الأثرياء ومصير الأمة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يؤكد علماء الاقتصاد، أن الأموال تعد من أهم الدعامات التي يرتكز إليها الاقتصاد المتطور، بمرافقة التخطيط الاقتصادي العلمي مع التنفيذ الدقيق، وهذه الثلاثية التي يرتكز إليها الاقتصاد القوي (المال/ التخطيط/ التنفيذ السليم)، تُسهم بدرجة كبيرة في رفع مستوى الاقتصاد، وتسهم في بنائه السليم، وعندما يغيب عنصر المال، فلا يمكن أن يتقدم الاقتصاد خطوة واحدة، حتى لو تم التخطيط والتنفيذ على أفضل وجه، فالأداة الأساسية للتطور الاقتصادي هو المال، من هنا تتمثل أهمية الأثرياء في هذا المجال.

وطالما أن الاقتصاد وقوته يعطي دلالة حاسمة على تطور الأمة، في الأمر في هذه الحالة ليس عاديا، ولا يتعلق بمصير جماعة صغيرة، او فرد، إم الامر كما نلاحظ يتعلق بحاضر ومستقبل ومصير امة، نعم هذا ما تؤكده التجارب لدى الامم الاخرى، كما في الغرب مثلا، لأن دور الاثرياء ودور الاموال هو العنصر الحاسم في بناء الاقتصاد والمجتمع.

لذلك يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (انفقوا لكي تتقدموا)، قائلا حول هذا الموضوع: (إن الأمر لا يتعلق بمقدار من الخمس يُعطى رغبةً أو رهبةً، ولا بمقدار من التبرع يُدفع منةً أو كراهيةً، ولا أمر إطعام في ليالي رمضان من أجل الثواب أو الشهرة، ولا أمر مساهمة في إعادة فقير منقطع إلى بلاده، أو إرسال مريض إلى المستشفى، أو مشاركة في زواج أعزب، أو ما أشبه بذلك، إن الأمر أكبر من ذلك وأكبر، إنه مصير أمة وثروة بلاد).

هكذا إذاُ يتعلق الامر بمصير أمة، من هنا يكتسب هذا الموضوع اهمية قصوى، ولابد ان يعي أصحاب الشأن، هذه الخطورة المصيرية التي تتربص بالامة كلها، ولابد من التسليم بالاهمية القصوى لهذا الخطر الذي يحيق بالمسلمين جميعا، لذا يتطلب الامر وعيا متكاملا بفداحة الامر ومدة خطورته، ومن ثم الشروع وفقا لما يطرحه الامام الشيرازي، من حلول وخطوات ينبغي أن يتخذها جميع المعنيين في هذا الجانب، وهم اثرياء المسلمين، ودورهم في الانفاق، لكي يستطيع القائمون على الاقتصاد، أن يضعوا ويتخذوا الخطوات الاساسية في بناء الاقتصاد الناهض المتكامل، لدرء مخاطر المصير المحتوم، في حالة تردد أو تلكؤ الاثرياء عن القيام بدورهم في الانفاق، لاسيما إقامة المؤسسات والمنظمات والمشاريع المتطورة.

الوعي والمؤسسات والمشاريع

لاشك أن تشييد المؤسسات، ورفع مستوى الوعي للناس، والشروع بإقامة المشاريع النوعية، سوف تصب في صالح الامة جمعاء، ولكن كل هذه الامور لا يمكن أن تتحقق من دون الاموال اللازمة، ونحن هنا لا نتحدث عن الجهد الحكومي في هذا المجال، فالدولة يمكن ان تقوم بالخطوات المطلوبة لتحسين الاقتصاد ونقل حالة البلاد الى الافضل، ولكن الكلام هنا يتعلق بالدور المؤازر للجهد الحكومي، وهو الدور التبرعي، أو الدور الذي يتصدى له الاثرياء بصورة تطوعية، إسهاما منهم بتعضيد حاضر الامر وإبعادها عن المصير المشؤوم في خالة التغاضي والتهرب من المسؤولية التي تتمثل بتجهيز الاموال اللازمة وتقديمها عن طيب خاطر للجهات الموثوقة التي تعمل على تطوير الوعي المجتمعي وتطوير الاقتصاد معا، وفق خطط علمية لا تخضع للارتجال والعشوائية.

من هنا تظهر الاهمية الكبيرة لتوفير الاموال، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (المؤسسات والمشاريع والوعي لا يتم إلا بالمال والرجال، والرجال تجمعهم المؤسسات التصاعدية، لذا ينبغي التأسيس في أسرع وقت بكمال الدقة والحزم، والمال يأتي به الجهد المتواصل عن خبرة وجرأة ومعرفة الحاجة وقدرة الإقناع).

ولنا في هذا الجانب، أن نطالع ونلاحظ ما يجري في الامم الاخرى، من تبرعات واندفاع كبير للاغنياء، من اجل رفع الوعي اقامة المؤسسات والمشاريع التي تسهم بصورة فاعلة في بناء الاقتصاد واركان الامة القوية، لذا يقول الامام الشيرازي عن هذا الجانب، في كتابه المذكور نفسه: (إن في الغرب اليوم أغنياء قد تعد ثروة أحدهم بالمليارات، فهل في بلاد الإسلام اليوم من تبلغ ثروته عشر هذه الثروة؟ كلا! ولماذا؟ لأن الإسلام إذا تأخر فالمسلمون كلهم متأخرون، ثريّهم متأخر عن ثريّ الغرب، وحاكمهم متأخر عن حاكم الغرب، وعالمهم متأخر عن عالم الغرب، وهلم جرا، فإذا قدّم أغنياؤنا المال، لم يكونوا بذلك إلا مساهمين في رفع مستواهم، قبل كل شيء).

بمعنى أن الغني عندما يتبرع ويقدم الاموال، ويسهم في هذا المشروع او ذاك، إنما يسهم في تطوير المجتمع عموما، ويرفع من قدراته في الانتاج والوعي، وفي هذه الحالة يسهم الغني في تطوير البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، هو وذويه (اولاده وبناته) ويحسّن من وعيها وطريقة عيشها وتفكيرها وسلوكها، وبذلك تعود خطوته في التبرع بالاموال عليه أولا وآخرا.

ماذا يقول علم النفس؟

ما نلاحظه بوضوح، أن هناك تقاربا بين اصحاب السلطة والنفوذ، وبين الاثرياء، ربما تجمعهم بعض المصالح والاهداف، في المقابل هناك طبقة من الفقراء، تراقب وتنظر وتتركم فيها مشاعر مؤلمة غاضبة، تنتج عن التلكؤ الحكومي في مداراة هذه الطبقة، فضلا عن إهمال الاثرياء وعدم القيام بدورهم كما يجب حيال الفقراء، يحدث هذا بصورة فعلية في بلاد المسلمين، لذا ينصح علماء الاجتماع الطبقتين الحاكمة والثرية، بأهمية اتخاذ الخطوات التي تخفف من احتقان الفقراء وغضبهم، لأن الامور إذا بلغت الزبى، والكيل اذا طفح، فإن النتائج المتوقعة لغضب الفقراء لن تكون قي صالح الجميع.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه: (إن علم النفس والاجتماع يقرران إن هناك نقمة متزايدة ضد طائفتين، الحكام، والأثرياء، وهذه النقمة لابدّ أن تتنفس بعنف، ولكن يمكن امتصاص هذه النقمة، أما كيفية امتصاص النقمة ضد الحكام، فبإعطاء الحريات. وأما كيفية امتصاص النقمة ضد الأغنياء، فبالبذل السخيّ للفقراء والمشاريع، وبعدم الاستفزاز في الإنفاق، سواء كان الاستفزاز من نوع الإسراف، أو من نوع التظاهر، أومن نوع الكبرياء).

وحتما أننا نلاحظ ما يقوم به بعض الاثرياء من أعمال تستفز الفقراء، تتعلق بالاسراف من جهة، وعدم الاسهام في دعم قضايا المجتمع من ناحية اخرى، أما الحكومات فإنها غالبا ما تكون بارعة في خنق الحريات، ومع عدم وجود الترابط المباشر بين الحالتين، لكن لابد أن يعالج الاثرياء هذه الحالة (إمتصاص نقمة الفقراء)، من خلال دعم المشاريع التي تسهم في حل ومعالجة المشاكل الكثيرة التي يعاني منها الفقراء، أما في حالة غض الطرف وعدم الاهتمام في هذا القضية، فإم الامام الشيرازي يحذر بشدة من ذلك قائلا: (إن أثريائنا إذا أحبوا الحفاظ على أنفسهم يجب عليم أن يبذلوا بسخاء، وإلا تقع الواقعة، التي ليس لوقعتها كاذبة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تموز/2014 - 15/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م