العراق... بين تحديات الحاضر ورهانات المستقبل

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل تحدي هو بمثابة فرصة واعدة لتحقيق الانجاز والنجاح، هذا ضمن السياقات العامة لما تعارفت عليه الكثير من المجتمعات وعلى مدار تاريخها الطويل.

كل تحدي يكون عادة مصحوبا بمقومات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية، راكمتها الشعوب والمجتمعات في مسيرتها واستطاعت من خلال هذه المقومات ان تتعامل مع التحديات بجميع اشكالها والوانها، وان تفلت من حصار ايقاف حركتها او الحد منها، نحو التقدم الى الامام.

العراق حاله كحال بقية مجتمعات المعمورة، في بروز التحديات امامه وفي كل مراحله التاريخية، وهي تحديات لا تقتصر على جانب دون اخر، بل هي تتضمنها كلها.

لا نريد العودة الى عقود طويلة لاستذكار نماذج من تلك التحديات، ما يهمنا هنا كيف يتعامل العراق مع تلك التحديات، وهل استطاع ان يراكم من تجاربه السابقة في مواجهتها، ليسهل عليه التعامل مع المستجدات، وهل يستطيع العقل السياسي العراقي التعامل مع كل تحدي بصورة صحيحة؟، وماذا عن النخب الثقافية والاجتماعية هل استطاعت ان تكون حاضرة في مواجهة التحديات، ام ان تلك النخب وهي التي تستبطن الكثير من المعوقات في صلب جوهرها تؤدي الى انتاج نفس العقليات والاليات في المواجهة؟.

ما هي تصورات المستقبل القريب والبعيد من خلال عناوين متعددة يمكن اجمالها على الشكل التالي:

داعش – المالكي – استعصاء تشكيل الحكومة – دور النخب في التغيير، وعناوين اخرى.

حول تلك الاسئلة وغيرها دارت نقاشات ملتقى النبأ الاسبوعي بجلسته الرمضانية في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.

كان اول المتحدثين مرتضى معاش رئيس المؤسسة، الذي قدم تصورا عن خلفيات المرحلة الحالية، ورأى ان ما يجري في العراق هو نتيجة لصراع بارد بين محورين: الاول يضم  (امريكا – العراق – ايران – سوريا – روسيا) فيما يضم المحور الثاني (اسرائيل – السعودية – اوربا – تركيا)، وان الخسائر التي يتكبدها المحور الاول هي كما يسميها (ثمن الهيمنة الاقليمية)، والذي يجب دفعه من خلال هذا الصراع. ويضيف معاش، ان التحركات الايرانية لا تتم بمعزل عن الدفع والتشجيع الامريكي لها، وكل تحرك من هذا القبيل هو بمثابة اضعاف متزايد للسعودية ونظامها الفاسد، والتي تختزن الكثير من عوامل انهيارها في جذورها نفسها.

ويؤكد معاش، ان لا محاور طائفية فيما يجري في العراق، ولو انها ترتدي هذا الطابع الظاهر على السطح، ولا يتفق مع ما يطرح من افكار حول الاقلمة (الكردية – الشيعية – السنية) ويذكر بما كان يطرح في الثمانينات حول لبنان وهو مصطلح (الكانتونات) وكان يقصد به في وقتها كانتون (مسيحي – شيعي – سني – درزي)، واين هي الان؟، يجيب معاش، لا وجود لها، فالجميع في لبنان اتفق على هذه الصيغة الحالية من الحكم وتداول السلطة، وكذلك نفس الحال في افغانستان، فرغم تمكن طالبان من اقامة دولة معزولة لها، الا انها قد سقطت واصبحت من التاريخ، رغم عمق تحالفاتها العشائرية في افغانستان، او الدينية والاستخبارية في باكستان.

عن حاضر العراق، يتحدث معاش عن الفترة السابقة التي قادت الى ما نحن فيه الان، وكيف ان رئيس الوزراء نوري المالكي قد انشغل ببناء السلطة على حساب الدولة والمؤسسات، وهذا قاد بالنتيجة الى تسييس الجيش وتكوينه فئويا، والى تسييس القضاء بشكل يتعارض مع النظام الديمقراطي، اضافة الى التكالب الشخصي على السلطة وامتيازاتها من قبل جميع الشركاء، مما حدا بالمواطن العراقي ان ينعزل عن الشان العام، ويتحصن داخل جزيرة خاصة به، او يقوم بصنع بيئته تلك وفقا لمخاوفه وعدم ثقته بالاخرين وبالنظام السياسي.

ما يحدد شكل الحكومة القادمة، كما يستشرف افقها المستقبلي رئيس مؤسسة النبأ هو التوافق السياسي وليس الاغلبية السياسية التي كان قد دعا اليها المالكي في حملته الانتخابية، وان القول ما ستقوله ايران وامريكا في شكل الحكومة القادمة، لكن يبرز هنا سؤال وفقا للمعطيات الحالية: هل سيتحسن الوضع العراقي ام سينحدر الى المزيد من التدهور؟.

يفتح معاش نافذة اخرى على الاسئلة التي طرحت في المقدمة، ويسال بدوره: كيف تكون انسانا ناجحا في مجتمع فاشل؟ يجيب: لا يمكن حدوث ذلك وحصوله، فلكي تكون ناجحا عليك ان تقود مجتمعك الذي تعيش فيه الى النجاح.

وهذه القيادة وخاصة بالنسبة للسياسيين تحتاج الى عقلية جديدة، هي ما يسميها (عقلية الشركة)، والتي تقبل بان يكون الجميع شركاء فعليين ومساهمين في انجاح عملهم، فالعراق هو الدجاجة التي تبيض ذهبا، وانتاج النفط فيه هو 6 دولارات وهو اقل كلفة مما هو موجود في انتاجه في بقية البلدان.

عقلية الشركة في الداخل، هي التي ستعمل على تطوير علاقات العراق الخارجية ايضا، من خلال المصالح المشتركة مع بقية بلدان العالم. وكما فعل الرئيس الروسي بوتين حين توجه الى مجموعة الدول العشرين وغالبيتها في امريكا الجنوبية، الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الامريكية، على حساب ماقام به شركاءه في مجموعة الثمانية من تقليص مصالحه معهم بعد الحدث الاوكراني.

يواصل معاش حديثه، وهذه المرة عن قواعد الانطلاق في المجتمع، والتي يصنفها الى قاعدتين اثنين هما:

قاعدة الانطلاق الايجابية.

قاعدة الانطلاق السلبية.

ويعتقد اننا اكثر دأبا على الانطلاق من السلبيات نتيجة كوننا متأثرين بالمجتمع وثقافته وليس مؤثرين فيه.

علينا ان ننتقل الى القاعدة الثانية، وهي قاعدة الانطلاق الايجابية، لكي نستطيع ان نصنع او نكون رايا عاما دافعا نحو الانجاز الذي يفرضه التحدي، ونقدم لهذا الراي العام افكارا ايجابية استراتيجية، مساهمة منا في تغييره لطرق التعاطي مع التحديات.

يشترك احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات في هذا النقاش، ويتفق مع مرتضى معاش حول الحدث الحالي في العراق، وانه صراع متبادل بين مشروعين ايراني وسعودي، ولكل دولة حلفاؤها وادواتها.

ويعتقد جويد، ان النقاط التي فازت بها السعودية في العراق حتى اللحظة عن طريق داعش، قد خسرتها في اليمن لصالح الحوثيين وحزب الله في لبنان، وخسارتها هي نجاح للمشروع الايراني، حتى تخسر ايضا في العراق.

في شرحه للاسباب التي قادت الى الواقع الحالي، يعتقد جويد، ان جميع السياسيين ومنذ العام 2003 لم تكن توجد لديهم قواعد تحكم علاقاتهم وتعاملاتهم فيما بينهم، اضافة الى الامتيازات الكبيرة للمسؤولين والتي يراها قد اساءت كثيرا للدولة العراقية، والتي قوّت من النزوع السلطوي لهؤلاء المسؤولين.

عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، يرى وكنتيجة لما قام به الاكراد في كركوك والمناطق المتنازع عليها، ان هناك تحالفا شيعيا – سنيا سيظهر في المستقبل القريب ضد التوجهات الكردية، خصوصا وان الاغلبية السكانية للمناطق المتنازع عليها هي عربية سنية.

ويرى الصالحي، انه رغم خطاب التهديد المتصاعد من قبل الاكراد الا انهم متخوفون من المستقبل، وخاصة في ظل مثل هذا التحالف الذي سينشأ.

يعتقد الصالحي، في ان السبب الرئيسي لما وصلنا اليه، هو لحظة سابقة على ذلك بقرون عديدة، ويوضح: منذ اول حاكم للعراق في تاريخه القديم، ساد في المجتمع مفهوم غياب الحساب والمساءلة والعقاب للمسؤول، فلم نجد ان حاكما في العراق بعد خروجه من الحكم قد تمت مساءلته عما فعله بفترة حكمه وما اقترفه بحق الشعب من جرائم، بغياب مفهوم المحاسبة والمعاقبة، يضيف الصالحي، اننا سنكرر اخطاءنا وخطايانا، وان كل حاكم سيكون بمنأى عن المحاسبة والعقاب مهما سيقوم به من افعال او ما يمارسه من سياسات.

 في مشاركته يؤيد الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، ماذهب اليه المتحدثون قبله، ويضيف ان ايران بعد استيعابها لصدمة داعش في العراق، استطاعت ان ترد عليها في اليمن من خلال الحوثيين، وفي فلسطين من خلال حماس.

وهو ايضا يؤكد ماذهبت اليه تقارير ومعلومات نشرها سنودن من ان داعش صناعة (بريطانية – امريكية – اسرائيلية).

ويتفق العرداوي مع ما طرحه الصالحي حول مبدأ المحاسبة، ويقول اذا كان المالكي وغيره من المسؤولين العراقيين قد فعلوا مافعلوا بالعراق وقادوه الى ما هو عليه الان فيجب محاسبتهم. لكن من يحاسبهم؟ يتساءل العرداوي، ويجيب: اذا كان المجتمع العراقي، قد تعايش مع مبدأ الافلات من المحاسبة والعقاب، واصبحت ثقافة مجتمعية، وهو نفس المجتمع الذي يفرز تلك النخب السياسية ويرتضي ان تقوده ويعطيها اصواته، فكيف لمثل هذا المجتمع ان يحاسب نفسه او يعاقبها؟.

ويختم العرداوي بقوله: ان المجتمع العراقي بجميع نخبه الثقافية والاجتماعية مقتنع برداءة ما يحصل في العراق، وهي قناعات منبثقة من مصالحه الشخصية، على حساب بلده ومستقبله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/تموز/2014 - 18/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م