المرجع الشيرازي: الإصلاح يتحقّق بالهداية والتربية والتعامل الحسن وليس بالعقوبات

 

شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، ان شهر رمضان العظيم هو شهر بناء النفس، والتبليغ، فعلينا أن ننتهز هذا الشهر المبارك بالعزم على ذلك. ويجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى دائماً على ما أعطاه وعلى ما لم يعطيه، وأن يرضى بما قسم الله تعالى له. مبينا إنّ المسؤولية الشرعية للسادة العلماء والمبلّغين دائماً وفي هذا الشهر المبارك تتلخّص بواجب عيني وهي تزكية النفس. وواجب كفائي وهي هداية الآخرين. مضيفا انّ التعامل الصحيح والحسن يوجب هداية الناس وتربيتهم. فهل عملنا في عمرنا كله عملاً يوجب هداية وصلاح الآخرين؟

جاء ذلك في كلمه قيّمة مهمة بمناسبة قرب حلول شهر رمضان العظيم، ألقاها سماحته دام ظله،، بجموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمبلّغين وطلبة العلوم الدينية والمؤمنين، من العراق والخليج وأوروبا والهند وأفغانستان وباكستان وسوريا، ومن المدن الإيرانية قم المقدّسة وأصفهان وطهران وغيرها، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، مساء يوم الأربعاء الموافق للسادس والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1435 للهجرة، 25حزيران/جون2014م)، بحسب موقع مؤسسة الرسول الاكرم الثقافية.

ومما جاء في هذه الكلمة القيمة:

في البدء بارك سماحته حلول شهر رمضان العظيم، شهر الهداية والفضائل، إلى المسلمين جميعاً، ودعا الله تعالى أن يمنّ بالتوفيق على شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم وأتباعهم كافّة، أكثر وأكثر.

شهر رمضان العظيم هو شهر بناء النفس، والتبليغ، فعلينا أن ننتهز هذا الشهر المبارك بالعزم على ذلك. ومن يعزم يوفّق إن شاء الله تعالى، ومن لا يعزم فلا يوفّق وستنتابه الحسرة في الدنيا والآخرة. ولذا يجدر بالمؤمنات والمؤمنين كافّة، أن يعزموا على هذين الأمرين المهمين.

وقال سماحته: من المهم في شهر رمضان الفضيل قراءة دعاء الإمام السجّاد سلام الله عليه الذي كان يدعو به في السحر من ليالي شهر رمضان، وهو مما رواه المحدّث الثقة أبو حمزة الثمالي عليه الرحمة، وهو دعاء فيه مضامين راقية بحيث إذا قرأه الإنسان بتدّبر وتأمّل، فلا يستبعد ان يستجاب الدعاء منه. ومن المضامين الراقية في هذا الدعاء هو قول الإمام صلوات الله عليه: (ورضّني من العيش بما قسمت لي). فيجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى دائماً على ما أعطاه وعلى ما لم يعطيه، وأن يرضى بما قسم الله تعالى له.

نعم على الإنسان أن يدعو الله تعالى ويتوسّل إليه، ولكن عليه أن يعلم أن الدنيا زائلة وفانية، وكل النعم لا تتوفّر للإنسان، فيجدر بالإنسان أن يرضى بما قسم الله تعالى له.

وقال سماحته أيضاً: يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه في دعاء له: (ووفّقني لما أوجبت عليّ من كل ما يرضيك). ومعنى (أوجبت) هنا هو الثبوت، والواجب يعني الثابت. وهذا تعبير بلاغي راق جدّاً وفي قمّة البلاغة. فهو تعبير يشمل الواجبات والمستحبّات أيضاً، لأن المستحبّ ثابت أيضاً. وهذا التعبير لعله حسب قول أهل العلم هو من باب التزاحم، ويشير إلى المعنى التالي، وهو: ان كل واحد منّا تواجهه أعمال صالحة وحسنة كثيرة، ولكن بسبب كونها عرضية، فلا يمكننا أن نقوم بها كلّها. ومن هذه الأعمال الصلاة، وتلاوة القرآن، وقضاء حاجة المؤمن، والتفكّر والتدبّر في آيات وخلق الله، ومحاسبة النفس. فهذه كلها من الفضائل والنعم وفيها رضا الله تبارك وتعالى. ولكن وقبال هذا التزاحم ترى الإنسان يشغل نفسه بغير الواجب وبغير الأهم، فيتضرّر، وهذا الأمر يشبه معاملة تجارية يقوم فيها الإنسان ببيع بضاعة ثمنها مائة مليون دينار، بمليون ديناراً!

مانستنتجه من دعاء الإمام الصادق صلوات الله عليه، هو: إلهي هناك الكثير من الأعمال التي توجب رضاك، فوفّقني للقيام بأفضلها أجراً وأكثرها ثواباً.

ربيع القرآن

وبيّن سماحته: إنّ شهر رمضان العظيم، هو ربيع أفضل الأعمال وأحسنها، وسبب تسمية الروايات الشريفة لهذا الشهر بأنه ربيع القرآن، هو لجهة ان القرآن الكريم يدعو إلى أفضل الأعمال وأحسنها، وكلام المعصومين صلوات الله عليهم وأدعيتهم هي فرع من القرآن الكريم. فأهل البيت صلوات الله عليهم يدعون الله تعالى أن يوفّقهم إلى أفضل الأعمال وأحسنها وأكثرها أجراً، سواء كانت واجباً عينياً أو كفائياً، أو واجباً بمعنى الثبوت الذي يشمل المستحبّات أيضاً. ونحن علينا أن نقتدي بأهل البيت صلوات الله عليهم، بأن نعرّض أنفسنا للتوفيق الإلهي، ونصف هذا الأمر بأيدينا وعلينا أن نوفّره فينا. فالله تعالى لا يوفّق فرعون ويزيد وأمثالهما من الطغاة والعصاة، لأنهم لم يعرّضوا أنفسهم للتوفيق بأنفسهم.

واجب عيني وواجب كفائي

وشدّد سماحته، بقوله: إنّ المسؤولية الشرعية للسادة العلماء والمبلّغين دائماً وفي هذا الشهر المبارك تتلخّص في أمرين:

الأول: واجب عيني وهي تزكية النفس. والثاني: واجب كفائي وهي هداية الآخرين.

بالنسبة للأمر الأول، أي تزكية النفس، فالمراد من ذلك هو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية الكريمة التالية: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا). ويعني أنه على الإنسان أن يسعى في هذا الشهر إلى أن يكون الأفضل والأحسن من باقي الشهور والأيام، وأن يسعى إلى الإرتقاء في الأفضلية والأحسن. فمثلاً على الإنسان أن يسعى إلى التقليل من النوم، لأن النوم الكثير يعني تضييع العمر.

الأمر الثاني: هداية الآخرين، وهو كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع توفّر الشرائط والأساليب الصحيحة. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي مقدّمات الوجود بالنسبة للواجب الكفائي. وبعبارة أخرى: انّ هداية الناس واجب مطلق، ومقدّمات وجوده واجبة على كل شخص حسب فهمه وعلمه وقدرته. فإذا وجد من يقوم بهداية الآخرين على نحو الكفاية، فسيسقط عن الآخرين، وإلاّ يصبح واجباً عينياً.

أسلوب تعامل العلماء مع الناس

وبهذا الصدد نقل سماحته قصّة عن أسلوب تعامل العلماء مع الناس وتأثير هذا التعامل على هداية الناس، وقال: في زمن المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه، تعرّض خمسة من طلبة العلوم الدينية في طريقهم من الكوفة إلى النجف إلى هجوم من قطّاع الطرق، وسلبوا منهم كل ما معهم إلاّ ما كان ساتراً للعورة. فوصل خبر ذلك إلى السيد، فأمر عدد من رجال الدين ورؤساء العشائر بالقبض على قطّاع الطرق. وفعلاً تم إلقاء القبض عليهم، وأرادوا أن يسجنوهم، فرفض السيد، وقال إئتوني بهم. فلما أتوا بهم، أخذهم السيد على جانب واختلى بهم، ثم أطلق سراحهم. وبعد مدّة صار معظمهم من الكسبة في الأسواق. فتبيّن أن السيد أبو الحسن الأصفهاني كان قد نصحهم ووعظهم بأن يكفّوا عن السرقة وأن يجتنبوها، وكان قد أعطاهم مبالغ مالية أيضاً ونصحهم بأن يستفيدوا منها في التكسّب الحلال وفي الرزق الحلال.

وعقب سماحته، بقوله: لو أنه تم سجن اولئك السراق، لأصبحوا أسوأ، ولصار خطرهم أكبر على المجتمع، وذلك بسبب ما يتعلّمونه من المساوئ في السجون. ولكن السيد أبو الحسن بتعامله الإسلامي والإنساني، استطاع أن يهديهم إلى الطريق الصحيح، وأن يمنع من انحرافهم وانحراف أبنائهم وعوائلهم.

وأضاف سماحته: إن الموارد التي تستحق السجن في الإسلام هي قليلة جدّاً، ولمعرفة ذلك راجعوا القرآن الكريم وروايات أهل البيت صلوات الله عليهم، وراجعوا الفقه أيضاً. فأنا شخصياً ألّفت كتاباً في كربلاء قبل خمسين سنة، باسم (العقوبات في الإسلام)، وتم ترجمته إلى الفارسية وطبع في إيران، وقد بحثت فيه فوائد وأضرار الحبس والسجن من وجهة النظر الشرعية والقانونية.

خلاصة القول: ان المجازاة بالسجن في غير مواردها الشرعية، أمر غير مجدي وفاشل.

الهدف هو الإصلاح

وقال سماحته: لقد روى الخاصة والعامة بأنه: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي زَنَيْتُ فَصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَجْهَهُ عَنْهُ فَأَتَاهُ مِنْ جَانِبِهِ الآخَرِ ثُمَّ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَبِصَاحِبِكُمْ بَأْسٌ يَعْنِي جِنَّةٌ قَالُوا لا فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ الرَّابِعَةَ.

وعقّب سماحته: هذا يعني التربية والهداية وإرشاد أفراد المجتمع، لأن الهدف هو الإصلاح، وفي هذا الأسلوب يكون الإصلاح، وأما العقاب فعند الضرورة فقط.

وأوضح سماحته أيضاً: جاء في الروايات الرشيفة: (العلماء والأمراء صنفان من أمّتي: إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمّتي). وهذا يعني ان الرؤساء عندهم السلطة والمال والقوة والسجون، فيفسدون الناس. وأما العلماء فهم القدوة، والناس يتعلّمون منهم. فالأمر الخطير هنا هو انه إذا انحرف العالم عقائدياً فسينحرف معه من تبعه ومن اعتقد به. وإذا صدر من هذا العالم عمل غير صحيح أو سوء، فسيتعلّم منه من تبعه واعتقد به، وهذا يعني انحراف الناس وفسادهم.

وبعد أن ذكر سماحته قصصاً عن التعامل الحسن والصالح للمراجع الأعلام من السلف الصالح، وأثر هذا التعامل في هداية الناس بالأخصّ الكافرين، قال: إنّ التعامل الصحيح والحسن يوجب هداية الناس وتربيتهم. وقد أمرنا القرآن الكريم إلى هذا النوع من التعامل، حيث قال عزّ من قائل: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَك وَبيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ).

فهل عملنا في عمرنا كله عملاً يوجب هداية وصلاح الآخرين؟

إذن لنصممم في شهر رمضان العظيم على القيام بمثل هذه الأعمال، ولنعلم بأن هذه الأعمال هي واجب كفائي، ولكن لا يوجد من يقوم بها. وليعلم الجميع بأن المعاقبة والسجن لا يصلحان المجتمع، ولكن يجب أن تكون بعنوان الضرورة وعند الضرورة فقط.

إن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو فخر التاريخ. فانظروا كيف تصرّف مع قاتله؟ إنه صلوات الله عليه أمر بأن يسقوا قاتله من نفس ما كانوا يسقوه صلوات الله عليه منه، وهو اللبن. وكان صلوات الله عليه يقول: إن بقيت عفوت عنه. وهذا ما كان يريده الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه أيضاً، ولكن الورثة كانوا يطالبون بالقصاص.

يقول قائل: بأن العفو عن ألف مجرم قد يسبّب صلاح 990 منهم، فقط ولا يصلح العشرة الباقين منهم بل قد يعودون إلى الجريمة مرّة أخرى؟

نقول: وهل يصحّ غلق المسجد لوجود شخص واحد فيه غير ملتزم بالصلاة؟

وأكّد سماحته: إنّ الملاك دائماً هم المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم والقرآن الكريم. فلنسعى جميعاً في هذا الشهر العظيم، إلى القيام بأحسن وأفضل الأعمال، وهي تزكية النفس وهداية الآخرين وإرشاد المجتمع. فشهر رمضان هو ربيع هذه الأعمال. وعلينا أن نتدّبر في القرآن عند تلاوتنا لآياته الكريمة وأن نتفكّر فيها.

كما عليكم أن تعلموا بأن إصلاح المجتمع بنسبة تسعين بالمائة هو في هداية أفراده وإرشادهم وتربيتهم، وعشرة بالمائة في العقوبات.

أسأل الله تعالى أن يوفّق المؤمنات والمؤمنين كافّة، في كل مكان.

يذكر، بأنه تم النقل الحيّ والمباشر لمحاضرة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، عبر القنوات الفضائية الشيعية بمختلف اللغات العالمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تموز/2014 - 9/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م