الأمن في العراق يصدم أسواق النفط في العالم

 

شبكة النبأ: اثرت الاحداث الأمنية في العراق على سوق النفط العالمي بعد ان قفز سعر برميل النفط الى 115 دولار ليصل الى اعلى مستوياته منذ أشهر، العراق الذي يملك رابع احتياطي عالمي (143 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة من النفط)، والذي وصفته المديرة التنفيذية لوكالة الطاقة الدولية ماريا فان دير هوفن بأنه بلد "النفط السهل"، ويحتل المرتبة الثانية بعد السعودية من حيث التصدير في منظمة أوبك، أربك السوق النفطي القلق، وأدى الى صعود الأسعار العالمية، إضافة الى الخوف على تراجع مستوى النمو الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة الامريكية والصين التي تعتبر ثاني اكبر مستهلك للطاقة في العالم.

ومع تحسن الوضع الأمني، بعد اطمئنان الأسواق العالمية ان الازمة الأمنية لم تؤثر على امدادات الطاقة النفطية، سيما وان جنوب العراق لم يتأثر بالأحداث الأخيرة، فيما ارجع الخبراء أسباب استقرار أسواق النفط العالمي الى جملة من العوامل منها:

1. باحتمال زيادة الصادرات الليبية بعد إعادة فتح مينائي السدرة وراس لانوف في شرق ليبيا ستزيد صادرات الخام الليبي بنحو 500 ألف برميل يوميا.

2. أدركت السوق العالمي النفطي أنه لم يحدث أي تعطل في انتاج أو صادرات النفط من جنوب العراق حتى في ذروة المشكلة الأمنية الاخيرة.

3. في الولايات المتحدة أوشك خط الأنابيب سي واي على الاكتمال وهو ما يعني نقل 450 ألف برميل إضافي يوميا من النفط الصخري إلى المصافي على ساحل الخليج الأمريكي ليقلص بشكل أكبر الحاجة إلى النفط الأجنبي. بحسب رويترز.

لكن يبقى القلق قائما، سيما وان الفائض العالمي في السوق العالمي لا يتجاوز الأربعة ملايين برميل في أحسن الاحول، وإذا ما اضطربت الأحوال الأمنية، وغيرها من المشاكل الفنية والاقتصادية، فان تدهور السوق النفطي ما زال احتمال قائم وسريع الحدوث.

صدمة نفط العراق والملاذ الآمن

فقد أدى الصعود المفاجئ في أسعار النفط العالمية بسبب العنف في العراق إلى تدافع على عملات الملاذ الآمن مثل الين والفرنك السويسري رغم أن اليابان وسويسرا دولتان مستوردتان للخام، ومنذ تصاعد العنف الشهر الماضي وارتفاع أسعار النفط حافظت العملتان على مكاسبهما في تحد لوجهة النظر القائلة إن ارتفاع أسعار الخام عادة ما يترجم إلى مكاسب كبيرة للدول المصدرة للنفط ولعملاتها، ويساهم صعود الأسعار في تحسين الميزان التجاري لمصدري النفط مثل كندا والنرويج ويدفع عملاتهم للصعود، وفي المقابل فإن ذلك يضر الدول المستوردة للخام.

ورغم ذلك يخشى المستثمرون من أن صدمة الإمدادات قد تضر بتوقعات التعافي العالمي والعملات المرتبطة بتجارة السلع الأولية الأقل سيولة والأعلى مخاطرة، وقال بتر كرباتا خبير العملات لدى آي.ان.جي "لا تفيد تلك الصدمات عادة الإقبال على المخاطرة حيث تزيد المخاوف بشأن النمو العالمي وتكون مصحوبة بهبوط أسعار الأسهم"، وقفز خام برنت ثمانية بالمئة منذ مايو أيار ليصل إلى أعلى مستوياته في تسعة أشهر عند 115.71 دولار للبرميل في منتصف يونيو حزيران بفعل المخاوف من أن يؤثر العنف في العراق على إنتاج النفط. بحسب رويترز.

وسيتسبب أي انقطاع في أضرار إذ يشكل النفط العراقي نحو 11 بالمئة من إنتاج منظمة أوبك، وحتى الآن لا توجد مؤشرات تذكر على احتمال حدوث انقطاعات كبيرة وقد تراجعت أسعار النفط وهو ما حد من النشاط في سوق العملات، لكن مستثمري سوق الصرف يرقبون ما إذا كان القتال سيمتد إلى جنوب العراق، ويشحن العراق نحو 90 بالمئة من صادراته النفطية من جنوب البلاد وهي منطقة لم تتأثر حتى الآن بالاضطرابات، وستؤدي أي انتكاسة للحكومة هناك إلى زيادة الطلب على العملات الأكثر سيولة مثل الين والدولار والفرنك السويسري، ويرتفع الطلب على العملات الثلاث بالتزامن مع اضطراب السوق المالية وعدم التيقن بشأن الاقتصاد العالمي، وتماسكت تلك العملات بعض الشيء هذا العام رغم الارتفاع الكبير للأسهم والأداء الجيد للعملات عالية المخاطر، وهبط الدولار الكندي والكرونة النرويجية أربعة بالمئة أمام الين منذ بداية 2014 وسجلت العملتان أداء دون المستوى رغم صعود أسعار النفط التي زادت ثلاثة بالمئة.

وقال مارك مكورميك الخبير لدى كريدي أجريكول إن العملات المرتبطة بدورة النمو وتجارة السلع الأولية مثل الدولار النيوزيلندي والأسترالي والكندي والكرونة النرويجية كانت في الماضي أكبر المستفيدين من الزيادة المستدامة في أسعار النفط، وقال محللون إن ارتفاع أسعار النفط ليس ضارا دائما بالاقتصادات أو الأسواق المالية، فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي قويا بالفعل فإن زيادة الطلب على الطاقة وارتفاع أسواق الأسهم والعملات المرتبطة بالنمو يمكنهم التعايش بسلاسة، وقال جيرمي هيل خبير الاقتصاد الكلي لدى سيتي "عندما تكون أسعار النفط ناجمة عن نقص في الإمدادات فإن انخفاض الكميات وارتفاع الأسعار يضران بالنشاط الاقتصادي، في الحقيقة ارتبط كل ركود اقتصادي في الولايات المتحدة منذ منتصف السبعينيات بارتفاع أسعار النفط عدا في مرة واحدة".

السحب من الاحتياطيات

الى ذلك قال مسؤولون بقطاع النفط ومحللون إن طاقة إنتاج النفط غير المستغلة في العالم قد لا تكفي لتغطية توقف كبير آخر مما يزيد فرص لجوء الحكومات إلى السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية في حالة تعطل صادرات الخام من جنوب العراق، وتتزامن الاضطرابات في العراق مع فقدان شبه كامل للمعروض الليبي والعقوبات الغربية على إيران والصراع في سوريا وهو ما يحجب حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا (أو أكثر من 3 بالمئة من الطلب العالمي) عن السوق، وساعدت زيادة الإمدادات السعودية وطفرة النفط الصخري الأمريكي في سد الفجوات لكن من شأن أزمة جديدة أن تعمق الاعتماد على السعوديين الذين يملكون وحدهم طاقة إنتاجية غير مستغلة كبيرة.

واجتاح مسلحون متشددون مدينة الموصل بشمال العراق في يونيو حزيران مما زاد بواعث القلق من تعطل الصادرات من ثاني أكبر منتج للخام في أوبك لكن حتى الآن لم تتأثر شحنات جنوب العراق، وقالت وكالة الطاقة الدولية في يونيو حزيران إن طاقة الإنتاج العالمية غير المستغلة تبلغ 3.3 مليون برميل يوميا، وينتج العراق حوالي 3.3 مليون برميل يوميا ويصدر نحو 2.5 مليون برميل يوميا من موانيه الجنوبية حول البصرة، وقال أوليفر جاكوب المحلل لدى بتروماتركس "إذا حدث تعطل كبير آخر فستخضع الطاقة غير المستغلة لاختبار حقيقي، الرد على تعطل كبير سيأتي من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي وليس الطاقة الفائضة".

والاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة والاحتياطيات المماثلة لدول صناعية أخرى من خلال عضويتها في وكالة الطاقة الدولية هما الملاذ الأخير للبلدان المستهلكة في حالة تعطل الإمدادات، وقد يشجع تعطل كبير آخر الغرب على تخفيف الرقابة الصارمة على صادرات النفط الإيرانية المنخفضة بفعل العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي لطهران، والمرة السابقة التي سحبت فيها الدول من الاحتياطيات الاستراتيجية كانت في 2011 أثناء الصراع الليبي، وتملك الصين (وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة وليست عضوا في وكالة الطاقة الدولية) مخزونات هي الأخرى. بحسب رويترز.

وقال مسؤول حكومي سابق ارتبط عمله بالاحتياطيات الاستراتيجية ويعمل حاليا بشركة نفطية "من شأن ضربة كبيرة في البصرة أو محيطها أن تدفع الأسعار للارتفاع بقوة في المدى القصير ومن المرجح أن تفضي إلى الإفراج عن كميات من الخام من مخزونات وكالة الطاقة والاحتياطي الاستراتيجي"، ويقول المسؤولون العراقيون إن حقول النفط الجنوبية التي تضخ معظم صادرات البلاد من النفط آمنة، ويقول عبد الله البدري الأمين العام لاوبك إن المنظمة مستعدة لضخ كميات إضافية من النفط إذا اقتضت الحاجة.

ومن اجمالي الطاقة العالمية الفائضة البالغة 3.3 مليون برميل وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية توجد حوالي 2.65 مليون برميل يوميا منها في السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وأعاد مسؤول سعودي التأكيد على استعداد المملكة لتعويض أي نقص، وقال المسؤول "السعودية لديها القدرة على إنتاج ما يصل إلى 12.5 مليون برميل يوميا إذا طلب العملاء ذلك، موارد النفط ومنشآت الإنتاج والإدارة جميعها تدعم هذا"، لكن البعض في القطاع يتساءلون عن مدى استدامة الإنتاج بالطاقة الكاملة البالغة 12.5 مليون برميل يوميا، ولم يسبق أن رفعت المملكة الإنتاج إلى هذا الحد ومن المعتقد أن أعلى مستوى لامسته على الإطلاق كان 10.1 مليون برميل يوميا في 2013.

وقال ديفيد ويش من جيه.بي.سي إنرجي "قد تكون السعودية قادرة من الناحية الفنية على توريد نحو 12.5 مليون برميل يوميا لكن من المرجح أنها لا تستطيع على الارجح ان تفعل ذلك إلا بالسحب من المخزونات أي لفترة محدودة"، ونتيجة لذلك قد تكون الطاقة الفائضة المتاحة بالفعل أقل من التقديرات الرسمية لوكالة الطاقة الدولية، ويمكن أيضا زيادة المعروض في المدى القصير عن طريق رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي حسبما يرى محللون من بينهم جاكوب، لكن لا يوجد حتى الان ما يشير الي حدوث ذلك.

ولذلك فان من حسن الحظ أن إنتاج النفط من جنوب العراق لم يتأثر حتى الآن، ونزل خام برنت عن 113 دولارا للبرميل من أعلى مستوى في تسعة أشهر البالغ 115.71 دولار الذي سجله في 19 يونيو حزيران مع انحسار توقعات المتعاملين لحدوث تعطل في الامدادات، وقال إيوجين فاينبرج المحلل لدى كومرتس بنك في فرانكفورت "ما لم يتعرض إنتاج النفط العراقي لتعطيلات ملموسة (وهو ما نتوقعه) فسيصحح سعر برنت معظم ارتفاعه في الفترة الأخيرة.

تراجع إنتاج نفط أوبك

فيما أظهر مسح لإنتاج منظمة أوبك من النفط تراجع في يونيو حزيران من أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر الذي سجله في مايو أيار حيث تسبب الصراع الدائر في العراق في إغلاق أكبر مصفاة في البلاد في حين تسببت مشكلات فنية في تباطؤ الصادرات من الجنوب، ويظهر الهبوط الطفيف مدى تأثير الاضطرابات والانقطاعات في الشرق الأوسط وافريقيا على إمدادات أوبك بعدما سلطت وكالة الطاقة الدولية الضوء على تنامي الحاجة لنفط أوبك في الفترة المتبقية من العام، وبلغت إمدادات المنظمة 29.93 مليون برميل يوميا في المتوسط انخفاضا من 30 مليون برميل يوميا في مايو أيار بحسب المسح الذي استند إلى بيانات ملاحية ومعلومات من مصادر في شركات نفطية وفي أوبك ومن مستشارين.

ويضع هذا التراجع إنتاج أوبك دون المعدل المستهدف للمنظمة البالغ 30 مليون برميل يوميا والذي أقره وزراء النفط في اجتماعهم في فيينا يوم 11 يونيو حزيران للفترة المتبقية من 2014، وتضخ أوبك ثلث إمدادات النفط العالمية، وفي يونيو حزيران هبط الإنتاج في العراق وإيران بالتزامن مع زيادة متواضعة من السعودية أكبر مصدر للخام في العالم وزيادات بسيطة من دول أخرى في المنظمة، وجاء أكبر انخفاض من العراق حيث تراجع الإنتاج 170 ألف برميل يوميا بحسب المسح، وانخفض الاستهلاك المحلي للخام بسبب غلق مصفاة بيجي التي تعرضت لهجمات.

وتراجعت صادرات جنوب العراق، واستقرت الشحنات في الأسابيع الثلاثة الأولى من يونيو حزيران لكنها تباطأت إلى 2.43 مليون برميل يوميا على مدى الشهر بأكمله بسبب مشاكل فنية وذلك من 2.58 مليون برميل يوميا في مايو أيار، وتقول مصادر ملاحية إن هناك إصلاحات بمنصة تحميل في مرافئ جنوب العراق وأعمال صيانة برصيف في مرفأ البصرة النفطي، وحد بيع ثلاث شحنات من خام كردستان رغم اعتراض الحكومة المركزية من تراجع الصادرات العراقية التي سجلت مستوى قياسيا مرتفعا في فبراير شباط بلغ 2.8 مليون برميل يوميا. بحسب رويترز.

وتراجعت صادرات الخام الإيرانية في يونيو حزيران بعد ارتفاعها في مايو أيار، وكانت إمدادات أوبك تعززت بفعل ارتفاع صادرات إيران منذ أواخر 2013 إثر تخفيف العقوبات الغربية المتعلقة بالبرنامج النووي لطهران، وشهد المعروض النيجيري تراجعا طفيفا، كانت جداول التصدير تشير إلى تغير طفيف لكن رويال داتش شل أعلنت حالة القوة القاهرة في حقول لإجراء إصلاحات، وأجرت السعودية زيادة متواضعة فحسب في الإمدادات لأسباب منها ما قالت مصادر بالصناعة إنه تنامي الطلب على الخام من محطات الكهرباء المحلية، وزاد إنتاج الإمارات العربية المتحدة أيضا، وزادت إمدادات ليبيا 30 ألف برميل يوميا إلى متوسط شهري قدره 220 ألف برميل يوميا حسبما أظهر المسح، ومازال الإنتاج أقل بكثير من الطاقة القصوى بسبب الإضرابات والاحتجاجات.

فيما قال مسؤول نفطي سعودي إن المملكة ملتزمة بإمداد السوق بنفط إضافي لتلبية أي ارتفاع في الطلب أو إذا تعثرت إمدادات الخام، وأبلغ المسؤول أن المملكة التي تنتج حاليا نحو 9.7 مليون برميل يوميا لديها القدرة على ضخ النفط بكامل طاقتها البالغة 12.5 مليون برميل يوميا، وأضاف "السعودية لديها القدرة على إنتاج ما يصل إلى 12.5 مليون برميل يوميا إذ طلب العملاء ذلك، وموارد النفط ومنشآت الإنتاج والإدارة جميعها تدعم القيام بذلك"، وتابع "إذا ارتفع الطلب أو تعثرت الإمدادات ستزود السعودية السوق بالإمدادات، ستواصل السعودية العمل على ضمان توازن سوق النفط العالمية، فقد فعلت المملكة ذلك من قبل وستستمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/تموز/2014 - 7/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م