اتحاد القارة العجوز.. تناقض المصالح يمهد لتفكك وشيك

 

شبكة النبأ: دول الاتحاد الاوربي التي تعاني جملة من التحديات والمشكلات الاقتصادية التي افرزتها الازمة العالمية، تواجه اليوم وبحسب بعض المراقبين ازمة جديدة ربما ستكون سببا في تفكك هذا الاتحاد، خاصة بعد الخلافات التي نشبت بين قادة الدول الأوروبية على خلفية منصب رئيس المفوضية الأوروبية الجديد الذي تعارض بريطانيا، والتي يرجح بعض المراقبين احتمال خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبحسب بعض التسريبات الاعلامية فقد أعلن مسؤول كبير في حزب المحافظين الحاكم أن أكثر من 150 من أعضاء البرلمان البريطاني عن الحزب يؤيدون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما شكل صدمة لدى الكثير من البريطانيين.

وتتخوف الأوساط الاقتصادية في بريطانيا وفي أوروبا عموماً من فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث ترتبط دول أوروبا باتحاد جمركي يضمن إزالة العوائق أمام حركة البضائع والتبادل التجاري، والاتحاد الجمركي يضم غالبية دول الاتحاد سواء تلك المندرجة ضمن منطقة "اليورو" أو الموجودة خارج المنطقة. وتشير الأرقام والاحصاءات الرسمية في بريطانيا الى أن الاتحاد الأوروبي يمثل بالفعل سوقاً بالغ الأهمية للمملكة المتحدة.

وتظهر التطورات التي يشهده اتحاد أوربا خلال المدة الاخيرة زيادة التوترات والصراعات السياسية بين مسؤولي وقادة دول الاتحاد بحيث تضفي تحديات صعبة تتسم بالتوتر والاضطراب السياسية والاقتصادية وهذا الامر من شأنه ان يضعف اتحاد القارة العجوز مما سيضعه خيارات صعبة وبدائل حالمة.

يونكر لرئاسة المفوضية

وفي هذا الشأن فقد اختار القادة الاوروبيون رئيس وزراء لوكسمبورغ السابق جان كلود يونكر لتولي رئاسة المفوضية الاوروبية رغم المعارضة الشديدة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وحصل يونكر مرشح الحزب الشعبي الاوروبي (يمين الوسط) الذي جاء في الطليعة في الانتخابات الاوروبية، على تأييد 26 من رؤساء الدول والحكومات الاوروبية وعارضه اثنان فقط هما كاميرون ورئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان. وقال يونكر بعد التصويت ان اختياره "مصدر فخر وشرف" له.

ويفترض ان يحصل يونكر (59 عاما) الذي يعمل في السياسة الاوروبية منذ فترة طويلة ويؤيد الفدرالية، على الاصوات ال376 الضرورية لانتخابه، من اصل 751 صوتا. وسيتولى يونكر بذلك اعلى منصب في مؤسسات الاتحاد الاوروبي ويكلف بصفته هذه اقتراح التشريعات وتطبيقها. وهذا بالتحديد سبب معارضة كاميرون الشديدة لتعيينه على رأس المفوضية. وقال انه "الشخص غير المناسب" وتعيينه "يوم قاتم لاوروبا". واوضح رئيس الوزراء البريطاني ان يونكر "كان طيلة حياته في قلب المشروع الاوروبي لزيادة صلاحيات بروكسل (المفوضية الاوروبية) والحد من صلاحيات الدول".

وبمعزل عن موقفه من تعيين يونكر، ذكر كاميرون بمعارضته "المبدئية" ل"تخلي" القادة الاوروبيين عن صلاحية اختيار رئيس المفوضية، معتبرا ان "ذلك يمكن ان يضعف الحكومات والبرلمانات الوطنية ويمنح صلاحيات جديدة للبرلمان الاوروبي". ورأت الصحف البريطانية ان بريطانيا اصبحت قريبة من الخروج من الاتحاد الاوروبي، لكنها بدت منقسمة بشأن تحميل كاميرون او بروكسل مسؤولية جعل اقناع البريطانيين في البقاء في الاتحاد الاوروبي اكثر صعوبة في حال اجري استفتاء في تعهد رئيس الوزراء باجرائه في 2017 اذا اعيد انتخابه العام المقبل.

وكتبت صحيفة ديلي ميل المشككة في جدوى الوحدة الاوروبية ان "كاميرون الخاسر هو روني اوروبا"، في اشارة الى واين روني مهاجم فريق مانشستر يونايتد لكرة القدم الذي لم يتمكن منتخبه من الانتقال الى الدور الثاني في مباريات المونديال التي تجري حاليا في البرازيل. اما "اندبندنت"، فقد تحدثت عن "هزيمة وكارثة". وقالت ان "هذه العزلة الرائعة ليست الطريقة المناسبة للاقناع بالحجج في الاتحاد الاوروبي".

لكن "تايمز" قالت في عمود على صفحتها الاولى ان "تعيين جان كلود يونكر امر سيء للاتحاد الاوروبي وديفيد كاميرون كان محقا في معارضة ذلك حتى النهاية"، معتبرة انه "عزز موقف بريطانيا بمعارضته الحازمة كما عزز فرصه في الفوز في الانتخابات العامة في بريطانيا العام المقبل". وحملت "ذي تلغراف" بشدة على الاتحاد الاوروبي معتبرة انه كان عليه العمل على اقناع بريطانيا بالبقاء في هذا التكتل. وكتبت "اذا كان الاتحاد الاوروبي يريد اخراج بريطانيا فالطريقة المثلى هي تعيين جان كلود يونكر".

وعلى الرغم من تحفظات كثيرة اعربوا عنها في بادئ الامر، الا ان جميع القادة الاوروبيين سواء من اليمين او من اليسار وبينهم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل عبروا عن تأييدهم له الواحد تلو الاخر. وقالت ميركل ان "هذا القرار يسمح بتعيين رئيس للمفوضية يملك تجربة اوروبية كبيرة وسيعرف كيف يصغي لطلبات الدول الاعضاء والبرلمان".

الا ان رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي قال ان طريقة اختيار رئيس السلطة التنفيذية الاوروبية يمكن ان تخضع للمراجعة في المستقبل. وقال مصدر اوروبي انه بانتظار قمة غير رسمية ستعقد في بروكسل للبت في مناصب اساسية اخرى في الاتحاد، وخصوصا رئيس المجلس ووزير الخارجية، قرر فان رومبوي ان يتم اختيار هذين المسؤولين باجماع الدول ال28.

وهي طريقة لاعطاء ضمانات لبريطانيا التي يمكن ان تحصل على منصب من الصف الاول في المؤسسات الاوروبية المقبلة. من جهته، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه سيطالب بمنصب نائب رئيس المفوضية لفرنسا.

وسعى عدد من القادة الاوروبيين الى التخفيف من وطأة الحديث عن خروج بريطانيا من الاتحاد. فقد اكد رئيس الوزراء الفنلندي المحافظ الكسندر ستوب "علينا ان نمد الجسر"، في محاولة للتخفيف من التهديد، داعيا الى تحرير الاقتصاد بينما قالت ميركل "لدينا مصلحة كبرى في بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وسا واصل العمل بهذه العقلية". بحسب فرانس برس.

واقرت القمة ايضا استراتيجية للسنوات الخمس المقبلة بشكل خارطة طريق للمفوضية تتضمن في جزء كبير منها مطالب للقادة الاشتراكيين الديموقراطيين الذين يقودهم هولاند ونجمهم الصاعد ماتيو رينزي. وتنص الخطة على مراجعة سياسة الهجرة على حدود الاتحاد الاوروبي وسياسته في مجال الطاقة والمناخ، لكنها تركز ايضا على انعاش النمو الاقتصادي بتأكيدها على استخدام اكثر ليونة لميثاق الاستقرار الذي يحكم هامش الميزانية في كل بلد.

التفاوض والمساومة

على صعيد متصل فـ" جان كلود يونكر" عضو الحزب المسيحي الديموقراطي الذي عين رئيسا للمفوضية الاوروبية هو سياسي اوروبي متمرس يؤيد وحدة اوروبا ويرفض الاعفاءات العديدة التي يطالب بها البريطانيون. وشدد رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرنسوا بيار موسكوفيسي على ان يونكر "يعرف كل شيء ويعرف الجميع". فيونكر كان رئيسا لوزراء لوكسمبروغ طيلة 19 عاما (1995-2013) وعليه فقد تعرف الى كل القادة الاوروبيين منذ فرنسوا ميتران وهلموت كول.

وعايش يونكر التحول الكبير للاتحاد وفشل المعاهدة التأسيسية في 2005 وبدء تطبيق معاهدة لشبونة بعد اربع سنوات واعتماد العملة الموحدة ثم ازمة الديون وانقاذ اليورو وهي مهمة كرس لها جهودا كبيرا على راس مجموعة يوروغروب. ولد يونكر في التاسع من كانون الاول/ديسمبر 1954 في لوكسمبروغ البلد الصغير بين فرنسا والمانيا واحدى الدول الست المؤسسة للاتحاد الاوروبي.

ويونكر معتاد على التحالفات مع الاشتراكيين الذين شاركهم في الحكم بشكل شبه دائم كما انه ابدى مهارة كبيرة في التفاوض والمساومة. وقال موسكوفيسي "لديه الخبرة بحسناتها وسيئاتها ويمكنه التوفيق بين اليمين الاجتماعي واليسار الاشتراكي الديموقراطي كما انه من ثقافة مزدوجة: فرنسية والمانية".

في المقابل، ندد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي شن حملة ضد ترشيح يونكر بانه "رجل من الماضي... لم يترشح لاي منصب ولم ينتخبه احد". كما اتهمه بانه "الشخص غير المناسب" لتولي رئاسة المفوضية الاوروبية. بدورها لم تتردد الصحف البريطانية في شن حملة ضد هذا المدخن والذي اتهمته ايضا بالميل المفرط الى شرب الكحول. وبعض صحف الاثارة نعتت والده الذي تم تجنيده رغم ارادته في القوات النازية بانه "نازي". واستنكر يونكر هذا الهجوم "المقزز" الذي آلمه الى حد كبير.

وبدا يونكر في مطلع الحملة لرئاسة المفوضية الاوروبية وكانه المرشح الوحيد واهتمامه اكثر في رئاسة مجلس اوروبا التي خسرها في 2009 منه بالمفوضية ووتيرة العمل الحثيثة فيها. وغالبا ما بدا يونكر الذي سيبلغ الستين بحلول نهاية العام، متعبا خلال الحملة ويواجه صعوبات في بث الحماس في خطاباته المتفق عليها.

وطيلة سنوات كان يعرف بحس الفكاهة اللاذع احيانا وبصراحته المباشرة التي لم يتردد في استخدامها ضد دول كبرى فقد رفض ان تملي فرنسا والمانيا شروطهما على سائر دول الاتحاد كما ذكر باريس بضرورة الوفاء بالتزاماتها لجهة العجز وطالب برلين بابداء تضامن اكبر مع الدول التي تمر بازمات.

ووجه يونكر في حزيران/يونيو 2005 انتقادا لاذعا "للمصالح الخسيسة والدنيئة" التي تخفيها المعارضة البريطانية لمشروع اقامة دولة مهيمنة اوروبيا. ويعتبر خطابه هذا امام البرلمان الاوروبي هجوما لاذعا معاديا لبريطانيا. لكن يونكر يتقن في الوقت نفسه فن المراوغة ويعرف كيف يتهرب من اسئلة الصحافيين. وركز يونكر خصوصا على تعزيز البناء الاوروبي مع رؤية وحدوية كانت وراء منحه في العام 2006 جائزة شارلمان المرموقة للوحدة الاوروبية.

الا ان هذا السياسي المحنك الذي يعرف كل الخبايا، عرف كيف يوفق بين مثاليته مع حس قوي بالواقع خصوصا لخدمة مصالح بلده الذي دافع لفترة طويلة وبحماس عن ابقاء السرية المصرفية فيها. وقال يونكر "بالنسبة الي اوروبا خليط من الاعمال الملموسة والمعتقدات القوية"، مضيفا ان "العقائد القوية لا تؤدي الى شيء ما لم ترفق بالبراغماتية". بحسب فرانس برس.

ولطالما دافع يونكر عن ضرورة اعطاء حيز اكبر للبعد الاجتماعي. وعليه فقد ساهم عندما كان على راس مجموعة يوروغروب (حتى كانون الثاني/يناير 2013) في اعداد وتطبيق سياسات التقشف التي نسبت لاحقا الى المفوضية الاوروبية. وبعد اتهامه بالاهمال ازاء تجاوزات الاستخبارات في لوكسمبورغ، اقيل من رئاسة الحكومة في اواخر 2013. وتعهد انذاك بتكريس جهوده لشؤون بلاده وذلك ردا على الاتهامات انذاك بانه اهملها لصالح اوروبا.

السياسة أكبر خطر

وفي هذا الشأن ومع تحسن سوق السندات من جديد وعودة النمو الاقتصادي ببطء رغم تباينه من دولة لأخرى في منطقة اليورو أصبحت السياسة لا الاقتصاد تمثل الخطر الأكبر على قدرة العملة الأوروبية الموحدة على البقاء. فالأصوات المناهضة للوحدة الأوروبية في انتخابات البرلمان الاوروبي في ستزيد من الصعوبات التي تواجهها الكثير من الحكومات في مواصلة السعي لخفض العجز وتنفيذ اصلاحات اقتصادية هيكلية أو تعميق التكامل بين دول منطقة اليورو البالغ عددها 18 دولة.

وفي ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا ربما تجعل المعارضة الشعبية من المستحيل على البنك المركزي الاوروبي أن يتجاوز ما أعلن من تدابير تهدف للتيسير النقدي وينفذ عمليات أكثر جرأة مثل شراء الأوراق المالية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة إذا استمر التضخم منخفضا أو ازداد سوءا. وتحجم برلين عن استخدام وضعها المالي القوي للاستثمار على نحو أكبر في البنية الأساسية أو حفز الطلب المحلي بتخفيضات ضريبية يمكن أن تسهم في موازنة التعديل الاقتصادي في أوروبا.

وقد بذل قادة الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي جهودا كبيرة لاستعادة ثقة الأسواق مرحليا بتزويد منطقة اليورو بصندوق للانقاذ المالي وتشديد قواعد الانضباط المالي وتوحيد جهة الإشراف المصرفي. لكن الارادة السياسية لاستكمال الوحدة الاقتصادية والنقدية تبدو أضعف لاسيما إذا تطلب الامر الحصول على موافقة شعبية على تغييرات للمعاهدات الأساسية للاتحاد الأوروبي.

وفي كتاب نشر قبل الانتخابات بعنوان "أزمة اليورو وآثارها" جادل الاقتصادي الفرنسي جان بيساني فيري بأن القادة الأوروبيين رفضوا منح بروكسل المزيد من السلطات وسعوا لتجنب الجدل بشأن تعميق التكامل الأوروبي. وكتب يقول "ثبت أن التصدي لأزمة اليورو كان مثيرا للخلاف على المستوى الداخلي. كلما قل أخذهم بزمام المبادرة قلت مجازفتهم بمشاكل سياسية على المستوى المحلي."

والآن بعد أن انقضى وقت الحاجة الشديدة للتحرك العملي سيؤدي ارتفاع التأييد للمتشككين في الوحدة الأوروبية والأحزاب المناهضة للمؤسسة الأوروبية في الانتخابات التي جرت إلى تعزيز هذا القصور الذاتي. حتى المنتقدين الذين تنبأوا بأن منطقة اليورو قد تتفتت مثل الاقتصادي الأمريكي نوريل روبيني يسلمون بأن الكثير قد تحسن في العامين الأخيرين. وقال في مؤتمر صحفي بمؤسسة موريس آليه فاونديشن في باريس "من المؤكد أن أمورا كثيرة في منطقة اليورو تتحرك في الاتجاه الصحيح."

واستشهد في هذا الصدد بتحسن السياسات المالية واصلاحات أسواق العمل ومعاشات التقاعد ونظم الرعاية الاجتماعية وتحسن القدرات التنافسية من حيث التكاليف في عدد من الدول. وقد استعادت دول حصلت على مساعدات لاقالتها من عثرتها قدرتها على الحصول على تمويل من الأسواق بالكامل باستثناء اليونان وقبرص. بل إن أثينا أصدرت سندات خمسية للمرة الاولى. ومع عودة المستثمرين إلى أوروبا أصبحت عوائد السندات الحكومية الاسبانية لأجل عشر سنوات مساوية تقريبا الان لنظيراتها في الولايات المتحدة وبريطانيا بعد ثلاث سنوات من احتياج مدريد لخطة انقاذ أوروبية قيمتها 58.7 مليار دولار لاعادة هيكلة بنوكها.

وكانت أربعة من الدول التي تلقت مساعدات هي اليونان وايرلندا والبرتغال وأسبانيا بين الدول الخمس التي تصدرت قائمة تحسن القدرة التنافسية في أحدث تقرير بعنوان "الاتجاه للنمو" أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وحققت الدول كلها خفضا كبيرا في تكاليف تشغيل الأيدي العاملة وقضت على العجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية وقلصت أجور القطاع العام وأحرزت تقدما في موازنة ميزانياتها.

أما النقطة السوداء العملاقة فتكمن في البطالة التي لا تزال أعلى من 25 في المئة في أسبانيا واليونان وأكثر من نصف الشباب. كذلك فإن هذه الدول كلها تخرج من أزمة محملة بأثقال أكبر من الديون رغم أن ثقل خدمة الدين يخفف منه تأجيل طويل قبل أن تضطر الدول لسداد القروض لصندق الانقاذ الأوروبي بل ومن المرجح أن يتم تمديد الأجل من جديد لليونان.

لكن المتفائلين من مسؤولي الاتحاد الاوروبي يقولون إن الدول التي تلقت مساعدات للتغلب على أزمات في منطقة اليورو ستكون أكثر دينامية من غيرها في السنوات المقبلة بالمقارنة مع نجاح الدواء المر الذي تجرعته كوريا الجنوبية واندونيسيا بعد الأزمة المالية الاسيوية في التسعينات. ويتحول التركيز الآن إلى فرنسا وايطاليا ثاني وثالث أكبر اقتصادين في منطقة اليورو. وقد طبق البلدان إصلاحات أقل ولم يتطلب أي منهما خطة انقاذ.

وخالف رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي الاتجاه السائد في انتخابات البرلمان الاوروبي وفاز بتفويض قوي لمتابعة الاصلاحات في النظم السياسية وأسواق العمل. غير أنه مازال يواجه عقبات شديدة في ضوء عدم الاستقرار السياسي المتوطن في ايطاليا ومراكز القوي التي يمكنها عرقلته وضعف النظام القضائي.

ربما يكون التحدي الأكبر في فرنسا حيث أضعف فوز الجبهة الوطنية بزعامة مارين لو بان في الانتخابات الأوروبية الحكومة الاشتراكية للرئيس فرانسوا أولاند وهي تتأهب أخيرا لتخفيف الأعباء الضريبية والتنظيمية على الشركات. وربما يجد أولاند نفسه محروما من السلطة اللازمة لإجراء اصلاحات ضرورية لانعاش الاستثمارات وخلق الوظائف في فرنسا بسبب انخفاض شعبيته وهزائمه المتكررة في الانتخابات البلدية ثم الانتخابات الاوروبية.

كذلك فإن الضغوط الحمائية من القوميين المناهضين للوحدة الاوروبية في حزب لوبان واليسار بما في ذلك المتمردين في الحزب الاشتراكي قد تدفع باريس إلى عرقلة مفاوضات أوروبية أمريكية للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة. وقد أثارت المكاسب الانتخابية للأحزاب اليسارية المناهضة للتقشف في اليونان وإلى حد أقل في أسبانيا الضغوط لتقليل تخفيضات الإنفاق العام والاصلاحات الاقتصادية غير الشعبية. بحسب رويترز.

ويأمل رينتسي استخدام شهر العسل السياسي في وضع خطة أوروبية جديدة يتم فيها تكييف قواعد العجز في الميزانية للسماح بمزيد من الاستثمار العام في الدول التي تطبق اصلاحات هيكلية أوصى بها الاتحاد الأوروبي. لكن حتى إذا تمكن القادة الاوروبيون من الاتفاق على تعديل سياساتهم الاقتصادية بعض الشيء من التقشف إلى التوسع فإن التغييرات المطلوبة على مستوى المؤسسات لتدعيم الوحدة النقدية الاوروبي تبدو أصعب من ذي قبل من الناحية السياسية.

مظاهرات خجولة

على صعيد متصل خرج آلاف الشبان في المدن الفرنسية والعاصمة البلجيكية بروكسل في مظاهرات خجولة للتنديد بفوز أحزاب اليمين الفرنسي المتطرف بالانتخابات الأوروبية. فيما اتهم المشاركون الاتحاد الأوروبي بتمهيد الطريق أمام فوز الأحزاب المتطرفة بالسياسات الاقتصادية المتشددة التي يفرضها على دول الاتحاد.

ففي العاصمة باريس، تجمع أكثر من 4000 شاب حسب الشرطة في ساحة "الباستيل" ورفعوا شعارات مناهضة للحزب اليميني، منها " لوبان عودي إلى بلدك" و "نحن مع أوروبا" و"التصويت لصالح اليمين المتطرف أو المقاطعة هي حلول خاطئة" و"نحن كلنا أولاد مهاجرين"، كما قاموا بأداء النشيد الوطني الفرنسي. و هذه هي التظاهرة الأولى التي تنظم في العاصمة الفرنسية منذ فوز حزب لوبان في الانتخابات الأوروبية. ومن المتوقع أن تنظم تجمعات أخرى في المستقبل القريب.

وفي مدينة ليون، وهي ثالث كبرى المدن الفرنسية، تظاهر الآلاف من الشبان والطلبة رافعين شعارات مناهضة للعنصرية. وتجمع هؤلاء المتظاهرين أمام مقر بلدية المدينة وعلقوا على واجهتها لافتة كبيرة كتب عليها "نحن نحب فرنسا .لا لحزب الكراهية". نفس الشيء حدث أيضا في مرسيليا حيث نظم نحو 500 طالب مسيرة منددة "بحزب الجبهة الوطنية" المتشدد وأطلقوا هتافات مناهضة لمارين لوبان".

مسيرات مماثلة خرجت أيضا في مدن أخرى مثل روان وبوردو وستراسبورغ حيث مقر البرلمان الأوروبي ولم تنحصر هذه المسيرات في فرنسا فقط، بل تجاوزت حدودها لتصل إلى العاصمة البلجيكية بروكسل حيث تم تنظيم تجمع حاشد في ساحة "لوكسمبورغ" تنديدا بالندوة الصحفية التي نظمتها مارين لوبان مع ممثلي الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة الأخرى.

وشارك في هذا التجمع حوالي 1000 بلجيكي، نددوا خلاله بالسياسات الأوروبية الاقتصادية والمؤسسات المالية التي لم تأخذ بعين الاعتبار مشاكل المواطنين الأوروبيين اليومية، متهمين تلك السياسات بفرش بساط من الحرير لليمين المتطرف" في عدة دول من الاتحاد. ودعا المنظمون إلى المزيد من اليقظة والتصدي للسياسات غير الاجتماعية التي تفرضها المفوضية الأوروبية، فضلا عن وقف زحف " الفاشية" في أوروبا.

لكن وجب الإشارة أن رغم خروج الشبان الفرنسيين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم إزاء اليمين المتطرف، إلا أن أقل ما يقال إن التعبئة لم تكن قوية كما كان منتظرا. فالأعداد المشاركة كانت ضئيلة جدا مقارنة بالمسيرات التي نظمت عام 2002 عندما تأهل جان ماري لوبان إلى خوض غمار الانتخابات الرئاسية في الدورة الثانية ضد منافسه آنذاك جاك شيراك. ويذكر أن عدد المشاركين في تلك المسيرة تجاوز مليون ونصف مليون شخص عبر كل التراب الفرنسي، من بينهم نصف مليون في باريس وحدها.

وقد توالت ردود فعل المسؤولين السياسيين إثر فوز الجبهة الوطنية بالانتخابات الأوروبية في فرنسا. أبرزها تلك التي صرح بها وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر والذي قال: "إن التصويت الفرنسي لم يكن لحزب يميني بل لحزب فاشي وهذا يمثل للجميع في أوروبا وليس فقط لأصدقائنا الفرنسيين دعوة صارخة إلى النظر للواقع". بحسب فرانس برس.

من جهته، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى " التلاحم والدفاع عن مبادئ وقيم الجمهورية والديمقراطية. وقال هولاند :" "كيف نفسر هذه النتيجة (نتيجة الجبهة الوطنية المتطرف). إنها تحدي لكل ما يقام به على مستوى السياسة. إنها تعكس خوفا أمام العولمة وصعوبات الحياة، ولكن أخطر من ذلك التخلي عما تمثله فرنسا ونفوذها في العالم"

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تموز/2014 - 6/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م