة توصيات لخفض حجمها. لكن الخبراء وافقوا على مجمل وسائل التجسس التي تقوم بها وكالة الامن القومي على الانترنت لا سيما جمع المعلومات مباشرة على كابلات الاتصالات التي تمر عبرها الاتصالات الالكترونية والهاتفية. وخلصت اللجنة الى القول "نعتبر ان ايا من التوصيات التي وضعنها لا تتطلب تغييرا تشريعيا". بحسب فرانس برس.

وفي كانون الثاني/يناير خلصت هذه اللجنة نفسها الى عدم شرعية برنامج جمع المعلومات الهاتفية في الولايات المتحدة، في برنامج يستهدف مباشرة الاميركيين واثار جدلا كبيرا في الولايات المتحدة، ويتوقع ان يتم الغاؤه في اطار الاصلاح الذي سيعتمده الكونغرس قريبا.

شركات التكنولوجيا

على صعيد متصل وبعد مضي عام، لا تزال شركات التكنولوجيا الأمريكية تواجه تداعيات المزاعم التي نشرها الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن في تسريباته. وأفاد مسؤولون من شركتي غوغل ومايكروسوفت الأمريكيتين بأن الضرر وقع على الشركتين على المستوى العالمي، وأن هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات لمواجهة مخاوف الرأي العام. وتسببت تلك المزاعم أيضا في زيادة مخاوف الرأي العام من الطريقة التي يعمل بها القطاع الخاص والحكومات على جمع البيانات من الأفراد واستغلالها، وهو ما يغير نظرتنا إلى مفهوم الخصوصية.

وقال ديفيد دراموند، نائب رئيس شركة غوغل ومدير شؤونها القانونية: "لقد تسببت تلك التسريبات في تقويض الثقة في شبكة الإنترنت، وجعلت الناس من خارج الولايات المتحدة متخوفين من استخدام الإنترنت ومن شركات الإنترنت الأمريكية، وذلك بطريقة خاطئة من وجهة نظرنا." وتابع: "وبالتالي، ألحق ذلك ضررا كبيرا بشركتنا." وأضاف: "نجد أن بعض عملائنا يتحدثون عن عدم رغبتهم في الاستفادة من خدمة الحوسبة السحابية التي نقدمها، وذلك لأن لديهم مخاوف تتعلق بهذا الأمر."

وكانت تقارير أولية حول برنامج "بريزم" التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكية قد أظهرت أن الشركات التكنولوجية، مثل غوغل ومايكروسوفت، دخلت في شراكة مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، وأنها تقدم معلومات لها بطرق غير قانونية، لكن الشركات نفت تلك الادعاءات. بيد أنه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، انتشر الحديث عن قيام وكالة الأمن القومي بالتسلل إلكترونيا وقرصنة مراكز البيانات في الشركات الكبرى، كشركة غوغل وغيرها، وذلك للحصول على بعض البيانات.

وحسب دراموند، تسبب ذلك في إثارة موجة كبيرة من الغضب في أوساط العملاء لدى تلك الشركات. وأكد على أن شركته كانت "تتوقع أن تعمل مع الحكومة الأمريكية وغيرها من الحكومات لحماية أمن المستخدمين، بدلا من أن يكونوا قلقين من أن تلك الحكومات تسعى للحصول على معلومات من تلك الشركات". وأكد على وجهة النظر تلك براد سميث، النائب التنفيذي لرئيس شركة مايكروسوفت والمستشار العام للشركة، وهي التي رأت في تسريبات أكتوبر/تشرين الأول 2013 نقطة تحول.

وقال سميث: "لقد عمل ذلك بالتأكيد على تغيير كل شيء، فنحن لم يعد بإمكاننا الاعتماد على فرضية أن الحكومات تسعى لتطبيق العملية القانونية الملائمة." أما على الجبهة الدولية، فتقول شركة مايكروسوفت إنها تعمل على الحد من حصول الحكومة الأمريكية على تلك البيانات. ويشير سميث إلى المعركة القضائية التي تخوضها الشركة أمام إحدى المحاكم الفيدرالية بولاية نيويورك الأمريكية، حول سعي الحكومة الأمريكية للحصول على البيانات الموجودة في مركز البيانات التابع للشركة في أيرلندا.

 وأثارت تسريبات سنودن التي تتعلق بمراقبة وكالة الأمن القومي لبيانات لمستخدمين احتجاجات واسعة. وتدفع الشركة في اتجاه التأكد من أن القانون الأمريكي لا يطبق سوى داخل حدود الولايات المتحدة، ولا يمكن استخدامه في الحصول على بيانات من دول أخرى بطرق مختلفة. وقال سميث: "نريد من الحكومة الأمريكية أن تلجأ إلى القانون الدولي بدلا من أن تلقي بالعبء على شركات التكنولوجيا في جمع البيانات عن المستخدمين من دول أخرى." وأشار سميث إلى أن هناك بشكل عام حاجة إلى إعادة التوازن بين الحكومة والقانون والسياسة حول العالم فيما يتعلق بالتكنولوجيا والرقابة والخصوصية، مع الاعتراف أيضا بأن دولا عديدة سترغب في انتهاج طرق مختلفة للحصول على معلومات المستخدمين.

وتابع سميث: "أعتقد أن التكنولوجيا تواجه مشكلة ثقة، حيث إن ما حصل خلال الأعوام الماضية دفع الناس لأن يتساءلوا عمن سيسمح له بالاطلاع على بياناتهم. إن الحكومات هي التي تسببت في هذه المشكلة، وهي التي تحتاج إلى اتخاذ خطوات حاسمة للمساعدة في حلها." ويحذر سميث من أن الشفافية في الطريقة التي تستخدم بها البيانات وحدها قد لا تكون كافية.

وأضاف قائلا: "نحن بحاجة للتأكد من أن الجماهير هي التي تتحكم في طريقة جمع البيانات، وعندما يتعلق الأمر بالحكومة فإن أداة التحكم تتمثل في القانون، أما إذا ما تعلق الأمر بالشركات فستكون أداة التحكم هي العقود سارية المفعول الموقعة بين المستخدمين والشركات." وحسب سميث، يتمثل ذلك في معناه الأوسع في كونه جزءا من إعادة تعريف مفهوم الخصوصية بعيدا عن فكرة كونها تتعلق بالأسرار التي يشترك فيها المستخدمون مع الآخرين ومدى تحكمهم في ذلك. بحسب بي بي سي.

ويعرب دراموند عن ترحيب شركته بالأفكار التي تتعلق بالتنظيم والشفافية مع العملاء، إلا أنه يؤكد على أن ذلك "يختلف تماما عن تجسس الحكومة وقيامها بجمع البيانات سرا". وكانت شركة غوغل قد أعلنت أيضا عن دفعها في اتجاه حملتها من أجل تشفير كميات أكبر من البيانات. وبعد ما تردد عن استهداف وكالة الأمن القومي لأنظمتها بالقرصنة، عملت الشركة على الإسراع بوضع خطط لتشفير أنظمتها الداخلية، وتعمل حاليا على وضع الأدوات التي من شأنها أن تسمح للمستخدم القيام بعملية التشفير لبياناته بنفسه دون أن يكون هناك وسيط بينه وبين الشركة.

اجراءات جديدة

من جانب اخر اعلن البيت الابيض تغيير الاجراءات المتبعة عند سفر الرئيس الاميركي باراك اوباما لتفادي كشف معلومات سرية "خطأ" امام صحافيين على غرار ما حصل في كابول عندما تم الكشف عن مسؤول الاستخبارات المحلي. ومن المفترض ان تظل هوية مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) سرية الا انها وردت على قائمة اعطيت الى الصحافيين المرافقين لاوباما في زيارته الخاطفة الى قاعدة باغرام العسكرية القريبة من كابول في وقت سابق.

واوضح جوش ايرنست احد المتحدثين باسم البيت الابيض ان عددا من فريقه القريب سيلتقي مسبقا مع الاشخاص الذين سيشاركون في اجتماعات اوباما وذلك قبل زيارته الى اي بلد، وهؤلاء الاشخاص سيقررون ما اذا ارادوا الكشف عن هوياتهم ام لا. واضاف ايرنست ان الفريق الاعلامي لاوباما سيحيل هذه القائمة على فريق الامن القومي التابع للرئيس.

وسيتلقى الفريق المكلف الاتصالات ورحلات البيت الابيض تدريبا اضافيا حول طريقة التعاطي مع المعلومات المتعلقة بالامن القومي. وقدم نيل ايغلستون رئيس الجهاز القضائي في البيت الابيض بهذه التوصيات وقد تم تكليفه القيام بتحقيق داخلي بعد كشف اسم مسؤول السي آي ايه في كابول. ولم تتخذ اي اجراءات تأديبية بحق اي العاملين في البيت الابيض او مسؤولين اخرين حول القضية، كما لم تتم اقالة اي منهم.

ويتم الحفاظ على سرية هوية عملاء السي آي ايه لحمايتهم وحماية اسرهم. ويعتبر الكشف عنها جريمة. وفي العام 2003، كشف مقتربون من نائب الرئيس ديك تشيني اسم فاليري بليم العاملة لدى السي آي ايه لان زوجها وهو سفير ندد علنا بتأكيدات ادارة الرئيس السابق جورج بوش بوجود اسلحة دمار شامل في العراق.

على صعيد متصل اصدرت المحكمة العليا الاميركية حكما يفرض على الشرطة الحصول على اذن قبل تفتيش الهاتف النقال لاي مشتبه به في خطوة لحماية الحريات المدنية في عصر الهواتف الذكية. ورات المحكمة ان الهواتف الذكية تستحق الحماية نفسها من "عمليات البحث والمصادرة غير المنطقية" تماما كالممتلكات الشخصية مثل المنازل، والتي ينص عليها التعديل الرابع في الدستور الاميركي.

وفي قضيتين تتعلقان باشخاص يشتبه بضلوعهما في قضايا جنائية قامت الشرطة بتفتيش هواتفهم، درست المحكمة اهمية عثور اجهزة تطبيق القانون على ادلة مهمة مقارنة مع انتهاكها للحريات المدنية التي يضمنها الدستور. وكتب كبير القضاة جون روبرتس الى المحكمة يقول ان مبادئ "الاباء المؤسسين" للولايات المتحدة لا تزال قائمة وتطبق رغم تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين. وقال ان الناس يخزنون كمية كيرة من البيانات الشخصية على هواتفهم وان "حقيقة ان التكنولوجيا الان تسمح للفرد ان يحمل مثل هذه المعلومات في يده لا تجعل من هذه المعلومات اقل استحقاقا للحماية التي دافع عنها المؤسسون".

وقالت المحكمة ان الاستثناءات لهذه القاعدة تنطبق فقط "لحماية سلامة الضباط او لحفظ الادلة". واشاد ستفين شابيرو من نقابة الحقوق المدنية الاميركية بالقرار ووصفه بانه مهم للحقوق الدستورية. وقال "ان اعتراف قرار اليوم بان الثورة الرقمية غيرت توقعاتنا بشان الخصوصية يعد ثوريا وسيساعد على حماية حقوق الخصوصية لجميع الاميركيين". واضاف "لقد دخلنا عالما جديدا ولكن وكما قالت المحكمة اليوم فان قيمنا القديمة لا تزال قائمة وتحد من قدرة الحكومة على الاطلاع على التفاصيل الحميمة لحياتنا الشخصية". بحسب فرانس برس.

وجاء قرار المحكمة بعد قضيتين احداهما تتعلق باعتقال ديفيد رالي الطالب في كاليفورنيا الذي اوقفته الشرطة اثناء قيادته سيارته واتضح ان رخصة القيادة قد انتهى سريانها. وعثرت الشرطة في سيارته على بنادق محشوة. وبعد تفتيش هاتفه الذكي وجدت ادلة تشير الى عصابة محلية وعملية اطلاق نار سابقة. وفي القضية الاخرى قامت شرطة بوسطن في 2007 بتفتيش هاتف بريما ووري ما قادهم الى شقة عثروا فيها على مخدرات واموال واسلحة. ورفضت محكمة الادلة التي تم العثور عليها على هاتفه وقالت انه تم الحصول عليها بطريقة غير دستورية.

90% من الاتصالات

في السياق ذاته خلصت صحيفة أمريكية في تحليل لها إلى أن 90 في المئة من الاتصالات التي اعترضتها وكالة الأمن القومي هي لمستخدمين عاديين للإنترنت ولم تكن أهدافا خارجية تستحق المراقبة. وقالت صحيفة الواشنطن بوست إن "أبرياء علقوا في مصيدة وكالة الأمن القومي" التي كانت منصوبة لأشخاص آخرين. وأضافت الصحيفة أن الوكالة احتفظت بالكثير من المعلومات الخاصة بالرغم من أنها لم تكن تحمل أي قيمة استخبارية.

وأوضحت الواشنطن بوست أنها اطلعت على 160 ألف رسالة إلكترونية ورسالة نصية و 7900 وثيقة نقلت من نحو 11 ألف حساب في شبكة الإنترنت. ومضت الصحيفة في القول إن تحقيقا أجرته على مدى أربعة أشهر كشف أن 9 من مجموع 10 من أصحاب الحسابات بمن فيهم العديد من الأمريكيين لم يكونوا الأهداف المطلوبة للمراقبة. وقالت الواشنطن بوست إن الكثير من المعلومات التي احتفظت بها وكالة الأمن القومي كانت "ذات طبيعة خاصة على نحو مذهل وأحيانا خاصة جدا تنطوي على معلومات تخص اختلاس النظر إلى من يمارسون الجنس أو سرد قصص تخص علاقات جنسية غير مشروعة أو أزمات صحية وعقلية واعتناق ديانة جديدة أو آراء سياسية جديدة أو هموم مالية أو خيبات أمل في الحياة.

لكن الصحيفة أضافت أن بعض الاتصالات التي اعترضتها وكالة الأمن القومي "كانت تنطوي على معلومات استخبارية قيمة". ومن ضمن المعلومات المهمة التي اكتشفتها وكالة الأمن القومي "معلومات جديدة بشأن مشروع نووي سري في الخارج وازدواجية حليف غير حقيقي في التعامل مع الولايات المتحدة، وكارثة عسكرية حلت بقوة غير صديقة وهويات متسللين إلى شبكات حاسوبية أمريكية بنية إلحاق الضرر بها". بحسب بي بي سي.

وخلصت الصحيفة إلى أنه رغم أن بعض الاتصالات تنطوي على معلومات قيمة، فإن الكثير منها ألحق أضرارا جانبية بالخصوصية على نطاق واسع بحيث أن الإدارة الأمريكية لم تكن راغبة في معالجة هذا الأمر. وكشفت التسريبات تفاصيل بشأن بيانات جمعت من ملايين المكالمات الهاتفية التي أجريت في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى من العالم. كما كشفت هذه الاتصالات أن الولايات المتحدة تجسست على مكالمات أجراها قادة دول في العالم. ويذكر أن المتعاقد السابق في وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، هو الذي سرب هذه المعلومات.

لحساب واشنطن

على صعيد متصل تعيش السلطات الالمانية حالة من القلق، فبعد صدمتها بالتجسس على هاتف المستشارة انغيلا ميركل تم اعتقال احد عملاء جهاز الاستخبارات الالماني يشتبه بتجسسه لصالح واشنطن على اللجنة البرلمانية في البوندستاغ المكلفة التحقيق في نشاطات وكالة الامن القومي الاميركية. واعتقل العميل لدى جهاز الاستخبارات الالماني، وعمره 31 عاما، وكان يشتبه اصلا بمحاولته الاتصال بالاستخبارات الروسية، ولكنه اعترف خلال التحقيقات، وفق وسائل اعلام عدة، بتقديم معلومات الى جهاز استخبارات اميركي.

واعلنت وزارة الخارجية الالمانية استدعاءها لسفير الولايات المتحدة في برلين جون ايمرسون من اجل البحث معه والطلب منه "المساهمة في الحصول على توضيح سريع" في الملف. وجاء في بيان للوزارة ان وزير الدولة للشؤون الخارجية ستيفان شتينلين استدعى ايمرسون "الى نقاش في وزارة الخارجية حول التحقيق الذي يجريه المدعي العام الفدرالي". وردا على سؤال حول هذه المسألة خلال لقاء دوري مع الصحافيين قال المتحدث باسم الحكومة الالمانية شتيفن سايبرت ان ميركل تبلغت بذلك و"الحكومة ستنتظر نتائج التحقيق. واذا تعين استخلاص العبر فاننا سنفعل لكننا لسنا بعد في تلك المرحلة (...) القضية خطيرة وهذا واضح".

وردا على تساؤلات عدة حول ما اذا تطرقت ميركل الى هذه القضية خلال محادثتها الهاتفية بالرئيس باراك اوباما اكتفى سايبرت بالقول ان المناقشة تناولت اوكرانيا رافضا اضافة اي تفاصيل. واثارت تلك القضية ردود فعل في الساحة السياسية الالمانية، وخصوصا في صفوف المعارضة التي طالبت الحكومة الائتلافية بالرد.

وقالت رئيسة كتلة الخضر في البرلمان الالماني كاترين غورينغ-ايكاردت "اذا تأكد هذا الاشتباه، فانه يعني تراجعا ملحوظا لجهاز الاستخبارات الالماني والحكومة الفدرالية". وطالبت "بمراجعة كافة عمليات التعاون مع وكالات الاستخبارات الصديقة". ومن جهته كتب رئيس كتلة حزب اليسار الراديكالي غريغور غيزي على تويتر ان "جهازا صديقا لا يحجم عن فكرة تجنيد احد عملاء جهاز الاستخبارات الالماني للتجسس على البوندستاغ". وتابع ان "اذا لم تزد ميركل والائتلاف الكبير من الضغط (على الولايات المتحدة)... فانها لا تؤدي واجبها".

الى ذلك ادان توماس اوبيرمان، رئيس كتلة الحزب الديموقراطي الاشتراكي المشارك في الائتلاف الحكومي، محاولة التعرض "لحريتنا البرلمانية". وقد توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والمانيا بعد كشف ادوارد سنودن المتعاقد مع وكالة الامن القومي الاميركية برنامج تجسس واسع استهدف هذا البلد وحتى هاتف انغيلا ميركل النقال. بحسب فرانس برس.

وتم تشكيل لجنة برلمانية في نيسان/ابريل لدراسة حدود التجسس الاميركي على المانيا وشركائها كما من اجل مراجعة دور الاستخبارات الالمانية في هذه القضية. واكد سنودن، عبر محاميه الالماني، في منتصف حزيران/يونيو انه لا يريد المثول امام ممثلين عن هذه اللجنة في موسكو. اما الشاهد الاول الذي استمعت له اللجنة فهو الاميركي وليام بيني، المسؤول السابق في وكالة الامن القومي الاميركية والذي تحول الى احد اهم نقادها، واتهمها بمحاولة انشاء نظام تجسس "ديكتاتوري". وبيني، الذي عمل لصالح الوكالة 30 عاما قبل استقالته في 2001، اكد ان الوكالة عملت بقرب مع جهاز الاستخبارات الالماني.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تموز/2014 - 20/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م