أخلاقيات التغيير... صمتا حكيما أيها المؤمنون

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تفوق الصمت على الكلام حتى وزن بالذهب، والذهب اكثر بريقا ولمعانا واكثر ثمنا حتى عدّ ذخرا لايام سود ربما قادمة.

الحياة صاخبة، وصخبها يمتد من خلال حركة الناس فيها وتدافعهم خلف مصالحهم ورغباتهم واهوائهم.

وهي بمقدار صخبها في مجالاتها المادية، هي ايضا صاخبة وضاجة بمجالاتها المعنوية، فكل شيء وكل امر فيها له صوت وضجيج، يطغى على ماعداه.

الانسان اضافة الى الضجيج الخارجي الذي يعيش فيه، يحيطه أيضا ضجيج داخلي لا يعرف كيف يتحكم بمستوياته، او انه لايريد التحكم بذلك. انه لسانه، وتلك القدرة الفذة على الكلام في كل شيء وفي اللاشيء.

الناس عبيد السنتهم، وهو لا يرتاح ابدا، وبالتالي نحن ايضا لا نرتاح، حتى في نومنا نتكلم، ولا نفكر قبل الكلام بما نريد التكلم فيه، صوابا ام خطأ، فكثير منا ليسوا معنيين باختيار الصواب، لأننا لا نتأمل فيما نريد قوله.

هل يمتلك الانسان لحظة تامل واعية وهو يعيش بين ضجيجين وصخبين هما الخارجي والداخلي؟.

لا يمتلك ذلك، لكنه ايضا لايعفيه من محاولات الامتلاك، ليدخل مجالات الصمت ويتامل قبل كل كلام.

في كتاب (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) نرافق المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في هذه السياحة الاخلاقية في الشرح والتفسير لمضامين تلك الرسالة.

حول قول الامام الصادق (عليه السلام): (وعليكم بالصمت الا فيما ينفعكم الله به من امر اخرتكم وياجركم عليه).

يتطرق السيد المرجع الى امر الامام الصادق شيعته بالتزام الصمت، فلا (يتكلموا الا بما يعود بالنفع لاخرتهم)، وهذا النفع من خلال النظر (الى مصالحهم الدنيوية ضمن إطار الاخرة).

يقر السيد المرجع الشيرازي، بان التزام الصمت وفقا لذلك المعيار الاخروي، في غاية الصعوبة الا انه ليس بالامر المستحيل، لان (الالتزام بالصمت ليس وليد اللحظة بل هو امر تدريجي ويحتاج الى كثير من الدعاء والتصميم والاستقامة ومحاسبة النفس).

اربعة اركان يمكن لها اجتذاب القدرة على الصمت كما يحددها المرجع السيد صادق الشيرازي، فالدعاء سلاح ماض للاستعانة بقدرات غيبية يوفرها الملجأ الذي يتوجه اليه الانسان وهو الله سبحانه وتعالى.

والتصميم ارادة داخلية تتقوى بالدعاء على الصعاب واجتيازها، والاستقامة تحقيق لأمر رباني لا يقبل عوجا في مسيرة الانسان، ماظهر منها وما بطن، ومحاسبة النفس يوميا، بل كل ساعة، تريك ما أخطأت فيه وما اصبت، وكيف يمكن تجاوز الاخطاء وتسديد الصواب.

في وصية الامام الصادق عليه السلام، لايكون الالتزام بالصمت الا عما يعود بالنفع على الشيعة من الاجر والثواب الاخروي، مرورا بالفوائد الدنيوية التي (ينبغي للانسان ان ينظر اليها في اطار المنفعة الاخروية).

يقسم المرجع الشيرازي الامور الاخروية الى قسمين:

(امور لها علاقة مباشرة بالاخرة كالصلاة.

امور علاقتها بالاخرة غير مباشرة لارتباطها بامور الدنيا قبل صلتها بالاخرة، ومثال ذلك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: المؤمن ياكل بشهوة اهله، والمنافق ياكل اهله بشهوته).

وهو يرى ان من اخلاق المؤمن وادبه الاجتماعي انه لا يفرض على اهله نوع الطعام الذي يتناولونه، فلا يامرهم او ينهاهم فيما يخص الطعام، وعلى العكس من ذلك اخلاق المنافقين والكفار.

بالعودة الى الكلام ومضامينه، يرى السيد المرجع الشيرازي، ان (الكلام اجدى الوسائل لتحديد شخصية الانسان واظهار رغباته، ولكن لابد من استثمار هذه القوة بالطريقة المناسبة وفي الموقع المناسب).

فالفعل الحقيقي للحديث ليس ان تقول الشيء الصحيح في الوقت الصحيح، ولكن ايضا ان تترك الشيء المغلوط في اللحظة المغرية، وهي لحظة التكلم، والتي يجب ان يسبقها الكثير من التامل.

(ان التأمل قبل الكلام لا يأخذ من المتكلم وقتا طويلا، فقد يستغرق الامر ثانية واحدة يتساءل فيها الانسان مع نفسه بان: ما ساقوله نافع لاخرتنا ام لا؟ فقد تلحق بالانسان ندامة على صمته ولكنها نادرا ما تحدث، قياسا مع ندامات التحدث).

حول المفاضلة بين الكلام والصمت، يدعونا المرجع السيد صادق الشيرازي الى عدم التوهم (ان الدعوة الى اختيار الصمت تبرر السكوت غير المنطقي حملا على فضيلة الصمت، لان المؤمن مطالب بالتحدث بحسن الكلام، كما هو مطالب بتقديم النصح لافراد اسرته).

يدعونا السيد المرجع، وعبر القاء الضوء على هذه الوصية التي تطالبنا بالصمت الا ما فيه خير الدنيا والاخرة، بان نكتسب القدرة والقوة على ضبط اللسان والسيطرة عليه، وللاسف فان اغلب السنة الناس خاضعة لتأثير الاخرين، والمفترض ان يضبط الانسان لسانه، فلا ينطق الا بالحق والصدق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/تموز/2014 - 14/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م