أخلاقيات التغيير.. التقوى خير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: التَّقْوَى هي الخشيةُ والخوف، وهي الحفظ والصيانة والمحافظة على الشيء، وتَقَوى اللهِ هي  خشيتُه وامتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه.

وفي مفردات القرآن للراغب الاصفهاني: "الوقاية حفظ الشيء ممّا يؤذيه، والتقوى جعل الشيء في وقاية ممّا يخاف من تحقيقه... وصار معنى التقوى في عرف الشرع حفظ النفس ممّا يوجب الإثم، وذلك بترك المحظور".

وردت كلمة التقوى في القران الكريم في اكثر من مورد، وفي روايات اهل البيت (عليهم السلام) وكذلك في نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهناك خطبة طويلة فيه تدعى "خطبة المتقين".

الانسان رهين افعاله واقواله، بالصالح منهما يثاب، وبالطالح يعاقب. وتلك هي سنة الله في خلقه.

الطريق الى الآخرة، لا يقطعه الإنسان بسهولة مهما حاول ذلك، فالكثير من العقبات والموانع تقف في ذلك الطريق، وهي تأخذ اشكالا متعددة، كالشهوات والرغبات والغضب والتفاخر والانانية واقتراف المحرمات وغير ذلك.

وعورة تلك الطريق لم يترك الله سبحانه وتعالى خلقه دون توجيه الى ما يقودهم فيها، وما يجعلهم يقطعونها بسهولة، لكنها سهولة قد تلامس الصعوبة الكبيرة، اذا لم تكن لدى الانسان رغبة حقيقية في اجتياز الطريق والوصول الى نهايته.

يواصل المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتابه (نهج الشيعة، تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) سياحته في نصوص تلك الرسالة، يصطحبنا معه في رؤية مايختفي خلف تلك الكلمات، من خلال تسليط الضوء على معانيها ودلالاتها.

ففي قوله عليه السلام: (فاتقوا الله وكفوا السنتكم الا من خير). يرى السيد صادق الشيرازي ان  (التقوى ماخوذة من الوقاية بمعنى التزام الحيطة والحذر). وهي حيطة وحذر مطلوبان من الانسان في سيره على الطريق الى الاخرة، وهو ليس بالطريق السهل لان سهولة الطريق لا تقتضي من السائر فيه الحاجة الى الاحتياط والحذر، بل (من يمشي في طريق وعرة او يقود سيارة في شارع مزدحم فيلزمه الاحتياط والوقاية، لانه لو غفل قليلا لعرض نفسه وغيره للمخاطر).

ما يحتاجه الإنسان في الطريق الى الاخرة، وهو صعب شديد الوعورة، ما يحتاجه هو التقوى، للوصول الى مجالسة الأنبياء في الاخرة نتيجة العمل الصالح، كما يشير السيد المرجع الشيرازي، حول الهدف من خلق البشر، وهو (ان يصبحوا جلساء الانبياء في الاخرة).

الوصول الى مرتبة المجالسة، يتطلب (همة عالية وحذرا واحتياطا شديدين، لا تتأتى دون التحلي بالتقوى وترسيخ النواحي المعنوية في وجود الإنسان).

التقوى ليست بالمسألة الهينة، وحيازتها لها مراتب خاصة، انها كالاجتهاد عند السيد المرجع الشيرازي، الذي يبذل فيه المتعلمون الكثير من الجهد للوصول الى مراتبه العليا، (الا ان القلة القليلة منهم يحققون اهدافهم، والنزر اليسير من المجتهدين يبلغ مقام الاعلمية، والله اعلم بعقبات وموانع الوصول الى مرتبة الاعلمية).

ومثل الادعاء بالعلم والمعرفة، ومثل وجود المدعين في حقوله، فان التقوى وحسب السيد المرجع الشيرازي، (كلمة يمكن التفوه بها او كتابتها بسهولة، وهي قابلة للادعاء)، لكنه ادعاء لايقوم على حجة او برهان، ويتخلله الجهل المركب في نفس صاحبه مثل كل الامور الواقعة في حياته.

وجه اخر للشبه بين التقوى وبين الاجتهاد وتحصيله، وهو الرغبة الشديدة لدى الكثيرين من الناس في تحصيل العلوم والاجتهاد فيها، هناك ايضا الكثيرين من الناس من (يرغبون بتحقيق التقوى في انفسهم غير ان القليل منهم يسعون الى ذلك، ومن هذه القلة قلة توفق في الحصول عليها، لان معظم الراغبين بالتقوى والعازمين على تحصيلها يجهلون عمليا طبيعة الموانع والعقبات التي تقف في طريقهم، وما هي المشاكل التي ستواجههم).

الرغبة في الشيء تختلف عن السعي للحصول عليه، فالرغبة حلم او تمني لا يبرح مكانه، على العكس من السعي فيه ولاجله، والذي يستطيع تجسيد تلك الرغبة والحلم والتمني مثالا متحققا على ارض الواقع.

لا تقف التقوى عند تحققها للوهلة الاولى في ذهن الانسان وهو يمارس حياته مراقبا سلوكه، انها باعتباره حالة متواصلة وحثيثة تتطلب الديمومة، فانها تكون بحاجة الى التعلم المستمر والوعي الذي يترقى معها في كل خطوة، لتمنع الانسان من السقوط حين غفلة في مطبات عديدة، (كأن يمارس الموبقة متخيلا انها الصلاح، او يهجر الصلاح ظانا انه الموبقة).

التقوى قوّة معنوية روحية، تحصل على أثر التمرين والممارسة، ولها آثار ونتائج، منها تيسير الحذر من الذنوب.

من أهم اثار التقوى، يمكن تحديد اثرين هما: البصيرة النيّرة والرؤية الواضحة - القدرة على حل المشاكل والخروج عن المضائق والشدائد.

أنّ التقوى الحقيقية إنّما هي تلك الروح القويّة المقدّسة الرفيعة الّتي تحافظ على الإنسان وتقيه، وعلى المرء أن يسعى جهده لبلوغ تلك الحقيقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/تموز/2014 - 7/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م