في التغيير الذاتي .. الاستفادة من دروس التاريخ

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: مما اتفق عليه العلماء والمفكرون، أن الأمم تُقاس بتاريخها وعمقها الحضاري، والشعب الذي لا تاريخ له، لا مستقبل له. فكان اهتمام الشعوب والأمم في العالم بدراسة التاريخ، لاستخلاص الدروس والعبر واستكشاف الطريق الافضل نحو المستقبل.

وفي كتابه "شهر رمضان، شهر البناء والتقدم"، يؤكد سماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- على أن "الإنسان ماضٍ وحاضر ومستقبل، ولا حاضر بدون الماضي ولا مستقبل بدون الحاضر، والتاريخ هو الماضي، وهو الوعاء الذي يخزن تجارب الامم والدول. من هنا جاءت أهمية دراسة التاريخ باعتباره دراسة لتجارب الامم و الشعوب".

وربما تكون أجواء شهر رمضان المبارك، فرصة سانحة لما تبعث في النفوس الرغبة والاندفاع لدراسة التاريخ الإسلامي، بما فيه من حوادث اجتماعية وتحولات سياسية، وسيرة للمعصومين، عليهم السلام، ثم التوصل الى الدروس والعبر من أولئك الناجحين الذين يصفهم القرآن الكريم بـ "الفئة القليلة"، وكيف تمكنوا من نشر راية الاسلام على مساحة الشرق الأوسط حالياً، وفي فترة قياسية جداً.

ومن خلال دراستنا لتاريخنا، بالإمكان التعرف على كيفية تحقيق النجاحات الباهرة التي توصل اليها علماؤنا ومفكرينا، في الحقول العلمية والمعرفية. في نفس الوقت بالامكان التعرّف – من خلال الدراسة ذاتها- الى نقاط الضعف والخلل التي تسببت في اخفاقات هنا وهناك، مما يضمن عدم الوقوع في تلكم الاخطاء، والمضي قدماً في طريق التقدم بخطوات ثابتة.

قبسات من النهج

ان القراءة السليمة والمتكاملة وغير التجزيئية للتاريخ، توصلنا الى معرفة اسرار النجاح الذي حققه الرسول الأكرم، والأئمة المعصومون، صلوات الله عليهم، في بناء المجتمع والأمة، كما تدلنا على طبيعة النهج والطريقة التي مضوا عليها رغم اختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية التي عاشوها. فعندما يتحدث سماحة الامام الراحل عن "تأثير الفكرة التي صدع بها الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، كتأثير الحجر عندما يُرمى في وسط الماء، فانه يأخذ بالتموّج ويستمر هذا التموّج بقدر حجم الحجر، وشدة الرمية..". فانه بالحقيقة يضيء لنا احدى التجارب التاريخية والحضارية، فالنبي الأكرم – يقول الامام الراحل- أوصل الاسلام الى اصقاع العالم، بالفكرة والموعظة الحسنة ولين الكلام والمنطق، وليس بالسيف والتكفير والتصفيات الجسدية، كما يحصل اليوم من قبل أدعياء الاسلام.

وهذا تحديداً يمكننا من الوصول الى الفكرة التي يصفها سماحة الامام الشيرازي بـ "الهامّة" المتعلقة بالسيرة النبوية والمنهج الذي سار عليه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، في نشر دعوته، وهي نبذ العنف والدموية والكراهية. حيث يقول سماحته: ".. وهذه فكرة هامة نستنتجها من قراءة التاريخ خصوصاً في أيام شهر رمضان، وإذا ما أردنا العودة إلى قوة الإسلام ومنعته، لابدّ وان نأخذ بأسباب القوة.. وإذا أردنا ان نخرج من دائرة الانحسار وننطلق في الميادين العمل المنتج لابدّ وان نبدأ من حيث بدأ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقد بدأ بالفكرة وليس بالسيف".

البدء من حيث انتهى الآخرون

انها مقولة نرددها كثيراً في محافلنا وأوساطنا الثقافية على سبيل الصدقية في العمل المثمر والمنتج، بيد ان القليل – للأسف- من يلتزم هذا المبدأ، لوجود الرغبة الجامحة في التجارب الفردية والسعي لتحقيق مكاسب خاصة تمثل امتيازاً وسمة لصاحبها. هذا في حال النجاح، أما الفشل – وما أكثره- فانه سيقدم لنا شريحة واسعة من المحبطين والفاشلين الذين بدأوا مشاريعهم واعمالهم من حيث بدأ الآخرون. وهذه فائدة جمّة أخرى لدراسة ومطالعة التاريخ، ويذكرنا سماحة الامام الراحل بان "الحياة ليست بتلك السعة التي يستطيع الإنسان فيها ان يكرر التجارب الفاشلة.. والعمر ليس بذلك العمر المديد بحيث يكون بمقدور الإنسان ان يعيد تجارب الماضين. من هنا كان لابدّ من الاقتداء بالآخرين الصالحين وأخذ العِبر من تجاربهم والاستفادة من نتائج أعمالهم".

وعندما نقرن دراسة التاريخ مع ايام هذا الشهر الكريم، فإننا نسلط الضوء على مسألة نفسية بامتياز، لان مجرد الاعتراف بسلامة الطريق الذي مضى عليه الماضون، حديثاً وقديماً، ثم التوقف عند النقطة التي انتهوا إليها، بحاجة الى خصوبة في النفس وليونة في القلب وصفاء في الرؤية والتفكير، وهذا لا يتوفر إلا خلال ايام وليالي شهر رمضان المبارك، حيث ينسلخ الإنسان من غرائزه ونزعاته وميوله الدنيوية، ويتوجه الى آفاق التفكير الحضاري، والبحث عن المصلحة العامة لأبناء مجتمعه وأبناء الأمة بشكل عام.

ان تاريخنا مليء بالتجارب والعبر في المجالات كافة.. هذه التجارب نلمسها بوضوح عندما نقع في مشاكل وازمات خانقة هي بالحقيقة نسخة حديثة من تجارب فاشلة وأخطاء ارتكبها الماضون، وهذا ما جعل البعض يروج لمقولة "العرب لا يقرأون التاريخ". وسواء صحت هذه المقولة أم لا، فان الفرصة متاحة في هذه الايام الشريفة لان يراجع الانسان تاريخه، لا أن يتبرأ منه وينسلخ منه نهائياً، ثم يستخرج منه الحسن والمفيد لصناعة الافكار الجديدة لحياته اليومية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تموز/2014 - 20/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م