العراق والباحثون عن المصالح بين حطام المعركة

 

شبكة النبأ: بعد التغيير الكبير في موازين القوى في ميدان المعركة بين الجيش العراقي وعناصر "داعش"، وبدء العد التنازلي لهذه الجماعة الإرهابية، وهزائمها في تكريت ومناطق أخرى، اتضحت – الى حدٍ ما- معالم الخطة المرسومة لمستقبل هذه الجماعة الإرهابية، وما ينتظرها من مصير أسود في العراق، ففي الوقت الذي يترقب العالم حجم ردود الافعال الامريكية إزاء ما يجري في العراق، فان الأنظار متجهة في العراق صوب قبة البرلمان وما سيتمخض عن مداولات وتجاذبات لتسمية الرئاسات الثلاث وإخراج العراق من الفراغ السياسي القاتل.

وقد كان أول أداء لممثلي الشعب في أول ساعة لهم تحت هذه القبة مخيبة للآمال بشكل مريع، عندما انشغلوا بالمهاترات والحرب الكلامية قبل التفكير بمصير الشعب الذي يواجه أخطر تحدي امني وسياسي منذ الاطاحة بنظام صدام. وكان حصيلة اول تجربة ظهور نوايا كتلة "متحدون" بزعامة أسامة النجيفي، بالحصول على "ضمانات" قبل المشاركة في التصويت على رئاسة البرلمان، الذي يفترض ان يكون من حصة المكوّن السنّي، مع ذلك، يرى المراقبون ان الاجواء لم تكن مؤاتية بالصورة المطلوبة مع طموحات النجيفي.

وعلى صعيد الميدان.. تسارعت وتيرة الاحداث، لتصنع مفاجآت لـ "داعش" ربما لم تتوقعها باستعادة العراق سلاحه الجوي الضارب بالاستعانة من روسيا وليس من الولايات المتحدة. فالوقت يمضي بسرعة فائقة على رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، فهو بأمس الحاجة الى انتصارات على الأرض لمواجهة التحدي السياسي والعسكري والأمني في آن واحد.

وهذا يعني بنظر المراقبين والمتابعين، أن المرحلة القادمة، هي تقسيم المكاسب والغنائم بين الأطراف الداخلية والخارجية، فطالما ألحّ رئيس الحكومة نوري المالكي على الامريكيين بتمكينه من سلاح الجو لتوجيه ضربات موجعة وحاسمة ضد "داعش"، بيد ان التباطؤ والتلكؤ جاء من واشنطن، حتى أن بعض المراقبين عزوا التأخير، الى طلب السعودية بالتريث لحين استنفاذ كل الخيارات المطروحة، والحفاظ على قوة وتماسك المكوّن السني في العراق.

وحسب مصادر امريكية فان (180) مستشاراً عسكرياً امريكياً متواجدين في العراق لتقديم الدعم والمساندة التقنية والفنية للقوات العراقية، مع احتمال تزايد هذا العدد، وقد تزامن هذا مع الاعلان عن بدء الطلعات الجوية للطائرات الامريكية المسلحة وغير المسلحة من دون طيار في مناطق القتال.

وفي خطٍ متوازٍ للعلاقات الاستراتيجية – العسكرية بين العراق وأمريكا، فان المصادر تؤكد وصول اول دفعة من مقاتلات روسية من طراز "سوخوي" الى العراق. جاء ذلك على لسان نوري المالكي الذي اكد في حديث تلفزيوني انه اشترى هذه الطائرات بعد تأخر وصول الطائرات الامريكية من طراز "اف 16".

وكان اول تصريح من موسكو لتثبيت الوجود في الساحة العراقية، مساندة الرئيس بوتين للمالكي في رفضه الطلب الامريكي بالتنحي عن الحكم. ونقلت المواقع الاخبارية الروسية عن وزير الخارجية سيرغي لافروف إن "روسيا تأمل في أن يعزز التعاون العسكري -التقني الروسي مع العراق، سيادة العراق وقدرته الدفاعية..".

ويرى المراقبون أن هنالك اتفاق غير مكتوب بين الروس والأميركيين لتصفية "داعش" في العراق، بعد استدراجهم من سوريا، وحسب المصادر المتطابقة فان هذه الجماعة حولت الى سوريا مبالغ كبيرة مسروقة من المصارف العراقية، ومعدات عسكرية مختلفة، منها ناقلة جند عراقية، أمريكية الصنع من طراز "همر"، حصلوا عليها بعد الهجوم على الموصل ومناطق اخرى، بعد ان تركها الجيش العراقي. وهذا ينطبق تماماً على القصف الجوي للطائرات السورية لمناطق حدودية بالقرب من مدينة القائم العراقية، وهي المرة الأولى التي تتدخل فيها سوريا بهذا الشكل الى جانب العراق لمقاتلة الجماعات الارهابية.

وكانت الرسالة الامريكية واضحة جداً الى "المعارضة السورية" عندما أبلغ وزير الخارجية جون كري زعيم هذه المعارضة على هامش زيارته الرياض مؤخراً، بأن "المعارضة السورية المعتدلة من شأنها ان تلعب دوراً في صد جماعة داعش..". وهذه اشارة واضحة على ان المعارضين في سوريا عليهم الانتباه الى الخطوط الحمر أمامهم وامام "داعش" على السواء، في العراق كما في سوريا ايضاً. وان عليهم الابتعاد عن ممارسات هذه الجماعة وعدم تأييدهم ومباركتهم لعملياتهم لاسيما تلك التي قاموا بها في العراق من سلب ونهب واعدامات بالجملة.

كل هذا يعد في نظر المراقبين وايضاً في نظر الساسة الممثلين للكون السني بان الرسالة الأمريكية باتت واضحة، وهي فك الارتباط عن "داعش" مقابل حل سياسي للأزمة في العراق، وهذا ما حصل مؤخراً في تكريت عندما استعادتها القوات العراقية دون وقوع معارك قوية على الأرض، مع ورود اخبار عن انسحاب عناصر "داعش" من المدينة الى مناطق شمال "صلاح الدين" وايضاً باتجاه صحراء الانبار.

وبين التحركات الامريكية – الروسية في الساحة العراقية، والتنافس المحموم على المكاسب، وبين حرص البعض في الداخل على التصيّد في الماء العكر والحصول على اكبر قدر ممكن من المكاسب في وقت الضعف والتراجع، يرى متابعون للوضع العراقي، ان اطرافاً عديدة قدمت رسالة غير ودية الى الشعب العراقي، بشكل غير مباشر، مفادها انها تحصل على المكاسب – أية مكاسب- ليس في ظروف طبيعية، حيث الامن والاستقرار والتعايش، إنما في ظروف الازمة والتوتر ومن خلال الدسائس والتآمر، كل ذلك يجعل الشعب العراقي يدفع ثمن تلك المكاسب بدماء احبائه ودمار حياته ومعيشته وحتى كرامته، والقضية ليست منحصرة في منطقة معينة في العراق، بل ملاحظة الظاهرة المقيتة في اكثر من مدينة عراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تموز/2014 - 4/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م