شبكة النبأ: لشهر رمضان المبارك هذا
العام طعمٌ خاص في عديد بلادنا الإسلامية، لاسيما العراق، لكنه ليس حلو
المذاق – للأسف- حيث تتكالب الأزمات السياسية والأمنية علاوة على
الاقتصادية والمعيشية، ثم يُضاف إليها الطقس اللاهب.. وفي هكذا أجواء
يستريح الناس أمام الشاشة الصغيرة.. هذا الملجأ الوحيد والآمن الذي
يلقون عنده ما أجهدوه وبذلوه خلال ساعات العمل، فهم يشهدون التحولات
السريعة في الأصعدة كافة، بما يغير مسار حياتهم من حال الى آخر بين
فترة وأخرى. حتى باتوا بين الخوف والرجاء.. بيد ان هذه الشاشة الصغيرة
المزودة بأنواع التقنيات والفنيات، يبدو ما تزال على حالها، تتحدث
بلغتها الخاصة بما يخدم القائمين على هذه القناة وتلك وتحقق لها
مصالحهم.
وفي مقالات سابقة حول الإعلام المرئي، ذكرنا أن ثمة تصور لدى بعض
القائمين بأمر القنوات الفضائية، بأن همّ المشاهد الأول والأخير
الترفيه عن النفس وإعادة تجديد القوة الذهنية بعد إجهادها في اهتمامات
متعددة في الحياة، بما يشبه نوعاً من "الفرمتة"، وهذا ما نلاحظه من
خلال بعض البرامج الترفيهية مثل المسابقات وبرامج "المقالب" ذات الطابع
الهزلي المثير، وكذلك بعض البرامج الثقافية المحسوبة على الترف الفكري،
حيث يجلس شخص أمام الكاميرا ويبدأ بسرد النظريات والأفكار، ويحرص على
تدعيم كلامه بالشواهد والأدلة ليحظى بالمقبولية.
ربما هذا يصلح لسائر الشهور، بينما في شهر رمضان يبدو الأمر مختلف،
لأن المشاهد هنا، ليس فقط مثقل بهموم المعيشة ومتطلبات الحياة، إنما
مطالب بخوض اختبار قوة النفس والإرادة أثناء ساعات الصوم، هذا اضافة
الى خوضه غمار الازمات المحيطة في الواقع الخارجي.
فمن يجد القوة في نفسه وإرادته أمام المغريات والمنزلقات بينه وبين
الله -تعالى- ، يتعرض لشعور عارم بالخيبة من الواقع الخارجي المشحون
بالإخفاقات والإسقاطات. هنا تبدو المهمة مزدوجة عند الشاشة الصغيرة،
فهي في الوقت الذي يفترض ان تتضامن مع المشاهد في معتركه مع النفس
وتشجعه على الصلابة والتماسك، وعدم الترهل والميوعة والاستجابة لنداء
النفس والغرائز، فانها مطالبة ايضاً بالتضامن معه في معترك البحث عن
الحق والحقيقة في الواقع السياسي.
وللحقيقة نقول: أنه بمقدار ما تتعقد الحياة بمتطلباتها، وايضاً
العلاقات بين افراد المجتمع وحتى بين افراد الاسرة الواحدة. فإنها تتجه
الى الحالة ذاتها، وربما أكثر على صعيد العلاقة مع النظام الحاكم
ومؤسسات الدولة، حيث يجد الواحد منّا القرارات والإجراءات جاهزة أمامه
وعليه التنفيذ، إن كانت ايجابية وحسنة، يفرح بها ويسعد، وإن كانت سلبية
وتراجعية، فما عليه سوى السكوت والصبر أملاً بالتحسّن، ومثالنا البارز،
العراق. مما يجعل الإعلام بشكل عام، والمرئي منه بشكل خاص، أمام مهمة
استثنائية جداً، لأنه الوحيد القادر ان تكوين صداقة سريعة مع المشاهد
(المواطن)، دون الحاجة الى مقدمات. ومعروف عن "الصداقة"، الحقيقية
منها، انها تمثل الواحة الخضراء لتبادل الهموم والأفكار، وربما ابتكار
الحلول والإبداع للحياة، حيث يشعر الانسان انه ليس وحيداً في الحياة
مهما كانت الظروف.
هذه الصداقة بنوعها الخاص بحاجة الى تخطيط وبرمجة من نوع خاص ايضاً،
لا أن يكون التمسك بالطرق القديمة والمستهلكة، حيث يكون هنالك متحدث
وآخر مستمع، واذا ما جانبنا الحقيقة، فان هذا الأسلوب والنمط في الخطاب
الإعلامي، ربما يكون مشتقاً من النهج السياسي المتبع في بلادنا، حيث
يفضل الحاكم الحديث واتخاذ القرار، وعلى الآخرين الاستماع والتنفيذ قبل
المناقشة او بدونها!.
بعض البرامج الاجتماعية والثقافية بحاجة الى فتح جسور العلاقة مع
المشاهد وإشراكه في نجاح البرنامج من خلال استجلاء رأيه ووجهة نظره،
ليكون البرنامج وايضاً الشاشة الصغيرة بمنزلة المرآة التي يجد نفسه
فيها، ثم يكتشف الحلول والخيارات الجيدة من خلالها. لا أن تصطف الى
جانب المحذورات والممنوعات التي يواجهها في حياته اليومية، حتى وإن كان
هنالك ما يستدعي التحذير حقاً من مظاهر سلبية، تتعلق بالانسان الفرد او
المجتمع بشكل عام. لأن المتحدث عبر التلفزيون ليس كالمتحدث عبر الشارع
او في السوق وفي محيط العمل.. ودائماً يحظى هذا المتحدث بنوع من
الاحترام والاستماع، لانه ينطلق من حديثه من تخصص في مجال ما، لذا يكون
الى حدٍ ما انساناً متميزاً في نظر الكثير، الامر الذي يستدعي منه بذل
المزيد من الاحترام والتواضع لجميع المستمعين، المتنوعين في الاعمار
والمستويات الثقافية، وايضاً في الجنس، من ذكر وأنثى.
هناك برامج تفتح جسوراً للعلاقة لا يسير فيها إلا الشباب من ابناء
الجيل الجديد، بينما يتخلف عنها الكبار، لاسيما الوالدين مثلاً.. عندما
يكون الحديث عن العادات والتقاليد، او الدعوة للحداثة في كل شيء. وفي
الحالة المقابلة عندما يكون هنالك تأكيد وتشديد على الطابع المحافظ
للمجتمع مهما كانت الحاجة الى التجديد والتطوير في الحياة.
عندما يشعر المشاهد (المخاطب) أنه ذو قيمة والمتحدث يعزز لديه الثقة
بالنفس وينمي لديه الشعور بالأمل لغد أفضل، فانه بكل تأكيد سيكون
صديقاً وفياً للشاشة الصغيرة، ومتابعاً نشطاً مما يحقق النجاح للقناة
التي تتنافس على الافضل في البرامج والمنهجية في الطرح. |